پیامرسان های موسسه آوای توحید

 

  ایتا (اعلانات مدرسه)

 

  آپارات

 

  ایتا

 

  تلگرام

تاریخ انتشار: 1400/08/12    
عيون مسائل النفس

إن أول الادراكات  على الاطلاق و أوضحها هو ادراك  الانسان نفسه , فليفرض واحد منا أنه خلق كاملا دفعة فى هواء طلق لا يدرك  شيئا من أعضائه و الخارج عنه , فهو حينئذ لا يغفل عن ذاته و قد غفل عن غيرها . و أيضا انت  لا تغفل عن ذاتك  أبدا , و ما من جزء من أجزاء بدنك  إلا و تنساه أحيانا , فانت  انت  .

نام كتاب :عيون مسائل النفس

بسم الله الرحمن الرحيم

إن أول الادراكات  على الاطلاق و أوضحها هو ادراك  الانسان نفسه , فليفرض واحد منا أنه خلق كاملا دفعة فى هواء طلق لا يدرك  شيئا من أعضائه و الخارج عنه , فهو حينئذ لا يغفل عن ذاته و قد غفل عن غيرها . و أيضا انت  لا تغفل عن ذاتك  أبدا , و ما من جزء من أجزاء بدنك  إلا و تنساه أحيانا , فانت  انت  .

 

د - عين فى آراء القوم فى النفس :

قد عد بعضهم المذاهب  فى حقيقة النفس أربعة عشر مذهبا , و قال بعضهم : قيل فى النفس أربعون قولا , و قال آخر : اختلف  الأولون و الاخرون على مر الأيام و الأعوام فى النفس الناطقة , على زهاء مائة قول . و الحق أن النفس جوهر مجرد عن المادة الجسمانية و عوارضها على مراتب  التجرد , و لها تعلق بالبدن , تعلق التدبير و التصرف  الاستكمالى , و البدن مرتبتها النازلة . و الاراء الأخرى إما باطلة , أو مأولة الى الحق . ه - عين فى أن النفس الانسانية بل الحيوانية غير الجسمية و المزاج : لو كان المزاج هو النفس , لكان يجب  أن يكون المزاج موجودا قبل المزاج , اذ كان هو الغاية المحركة للعناصر الى الامتزاج , بل النفس حافظة للمزاج . و ايضا الانسان فيه قوة تدرك  المعقولات  , و مدرك  المعقولات  لا يصح أن يكون جسمانيا , فلا يصح أن يكون تلك  القوة مزاجا . و - عين فى أن النفس داخلة فى مقولة الجوهر :

العين الثالثة تفيد جوهريتها ايضا , و كذلك  أدلة تجردها مطلقا . و ايضا إذا تركب  أمر من أمرين تركيبا طبيعيا أحدهما معلوم الجوهرية , و الاخر مشكوكها , و أردت  أن تعرف  هل هو جوهر صورى أو عرض تابع ؟ فأنظر الى مرتبته فى الوجود , و درجته فى القوة و الضعف  : فان كان وجوده أقوى من وجود ما انضم اليه و الاثار المرتبة عليه اكثر , فاعلم أن نسبة التقويم العلية اليه أولى من نسبة التقويم المعلولية اليه بالقياس الى قرينة , بعد أن يثبت  عندك  أنه لابد فى كل تركيب  نوعى أو صنفى من ارتباط ما , و علية و معلولية ما بين جزئيه , فيعلم أن نسبة الجوهرية اليه أولى , لأن مقوم الجوهر أولى بالجوهرية . و ان كان ذلك  الأمر أضعف  تحصلا و أخس وجودا , فاعلم أن المضموم اليه مستغنى القوام عنه , فيجب  أن يكون هذا متأخر الوجود عنه فيكون إما مادة له أو عرضا قائما . فنقول : لما كان جوهرية البدن مسلمة , و البدن قائم بالنفس , فمقوم الجوهر أولى بالجوهرية .

ز - عين فى أن البدن مرتبة نازلة للنفس

: النفس تمام البدن , يحصل منها و من المادة البدنية نوع كامل جسمانى . و جوهر النفس باعتبار ربوبيته للبدن يسمى روحا , و البدن صفحه : 5

تجسد الروح و تجسمه , و مظهره و مظهر كمالاته و قواه فى عالم الشهادة بلا تجاف  من الطرفين , سبحان من كثف  اللطيف  و لطف  الكثيف  , فالبدن فى النفس لا ان النفس فى البدن , بل التعبير عن الظرفية بالتوسع .  قال الوصى عليه السلام[ : ( الدنيا فى الاخرة و الاخرة محيطة بالدنيا]( .   و قد سمعت  عن  الامام الصادق عليه السلام[ : ( أن الأرواح لا تمازج البدن و لا تواكله , و إنما هى إكليل البدن محيطة به](   .

ح - عين فى انفعال البدن عن الهيئات  النفسانية , و تأثر النفس عن البدن :

و ذلك  التأثر فى الجانبين يختلف  شدة و ضعفا , بحسب  اختلاف استعدادات  النفوس و أمزجتها و أحوالها , و يتفاوتون بذلك  فى اخلاقهم الفاضلة و الرذلة . و هذه العين , ينشعب  منها جداول كثيرة معجبة مدهشة فى تأثر كل واحد من النفس و البدن عن الاخر , و صدور الأفعال الغريبة عن النفس الانسانية .

ط - عين فى تكون جوهر النفس :

هل هى جسمانية الحدوث  و التصرف  , أو روحانية الحدوث  و التصرف  ؟ و بعبارة أخرى هل هى حادثة بحدوث  البدن , أو حادثة مع حدوث  البدن ؟ . و القولان متفقان فى أنها روحانية البقاء و التعقل , [ ( فان الدار الاخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون](   ( 1 ) . و ذهب  المتأخرون من المشاء الى القول الثانى , و هو ذو شعب  . و الحق أن النفس جسمانية الحدوث  و التصرف  حادثة بحدوث  البدن متسخرة تحت  تدبير المتفرد بالجبروت  . و هى تنتقل انتقالا جوهريا من طور الى طور , و النطفة قد فاضت  عليها من المبدء الفعال كمالات  متعاقبة جوهرية , أولها كالصورة المعدنية و هى الحافظة للتركيب  و المفيدة للمزاج , و ثانيها الصورة النباتية , و بعدها الجوهر الحيوانى , و هكذا وقع الاشتداد فى الوجود الصورى الجوهرى إلى أن تجرد و ارتفع عن المادة ذاتا , ثم ادراكا و تدبيرا و فعلا و تأثيرا , فنفسية النفس هى نحو وجودها لا اضافة عارضة لذاتها بعد تمام هويتها . و أما الذى اشتهر من افلاطون من أن النفس قديمة , فمراده من قدمها قدم مبدعها و منشئها الذى ستعود اليه النفس بعد انقطاعها عن الدنيا , و اليه يؤول كلام الامام الصادق - عليه السلام - فى الحديث السابق ذكره : [ ( كنانى قديم , و عيانى محدث](    .

پاورقى :

1 . العنكبوت  : 64 .

صفحه : 6

ى - عين فى تكون مادة الجنين , و استحالاتها الى أن يتم : قوله عز من قائل : [ ( و لقد خلقنا الانسان من سلالة من طين](   ( 1 ) الاية , ينادى بأن النفس حادثة بالبدن لا مع البدن , و هى قوة فى غاية الشرف  بالنسبة الى سائر القوى , منطبعة فى الجسم . و هذه القوة لاعتلاء جوهرها , كأنها مرتفعة الذات  عن سنخ المادة . و هذه القوة بالقوة انسان , أى فى تحت  تدبير الملكوت  تصير خلقا آخر , ثم تخرج الى الفعلية بالاشتداد الوجودى و الحركة فى الجوهر و تجدد الأمثال ذلك  تقدير العزيز العليم , على ما اشير اليه فى التاسعة .

و الكلام فى تفصيل استحالات  مادة الجنين الى أن يتم يطلب  فى الخامس من تاسعة حيوان الشفاء ( 2 ) و فى الفصل الثالث  عشر من الباب  الثالث  من نفس الأسفار فى وقت  تعلق النفس الناطقة بالبدن ( 3 ) ففى الأول أن أول الأحوال زبدية المنى و هو من فعل القوة المصورة , و الحال الأخرى ظهور النقطة الدموية فى الصفاق و امتدادها فى الصفاق امتدادا ما , و ثالث  الأحوال استحالة المنى الى العلقة , و بعدها استحالته الى المضغة , و بعدها استحالته الى تكون القلب  و الأعضاء الأولى و أوعيتها , و بعدها تكون الأطراف  , الى آخر ما أفاد .

يا - عين فى الفصل بين الروح البخارى , و الروح الانسانى : الروح البخارى هو الحار الغريزى الذى هو الالة النفسانية الأولى . و هو جسم لطيف  ذو مزاج متكون من صفوة الأخلاط الأربعة و هو ألطف  الأجسام الباقية من أجزاء البدن و أدقها و أصفاها . و لذلك  كان أشد قبولا لأفعال النفس من سائر أجزاء البدن . و الروح الانسانى أى النفس الناطقة ليس بجسم , بل جوهر مجرد عن المادة و أحكامها . و الروح و النفس يطلقان بالاشتراك  الاسمى عليهما . و الروح البخارى مطية أولى للنفس الناطقة فى تعلقها بالبدن أى علة قريبة لحيوة البدن , و النفس علة بعيدة لها . و الروح البخارى يحويه البدن , و أما الروح الانسانى فالبدن مرتبة نازلة منه من حيث  هو بدنه . و الروح البخارى اذا فارق البدن يبطل و يفسد , و أما الروح الانسانى فهو باق بحيوته الأبدية , و انما يبطل بعض افعاله من بدنه العنصرى . و حيث  إن الروح البخارى جسم لطيف  ذو مزاج و مطية اولى للروح الانسانى , فكلما كان

پاورقى :

1 . المؤمنون : 12 .

2 . الشفاء , ج 1 , ص 436 - , الطبع الحجرى الأول .

3 . الاسفار , ج 4 , ص 35 , الطبع الرحلى الاول .

صفحه : 7

مزاجه أعدل كان افعال الروح الانسانى اكثر و اشد و على غاية الاستواء و الاعتدال .

الطبيب  يبحث  عن الروح البخارى , و الارواح البخارية عنده ثلاثة : احدها الطبيعى و تولده فى الكبد , و ثانيها الروح الحيوانى و تولده فى القلب , و ثالثها الروح النفسانى و تولده فى بطون الدماغ , على التفصيل المحرر فى محله .

يب  - عين فى أن المزاج كلما كانت  أعدل , كانت  النفس الفائضة عليه أفضل :

الاجسام العنصرية تمنعها صرفية التضاد عن قبول الحيوة , و البارى سبحانه من حكمته البالغة خلق منها أمزجة و خص كل مزاج بنوع , و كلما أمعنت الأجسام فى هدم طرف  من التضاد ورده الى التوسط الذى لاضد له و ازدادت قربا من التوسط ازدادت  قبول الحيوة . و أقرب  الأمزجة من الاعتدال مزاج الانسان لقبول النفس الناطقة . فمهما كان مزاجه اقرب  الى الاعتدال كان الشخص اكثر استعدادا لقبول الملكات  الفاضلة العلمية و العملية , و لذا كانت  الافاضة فى مزاج ايحاءا , و فى آخر الهاما , و فى ثالث  تعليما . يج - عين فى معنى اعتدال المزاج :

النفس تتعلق بمزاج البنية لا بمزاج الأعضاء , مثلا لا تتعلق بأنملة السبابة و ان كانت  أعدل الأعضاء , فان الأعضاء من حيث  هى أعضاء ليست بقريبة من الاعتدال لغلبة الجزئين الثقيلين عليها , و المزاج المستعد لقبول الصورة الحيوانية فضلا عن الانسانية هو مزاج الأرواح التى تقرب الاجزاء الثقيلة و الخفيفة فيها من التساوى فهى أول شىء تتعلق النفوس به , ثم تلك  النفوس تحتاج بسبب  محافظة تلك  الارواح و اكمالها الشخصى و النوعى أولا لى عضو يحصر تلك  الأرواح و يمنعها عن التفرق , هو القلب  , ثم الى عضو يغذيها , هو الكبد , و الى عضو يعدها لأن تصير مبدءا للحس و الحركة , هو الدماغ , ثم الى سائر الأعضاء عضوا بعد عضو بحسب  حاجاتها فى افعالها المختلفة .

يد - عين فى أن مبحث  النفس مشترك  فيه بين العلمين الطبيعى و الالهى : النظر فى النفس بما هو نفس نظر فى البدن , و لهذا عد علم النفس من العلوم الطبيعية الناظرة فى أحوال المادة و حركاتها . فمن أراد أن يعرف حقيقة النفس من حيث  ذاتها مع قطع النظر عن هذه الاضافة النفسية , يجب أن ينظر الى ذاتها من مبدء آخر و يستأنف  علما آخر غير هذا العلم صفحه : 8

الطبيعى . و بالجملة يبحث  فى العلم الطبيعى عن النفس من حيث  إنها حال البدن الجسمانى نزولا و هبوطا , و فى العلم الالهى عن حال جوهرها المجرد عروجا و صعودا .

يه - عين فى جامع أجزاء البدن و حافظها :

النفس التى لكل حيوان هى جامعة اسطقسات  بدنه و مؤلفتها و مركبتها على نحو يصلح معه أن يكون بدنا لها , و هى حافظة لهذا البدن على النظام الذى ينبغى , تحت  تدبير المتفرد بالجبروت  . نعم ان نفس الأبوين تجمع بالقوة الجاذبة اجزاء غذائية ثم تجعلها اخلاطا , و تفرز منها بالقوة المولدة مادة المنى , و تجعلها مستعدة لقبول قوة من شأنها اعداد المادة لصيرورتها انسانا . و الجامع للأجزاء الغذائية الواقعة فى المنيين هو نفس الابوين و هو غير حافظها , و الجامع للأجزاء المضافة اليها إلى أن يتم البدن و الى آخر العمر و الحافظ للمزاج هو نفس المولود , فتدبر ! يو - عين فى تعديد القوى النفسانية و ما دونها على سبيل التصنيف  : ربما يتوهم أن النفس قوة واحدة تدرك  المدركات  المختلفة بطرو الاضافات  و الشروط و الاعدادات  عليها . و الحق ان النفس جوهر واحد , و لها قوى منبعثة عنها , بل كلها شئونها و ان كانت  منبثة فى أعضائها . و هذه القوى بمنزلة أجزاء النفس الانسانية قبل ان صدرت  و انبسطت  عنها و انفصلت  فى أجزاء البدن كل قوة فى موضع يليق بها . و معنى التصنيف هيهنا ان هذه القوى لا يتميز بعضها عن بعض بفصول ذاتية كما فى الانواع النباتية و الحيوانية بل امتيازها بعوارض انسانية من تقدم بعضها على بعض , و استخدام بعضها قبل بعض .

يز - عين فى ان النفس كل القوى :

ان لكل بدن نفسا واحدة : [ ( ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه]( ( 1 ) و لها وحدة هى ظل الوحدة الحقة الحقيقة التى للواجب  تعالى , و أفعال قويها كلها فى فعلها مطوية , و كما تقول[ : ( تعقلت](   تقول[ : ( احسست  و حركت  و تحركت](   , و تنسب  الكل الى نفسك  الواحدة , و النفس تقول مثلا[ : ( أيتها المدركة تدرك  بقوتى , و أيتها المحركة تحرك  بحولى , و لا حول و لا قوة لكما و لغيركما إلا بى](  . فالنفس الناطقة هى العاقلة , و المفكرة , و المتخيلة , و الحافظة , و المصورة , و المغذية , و المنمية , و الجاذبة , و الدافعة , و الهاضمة , و الماسكة ,

پاورقى :

1 . الأحزاب  : 4 .

صفحه : 9

و السامعة , و الباصرة و الطاعمة , و المستنشقة , و اللامسة , و المدركة لهذه الأمور فاختلاف  هذه القوى و اختلاف  الأسماء ليس بشىء زائد عليها , بل هى عين كل صورة . و هذه العين فى حقيقة التوحيد عين العيون فان قوى النفس ليست  من معلولاتها , بل للنفس وحدة حقة ظلية ذات  شئون و أطوار و أسماء و مظاهر , فهى عالية فى دنوها , و دانية فى علوها , ثم اقرء و ارقه .

يح - عين فى علم النفس بذاتها و قواها و أفعالها :

الدليل المشار اليه فى العين الثالثة أفاد أنها عالمة بذاتها , كما أفاد جوهريتها أيضا و أدلة تجردها مطلقا تفيد جوهريتها كما تفيد أنها شاعره بذاتها لأن كل جوهر مجرد عقل و عاقل و معقول . و بالتروى مما فى العين السابعة , من ان البدن مرتبة نازلة للنفس , و مما فى السابعة عشرة , من أنها فى وحدتها جميع قواها , و أن أفعال قواها كلها مطوية فى فعلها , يعلم ان النفس من حيث  انها تستعمل القوى و تستخدمها , - و استعمال الشىء و استخدامة فرع على العلم به و الاطلاع عليه - عالمة بجميع قواها و أفعالها و محالها و مطلق آلاتها علما حضوريا , و مشاهدة و مبصرة إياها ببصر ذاتها لا بباصرة أخرى .

يط - عين فى أن النفس تدرك  بعض الأشياء بقواها , و بعضها بذاتها : قد تقدم فى الثالثة أن الانسان لا يدرك  نفسه إلا بنفسه . و كذلك  النفس تدرك  الكليات  بذاتها , و ان كانت  آلاتها معداتها فى ذلك  . و تدرك الجزئيات  بالاتها , بمعنى أن القوى تنشأ منها و هى تفاصيل ذاتها و شروح هوياتها ففعلها فعل النفس بلا شائبة مجاز , كما تقدم فى العين السابعة عشرة , فتدرك  أشياء بذاتها , و أخرى بالاتها , و لكن كل محسوس فهو معقول فى الحقيقة , و ان وقع الاصطلاح على تسمية الادراك  الجزئى بواسطة الحس بالمحسوس , فتدبر .

ك  - عين فى أن الغذاء المادى معد النفس لأن تصنع بدنها باذن بارئها : تقدم فى السابعة ان الانسان مجموع النفس و البدن , و يحصل منهما نوع كامل جسمانى , فهما موجودان بوجود واحد . فالانسان ثابت  سيال أى شىء ذو طرفين , أحدهما متبدل داثر فان و هو كالفرع , و الاخر ثابت  باق و هو كالأصل . و كلما كملت  النفس فى وجودها صار البدن أصفى و ألطف  و أشد اتصالا بالنفس , و صار الاتحاد بينهما أقوى , فغذاء النفس المادى لا يقع بدل ما يتحلل فى بدنها من حيث  انه بدنها مطلقا , بل الغذاء مع أن ضروبه سدنة الاسم الباقى من معدات  المغتذى فى أن يصنع بدنه , فالأبدان متفاوتة طولا و التفاوت  بالنقص و الكمال , لا ينسلخ النفس عن بدنها العنصرى أو البرزخى أو العقلى على مراتبه بحسب  مراتب  النفس

صفحه : 10

فى النشئات  الثلاث  . فشبهة الاكل و المأكول مدفوعة رأسا . و العين بعيدة القعر جدا .

كا - عين فى ان نفس الحيوان مجردة تجردا غير تام :

هذا البحث  و ان كان خارجا من جهة عن القصد , و لكنه يعين فى البحث  عن تجرد النفس الناطقة . الحيوانات  ليس لها نفس ناطقة , و إلا يلزم القسر الدائم المستلزم للقبح و اللغو فى فعل الحكيم , لأنه على ذلك أوجد شيئا - أى تلك  القوة الناطقة العاقلة فى الحيوانات  - لم يظهر أثره , و لم يبرز فعليته قط , تعالى عن ذلك  علوا كبيرا , بل الحيوانات لها نفوس مجردة غير تامة على مراتب  أمزجتها , فان نفوس الحيوانات التى لها قوة التخيل بالفعل ليست  مادية , فهى مدركة لذواتها على الوجه الجزئى لأن ذواتها لها ليست  لغيرها , و كل ما كان وجوده له لا لغيره فهو مدرك  لذاته , و لا يلزم من ذلك  كونها جواهر عقلية , إذ التجرد عن المادة اعم من العقلية و العام لا يوجب  الخاص . و هذا مراد الأوائل من أن للحيوانات  نفوسا مجردة . و أما قوله سبحانه : [ ( أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء](   ( 1 ) ففيه سر ربوبى و رمز ملكوتى , فتدبر . اعلم ان الشيخ الرئيس كان فى اول الأمر ينكر تجرد النفس الحيوانية ثم اعترف  به , و قد نقلنا عبارته فى الدرس الحادى عشر من كتابنا دروس اتحاد العاقل بمعقوله ( 2 ) , و راجع الى النكتتين 240 و 925 من كتابنا الف  نكتة و نكتة ايضا .

كب  - عين فى تجرد النفس الانسانية تجردا غير تام :

الحق أن القوة الخيالية مجردة تجردا غير تام , أى انها جوهر قائم لا فى محل من البدن و أعضائه , ولا هى موجودة فى جهة من جهات  هذا العالم الطبيعى , و انما هى مجردة عن هذا العالم واقعة فى عالم جوهرى متوسط بين العالمين عالم المفارقات  العقلية و عالم الطبيعيات  المادية . و كثير من الأدلة الدالة على تجرد النفس ناظر الى هذا النحو من التجرد , و هى الأدلة التى قد أخذت  فيها الأشباح و المقادير بلا مادة طبيعية , و هى متحققة فى صقع النفس لأنها من مدركاتها , و مدركاتها كلها متحققة فى ذاتها تحقق الفعل بفاعله , و المنتشى بمنشئه . و أما تلك  الأدلة و شرحها فتطلب  فى رسالتنا العربية الموسومة بالحجج البالغة على تجرد النفس الناطقة , و رسالتنا الأخرى بالفارسية

پاورقى :

1 . فصلت  , 21 .

2 . دروس اتحاد العاقل بمعقوله , ص 194 , الطبع الاول . صفحه : 11

الموسومة بگنجينه گوهرروان . فيثبت  بها ان للنفس فى مقام خيالها الذى هو مثالها , و يعبر عنه بالمثال المتصل قبال المثال المنفصل عنها المتحقق فى نضد العالم و نظامه تجردا غير تام , و يسمى تجردا برزخيا , و تجردا خياليا ايضا . و يتفرع على هذا النحو من التجرد كثير من أحكام النفس الأخروية , فتبصر .

كج - عين فى تجرد النفس الناطقة الانسانية تجردا تاما عقليا : و قد أقاموا حججا كثيرة فى صحفهم المكرمة على تجردها ذلك  , تجدها فى رسالتينا المذكورتين , اقويها إنها وعاء العلم . قال الوصى عليه السلام لتلميذه كميل الكامل النخعى كما فى النهج : [ ( يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها](   . و بالجملة ان الحجج البالغة ناطقة بأن النفس الانسانية جوهر روحانى النسج و السوس . قال القاضى البيضاوى فى تفسير كريمة [ ( و لا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله اموات  بل احياء و لكن لا تشعرون](   من انوار التنزيل[ : ( فيها دلالة على ان الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن تبقى بعد الموت  دراكة , و عليه جمهور الصحابة و التابعين و به نطقت  الايات  و السنن](  . كد - عين فى أن للنفس الناطقة الانسانية فوق التجرد العقلانى : للنفس درجات  من التجرد كالتجرد البرزخى و هو تجردها فى مقام الخيال , و التجرد التام العقلى , و التجرد الأتم الذى هو فوق التجرد العقلى . و معنى كونها فوق التجرد أن ليس لها حد تقف  اليه و مقام تنتهى اليه , أى ليس لها وحدة عددية بل وحدة حقة حقيقية ظلية .  قال الوصى عليه السلام كما فى النهج

[ ( كل وعاء فانه يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فانه يتسع به](   و سائر أدلته العقلية و النقلية مذكور فى الرسالتين . و الى فوق تجردها العقلانى اشار فى غرر الفرائد بقوله :

و انها بحت  وجود ظل حق

عندى و ذا فوق التجرد انطلق

و لعل مراده من[ ( بحت  وجود](  غلبة أحكام الوجود على ماهيتها , و إلا فكل ممكن على الاطلاق زوج تركيبى , و الفرد هو الوجود الصمدى لا غير فافهم .

كه - عين فى أن النفس لا تفسد بفساد بدنه العنصرى :

شيئية الشىء بصورته , و صورة الانسان جوهر مجرد عن المادة الطبيعية و أحكامها , كما أن أدلة تجردها كلها ناطقة

صفحه : 12

بذلك  , و الفساد و التلاشى و الاضمحلال من طوارى المركبات  الطبيعية , و أما ما هو برىء عن التركيب  , و موجود نورى بسيط فلا يتطرق اليه البوار و الهلاك  أصلا , فالنفوس الشخصية و أن لم تكن أزلية و لكنها باقية ببقاء فاعلها الأزلى الأبدى . فشبهة جواز اعادة المعدوم على ما سودت  طائفة الكراريس زعما منهم أن القول بحشر الأجساد متوقف  عليه و الموت  اعدام , كشبهة الاكل و المأكول .

كو - عين فى أن النفس عين مدركاتها مطلقا :

هذه العين بحر عذب  فرات  سائغ شرابه , و قد فجرت  و انشعبت  الى ثلاثة و عشرين جدولا , فسميت  بدروس اتحاد العاقل بالمعقول و قد طبعت  غير مرة , و الحمد لله رب  العالمين .

كز - عين فى خروج النفس من القوة الى الفعل و مخرجها :

النفس تنتقل انتقالا جوهريا من طور الى طور , فهى فى ارتقائها من النقص الى كمالها الممكن لها لابد لها من مخرج مفارق لأن الصور العلمية عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد , فوعائها مسانخ لها , فالواهب  و المتهب  أيضا عاريان عن المادة و أحكامها , فخروج النفس من القوة الى الفعل مسلك  الى اثبات  المفارق . كما سلكه الفارابى فى رسالة اثبات  المفارقات  . و الفاعل موجود قبل فعله بالفعل , فالمفارق أقوى من فعله و من متهبه . ثم ان معطى الشىء يجب  أن يكون واجده أولا , فجميع الصور العقلية العلمية حاصلة للمفيض بالفعل , فالمفارق خزانة الصور العلمية , [ ( و ان من شىء الا عندنا خزائنه و ما ننزله الا بقدر معلوم ](  ( 1 ) .

كح - عين فى ادراك  النفس حقائق الأشياء :

ان مسألة كون النفس عاقلة لصور الأشياء المعقولة من أغمض المسائل الحكمية . فاعلم ان التجلى من الذات  لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له , غير ذلك  لا يكون , و كيفية فيضان الصور العقلية على النفوس النطقية على سبيل الفناء فى القدسى و البقاء به . أى النفس بسبب  الاتصال التام بالمبدء و فنائها عن ذاتها و بقائها به ترى الاشياء كما هى عليها فى الخارج . اللهم ارنا الاشياء كما هى .

پاورقى :

1 . الحجر : 21 .

صفحه : 13

كط - عين فى ان الادراك  منوع :

كل فرد من أفراد الانسان مشترك  فى معنى النوع الانسانى و ماهيته , و معنى تعريف  النفس الذى تقدم فى الثانية , و لكن الحركة فى الجوهر و اشتداده باتحاد المغتذى بغذائه وجودا - اى اتحاد المدرك  بالمدرك  - تعطى ذلك  الحكم الحكيم أعنى أن الادراك  منوع . و بعبارة أخرى : أن الجوهر النفسانى الانسانى مادة للصور الادراكية , و أن ذلك  الجوهر يتحصل بتلك  الصور الادراكية جوهرا آخر كماليا بالفعل من الانواع المحصلة التى يكون لها نحو آخر من الوجود غير الوجود الطبيعى الذى لهذه الأنواع المحصلة الطبيعية . فظاهر الانسان نوع تحته أفراد , و باطنه جنس تحته أنواع : [ ( يوم ينفخ فى الصور فتأتون افواجا](   ( 1 ) , [ ( و اذا الوحوش حشرت](    ( 2 ) .

ل - عين فى الحواس الظاهره و الباطنة :

الحواس جواسيس النفس , و لكل واحدة منها شأن يختص بها , و يخدم كل واحدة منها غيرها من الحواس الأخرى . و هى كلها كغيرها من القوى شبكة النفس تصطاد بها فى نومها و يقظتها حقائق ما فى الملك  و الملكوت  , و ترتبط بكل واحدة عالما يخص بها و يناسبها , فتحشر بالظاهرة مع الشهادة , و بالباطنة مع الغيب  من المثال و العقل و ما فوقهما . جميع الشروط فى ادراك  الحواس الظاهرة مع طول مباحثها العويصة , يختص بهذه النشأة التى تلينا , لأن الانسان النائم مثلا يدرك  بمثل تلك الحواس و ليس واحد من تلك  الشروط دخيلا فى ذلك  , فلا مدخلية لخصوص آلة البصر مثلا فى الرؤية بل الرؤية لها مراتب  من البصرية الى رؤيته سبحانه [ ( ألم يعلم بأن الله يرى](   ( 3 ) ثم ادر حال الحواس الأخرى و مراتبها كذلك  .

اللمس منغمر فى الطبيعة , و هو اول الحواس الذى به يصير الحيوان حيوانا . و الذائقة و الشامة ايضا متوغلة فى المادة كاللامسة بخلاف  السمع و البصر , ثم السمع اكثر تجردا من البصر , كما ان اللمس اشد انغمارا فى الطبيعة من غيره .

و المطلب  المهم فى الابصار أن تعلم أن القائل بخروج الشعاع , ليس مراده خروج

پاورقى :

1 . النبأ : 18 .

2 . التكوير : 5 .

3 . العلق : 14 .

صفحه : 14

الشعاع من البصر الى المرئى كما اشتهر شهرة لا أصل لها , بل بالعكس كما نص به ابن هيثم فى المناظر و المرايا .

الحس المشترك  يسمى لوح النفس ولوح النقش ايضا و يسمى بالحس المشترك  لانه مصب  مدركات  الحواس الظاهرة كلها , و هى كالجداول المتصلة به تؤدى اليه ما اقتنصته , و ايضا لأنه كمرآة ذات  وجهين ينتقش فيه ما يصطاده الانسان من الشهادة و الغيب  . و هو مظهر الاسم الشريف [( يا من لا يشغله شأن عن شأن](   .

الخيال خزانة الصور , و القوة الحافظة خزانة المعانى الجزئية , و المتصرفة جالسة بينهما و متصرفة فيهما بالتركيب  و التفصيل فى الصور و المعانى , فاذا كانت  بيد تصرف  العقل تسمى مفكرة و متفكرة , و اذا كانت  بيد تصرف  الوهم تسمى مخيلة و متخيلة . و الفكر منطقى , لا الفكر عند جمهور الناس . و الحافظة هى المتذكرة المسترجعة و الذاكرة , كل واحدة باعتبار .

كثير من العلوم منتهية الى الحواس , بمعنى أنها معدة لاقتناصها , و الا فالصور العلمية كلها فائضة من العالم القدسى . ثم ان الخمس الظاهرة و الخيال و الوهم اذا استعملها العقل فى الطاعات  فهى مع العاقلة أبواب الجنة الثمانية , و إلا فهى أبواب  جهنم السبعة [ ( و ان جهنم لموعدهم لها سبعة أبواب  , لكل باب  منهم جزء مقسوم](   ( 1 ) . لا - عين فى أن الوهم عقل ساقط :

أنواع الادراك  عند المشاء أربعة : احساس , و تخيل , و توهم , و تعقل . و الشيخ الرئيس عدل فى الثامن من ثالث  الاشارات  عن تربيع الادراك  الى تثليثه . و العدول هو العدل . و القيصرى فى شرح فصوص الحكم و المير فى الجذوات  و تلميذه صاحب  الاسفار ذهبوا الى التثليث  . قال القيصرى فى شرح الفص الادمى ( 2 ) : من أمعن النظر يعلم أن القوة الوهمية هى التى اذا قويت  و تنورت  تصير عقلا مدركا للكليات  , و ذلك  لأنه نور من أنوار العقل الكلى المنزل الى العالم السفلى مع الروح الانسانى فصغر و ضعف نوريته و ادراكه لبعده من منبع الأنوار العقلية فتسمى بالوهم , فاذا رجع و تنور بحسب  اعتدال المزاج الانسانى قوى ادراكه و صار عقلا من العقول , كذلك  يترقى العقل ايضا

پاورقى :

1 . الحجر : 44 .

2 . شرح القيصرى لفصوص الحكم , ص 91 , الطبع الاول .

صفحه : 15

و يصير عقلا مستفادا .

لب  - عين فى المصورة :

المصورة تطلق عند الأطباء على الخيال الذى هو خزانة الحس المشترك  , و تطرق هذا المعنى الى الكتب  العقلية ايضا كقول الشيخ فى الثانى من رابعة نفس الشفاء[ : ( ان القوة المصورة التى هى الخيال هى آخر ما يستقر فيه صور المحسوسات  . و تطلق عند الفلاسفة على الطابعة](  , ففى كليات القانون[ : ( و أما المصورة الطابعة فهى التى يصدر عنها باذن خالقها تبارك  و تعالى الافعال المتعلقة بنهايات  مقاديرها](  . و ما قاله المحقق الطوسى فى التجريد[ : ( و المصورة عندى باطلة](  , و تبعه الشارح العلامة , ففيه تأمل و بحث  .

لج - عين فى الانشاء و الانتزاع :

تحقق صور الأشياء المادية عند النفس , بانشاء النفس اياها , لا بانتزاعها عنها . فهذا بالنسبة الى الصور التى يصح للنفس أن ينشئها , أى تكون النفس مظهرها , و أما بالنسبة الى الصور المحيطة العلمية النورية الالهية فالنفس مظهرها على ما أشير اليه فى الثامنة و العشرين , فالأول بالنسبة الى ما هى فائقة عليه , و الثانى بالنسبة الى ما هو فائق عليها و ذهب  المشاء الى أن للنفس صفة عزرائيلية تنتزع صور الاشياء المادية نزعا , و تجردها عن قشورها المادية تجريدا ذا مراتب  . ثم الكلام كل الكلام فى النيل بمعنى تجريد المحسوس حتى يصير معقولا , فتدبر . لد - عين فى سهو النفس و نسيانها ثم تذكرها :

البحث  عما تحواه هذه العين , ينجر الى تحقيق الحق فى معنى نفس الأمر . و قد صنفنا رسالة فى نفس الأمر حافلة لجميع ما يجب  أن يشار اليها فى هذه العين , و قد طبعت  مرتين .

له - عين فى علمى الحصولى و الحضورى للنفس :

علم النفس مطلقا حضورى . و الصور التى أنشأتها على وزان المعلومات الخارجية و هى حاكية عنها تسمى بلحاظ المحاكاة حصولية و وجودا ذهنيا ايضا . و الحصولى مقسم للتصور و التصديق .

العلم الحصولى صورة كلية و مقوماتها ايضا أمور كلية كالجنس و الفصل , و أما العلم الحضورى فهو هوية شخصية غير محتاج الحصول الى تقدم معنى جنسى أو فصلى , فالحصولى حضورى محاك  , و الحضورى غير محاك  لأنه عين المعلوم . كعلم الجوهر المجرد .

صفحه : 16

بذاته فانه عقل و عاقل و معقول . و أما العلم الحضورى الذى يقول به أهل الحكمة الذائعة من أن نفس الصورة المنتزعة من الأشياء الخارجية حاضرة عند النفس من دون اتحاد بالعالم فهو بمعزل عن التحقيق .

و اعلم ان المعلوم بالذات  هو الصوره النورية المتحققة فى حاق ذاتك  , و المعلوم بالعرض هو الشىء الخارج عنك  , لكن لا مطلقا بل من حيث  انه محكى تلك  الصورة المعلومة بالذات  , أى وقع بين النفس و بينها نحو اضافة و نسبة .

لو - عين فى أن للانسان ادراكات  فوق طور العقل :

المراد من العقل البرهان النظرى بترتيب  المقدمات  و الأشكال القياسية و الأقوال الشارحة . و المراد من فوق طوره هو الكشف  و الشهود الذوقى و العلم الوهبى , أى ان للانسان وراء هذه الادراكات  الظاهرة و الباطنة المتعارفة نوعا آخر من الادراك  غير المعتاد . و لم يدع أحد من أساطين العلوم العقلية أن تحصيل المعارف  يتأتى بالحواس و القياس فقط , و ليس له طريق آخر , بل صرحوا بأن للانسان فى تحصيلها طرقا أخرى وراء الفكر و النظر . قال بعض الأوائل : قد تحقق لى ألوف  من المسائل ليس لى عليها برهان . و قد وصف  بعض مشايخ العرفان العلم الكشفى بالعذب الفرات  , و العلم العقلى بالملح الأجاج , و القصد حث  أهل النظر على مقام ارفع و هو كسب  العلم الوهبى .

لز - عين فى علم النفس بالصور :

ادراك  النفس فى المحسوسات  انما هو من انشاء النفس , و كذلك  الأمر فى الصور الخيالية بالوهم يخلق كل انسان فى قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها , و العقل البسيط خلاق المعقولات  التفصيلية . فتلك  الصور الحسية و الخيالية قائمة بالنفس قيام الفعل بفاعله , لا قيام المقبول بقابله . و أما ادراكها الحقائق العقلية فقد تقدم فى الثامنة و العشرين , انه من فناء النفس فى العقل القدسى . و من الغوص فى هذه العين يقتنى أن كل محسوس فهو معقول , و أن كل ما هو شرط فى الاحساس فهو بالحقيقة معد النفس للانشاء كشرائط الابصار مثلا فان حقيقة الابصار انشاء النفس صورة خيالية حاضرة عندها فى عالم التمثل مجردة عن المادة الطبيعية , و نسبة النفس اليها نسبة الفاعل المنشىء للفعل الى ذلك  الفعل , لا نسبة القابل المستكمل بكمال الى ذلك  الكمال , و تلك  الشرائط كوضع مخصوص بين المبصر و المبصر , و عدم حاجز بينهما و غيرهما من معدات  النفس صفحه : 17

لانشائها تلك  الصورة المثالية .

لح - عين فى أن تعقل النفس أمر ذاتى لها أم لا :

يمكن حمل القول بأن تعقل النفس ذاتى لها على رمز دقيق لا يمكن فهمه لاكثر الناس , فان للنفس الانسانية أطوارا و نشئات  , بعضها سابقة على حدوثها , و بعضها لاحقه عن حدوثها , مثل أن يقال ان مراد القائل به[ ( أن كل جوهر عار عن المادة الطبيعية عقل و عاقل و معقول , و النفس الناطقة فرد من تلك  الكبرى المحيطة](  كما يقال[ : ( النفس لا تخلو قط عن التفكر , و يعنى بالتفكر التعقل بهذا المعنى](  أو يقال[ : ( مراده ان النفس الكاملة من حيث  انها عقل مستفاد , كان علمها بالأشياء ذاتيا لها بمعنى انها مؤيدة بروح القدس غنية عن التعلم فاذا شاءت  أن علمت  علمت , فتدبر .

لط - عين فى أن علم النفس على سبيل التذكر أم لا :

الانسان هو الكون الجامع الذى تم العالم بوجوده الخارجى لانه روح العالم , و انما تأخر نشأته العنصرية فى الوجود العينى لأنه لما جعلت  حقيقة متصفة بجميع الكمالات  جامعة لحقائقها وجب  ان يوجد الحقائق كلها فى الخارج قبل وجوده حتى يمر عند تنزلاته عليها فيتصف  بمعانيها طورا بعد طور من أطوار الروحانيات  و السماويات  و العنصريات  الى ان يظهر فى صورته النوعية الحسية . و المعانى النازلة عليه من الحضرات  الاسمائية لابد أن تمر على هذه الوسائط ايضا الى أن تصل اليه و تكمله و لولا هذا المرور لما امكن العروج للكمل . و ما يقال من ان علم النفس تذكرى لا تفكرى اشارة الى هذا المعنى , لا إلى أن النفس كانت  قبل التعلق بالأبدان عالمة بالمعلومات  و تلك  العلوم غير ذاتية لها , فلا جرم زالت بسبب  استغراقها فى تدبير البدن ثم ان الأفكار كالتذكرات  لتلك  العلوم الزائلة , فيكون العلم تذكرا , و لا الى أنها وجدت  فى النشأة العنصرية مرة أخرى ثم عرض له النسيان بواسطة التعلق بنطفة أخرى , و مرور الزمان عليها إلى أوان تذكره كما على رأى أهل التناسخ .

م - عين فى المناسبة بين مدركات  النفس و بين مدركاتها , و المناسبة بين النفس و بين الغيب  الالهى :

فاعلم أنه لا يدرك  مدرك  ما شيئا إلا بحسب  ما منه فيه و أن طالب  شىء لا يطلبه دون مناسبة ما بينهما , و تلك  المناسبة امر جامع بينهما يشتركان فيه اشتراكا

صفحه : 18

يوجب  رفع الامتياز لا مطلقا بل من جهة ما يضاهى به كل منهما ذلك  الأمر الجامع , و من حيث  يشتركان فيه . و لما كان طالب  شىء لا يطلبه دون مناسبة ما بينهما فالنفس الناطقة إذا صارت  مستعدة مثلا نحو قبول الصور العلمية عن الجوهر المفارق المفيض فاضت  الصور العلمية بحسب  تلك المناسبة من الجوهر المفارق على النفس , فاعلم أن حقائق الأشياء فى الحضرة العلمية بسيطة فلا ندركها على نحو تعينها فيها إلا من حيث  توحدنا و أحديتنا فان البسيط لا يدركه إلا بسيط . و كذلك  يجب  التناسب  بين النفس و الغيب  الالهى حتى تنال بهجته الكبرى . و القوى المدركة مع أنها من شئون النفس لكل واحدة منها غذاء من سنخها و جنسها . و العلم بسر تلك  المناسبات  صعب  مستصعب  إلا لمن تنور قلبه بالأنوار الالهية . ما - عين فى امكان التعقلات  الكثيرة فى النفس دفعة :

ربما ظن بعض الناقصين الناظرين فى ظواهر المكنونات  أن النفس لا تقوى على استحضار ادراكات  و علوم دفعة , و ليس الأمر كما ظن . فان النفس تبلغ الى مرتبة تضبط جميع الحضرات  , و تصير مظهرا للاسم الشريف[  ( يا من لا يشغله شأن عن شأن](  و يتحد بالصادر الأول الذى هو الرق المنشور و قد انتقش عليه جميع الكلمات  النورية الوجودية من العقل الأول الى الهيولى الاولى . و قد استوفينا البحث  عن ذلك  فى رسالتنا نهج الولاية و قد طبعت  غير مرة .

مب  - عين فى أن النفس مع بساطتها كيف  تقوى على التعقلات  الكثيرة : اتصاف  موجود بصفات  متعددة متقابلة يدل على سعة وجوده , و شدة توحده , و سطوة تأكده فى الوجود من حيث  انه لا يزول بعروض الأضداد و اتصافه بها , كما يوصف  الحق سبحانه بالأول و الاخر , و بالظاهر و الباطن , و بالقابض و الباسط و نظائرها . و قال بعض المشايخ من أهل العرفان[ : ( ان الله لا يعرف  إلا بجمعه بين الأضداد فى الحكم عليها بها](  , و النفس الانسانية هى مظهره الأتم , و لو لم يكن بينه تعالى و بين النفس من المناسبة و المضاهاة ما لم يكن بينه و بين غيرها لما شرط معرفته بمعرفتها , بل بينهما تمام هذه المناسبة , و معنى التمام هو فوق التنزيه و التشبيه فافهم . هذا ما حكم به ذوق العرفان , و يعاضده منطق البرهان , فتدبر .

مج - عين فى أن النفس كيف  تقوى على توحيد الكثير و تكثير الواحد : أما قوتها على توحيد الكثير فهى بصيرورتها عالما عقليا متحدا بكل حقيقة , مصداقا لكل معنى

صفحه : 19

معقول لكونه عقلا بسيطا فعالا لتفاصيل العلوم النفسانية . هذا الوجه كما فى الحكمة المتعالية . و عند الجمهور بالوجهين الاخرين , أحدهما بالتحليل و الثانى بالتركيب  : أما بالتحليل فلأنها إذا حذفت  عن الأشخاص الداخلة تحت  النوع مشخصاتها , و سائر العوارض اللاحقة بها , بقيت الحقيقة النوعية ماهية متحدة و حقيقة واحدة .

و أما بالتركيب  فلأنها اذا اعتبرت  المعنى الجنسى و الفصلى أمكنها أن يقترن الفصل بالجنس بحيث  تحصل منهما حقيقة متحدة اتحادا طبيعيا لا صناعيا .

و أما قوتها على تكثير الواحد فهى : أن تميز ذاتها عن عرضها , و جنسها عن فصلها , و جنس جنسها عن جنسها بالغة ما بلغ , و فصل فصلها و فصل جنسها عن فصلها بالغة ما بلغت  , و تميز لازمها عن مفارقها , و قريبها عن بعيدها , و الغريب  منها عن الملائم , فيكون الشخص الواحد فى الحس واحدا لكنه فى العقل أمور كثيرة , و لذلك  يكون ادراك  العقل أتم الادراكات  . بل العقل يتغلغل فى ماهية الشىء و حقيقته , و يستنتج منها نتيجة مطابقة لها من كل الوجوه . و أما الادراكات  الحسية فانها مشوبة بالجهل فان الحس لا يدرك  إلا ظاهر الشىء و أما باطنه و ماهيته فذلك  مما لا يحيط الحس به . و بالجملة ان التحليل و التركيب  من خواص العقل الانسانى , و ليس ذلك  لغيره من القوى فانها تدرك  الكثير كثيرا كما هو , و الواحد واحدا كما هو , و لا يمكنها ان تدرك  الواحد البسيط بل الواحد من حيث  هو جملة مركبة من أمور و أعراضها , و لا يمكنها ان تفصل العرضيات  و تنزعها من الذاتيات  .

و من قوتها على تكثير الواحد , تجسيمها بقوتها الخيالية للعقليات  و تنزيلها فى قوالب  الصور المثالية .

مد - عين فى أن الانسان طبيعى و مثالى و عقلى و آلهى :

كما أنت  انسان طبيعى كذلك  أنت  انسان مثالى و عقلى و آلهى , فان مانزل من العلم الى العين ما نزل بكليته , بل ملكوته بيد من له الملك  و الملكوت  , فتنبه بانك  جدول من البحر الصمدى كسائر الكلمات  النورية الوجودية . والانسان بحسب  نشأته الطبيعية يخبر عن نفسه بأنه فى البيت  و السوق و نحوهما , و بحسب  عالمه المثالى يخبر عن نفسه بانه محشور مع مثل الارواح و الأمثال البرزخية , و بحسب  عالمه العقلى يخبر عن نفسه بانه يسير فى ديار المرسلات  و يتلو الكلمات  التامات  التى فوق المثالية , و بحسب  أصله الالهى يخبر عن نفسه بانه فى مقعد صدق عند مليك  مقتدر . و تمسك  فى هذه العين بامكانى الأشرف  و الأخس , أو بجامعهما استحالة الطفرة

صفحه : 20

بأن الطفرة مطلقا نزولا و صعودا محال . نعم المراتب  الأربع لا يختص بالانسان بل ما سواه مشترك  فيه كما قال سبحانه : [ ( ان من شىء إلا عندنا خزائنه و ما ننزله إلا بقدر معلوم](   ( 1 ) .

مه - عين فى أن الانسان ذو مقامات  أربعة بوجه آخر :

و هى مقام روحه , و قلبه , و خياله , و طبعه . و له فى كل مقام أحكام خاصة , و وحدته الشخصية لا تنثلم بتلك  الكثرات  و أترابها . فالروح مقامه الجمعى و يعبر عنه بيوم الجمع ايضا , و القلب  مقامه الفصلى و يعبر عنه بيوم فصله , و الخيال مقام تصوير المعانى و تمثيلها , و الطبع مقام ظهورها فى الحس . فالعلوم و الحقائق فى مقام الروح ليس بعضها ممتازا عن بعض , و فى القلب  يتميز كل كلى عن غيره , ثم يتمثل فى الخيال كالمحسوس , ثم يظهر فى الحس .

مو - عين فى اثبات  القوة القدسية :

أكثر أهل العلم لا يتجاوزون عن طور الفكر , و الاحاد منهم مرزوقون بالحدس , و الأوحدى منهم له القوة القدسية . و الفكر حركة , و الحدس انتقال دفعى . و أما صاحب  القوة القدسية فأمره أرفع من الحدس بمراحل , و هو متى شاء أن يعلم علم . و المرزوق بها اما نبى أو وصى , أو عبد آتاه الله من لدنه علما و أيده بروح منه . و ابتدء من الغبى و انته الى الغنى عن العلم و الفكر , أى الى صاحب  القوة القدسية كما فعل فى الثانى عشر من ثالث  الأشارات[ :  ( الست  تعلم أن للحدس وجودا , و أن للانسان فيه مراتب  , فى الفكر : فمنهم غبى لا يعود عليه الفكر برادة , و منهم من له فطانة الى حد ما و يستمتع بالفكر , و منهم من هو أثقف  من ذلك  و له اصابة فى المعقولات  بالحدس , و تلك  الثقافة غير متشابهة فى الجميع بل ربما قلت  و ربما كثرت  , و كما أنك  تجد جانب  النقصان منتهيا الى عديم الحدس فأيقن ان الجانب  الذى يلى الزيادة يمكن انتهاؤه إلى غنى فى أكثر أحواله عن التعلم و الفكر](  . و القوة القدسية كالفكر و الحدس ذات درجات  [ ( تلك  الرسل فضلنا بعضهم على بعض](   ( 2 ) . مز - عين فى ان النفس العاقلة تحدث  فى الأربعين غالبا : تأثير الأربعين فى أطوار

پاورقى :

1 . الحجر : 21 .

2 . البقرة : 253 .

صفحه : 21

الانسان و احواله معجب  جدا , و لسان الاثار فى ذلك  أعجب  . و فيها أن الأنبياء بعثوا الى الخلق بعد مضى أربعين سنة من عمرهم , و فى مفتاح الصدر القونوى[ : ( الكامل ينتهى بكامل نشأته فى أول يوم أو ساعة من سنة أربعين أو سنة احدى و أربعين من عمره](  , و فى نبراس المتأله السبزوارى :

فالأربعون مدة الأطوار

لخلقة الانسان ذى الأسرار

كل من الاطوار فيه تجعل

و العقل أربعين عاما يكمل

و لعل المراد من حدوث  النفس العاقلة فى الأربعين , طر و حالة و منة و صفة خاصة للنفس فى الأربعين عاما , فتدبر . و فى اللوطى من فصوص الحكم [( ما بعث  نبى الا بعد تمام الأربعين لان أحكام النشأة العنصرية غالبة على أحكام النشأة الروحانية فى تلك  المدة](  .

مح - عين فى تطابق الكونين :

أى الكون الجامع الذى هو الانسان , و الكون الكيانى الذى هو العالم , و فى الأول نظائر جميع ما فى الثانى , فان التوازى بينهما هو شرط المعرفة ,  سنريهم آياتنا فى الافاق و فى أنفسهم  , الاية .  و فى الأثر الرضوى - صلوات  الله عليه - قد علم أولوا الألباب  أن ما هنالك  لا يعلم الا بما هيهنا .  تضمنت  الصحائف  فى تطابق نسختى آدم و العالم لطائف  , و تفصيله هو الوجود كله . و فى قصيدتى ينبوع الحيوة :

تصفحت  أوراق الصحائف  كلها

فلم أر فيها غير ما فى صحيفتى

مط - عين فى سعادة النفس :

قد أجاد الفارابى فى المدينة الفاضلة بقوله : (( السعادة هى أن تصير نفس الانسان من الكمال فى الوجود الى حيث  لا تحتاج فى قوامها الى مادة , و ذلك  أن تصير فى جملة الأشياء البريئة عن الأجسام , و فى جملة الجواهر المفارقة للمواد , و أن تبقى على تلك  الحال دائما أبدا](  قوله سبحانه : [ ( قال الذى عنده علم من الكتاب  أنا آتيك  به قبل أن يرتد اليك طرفك](    ( 1 )  و قال الوصى - عليه السلام[ : - ( و الله ما قلعت باب  خيبر و قذفت  به أربعين ذراعا لم تحس به أعضائى بقوة جسدية و لا حركة غذائية و لكن أيدت  بقوة ملكوتية و نفس بنور ربها مضيئة](   و لا حاجة الى التمسك  بالايجاد و الأعدام فان قرص

پاورقى :

1 . النمل : 40 .

صفحه : 22

الشمس - و قطره أعظم من ألف  مثل قطر الأرض يتحرك  كل جزء منه فى ثانية واحدة , عشرة أمثال قطر الأرض , فلا يبعد أن يفعل النفوس المستضيئة بنور ربها نحو الاتيان بالعرش من اليمن الى الشام , و القذف المذكورين بطرفة العين . و العين كثيرة المناهل و الله هو المفيض على الاطلاق .

و من كلمات  الشيخ السامية فى الخامس و العشرين من سابع الاشارات[ :  ( لا يقعن عندك  أن السعادة فى الاخرة نوع واحد , و لا يقعن عندك  أنها لا تنال أصلا الا بالاستكمال فى العلم و ان كان ذلك  يجعل نوعها نوعا أشرف  , و لا يقعن عندك  أن تفاريق الخطايا باتكة لعصمة النجاة , بل انما يهلك الهلاك  السرمد ضرب  من الجهل , و انما يعرض للعذاب  المحدود ضرب  من الرذيلة وحد منه و ذلك  فى أقل أشخاص الناس . و لا تضع الى من يجعل النجاة وقفا على عدد و مصروفة عن أهل الجهل و الخطايا صرفا الى الأبد , و استوسع رحمة الله](  .

ن - عين فى انشاء النفس أبدانها المثالية , و ظهورات  الكمل فى العوالم :

الانسان له الاقتدار بأن ينشىء أمثال نفسه , و يرسلها الى اماكن و عوالم مختلفة بلا تراخ زمانى . و تسمى تلك  الأبدان المثالية أبدالا . فان العارف  الكامل المتصرف  فى الوجود يخلق بهمته صورا خارجة عن الخيال , موجودة فى الأعيان الخارجية , قائمة به , قيام الفعل بفاعله . و ما هو المشهور من أن البدلاء يحضرون فى آن واحد فى أماكن مختلفة مثلا و يقضون حوائج عباد الله , كان على هذا السر المستسر , فافهم . على أن صاحب الأمر أعلى شأنا و أرفع مقاما من صاحب  الهمة فانه الواصل بمقام كن [ ( انما امره إذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون](   ( 1 ) اقرأ وارقه . نا - عين فى الرؤيا :

الرؤيا الصادقة ارتباط النفس بمباديها العالية النورية , فتعقل الحقائق أولا ثم تتخيلها نزولا , أى تصورها بحسن صناعتها فى صقع ذاتها بقوتها المتخيلة على صور تناسب  تلك  المعانى , كما اذا تعلمت  شيئا فانما تتخيلة أولا ثم تعقله صعودا , فهما متعاكسان .

پاورقى :

1 . يس : 82 .

صفحه : 23

من الأدلة التى أقاموها على أن النفس جوهر مفارق هو ما يدركه الانسان فى مناماته من المغيبات  الصادقة , لا يتأتى مثلها له فى اليقظة غالبا . و الارتباط المذكور انما يتاتى من حيث  انصراف  النفس عن هذه النشأة , فان تحقق الانصراف  فى اليقظة يتحقق مثل الرؤيا ايضا , كما يرزق بها السالك  كثيرا . و فى الروايات  أن الرؤيا الحسنة جزء من النبوة و ذلك الجزء فيها متفاوت  باعتبار مراتب  الرائى . و المباحث  فى الرؤيا تطلب فى رسالتنا فى الرؤيا .

نب  - عين فى أن موت  الانسان هو انقطاعه عن غيره , و ارتقاؤه إلى بارئه المتوفى إياه :

قد علمت  أن النفس الانسانية جوهر روحانى النسج و السوس , لا تفسد بفساد بدنه العنصرى , فالموت  ليس بعدم و فناء , و الاماتة ليست  باعدام و افناء بل هو تفريق صفة الوصل بين الروح والجسم , و تفريق بيننا و بين ما هو غيرنا .  و فى الأثر عنه - صلى الله عليه و آله و سلم - : [ ( خلقتم للبقاء لا للفناء](   و فى آخر : [ ( خلقتم للأبد و إنما تنتقلون من دار الى دار](   و فى آخر : [ ( الأرض لا تأكل محل الايمان ](  و التفريق مروى عن الامام الصادق عليه السلام فى تحف  ابن شعبة . قوله تعالى شأنه : [ ( الله يتوفى الأنفس حين موتها و التى لم تمت  فى منامها فيمسك  التى قضى عليها الموت  و يرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن فى ذلك  لايات  لقوم يتفكرون](   ( 1 ) . الموت  جار على جميع ما سوى الله , و هذا الموت  بمعنى فناء كل سافل فى عاليه , و توجه كل سافل الى عال , و رجوع كل شىء الى أصله , و عود كل صورة الى حقيقتها . ثم من يخاف الموت  فهو فى الحقيقة يخاف  نفسه , و العاقل بمعزل عن تقية الموت  . و الله سبحانه لا يرضى بموت  أحد سيما الانسان إلا لأجل حيوة أخرى مستأنفة فى وراء هذه النشأة .

نج - عين فى أن وزان القبر فى النشأتين وزان الانسان فيهما : القبر لغة الغلاف  . قال الشاعر

[ ( خط بها قبرا لأبيض ماجد](

و القبر الدنيوى المادى معروف  , و البدن المادى الدنيوى قبر , و البدن الصورى البرزخى ايضا قبر و اغبرة الشواغل الضاغطة للنفس ايضا قبر , و صور تجسم الاعمال المحيطة فى البرزخ بالروح قبر . و القبور فى هذه النشأة متشابهة ,

پاورقى :

1 . الزمر : 42 .

صفحه : 24

و فى الاخرة متخالفة . و المتشابهة على معنيين : أحدهما القبور الترابية مثلا و الانسان من حيث  هو انسان ليس بمقبور فيها , و ان كنا لا ننكر امكان اشراف  بعض النفوس الكاملة على المقبور فيها , و اطلاق القبر على تلك  الحفر على التوسع فى التعبير . و ثانيهما انها متشابهة بمعنى أن أفراد الانسان الذى هو نوع واحد متماثلة فى صدق معنى الانسان عليها صورة فهى قبور متشابهة , قوله سبحانه : [ ( و ما أنت  بمسمع من فى القبور]( ( 1 ) و القبر الحقيقى للانسان ليس بخارج عنه بل هو ذو مراتب  , ففى هذه النشأة أفراد متشابهة , و فى الاخرة أنواع متخالفة فقبر هو روضة من رياض الجنة , و قبر هو حفرة من حفر النار : [ ( و إذا القبور بعثرت ](  ( 2 ) .

ند - عين فى التناسخ :

التناسخ تعلق النفس بغيرها , و ينشعب  الى التعلق ببدن مغائر عنصرى تعلقا تصير النفس نفسا له وهو بدنا لها , و يسمونه بالتناسخ الملكى و هذا باطل . و الى التعلق ببدن آخر أخروى غير مغائر للنفس بل هو من منشئاتها القائمة بها قيام الفعل بفاعله و ان كان مغائرا لبدنها العنصرى بوجه و يسمونه بالتناسخ الملكوتى و هذا حق . و الى تعلقها بغيرها بمعنى سريان أحدية حقيقتها فى صور مختلفة كظهورات  الكمل فى العوالم و تعلقهم بالصادر الأول و ما دونه , و هو تناسخ ملكوتى ايضا و ان شئت  فسمه بالتناسخ الملكوتى السريانى و هذا ايضا حق , و يطلق لفظ التناسخ على الثلاثة بالاشتراك  اللفظى .

نه - عين فى التكامل البرزخى :

التكامل البرزخى حق بلا دغدغة , و لكنه من أغمض المسائل العقلية , لأن الاستكمال لا يتحقق الا بالخروج من القوة الى الفعل , و هو لا يكون بلا استعداد مادى , و بعد انقطاع النفس عن نشأة الحركة كيف  يتصور فيها الاستكمال ؟ و غاية ما تيسر لنا من التحقيق هى ما حررناها فى النكتة السابعة و الثلاثين و ستمائة من كتابنا ألف  نكتة و نكتة . ثم كما أن مسألة التكامل البرزخى من المسائل العويصة , كذلك  مسألة تجدد الأحوال و الأفعال لأهل الجنة و النار مع أن الاخرة دار الصور الصرفة و لا مادة و لا قوة هناك  فتدبر . ثم يتبع التكامل البرزخى مسألة الخلود و هذه عقبة پاورقى :

1 . فاطر : 22 .

2 . انفطار : 4 .

صفحه : 25

أخرى . و الله ولى التوفيق .

نو - عين فى أن النفس لها أن تخلف  فى مادة بدنها العنصرى صورة تستبقى المادة على طبيعتها :

قد علمت  أن النفس جوهر روحانى النسج و السوس , و له أنحاء التعلقات و التصرفات  فى العوالم فلا بأس أن تفارق هذا البدن و تخلف  فيه صورة تستبقى المادة على طبيعتها باشرافها عليه كأصحاب  الكهف  و أترابهم . نز - عين فى المزاج العنصرى و الروحانى :

النفس لها مركب  آخر غير هذا المركب  العنصرى , من جنس الدار التى تنتقل اليها فان للقوى الروحانية بحسب  الفعل و الانفعال و اجتماعاتها امتزاجات  روحانية تحصل منها هيأة وحدانية مسماة بالمزاج الروحانى , و هو لا يبطل ببطلان المزاج الجسمانى كما لا يوجب  فناء تعين البدن فناء النفس الناطقة . و تلك  الهيأة الوحدانية مصدر للاحكام و الاثار الناتجة منها , و الصورة الملكية تابعة لها , كما ان الصورة الطبيعية تابعة للمزاج الحاصل من العناصر المختلفة و الكيفيات  المتقابلة , و الأحكام الظاهرة عليها انما هى بحسب  ذلك  المزاج .

نح - عين فى أن الخيال فى الاخرة يصير عين الحس و يتحد به : الخيال فى الاخرة يصير عين الحس و يتحد به فكذلك  اللذات  الخيالية ترجع فى الاخرة الى الحسية ايضا . و ذلك  لأن القوة الخيالية جوهر قائم لا فى محل من البدن و أعضائه , و انما هى مجردة عن هذا العالم - كما تقدم الاشارة اليه فى الثانية و العشرين - و ان الصور الخيالية بل الصور الادراكية مطلقا قائمة بالنفس قيام الفعل بالفاعل , فاذا خرج النفس عن هذا العالم لا يبقى فرق بين التخيل و الاحساس , إذ القوة الخيالية و هى خزانة الحس قد قويت  و خرجت  عن غبار البدن و زال عنها الضعف  و النقص و اتحدت  القوى و رجع الى مبدئها المشترك  فتفعل النفس بقوتها الخيالية ما تفعله بغيرها , و ترى بعين الخيال ما كانت  تراه بعين الحس , و صارت  قدرتها و علمها و شهوتها شيئا واحدا , و لذلك  قيل[ : ( ان اللذة الخيالية لا تكون فى الجنة](  .

نط - عين فى أن للانسان معادين جميعا :

ان ما تهدينا اليه الايات  القرآنية , و السنن الايقانية و يعطينا الاصول البرهانية , و الأمهات  العرفانية , و المكاشفات  الرحمانية أن الحق صفحه : 26

هو الجمع بين المعادين الروحانى و الجسمانى , و الانسان فى الاخرة هو الانسان فى الدنيا . و لابد لك  فى الاعتلاء الى هذا الخطاب  الفصل من كامل يلقنك  ذلك  الأمر تلقين تفهيم و تفكير .

س - عين فى أنواع الساعة و القلب  و غيرهما :

للنفس أنواع خمسة من الساعة اى القيامة[ ( ان زلزلة الساعة شىء عظيم ]( تلك  الانواع منها ما هو فى كل ساعة و آن , و منها الموت  الطبيعى , و منها الموت  الارادى , و منها ما هو موعود منتظر للكل , و منها ما هو بالفناء للعارفين .

و كذلك  أنواع القلب  خمسة : القلب  النفسى , القلب  الحقيقى المتولد من مشيمة جمعية النفس , القلب  المتولد من مشيمة الروح أى القلب القابل للتجلى الوجودى الباطنى , القلب  الجامع المسخر بين الحضرتين , و القلب  الأحدى الجمعى , كما ان اقسام كل واحد من : الذكر أعنى حقيقة الحمد , و العرش , و النون , و الحضرات  , و النكاحات  خمسة . فراجع الى النكتة 663 من كتابنا الف  نكتة و نكتة .

سا - عين فى أن العلم و العمل جوهران :

الانسان ليس إلا علمه و عمله , و هما يتحدان بالنفس اتحادا وجوديا بل الأمر أشمخ من الاتحاد . و لك  أن تقول من حيث  انهما يتحدان بالنفس وجودا فهما فوق المقولة . و العلم مشخص الروح الانسانى و العمل مشخص بدنه الأخروى , و هذا سر مكنون , و هو الفتاح العليم .

سب  - عين فى أن الجزاء فى طول العلم و العمل , بل هو انفسهما : كل ما يلاقيه الانسان فى الاخرة ليس إلا غايات  أفعاله , و صور أعماله , و آثار ملكاته : [ ( و لا تجزون إلا ما كنتم تعملون](   ( 1 ) فان العلم و العمل مقوما النفس و مشخصاها , و المعرفة بذر المشاهدة , و الملكات مواد الصور البرزخية من الابدان المكسوبة و المكتسبة .  جزاء وفاقا [ ( كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل و اتوا به متشابها](   ( 2 ) انما هى اعمالكم ترد عليكم [ ( انه عمل غير صالح]( ( 3 )

پاورقى :

1 . يس : 54 .

2 . البقرة : 25 .

3 . هود : 46 .

صفحه : 27

سج - عين فى تجسم الأعمال :

التجسم من الجسم بمعناه الدهرى . و يعبرون عن تجسم الأعمال بتمثل الأعمال , و بتجسد الاعمال , و بتجسم الأعراض ايضا , لأن الاعمال و ان كانت  بحسب  صورها العنصرية أعراضا , و لكن الملكات  الحاصلة منها متجسمة فى صقع النفس قائمة بها قيام الفعل بفاعله , فان خزانة سعى أعمال الانسان هو الانسان نفسه , [ ( و أن ليس للأنسان إلا ما سعى](   . [ ( باش تا از خواب  بيدارت  كنند

در نهاد خود گرفتارت  كنند](

اوائل المقالات  للمفيد فى مسائلة القبر : قيل انما سمى ملكا الكافر ناكرا و نكيرا لأنه ينكر الحق و ينكر ما يأتيانه به و يكرهه , و سمى ملكا المؤمن مبشرا و بشيرا لأنهما يبشرانه من الله تعالى بالرضا و الثواب  المقيم , و أن هذين الاسمين ليسا بلقب  لهما و انهما عبارة عن فعلهما . انتهى . و هذا التفسير كلام كامل فى غاية الجودة . و نعم ما قيل بالنظم الفارسى :

[ ( دگر باره بوفق عالم خاص

شود اعمال تو اجسام و اشخاص](

سد - عين فى ان الانسان فى هذه النشأة نوع تحته أفراد , و فى الاخرة جنس تحته أنواع :

تذكر ما فى الثالثة و الخمسين , ثم اعلم أن النفس الانسانية فى هذه النشأة صورة الهيولى , و فى الاخرة هيولى الصور الأخروية , فان ملكات العلوم و الأعمال مواد الصور البرزخية , و تلك  الصور إما أبدان مكسوبة , ان كانت  المواد حسنة , و إما ابدان مكتسبة , ان كانت  سيئة [ ( لها ما كسبت  و عليها ما اكتسبت](    ( 1 ) و تلك  الملكات  كالأرواح لتلك الاظلال , اعنى أجسادها البرزخية و أبدانها الأخروية , و روح الأرواح هى النفس الانسانية , تفصيلها يطلب  فى الدرس 23 من كتابنا دروس اتحاد العاقل بالمعقول , فالانسان نوع واحد متفق الافراد فى هذا العالم , و اما فى الاخرة فانواعه متكثرة لا تحصى بحسب  صور تناسب  ملكاتها . و فى القرآن : [ ( و إذا الوحوش حشرت](    ( 2 ) و فى النهج [ ( الصورة صورة انسان , و القلب  قلب  حيوان](   .

سه - عين فى ان لذات  النفس و آلامها فى هذه النشأة من مقولة الانفعال , و فى

پاورقى :

1 . البقرة : 286 .

2 . التكوير : 5 .

صفحه : 28

الاخرة من مقولة الفعل :

كون اللذات  الدنياوية و آلامها انفعالات  للنفس ظاهر لا غبار عليه , و انما ينبغى اعمال حق النظر فى الأخروية منهما لا تقاس بالدنيوية , فان اللذات  الاخروية مثلا ابتهاجات  للنفس بذاتها و بلوازمها و أفعالها من حيث  انها أفعالها , و الفعل و الأنفعال مقولتان مختلفتان لا اشتراك لهما فى أمر ذاتى فلا مجانسة بينهما فلا يقاس احديهما بالأخرى . و الأمثال الواردة فى القرآن و لسان النبوة , الغرض فيها تنبيه النفوس العامية عن أحوال الاخرة كما قال تعالى شأنه : [ ( و تلك  الامثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون](   ( 1 ) . فالامثال للناس و التعقل للعالمين .

سو - عين فى معرفة النفس و العجز عن معرفتها :

قد كثرت  كلمات  مشايخ أهل المعرفة حول التمكن من معرفة النفس , و العجز عن معرفتها . قال العلامة البهائى فى الأربعين من الأربعين[ : ( قد تحير العقلاء فى حقيقتها , و اعترف  كثير منهم بالعجز عن معرفتها , حتى قال بعض الاعلام :  ان قول امير المؤمنين عليه السلام : من عرف  نفسه فقد عرف  ربه  , معناه انه كما لا يمكن التوصل الى معرفة النفس لا يمكن التوصل الى معرفة الرب  , و قوله عز و علا : [ ( و يسئلونك  عن الروح قل الروح من أمر ربى و ما اوتيتم من العلم الا قليلا](   ( 2 ) مما يعضد ذلك  , انتهى . و الصواب  أن معرفتها صعب  , لا أنها غير ممكنة كما قال صاحب  الاسفار[ : ( ان النفس الانسانية ليس لها مقام معلوم فى الهوية , و لا لها درجة معينة فى الوجود , بل هى ذات  مقامات  و درجات  , و ما هذا شأنه صعب  ادراك  حقيقته و عسر فهم هويته](  .

ثم ان المعرفة نظرية فكرية , و شهودية ذوقية , و النظر الفكرى رؤية عن بعد , و الشهودية الذوقية هو الوجدان و الكشف  , و ان معرفة النفس مما لا يمكن الوصول اليها إلا بمكاشفات  باطنة و مشاهدات  سرية لا تحصل إلا برياضات  و مجاهدات  , و تلك  المكاشفات  و المشاهدات  هى فى الحقيقة تخطى النفس الى عالم المفارقات  . و المعرفة الشهودية حاصلة لنا على قدر سعة جدولنا الوجودى المتصل بالبحر الوجودى الصمدى . فالعجز عن كنه حقيقتها لا يختص بها , بل هو جار فى معرفة اية كلمة وجودية لأنها شأن من شئون الوجود

پاورقى :

1 . عنكبوت  : 43 .

2 . إسراء : 85 .

صفحه : 29

الصمدى , فافهم .

ثم من لطائف  كلمات  الحكيم الربانى انباذ قلس[ : ( ان من رام ان يعرف  الاشياء من العلو - اعنى من الجوهر الاول عسر عليه ادراكها , و من طلبها من اسفل , عسر عليه ادراك  العلم الأعلى لانتقاله من جوهر كثيف الى جوهر فى غاية اللطف  , و من طلبها من المتوسط كنه المعرفة ادرك  به علم الطرفين و سهل عليه الطلب  . و هذا كلام عجيب  لا يعرف  قدره الا من عرف  المتوسط اعنى النفس الانسانية](  ( 1 ) .

عيون مسائل النفس من مواهب  الله السنية , التى رزقنا بها فى شهر الله المبارك  من سنة ست  و أربعمائة بعد الألف  من الهجرة فى دار العلم قم . و قد وقع الفراغ من تصنيف  الرسالة ليلة الجوائز ليلة الفطر من ذلك الشهر من تلك  السنة ايضا ( = 19 / 3 / 1365 هش ) و لعلها من الجوائز الكريمة النفيسة التى قدره سبحانه من بركات  شهره المبارك  لنا حيث وفقنا فى أيامه و لياليه بتفجير تلك  العيون الفائضة المنهمرة التى ماؤها عذب  فرات  سائغ شرابه . و له الحمد على ما هدانا و له الشكر على ما اولينا . و أنا العبد الحسن بن عبد الله الطبرى الاملى المدعو بحسن زاده آملى .

پاورقى :

1 . نزهة الارواح للشهرزورى , ج 1 , ص 53 , طبع حيدر آباد الدكن . صفحه : 30

صفحه : 31

سرح العيون فى شرح العيون

بسم الله الرحمن الرحيم

اقرأ بأسم ربك  الذى خلق , خلق الانسان من علق , اقرأ و ربك  الأكرم , الذى علم بالقلم , علم الانسان ما لم يعلم  , فالحمد و الثناء لمن كثف اللطيف  و لطف  الكثيف  فى صنع آدم و العالم , فأتقن , و أبرم , و أحسن , و أحكم .

و الصلوة و السلام على أئمة الأمم , الخازنين كرائم الكلم من أنوار القدم , و الحائزين خزائن الحكم من المقام الأقدم , سيما إمامهم التجلى الأعظم و المجلى الأتم , المنزل عليه القرآن الفرقان الذى يهدى للتى هى أقوم محمد النبى الخاتم , المشير إلى سر ختميته بقوله : [ ( أتيت جوامع الكلم](   فهو أدل دليل على ربه الأكرم , و آله المصطفين من العرب  و العجم , و الهادين بأسرارهم إلى الطريق الأمم , و الرافعين بأنوارهم أستار الظلم .

و بعد فيقول الراجى فهم الخطاب  المحمدى , الحسن بن عبدالله الطبرى الاملى - المدعو بحسن زاده آملى - متبركا بكلامه سبحانه [ ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون](  [ : ( 1 ) ( إن هذه الفرائد مما أدى اليها نظره فى شرح عيون مسائل النفس , فى تضاعيف تحقيقه و تدقيقه و تفاريق تنميقه و تنقيبه حول معرفة النفس فى أمد سنين .

پاورقى :

1 . الجاثية : 30 .

صفحه : 32

كثيرة كان يدرس فى حوزتى طهران و قم , الكتب  الحكمية البرهانية , و الصحف  النورية العرفانية التى هى فى الحقيقة التفاسير الأنفسية للكشف الأتم المحمدى و فصل الخطاب  الأحمدى - صلى الله عليه و آله و سلم - راجيا من المفيض الوهاب  على الاطلاق , أن يجعل كل عين  عينا يشرب  بها عباد الله يفجرونها تفجيرا .  و هى من مواهب  الله السنية و عطاياه الجزيلة , و جوائره الكريمة النفيسة التى أنعم بها عبده المستكين , و قدرها له بتفجير تلك  العيون الفوارة المنهمرة , فله الحمد على ما هدينا و له الشكر على ما اولينا .

و لما رأى رسالته عيون مسائل النفس وجيزة غريزة المحاسن , و صحيفة عزيزة المطالب  , حاول شرحها على قدر الوسع و الطاقة , مبتهلا اليه , جل شأنه وعلت  كلمته فوفقه له و هو ولى التوفيق , و هو هذا الشرح المسمى بسرح العيون فى شرح العيون الذى بين يديك  أيها القارىء الكريم مع اصله رسالة عيون مسائل النفس فالكتاب  صحيفة من صحف  اعماله , فيقول  هأوم اقرؤا كتابيه  . [ ( فلله الحمد رب  السموات  و رب  الأرض رب العالمين و له الكبرياء فى السموات  و الأرض و هو العزيز الحكيم](   ( 1 ) .

اعلم أن من سفه نفسه فهو اظلم الناس بنفسه , و أن احياء النفوس من موت  الجهل , و ايقاظها من نوم الغفلة , و اخراجها من الظلمات  الى النور , أنما هى من شأن السفراء الالهية , و ممن اقتفى بهم على هديهم . و قد قال الله - علت  كلمته - : [ ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم](   ( 2 ) .  و قد وصف  الوصى الامام على بن ابى طالب  - عليه السلام - آل محمد - صلوات  الله عليهم - بأنهم عيش العلم و موت  الجهل  ( 3 ) . و العلم حيوة الأرواح , كما أن الماء حيوة الأشباح . و الايات  و الروايات  - فى ذلك  المرصد الأسنى و المقصد الأعلى المدونة على نضد خاص فى الجوامع الروائية , و الصحف  العلمية اكثر من أن تحصى .

و العالم إن عرف  قدره و لا يخرج عن طوره الالهى , و لا يتجاوز عن زيه الروحانى فهو على قدم عيسى روح الله ( ع ) اعنى انه عيسوى المشهد و المشرب  فى الحقيقة , لأن عمله الصالح أنما هو احياء الموتى بأذن الله - تعالى شأنه - يعجبنى فى المقام نقل ما افاده الشيخ

پاورقى :

1 . الجاثية : 37 - 38 .

2 . الانفال : 25 .

3 . نهج البلاغة , خطبة 237 .

صفحه : 33

الأكبر فى الفص العيسوى من فصوص الحكم , و العلامة القيصرى فى الشرح . فقال الشيخ :

[ ( و أما الاحياء المعنوى بالعلم , فتلك  الحيوة الالهية الذاتية العلية النورية , التى قال الله فيها : [ ( أومن كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشى به فى الناس](   ( 1 ) . فكل من يحيى نفسا ميتة بحيوة علمية فى مسئلة خاصة متعلقة بالعلم بالله فقد أحياه بها , و كانت  له نورا يمشى به فى الناس أى بين أشكاله فى الصورة .

و قال الشارح القيصرى[ : ( إنما جعل الحيوة الحاصلة بالعلم حيوة إلهية ذاتية لأن حقيقة العلم عين الذات  , و كذلك  حقيقة الحيوة أيضا . فالعلم و الحيوة فى المرتبة الأحدية شىء واحد . و لما كان العلم أشرف  الصفات الالهية , إذ به تظهر الحقائق الالهية و الكونية , و صفه بالعلو . و من حيث  انه يظهر الأشياء وصفه بالنورية , إذ النور هو ما يظهر لنفسه و يظهر لغيره . و وصفه - رضى الله عنه - اياها بالصفات  الكمالية اشارة إلى أن الحيوة العلمية أشرف  من الحيوة الحسية لأنها حيوة الروح , و الحيوة الحسية حيوة الجسد , و الروح أشرف  من الجسد فحيوتة أيضا كذلك  , لكن الحسية أوقع فى النفوس من العلمية لأنها مترتبة على القدرة التامة التى هى أيضا من الخصائص الالهية لذلك  صار أعز وجودا و أعظم وقعا . و لما كان للعلم مراتب  و أعظمها العلم بالله و إسمائه و صفاته خصه بالذكر , و ان كان بحسب  كل منها يحصل حيوة مناسبة لها . و قد أعطى الله أولياءه الكمل نصيبا تاما من الحيوة العلمية , ليفيضوا على نفوس المستعدين المؤمنين بهم منها فيحيونهم بالنور الالهى و يمشون به فى الناس , كما قال : [ ( أومن كان ميتا](   أى بموت  الجهل [ ( فاحييناه](   أى بالحيوة العلمية [ ( و جعلنا له نورا](   و هو العلم [ ( يمشى به فى الناس](   فيدرك  ما فى بواطنهم من استعداداتهم و خواطرهم و نياتهم , و ما فى ظواهرهم من أعمالهم المخفية من الناس , بذلك  النور .

و قوله[ : ( أى بين اشكاله فى الصورة](  المراد بالشكل ماله التشكل و هو البدن , أى ذلك  النور يسرى بين ابدان الناس فيدرك  ما فيها من النفوس و لوازمها و استعداداتها التى لا يطلع عليها إلا من شاء الله من الكمل .

و يجوز أن يكون المراد منها الهيئات  و الأوضاع التى للبدن , الظاهرة فى الصورة الانسانية , إذ المتفرسون يدركون منها ما فى نفوسها و قواها , و ما هى عليها من الأعمال .

پاورقى :

1 . الانعام : 122 .

صفحه : 34

و الأفعال ( 1 ) .

و أقول : ما قال من بيان أن الحسية أوقع فى النفوس من العلمية , و ان كان وجها وجيها , و لكن الأنسب  ما افاده المحقق الطوسى فى شرحه على اشارات  الشيخ حيث  قال فى شرح الفصل الرابع من النمط التاسع منه فى المعجزات  القولية و الفعلية[ : ( إن الخواص للقولية أطوع , و العوام للفعلية أطوع](  . و على هذا المنوال , قال العارف  الرومى فى الدفتر الرابع من المثنوى :

[ ( پند فعلى خلق را جذاب تر

كو رسد در جان هر با گوش وكر](

و أما ما أفاده فى بيان قول الشيخ[ : ( أى بين أشكاله فى الصورة]( فجملة الأمر فى ذلك  أن عين البصيرة - و يعبرون عنها بالعين البرزخية ايضا - تفتح بنور العلم , فترى الناس على صور و اشكال تقتضيها ملكاتهم المستجنة فى نفوسهم , كما ستطلع على برهانه فى العيون الجارية , و أشرت اليه فى تائيتى المسماة بينبوع الحيوة .

و عامل فعل كان نفس جزائه

ألا ملكات  عجنت  بالسريرة

إذا فتحت  عيناه فى صقع ذاته

فاما وجوه من وجوه دميمة

و إما وجوه من حسان كريمة

لئن كانت  الأفعال من حسن شيمة

سرائرها تبلى له الويل لو رأى

سريرته مشحونة بالرذيلة

و أنت  ترى الاناس فى السوق قد بدى

تجسم أعمال فهذا كحية

و هذا كخنزير و ذاك  كثعلب

و ذا سبع ينحو افتراس الفريسة

و شرذمة كانت  من أهل السعادة

يميل إليها الطبع من غير وحشة

و حشرهم يوم النشور كنشرهم

هنا فى جماعات  و سوق و سكة

و من افادات  المتأله السبزوارى فى شرح الأسماء أنه[ : ( لما كان البيان بمنزلة السحاب  , و المعنى بمنزلة الروح و الحيوة , و النفس الجاهلة بمنزلة الأرض الميتة كما فى قوله تعالى : [ ( و هو الذى يرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته حتى اذا أقلت  سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات  , كذلك  نخرج الموتى لعلكم تذكرون](   ( 2 ) فالانسان إذا أراد أن يتكلم بكلام فمبدء هذه الارادة أولا صورة عقلية فى القوة

پاورقى :

1 . شرح القيصرى لفصوص الحكم , ايران , الطبع الأول , ص 329 - 328 . 2 . الأعراف  : 57 .

صفحه : 35

الناطقة على وجه البساطة , و ينشأ من هذه القوة أثر فى القلب  , ثم يظهر فى الخيال , ثم يسرى أثره بواسطة الروح البخارى إلى الأعصاب  ثم الى العضلات  , فيوجد صورة الصوت  فى لوح الهواء المقروع بواسطة التقاطع العارض له فى المخارج , و هذا غاية نزوله من عرش القلب  الى فرش عنصر الهواء . ثم يصعد منه اثر الى الصماخ , و منه الى العضلات  , و منها الى الأعصاب  و الأرواح البخارية , و منها الى الدماغ , و منها الى الخيال حتى الناطقة , فهذا الترتيب  الصعودى على عكس الترتيب  النزولى , كان محييا للموتى أعنى النفوس الجاهلة مخرجا لثمرات  العلوم من اكمامها اعنى فطرتها .

و من اسراره أن مساوقه الذى هو القول الذى عدده مائة و ستة و ثلاثون , و هو مبلغ عدد مساحة مربع زوج الزوج الأول موافق لعدد محيى كل حى و هو عدد المؤمن . و فى مجمع البيان قال الصادق عليه السلام : البيان الاسم الأعظم الذى علم به كل شىء ( 1 ) .

بيان : لما كان المربع الوفقى صورة جمعية الأعداد بشرط كمال السوية و الاعتدال , و كان مظهر تلك  الجمعية فى موطن الظهور و الاظهار آدم , و فى موقف  الشعور و الاشعار القول , فالعدد ما لم يبلغ الى عدد آدم اى اربعة و خمسين لم يمكن وضعه فى المربع الوفقى , كما انه ما لم يبلغ الى عدد القول و هو ستة و ثلاثون و مائة - لم يمكن ايضا وضعه فى المربع الوفقى الذى اقسام كل ضلع منه يساوى عدد اضلاعه الأربعة اى القول . و من بدائع أسرار العدد ان فضل القول على آدم هو عدد الكمال أى احد و تسعون , و هو مقوم الاسم الشريف  محمد - على مسماه شرائف  الصلوات  و كرائم التحيات  - يعنى أن حقيقة آدم ما لم يرتق فى المعارج الكمالية الى الكمال المحمدى لم يصر مهبط القول الكامل اى القرآن الفرقان الذى هو كافل لاعراب  كنه كل شىء كما ينبغى , و لم يصر مبين حقائق الاسماء على ما هى عليها .

و المساحة فى الالواح الوفقية هى أن يضرب  عدد الوفق - ان كان مربعا فالاربعة , و ان كان مخمسا فالخمسة و هكذا - فى نفسه و يزداد على الحاصل واحد , ثم يضرب  فى نصف  عدد الوفق فما حصل فهو مساحة ذلك  اللوح الوفقى . مثلا إن كان اللوح مربعا فمساحته اربعة و ثلاثون ( 34 = 2 ضربدر 17 = 1 بعلاوه 16 = 4 ضربدر 4 ) و على هذا القياس . و زوج الزوج الأول هو پاورقى :

1 . شرح الاسماء للسبزوارى , الطبع الناصرى , ص 52 - 51 . صفحه : 36

الأربعة , و الثانى هو الثمانية , و الثالث  هو الستة عشر , و على هذا القياس . ثم فى المصباح كلام كامل فى القول و القائل و هو ما يلى : و لما كان اخص خواص الصورة الانسانية القول و النطق الظاهرى و الباطنى , حيث  لا يوجد فى سائر الصور , كان مبدء سلطنة ادوار مظاهر الاسماء لتحقيق كمال الاستجلاء مظهر القول , فاقتضى التجلى الثانى من حيث  الاسم القائل بحكم المحبة الاصلية و تحريكها للمفاتيح بحكم السراية فيها بعد تحققها بكمالاتها الاختصاصية تخمير طينة آدم عليه السلام لأن هذه المظاهر كلها أجزاء اليد المضاف  اليها تسويته , ثم نفخ فيه بلا واسطة من روحه الاعظم فكان اثر الاسم القائل فيه اقوى لذلك  اختص بانباء الأسماء للملائكة , و كان موقفه برزخية السماء الدنيا بمجاورة الكوكب  المختص بمظهرية القائل , وكان فيها بيت  العزة التى هو محل نزول القرآن جملة , و غير ذلك  , فكان صورة آدم الجامعة بين جميع الكمالات  اصلا و منشئا لجميع الصور الانسانية التخطيطية كما كان محمد - صلى الله عليه و آله و سلم - و حقيقته التى هى حقيقة الحقائق منشئا و اصلا لجميع الحقائق و الارواح الانسانية و غير الانسانية . انتهى ما افاده العلامة ابن الفنارى فى القول و القائل فى كتابه مصباح الانس فى شرح مفتاح الغيب  للصدر القونوى ( 1 ) .

و الغرض أنا لما رأينا أن معرفة النفس مدخل كل خير , و باب  سائر ابواب  المعارف  الحقة إلالهية , و ان الانسان بذلك  الباب  يلج ملكوت السموات  و الأرض , و يصل الى كماله اللائق له , اقتدينا بالعلماء الربانيين , و اهتممنا بتنميق ما تيسر لنا فى ذلك  الأمر الخطير - أعنى معرفة النفس - بعون الله المفيض الوهاب  الملهم الى الصواب  , لعله يعد النفوس المستعدة لقرائة ما فى صحفهم الأنفسية , و الفوز بسعادتهم الأبدية , و يوجب  لنا الخير و البركة فان الدال على الخير كفاعله , و إن المعين على عمل كعامله .

اعلم أن باب  الغيب  يفتح لنا بمعرفة النفس الناطقة . و أن طريقنا الى المعاد هو - كما سلكه الحكيم ابن مسكويه ايضا فى الفوز الاصغر - ( 2 ) معلق باثبات  النفس و اثبات  انها ليست  بجسم و لا عرض و لا مزاج , بل جوهر قائم بنفسه , غائب  عن الحواس و الأوهام , غير مخالط للمادة , روحانى النسج و السوس , برىء عن الأجسام , منفرد الذات  بالقوام و العقل ,

پاورقى :

1 . مصباح الانس فى شرح مفتاح الغيب  , الطبع الأول , ص 280 . 2 . الفوز الاصغر لابن مسكويه , طبع مصر , لسنة 1325 , ه . ق , ص 27 . صفحه : 37

لا يفسد بفساد بدنه العنصرى , بل غير قابل للموت  , باق ببقائه الأبدى . و أن علم الانسان و عمله جوهران مقومان لذاته و هما يتحدان به اتحادا و جوديا , اى الانسان ليس الا علمه و عمله . و أن علمه مشخص روحه , و عمله مشخص بدنه الأخروى . و أن جزاءه على وفق علمه و عمله , بل العلم و العمل نفس الجزاء . و أن المعرفة بذر المشاهدة . و أن الملكات  مواد الصور البرزخية من الأبدان المكسوبة و المكتسبة , يعبرون عن تلك  الصور بتجسم الاعمال من الجسم بمعناه الدهرى , و عن الانسان بأنه فى هذه النشأة نوع تحته افراد و فى الاخرة جنس تحته انواع .

فمبحث  النفس من غرر المباحث  الحكمية فى جميع الصحف  العلمية . و الذ المعارف  , و اعزها بعد معرفة الله تعالى شأنه معرفة الانسان نفسه , و هى من إهم المعارف  و أجلها , كيف  لا و معرفتها أم الحكمة و اصلها , و مفتاح خزائن الملكوت  , و مرقاة معرفة الرب  لكونها مثال مفطرها ذاتا و صفة و فعلا , و لا طريق الى وصول معرفة الرب  إلا من معرفة الافاق و الانفس قال - عز من قائل - : [ ( سنريهم آياتنا فى الافاق و فى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق , او لم يكف  بربك  انه على كل شىء شهيد](   ( 1 ) .  و فى الحديث  عنه - صلى الله عليه و آله و سلم[ : - ( ما خلق الله شيئا أشبه به من آدم](  .  و عنه - عليه السلام - ايضا[ : ( إن الله عز وجل خلق آدم على صورة الرحمن](   . و فى رواية اخرى[ : ( إن الله خلق آدم و أولاده على صورة الرحمن](   و أخرى[ : ( إن الله عز وجل خلق آدم على صورته](   و المروى عن الوصى الامام أمير المؤمنين على عليه السلام , و عن الامام الصادق عليه السلام ايضا[ : ( الصورة الانسانية هى اكبر حجج الله على خلقه , و هى الكتاب  الذى كتبه بيده , و هى الهيكل الذى بناه بحكمته , و هى مجموع صور العالمين , و هى المختصرة من اللوح المحفوظ , و هى الشاهدة على كل غائب  , و هى الحجة على كل جاحد , و هى الطريق المستقيم إلى كل خير , و هى الجسر ( الصراط - خ ) الممدود بين الجنة و النار](   .

بيان : الصورة هى كل معنى بالفعل . فالمراد بالصورة فى الحديث  , الأسماء و الصفات  الالهية , أى خلقه موصوفا بجميع تلك  الأسماء و الصفات  و لذلك  قال فى خلق آدم الذى هو

پاورقى :

1 . فصلت  : 54 .

صفحه : 38

البرنامج الجامع لنعوت  الحضرة الالهية التى هى الذات  و الصفات  و الافعال[ : ( إن الله خلق آدم على صورته](  و ليست  صورته سوى الحضرة الالهية . فاوجد فى هذا المختصر الشريف  الذى هو الانسان الكامل جميع الاسماء الالهية و حقائق ما خرج عنه فى العالم الكبير المنفصل , و جعله روحا للعالم فسخر له العلو و السفل لكمال الصورة ( 1 ) و ان شئت  قلت  : بل المراد بالصورة هوية الحق التى اختفت  و حقيقته التى تسرت  فى الحقيقة الانسانية فأظهرت  الانسان , فهويته عين هوية الحق و حقيقته عين الحقيقة الالهية , و هو اسمه الأعظم الجامع لحقائق الأسماء كلها . و هذا ما نطق به العرفان و البرهان على تفسير أسرار القرآن من أن الانسان على صورة الرحمن و إن كان هو سبحانه فى هويته الصمدية فى عز جلاله , و ليس الصمد الحق إلا هو , و عنت  الوجوه للحى القيوم , فهو - تعالى شأنه - صورة الصور كلها , و إن كان الطباع العامية تنبو عن اطلاق لفظ الصورة على الخير المحض , و الوجود البحت  إذ لم يفهموا من الصورة إلا صورة المحسوسات  , و لم يدروا أنه صورة الوجود و الخير و البهاء لأنه عال فى دنوه و دان فى علوه و هو حقيقة الحقائق , بل فى الحقيقة لفظ الصورة لا يطلق إلا عليه إذ هو صورة الوجود كله فافهم .

و الشيخ الالهى الأجل أبو على - رضوان الله تعالى عليه - قد ذكر فى الفصل الرابع من المقالة السادسة من إلهيات  الشفاء معانى الصورة ( 2 ) , و نحن قد نقلناها فى كتابنا دروس معرفة النفس مع ترجمتها بالفارسية و مزيد ايضاح فان شئت  فراجع اليه ( 3 ) .

شرح الحديث  المذكور على ما أفاده المتأله السبزوارى فى شرح الأسماء : [( قوله عليه السلام : الصورة الانسانية - الصورة ما به الشىء بالفعل , و أحد خديه و هو الأيمن عقله النظرى , و الاخر و هو الأيسر عقله العملى . و انما كانت  اكبر حجج الله تعالى - لأنها هيكل التوحيد , و لها الوحدة الجمعية ظل الوحدة الحقيقية للأحد الواحد البسيط المبسوط متعلمة بجميع أسماء الله التنزيهية و التشبيهية فمن يراها كيف  ينكر صانعها ؟ . [ ( چو آدم را فرستاديم بيرون

جمال خويش بر صحرا نهاديم](

پاورقى :

1 . فصوص الحكم , الفص الموسوى .

2 . الشفاء , الطبع الرحلى الحجرى , ج 2 , ص 537 .

3 . دروس معرفة النفس , الطبع الاول ص 518 .

صفحه : 39

و هى الكتاب  الذى كتبه بيده - يده المباركة العقل الفعال الذى يفيض منه نقوش الحقائق على النفس القدسية و هذه النفس كتاب  الأبرار الذى فى عليين كما أن النفس المشحونة من الغلط و الكذب  و الجهل المركب كتاب  الفجار الذى فى سجين , المحترق بنار الطبيعة و لوازمها . و قوله عليه السلام[ : ( و هى الشاهدة على كل غائب   مطابق لقول الرضا عليه آلاف  التحية و الثناء :  [ ( قد علم اولو الألباب  أن ما هنالك  لا يعلم إلا بما هيهنا](   , فالعلم الحضورى الواجبى شاهده العلم الحضورى للمجرد النفسى , و العلم الاجمالى الواجبى فى عين الكشف التفصيلى شاهده العقل البسيط الخلاق للعقول التفصيلية , و العلم الفعلى له شاهده العلم التوهمى بالسقوط المنشأ له و أقسام الفاعل منطوية فيه , و قس عليه سائر ما فى الغيب  .

و قوله عليه السلام : و هى الجسر - قد ورد أن له وجهين , أحدهما أدق من الشعر و هو علم التوحيد , و الاخر أحد من السيف  و هو العدالة المتوسطة بين الأطراف  و هذا كسابقه من الكتاب  معنى و لكل معنى صورة , و ايضا حقيقة و لكل حقيقة رقيقة , فكن حافظا بين الأوضاع جامعا بين العالمين]( ( 1 ) . انتهى كلامه رفع مقامه .

و الانسان بعد معرفة نفسه يبحث  عن ما ينبغى أن يطلبه و يفعله لتحصيل السعادة الأبدية , و هو من أهم الأمور و ما لم يعرف  الانسان نفسه فكيف يعرف  غيره ؟ و إذا كان غافلا عن نفسه فأى فائدة له فى معرفة الطبيعيات ؟ !

نقل على بن ربن الطبرى صاحب  فردوس الحكمة فى الطب  , فى صدر المقالة الثانية من النوع الثانى منه , عن ارسطو أنه قال[ : ( إن العلم بالنفس الناطقة اكبر من سائر العلوم , لأن من عرفها فقد عرف  ذاته , و من عرف ذاته قوى على معرفة الله](  ( 2 ) .

و فى اول كتاب  النفس لارسطو طاليس بنقل الدكتور أحمد فؤاد الأهوانى الى العربية , قال ارسطو طاليس[ : ( كل معرفة فهى فى نظرنا شىء حسن جليل و مع ذلك  فنحن نؤثر معرفة على أخرى , إما لدقتها , و إما لأنها تبحث  عما هو أشرف  و أكرم . و لهذين السببين كان من الجدير أن نرفع دراسة النفس الى المرتبة الأولى . و يبدو ايضا أن معرفة النفس تعين على معرفة الحقيقة الكاملة , و بخاصة علم الطبيعة , لأن النفس على وجه العموم مبدأ الحيوانات](   .

پاورقى :

1 . شرح الاسماء السبزوارى , الطبع الاول ص 12 .

2 . فردوس الحكمة , طبع برلين ص 60 .

صفحه : 40

اقول : يشبه أن يكون مفاد ما نقلناه من فردوس الحكمة عن ارسطو , و ما فى كتاب  النفس بترجمة الأهوانى عنه , واحدا , و كلا النقلين ترجمة عبارة واحدة , إلا أن ما فى الاول أمتن و أحسن و أوفى . و المراد بالحقيقة الكاملة فى ترجمة الأهوانى , هو الله سبحانه . و ما فى الفردوس من أن [( من عرف  ذاته قوى على معرفة الله](  هو ما فى نقل الأهوانى[ : ( و يبدو ايضا ان معرفة النفس تعين على معرفة الحقيقة الكاملة](  و لكن , أين احدهما من الاخر ؟ و ليس عندى من كتاب  نفس ارسطو بالعربية غير ترجمة الأهوانى , و كلما نقل من كتاب  ارسطو فى كتابنا هذا فانما هو بترجمته و لم يحضرنى الى الان كتاب  نفس ارسطو بترجمة حنين بن اسحاق . و انما قلت  يشبه أن يكون مفادهما واحدا و كلاهما ترجمة عبارة واحدة لأ نه لم يعهد فى كتاب  نفس ارسطو كلام آخر فى ذلك  غير ما نقلناه عنه , و أمكن أن يكون كلامه فى كتابه الاخر على النحو الذى فى الفردوس , دون كتاب  النفس , و الله سبحانه هو العالم .

و نعم ما أفاد صدر المتألهين فى الأسفار من أن مفتاح العلم بيوم القيامة و معاد الخلائق هو معرفة النفس و مراتبها ( 1 ) . و من أن مفتاح هذه المعارف  - يعنى بها أحوال يوم القيامة - معرفة النفس لأنها المنشأة و الموضوعة لأمور الاخرة ( 2 ) .

فويل لمن أهمل نفسه , و لم يقرأ كتاب  انيته و صحيفة نفسه , قال - عز من قائل : [ ( و قد خاب  من دسيها](   ( 3 ) و قال : [ ( و لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنسيهم أنفسهم أولئك  هم الفاسقون](   ( 4 ) . و قال : [ ( و اتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون , أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت  فى جنب الله و إن كنت  لمن الساخرين](   ( 5 ) و التحقيق أن الكمال الأخروى ليس إلا من ثمرات  هذه النشأة موافقا لقوله تعالى : [ ( و أن ليس للانسان إلا ما سعى و أن سعيه سوف  يرى](   ( 6 ) أى أن حقائق ذواتنا پاورقى :

1 . الأسفار لصدر المتألهين , الطبع الاول ج 4 ص 173 .

2 . المصدر , ج 4 ص 184 .

3 . الشمس : 11 .

4 . الحشر : 20 .

5 . الزمر : 57 , 56 .

6 . النجم : 41 .

صفحه : 41

و هوياتنا ليست  إلا ملكاتنا العلمية و العملية , فما لم يستحكم ملكاتنا لم يتم تخمير ذواتنا , و الانسان يتحد وجودا بتلك  الملكات  , و يتم بها , فان الأمر هو اتحاد العلم و العالم و المعلوم و اتحاد العمل و العامل و المعمول , و أن صورة كل انسان فى الاخرة نتيجة عمله و غاية فعله فى الدنيا , و ليس إلا , و لا يتم ما أشرنا إليه إلا بمعرفة النفس . و لعمرى ان معرفتها قطب  جميع المعارف  . و قد أجاد الغزالى بقوله[ : ( تقرير النفس و هل هى باقية أم لا كالقطب  لسائر العلوم , و له يجد المجتهدون و يعمل العاملون , و لا فائدة أعظم منه فان نبوة الأنبياء و الثواب  و العقاب  و الجنة و النار و سائر شئون الدنيا و الاخرة المأخوذة عن الرسل لا تثبت  متى أبطلت  هذه المسألة فان النفس إذا لم يكن لها بقاء فجميع ما أخبرنا به أو طمعنا فيه باطل , و بحسب  ما نثق به من هذه المسئلة نجتهد , و بحسب  ما نغيب  منها نغتر . و بهذه المسألة كفر الزنادقة , فأنهم زعموا أن حقيقة الانسان مزاج معتدل كالنبات  متى اعتدلت  قواه بقى , و متى غلب  عليه حر أو برد فسد و دثر ثم لا يرتجى بعد ذلك  موتا و لا حياة و لا نشورا , فاستخفوا بالخالق و الخلق , و استهانوا برسل الحق , فهذا أهم المعلومات  مطلقا](  ( 1 ) .

و قد تصدى حكمائنا العارفون بغايتها القصوى لتصنيف  كتب  و رسائل فى معرفتها , و بيان ما ينبغى لها أن تتأدب  بها حتى تحوز ما تفوز بها . فقد جعلوا فى صحفهم النورية بابا بل كتابا فيها , بل دونوا رسائل على حدة فى معرفتها , و اعتنوا غاية الاعتناء بها لأن معرفتها باب  كل خير و مدخل كل معرفة .

و الرسائل المصنوعة فى معرفة النفس اكثر من أن تحصى و قد عددنا عدة منها فى سائر رسائلنا . و ذلك  لاهتمام الالهيين من الحكماء فى شأن النفس ردا على المتوغلين فى ظلمات  الأوهام الموهونة , و الخيالات  الواهية , و التسويلات  الشيطانية , و هم الذين أخلدوا الى الأرض و اتبعوا أهوائهم الكاسدة الفائلة القائلة بأن الانسان ليس إلا هذه البنية العنصرية الداثرة البائدة فاذا تلاشت  بطلت  ذات  الانسان برمتها فلا يبقى منه ما يكون له حشر , و معاد , و جزاء , و ثواب  , و عقاب  . و لم يعلموا أن الاماتة ليست  باعدام , و إفناء , و أن الموت  ليس بعدم و فناء بل هو رجوع كل شىء الى أصله , و عود كل صورة الى حقيقتها , و ارتقاء الانسان إلى بارئه المتوفى اياه , و أن الانسان حى ابدى لا يموت  إلا باذن الله - جل شأنه - , و أن النفس الناطقة الانسانية مظهر مفطرها  لا تأخذها سنة و لا نوم  , و لا يعرضها موت  و لا فناء . و ليس

پاورقى :

1 . من شرح قصيدة ابن سينا للمناوى , طبع مصر ص 84 .

صفحه : 42

الموت  المعهود إلا تفريق صفة الوصل . أعنى أن الموت  يرد على الأوصاف لا على الذوات  لأنه تفريق لا إعدام و رفع و افناء فهو فى الحقيقة انقطاع الانسان عن غيره و ارتقائه إلى بارئه المتوفى إياه .

على أن لكل انسان كغيره جهة من الحضرة الالهية هى المشار اليها بقوله سبحانه : [ ( و لكل وجهة هو موليها](   ( 1 ) فلا معنى لانعدام عين الانسان , و كذلك  انعدام اعيان غيره , فلا معنى له , فافهم . و بالجملة البحث  عن النفس محور جميع العلوم العقلية و النقلية , ألا ترى أن السفير الأعظم الالهى ربط معرفة الرب  بمعرفة النفس فقال : [ ( من عرف  نفسه فقد عرف  ربه ؟](  فان من عرف  نفسه فوق ما يعرف بالتنزيه و التشبيه , و جمع فى معرفتها بينهما و وجدها موصوفة بهما و غير موصوفة بهما ايضا , فقد جمع فى معرفة ربه بينهما كذلك  , و نال بمعرفة نفسه درجة الكمال فى العلم بالله تعالى فى ذاته و صفاته و افعاله , و ذلك  لان باطن النفس الانسانية تنزيه و ظاهرها تشبيه , و هى عالية فى دنوها و دانية فى علوها .

و المروى عن كشاف  الحقائق إمام الملك  و الملكوت  صادق آل محمد عليهم الصلوة و السلام : [ ( الجمع بلا تفرقة زندقة , و التفرقة بدون الجمع تعطيل , و الجمع بينهما توحيد](   فافهم .

و الحكيم الطبيعى الالهى يسلك  لاثبات  الحق سبحانه طريق حركة النفس , بأنها فى أول الأمر بالقوة , ففى خروجها من القوة إلى الفعل , لابد لها من مخرج فأعلى و هو اما الواجب  أو منته اليه , و كذا لابد لها من مخرج غائى فان الحركة طلب  و الطلب  لابد له من مطلوب  , و كل مطلوب  تناله النفس , لا تقف  عنده و لاتطمئن دونه حتى تفد على باب  الله و ترد على جنابه فلابد أن ينتهى المطالب  إلى مطلوب  , به تطمئن القلوب  , و هو المطلوب  .

و من لطائف  ما فى رسالة فيلسوف  العرب  يعقوب  بن إسحاق الكندى فى حدود الأشياء و رسومها هو ما أتى به فى حد الفلسفة حيث  قال : [ ( الفلسفة - حدها القدماء بعدة حروف]( -   الى أن أتى بعد نقل حدود أربعة فى تحديدها بما هذا لفظه :

و[ ( حدوها ايضا فقالوا : الفلسفة معرفة الانسان نفسه](  . ثم قال فى بيانه :

پاورقى :

1 . البقرة : 148 .

صفحه : 43

و هذا قول شريف  النهاية بعيد الغور مثلا أقول : إن الاشياء إذا كانت أجساما و لا أجسام , و ما لا اجسام إما جواهر و اما أعراض , و كان الانسان هو الجسم و النفس و الأعراض , و كانت  النفس جوهرا لا جسما , فانه إذا عرف  ذاته عرف  الجسم بأعراضه و العرض الأول و الجوهر الذى هو لا جسم , فاذن إذا علم ذلك  جميعا , فقد علم الكل , و لهذه العلة سمى الحكماء الانسان العالم الأصغر](  ( 1 ) .

اقول : بيان الحد المذكور أرفع بدرجات  مما قاله الكندى كما ستعلم فى تضاعيف  مسائل العيون , سيما فى العين الثامنة و الاربعين فى تطابق الكونين . و الان نشير اليه إجمالا فنقول : الانسان بالفعل هو الذى بلغ الى كماله الممكن له و هذا الكمال هو معرفة الكلمات  الوجودية التى يعبر عنها بالحقائق النورية على ما هى عليها بالذوق الوجدانى , و الشهود الايقانى , و الكشف  النورانى بالالقاء السبوحى , لا الاطلاع على مفاهيمها الاصطلاحية فقط , فان الفلسفة - كما فى أول الاسفار[ ( استكمال النفس الانسانية , بمعرفة حقائق الموجودات  على ما هى عليها و الحكم بوجودها تحقيقا بالبراهين لا أخذا بالظن و التقليد , بقدر الوسع الانسانى . و بعبارة أخرى : نظم العالم نظما عقليا على حسب  الطاقة البشرية ليحصل التشبه بالبارى تعالى](  .

أقول : التعريف  الأخير فى الأسفار ناظر إلى ما أتى به الشيخ الرئيس فى السابع من تاسعة آلهيات  الشفاء[ : ( من ان النفس الناطقة , كما لها الخاص بها أن تصير عالما عقليا مرتسما فيه صورة الكل و النظام المعقول فى الكل و الخير الفائض فى الكل , مبتدئة من مبدء الكل سالكة إلى الجواهر الشريفة الروحانية المطلقة , ثم الروحانية المتعلقة نوعا ما بالأبدان , ثم الأجسام العلوية بهيئاتها و قواها , ثم كذلك  حتى تستوفى فى نفسها هيأة الوجود كله , فتنقلب  عالما معقولا موازيا للعالم الموجود كله مشاهدة , لما هو الحسن المطلق و الخير المطلق و الجمال الحق المطلق و متحدة به و منتقشة بمثاله و هيأته و منخرطة فى سلكه و صائرة من جوهره ]( ( 2 ) .

ثم ان نظير كلام الشيخ فى كمال النفس ما قاله الحكماء فى حد الفلسفة : [( انها التشبه بالاله بقدر الطاقة البشرية](  و قال صاحب  الأسفار فى بيانه[ : ( و مفاده ان من يكون علومه

پاورقى :

1 . رسالة فى حدود الاشياء و رسومها للكندى , الطبع الاول , مصر ص173 - 172 .

2 . الشفاء , الطبع الاول , ج 2 , ص 546 .

صفحه : 44

حقيقية و صنايعه محكمة و اعماله صالحة و اخلاقه جميلة و آراؤه صحيحة و فيضه على غيره متصلا يكون قربه الى الله و تشبهه به اكثر لأن الله سبحانه كذلك](   ( 1 ) .

ثم تفكر فى هذا الأثر المؤثر المروى فى كشكول الشيخ البهائى  عن الوصى امير المؤمنين على عليه السلام قال لحبر من أحبار اليهود و علمائهم[ : ( من اعتدل طباعه صفى مزاجه , و من صفى مزاجه قوى أثر النفس فيه , و من قوى أثر النفس فيه سمى إلى ما يرتقيه , و من سمى إلى ما يرتقيه فقد تخلق بالأخلاق النفسانية , و من تخلق بالأخلاق النفسانية فقد صار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان و دخل فى الباب  الملكى و ليس له عن هذه الحالة مغير](  . فقال اليهودى[ : ( الله أكبر يا ابن أبى طالب  لقد نطقت  بالفلسفة جميعها](   ( 3 ) .

و من لطائف  كلمات  الحكيم الربانى انباذقلس و كان فى زمن داود النبى عليه السلام و قد اخذ الحكمة عن لقمان بالشام , و قيل عن سليمان النبى - عليه السلام - ما قاله فى معرفة النفس و قد نقله الشهرزورى فى نزهة الأرواح بهذه العبارة .

ليس يقدر أحد أن يعرف  النفس إلا من كانت  نفسه طاهرة زكية مستولية على بدنه فيعرف  حينئذ ما النفس , و يراها رؤيا حسنا لأنها روحانية غير متجسمة , و يعرف  أنها جوهر , لا اشرف  منه و لا اكرم , باق دائم لا يموت و لا يفنى , فأما جل الناس فان نفوسهم ناقصة , كأنها بدن مقطوع الأعضاء فينكرون شرفها و حسنها و بساطتها و عدم موتها و هو خطأ لانه لا ينبغى لأحد أن يقول قولا فى شىء قبل أن يفحص عنه و يعرف  علته و باطنه و ظاهره ثم يقضى عليه , و إذا اراد أن يفحص عن شىء فلا يلقى بصره خارجا على القشر الظاهر بل يحرص على أن يلقيه على روحانية الشىء الباطن فان الشىء الباطن هو الجوهر الخالص و الذى هو بعينه , و الا لم ينل معرفة حقيقة ذلك  الشىء فافهم ذلك  . و هذا كلام فى غاية الحسن .

و قال[ : ( إن من رام أن يعرف  الاشياء من العلو - اعنى من الجوهر الأول عسر عليه إدراكها , و من طلبها من اسفل عسر عليه ادراك  العلم الأعلى , لانتقاله من جوهر كثيف  الى جوهر فى غاية اللطف  , و من طلبها من المتوسط - و عرف  المتوسط كنه المعرفة - ادرك  به علم

پاورقى :

1 . الاسفار لصدر المتألهين , الطبع الاول , ج 3 , ص 123 . 2 . كشكول الشيخ البهائى , الطبع الاول , ص 594 .

صفحه : 45

الطرفين و سهل عليه الطلب](   .

و قال الشهرزورى بعد نقل كلامه هذا[ : ( و هذا كلام عجيب  لا يعرف  قدره إلا من عرف  المتوسط - اعنى النفس الانسانية](  .

ثم قال :

[ ( و قال : ان النفس جوهر مبسوط متحرك  باق , و ليس يعنى بالبسيط هذا البسط , و لكن بسط الذهن و الوهم , فان ذلك  البسط روحانى , و هذا البسط جرمى مركب  عند البسط الأول الوهمى و الذهنى , و انما صار عندنا مبسوطا لانا ندرك  شيئا من الأقاويل اللطيفة التى هى مدركة فى هذا العالم هو الطف  من ذلك  . الخ](  ( 1 ) .

و من لطائف  ما فى رسالة هدية الشيخ الرئيس التى أهداها للامير نوح بن منصور السامانى - و هى رسالة فى النفس - هو قوله فى مقدمتها بهذه العبارة :

[ ( و كنت  قد استنقدت  فى تصفح كتب  الحكماء جهدى فصادفت  المباحث  عن القوى النفسانية من أعصاها على الفكر تحصيلا و أعماها سبيلا .  و رويت عن إمام الأئمة أمير المؤمنين على بن ابى طالب  عليه السلام انه قال[ : ( من عرف  نفسه فقد عرف  ربه](   . و سمعت  رأس الحكماء ارسطاطاليس يقول على وفاق قول امير المؤمنين عليه السلام[ : ( ان من عجز عن معرفة نفسه فأخلق به أن يعجز عن معرفة ربه . و كيف  يرى المرء وثقا به فى معرفة شىء من الأشياء بعد ما جهل نفسه ؟](  و رأيت  الكتاب  يشير الى مصداق هذا بقوله فى ذكر البعداء من رحمته من الضالين : [ ( نسوا الله فأنساهم أنفسهم](   أليس تعليقه نسيان النفس بنسيانه تنبيها على تقرينه ذكره بذكرها و معرفته بمعرفتها ؟ .

و قرأت  فى كتب  الأوائل أنهم كلفوا الخوض فى معرفة النفس لوحى هبط عليهم ببعض الهياكل الالهية يقول[ : ( يا انسان اعرف  نفسك  تعرف  ربك ]( .

و قرأت  أن هذه الكلمات  كانت  مكتوبة فى محراب  هياكل اسقلينوس و هو معدود عنهم فى الأنبياء , و اشتهر من معجزاته أنه كان يشفى المريض بصريح دعائه , و كذلك  كل من كان يتكهن بهيكله من الرهابين , و منه أخذت  الفلاسفة علم الطب]( .

اقول : الرسالة المذكورة اعنى هدية الرئيس قد طبعت  مرة بمصر فى سنة 1325 ه قد عنى بضبطها و تصحيحها الفاضل ادورد ابن كرنيليوس فنديك  , و مرة أخرى بمصر ايضا

پاورقى :

1 . نزهة الارواح , طبع حيدر آباد دكن , ج 1 ص 54 - 52 . صفحه : 46

مع ثلاث  رسائل أخرى نفسية للشيخ بتحقيق الفاضل الأهوانى , و لكننى نقلت  عبارة الشيخ من سفينة مخطوطة محفوظة فى خزانة مكتبة العلم الاية المرعشى ( دامت  بركاته ) فى دار العلم قم , تنتهى ما فيها إلى ثمان و تسعين رسالة و مقالة من كبار القدماء , منها رسالة الهدية المذكورة و مصورة هذه السفينة بتمامها موجودة عندنا , إلا أن عبارات  الشيخ فى الهدية المطبوعة لا توافق هدية السفينة كاملة , ففى المطبوعة بعد قوله : - و أعماها سبيلا - جائت  العبارة هكذا : و رويت  عن ( أو وروى عن ) عدة من الحكماء و الأولياء أنهم اتفقوا على هذه الكلمة و هى ( من عرف  نفسه عرف  ربه ) . و سمعت  رأس الحكماء يقول على وفاق قولهم[ : ( من عجز عن معرفة نفسه فأخلق به أن يعجز عن معرفة خالقه , و كيف  يرى الموثوق به فى علم شىء من الأشياء بعد ما جهل نفسه]( . . .  .

ثم قال فنديك  فى تعليقته على الرسالة فى بيان قول الشيخ[ : ( و سمعت رأس الحكماء يقول]( . . .  ما هذا لفظه[ : ( رأس الحكماء , لا نعهد معاصرا لابن سينا ينطبق عليه هذا النعت  و لا يعهد فى مصنفات  ارسطو جملة فى هذا المعنى . فلذلك  زعم المترجم اللاتينى أنه يعنى برأس الحكماء سيدنا الامام عليا بن أبى طالب  المنسوب  اليه مئة من الحكم](  . اقول : قد صرح فنديك  فى مقدمته على الرسالة باسم المترجم حيث  قال : و عنى بنقلها أى الرسالة فى النفس إلى اللغة اللاتينية فى القرن السادس عشر للميلاد , الايطالى أندراوس ألپاجس طبعت  ترجمته هذه فى مدينة البندقية سنة 1546 م و موجود نسخة منها فى المكتبة اللورنزية بمدينة فلورنزا .

ثم ان قول المترجم المذكور[ : ( المنسوب  اليه مئة من الحكم](  الظاهر منه أنه اراد مئة كلمة أى مئة الحكم التى اختارها ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ( المتوفى 255 ه ) من بين كلماته القصار , سماها مطلوب  كل طالب من كلام امير المؤمنين على بن أبى طالب  , و وصفها بقوله[ : ( كل كلمة منها تفى بألف  من محاسن كلام العرب](   . و لكن الكلام المذكور , أعنى : [( من عجز عن معرفة نفسه فأخلق به أن يعجز عن معرفة خالقه](  غير مذكور فيها , كما ذكر فيها قوله عليه السلام : [ ( من عرف  نفسه فقد عرف  ربه ](  . و هو الكلمة السادسة منها .

بل فى غرر الحكم و درر الكلم التى جمعها عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد الامدى التميمى المتوفى 510 هو تنتهى تلك  الحكم الرائعة و الدرر الناصعة إلى 11050 كلمة من كلماته القصار , غير مذكورة تلك  الكلمة[ : ( ان من عجز]( . . .  ايضا , و إن كان ما يشابهها مذكورة فيها .  منها قوله - عليه السلام[ : - ( لا تجهل نفسك  فان الجاهل معرفة نفسه جاهل صفحه : 47

بكل شىء](  و منها قوله - عليه السلام - من جهل نفسه كان بغيره أجهل]( . و منها قوله عليه السلام[ : ( كيف  يعرف  غيره من يجهل نفسه ؟](  و منها قوله عليه السلام : عجبت  لمن يجهل نفسه كيف  يعرف  ربه ؟](  . و منها قوله - عليه السلام[ - ( من عرف  نفسه فهو لغيره أعرف](   . و قد اتى ابن ابى الحديد شارح النهج فى آخر شرحه عليه بالف  كلمة مما نسبت  اليه - عليه السلام - , و قد طبعت  - على حدة مرة فى بيروت  بعنوان الحكم المنثورة , و أخرى فى النجف  مع كلماته الأخرى , و هى ايضا خالية عن تلك  الكلمة المنسوبة الى رأس الحكماء . مع أن ابن ابى الحديد قال فى أولها[ : ( و نحن الان ذاكرون ما لم يذكره الرضى مما نسبه قوم إليه فبعضه مشهور عنه , و بعضه ليس بذلك  المشهور لكنه قد روى عنه و عزى إليه , و بعضه من كلام غيره من الحكماء لكنه كالنظير لكلامه و المضارع لحكمته]( . . .  .

و كذا باب  المختار من حكمه عليه السلام من النهج , و الرسائل الأخرى فى ذلك  عندنا , لم يذكر فيها ذلك  الكلام اعنى[ : ( إن من عجز]( . . .  و لم نجده فى مواضع أخرى مع طول فحصنا .

و جاء فى الباب  الأول من المقالة الثانية من النوع الثانى من فردوس الحكمة فى الطب  لأبى الحسن على بن سهل بن الطبرى - و هو من قدماء الأطباء و كبارهم - ما هذا لفظه[ : ( قال ارسطوطيلس الفيلسوف  : إن العلم بالنفس الناطقة أكبر من سائر العلوم , لأن من عرفها فقد عرف ذاته و من عرف  ذاته قوى على معرفة الله .  و قد صدق الفيلسوف  فان من جهل نفسه و حواسه كان لغير ذلك  أجهل](  ( 1 ) .

فقول أرسطو على نقل الطبرى يشبه كلام أمير المؤمنين عليه السلام حيث  قال [ :( من عرف  نفسه فقد عرف  ربه](  , و نظائره . و قول الطبرى يشبه كلام الأمير و ارسطو حيث  قال الأمير[ : ( من جهل نفسه كان بغيره أجهل](  , و قال ارسطو[ : ( إن من عجز عن معرفة نفسه فأخلق به أن يعجز عن معرفة ربه ]( , و كأنه اقتبس منهما .

ثم ان الشيخ الرئيس قد وصف  أرسطو بأفضل الحكماء ايضا حيث  قال فى آخر الفصل الأول من المقالة التاسعة من حيوان كتابه الشفاء[ : ( و ايضا فانه يظن بالمعلم الأول أنه يرى أن المنى لا يخالط المتكون . . . ( الى قوله : ) و فاضل الأطباء - يعنى به جالينوس - و من يجرى مجريه يشنعون على أفضل الحكماء فى ذلك  و يناقضونه - يعنى به المعلم الأول

پاورقى :

1 . فردوس الحكمة فى الطب  طبع برلين , ص 60 .

صفحه : 48

ارسطاطاليس](  ( 1 ) . فالصواب  هو ما فى المخطوطة المنقول عنها , و لا ضير فى أن كلام كل واحد منهما يشابه كلام الاخر فى ذلك  , و كم له من نظير , و لا إزراء فى ذلك  .

تبصرة : حديث   من عرف  نفسه فقد عرف  ربه  , قد روى فى الجوامع الروائية عن النبى و الوصى كليهما : ففى غوالى اللئالى لابن ابى جمهور الأحسائى ,  قال النبى - صلى الله عليه و آله و سلم[ : - ( من عرف نفسه فقد عرف  ربه](   ( 2 ) .

و فى مطلوب  كل طالب  من كلام امير المؤمنين على بن ابى طالب  - عليه السلام - , و هو مأة كلمة من كلماته - عليه السلام - جمعها ابوعثمان الجاحظ , كانت  الكلمة السادسة  منه قوله - عليه السلام[ : - ( من عرف نفسه فقد عرف  ربه](  .

و كذا فى الغرر و الدرر للامدى , روى الحديث  الشريف  عن الوصى عليه السلام - ( 3 ) . و صاحب  بحار الأنوار قد نقل حديث  ( من عرف  . . . ) فى الرابع عشر منه بلا دغدغة فيه ( 4 ) .

و للشيخ الأكبر محيى الدين العربى رسالة موسومة بالرسالة الوجودية فى معنى  قوله - صلى الله عليه و آله و سلم[ : [( ( من عرف  نفسه فقد عرف ربه](  ,  طبعت  فى القاهرة . و كذا رسالة فى معنى الحديث  للعارف السيد عبد الله البليانى طبعت  مع عدة نسخ أخرى فى ايران سنة 1352 و هى رسالة فارسية فى حديث  ( من عرف  . . . ) و رسالة فى معنى حديث  ( من عرف  ايضا ) لعماد الدين يونس المازندرانى البنجهزارى بالعربية لم تطبع بعد و النسخة موجودة عندنا . و للراقم المستكين رسالة بالعربية فى معنى حديث  ( من عرف  ) أيضا لم تطبع بعد .

قال الراغب  الاصفهانى المتوفى فى رأس المأة الخامسة , فى رسالته تفصيل النشأتين و تحصيل السعادتين ما هذا لفظه[ : ( قد روى أنه ما أنزل الله من كتاب  إلا و فيه[ : ( اعرف  نفسك  يا أنسان تعرف  ربك](   , و هذا معنى قوله تعالى :  ( سنريهم آياتنا فى الافاق و فى أنفسهم )  الاية]( ( 5 ) .

پاورقى :

1 . الشفاء لابن سينا , الطبع الحجرى , ج 1 , ص 428 .

2 . غوالى اللئالى , الطبع الاول , ج 4 , ص 102 .

3 . غوالى الدرر للامدى بشرح الخوانسارى , كلمة 7946 , الطبع الاول , ج 5 , ص 194 .

4 . بحار الأنوار , مطبعة كمبانى , ج 14 , ص 415 .

5 . تفصيل النشأتين و تحصيل السعادتين , طبع صيدا , ص 11 . صفحه : 49

و من لطائف  ما فى كتاب  الأرواح للشيخ الطنطاوى الجوهرى صاحب  التفسير ما هذا لفظه[ : ( إن مدار كل دين على أمرين اثنين : وجود الله و بقاء الأرواح بعد الموت  , و لا فضل لدين إلا بهذين فاذا لم يكونا فلا كفاءة لدين , و لافضل , و لا مزية لنحلة , بل تكون الحياة باطلة , و هذا الوجود بغير مزية و لا ثمرة , و هذا هو اليأس المبين ( 1 ) .

و من لطائف  ما فى تهذيب  الأخلاق و تطهير الأعراق لابن مسكويه[ : ( أن الانسان - من بين سائر الموجودات  - له فعل خاص به لا يشاركه فيه غيره , و هو ما صدر عن قوته المميزة المروية , فكل من كان تمييزه أصح , و رويته أصدق , و اختياره أفضل , كان أكمل فى إنسانيته .

و كما أن السيف  و المنشار , و إن صدر عن كل واحد منهما فعله الخاص بصورته الذى من أجله عمل , فأفضل السيوف  ما كان أمضى و انضر , و ما كفاه يسير من الايماء فى بلوغ كماله الذى أعد له , و كذلك  الحال فى الفرس و البازى و سائر الحيوانات  , فان الأفراس ما كان اسرع حركة و اشد تيقظا لما يريده الفارس منه فى طاعة اللجام وحسن القبول فى الحركات  , وخفة العدو و النشاط , فكذلك  الناس أفضلهم من كان أقدر على أفعاله الخاصة به , و أشدهم تمسكا بشرائط جوهره التى تميز بها عن الموجودات  . فاذن الواجب  - الذى لا مرية فيه - أن نحرص على الخيرات التى هى كمالنا و التى من اجلها خلقنا , و نجتهد فى الوصول إلى الانتهاء اليها , و نتجنب  الشرور التى تعوقنا عنها و تنقص حظنا منها , فان الفرس اذا قصر عن كماله و لم تظهر افعاله الخاصة به على أفضل أحوالها , حط عن مرتبة الفرسية , و استعمل بالاكاف  كما تستعمل الحمير , و كذلك حال السيف  و سائر الالات  , متى قصرت  و نقصت  افعالها الخاصة بها حطت من مراتبها واستعملت  استعمال ما دونها .

و الانسان إذا نقصت  أفعاله و قصرت  عما خلق له , أعنى أن تكون أفعاله التى تصدر عنه و عن رويته غير كاملة , أحرى بأن يحط عن مرتبة الانسانية إلى مرتبة البهيمية . هذا إن صدرت  أفعاله الانسانية عنه ناقصة غير تامة , فأذا صدرت  عنه الأفعال بضد ما أعد له أعنى الشرور التى تكون بالروية الناقصة و العدول بها عن جهتها لأجل الشهوة التى يشارك  فيها البهيمة أولا , أو الأعتزاز بالأمور الحسية تشغله عما عرض له , من تزكية نفسه التى ينتهى بها إلى الملك  الرفيع و السرور الحقيقى , و توصله إلى قرة العين التى قال الله تعالى :

پاورقى :

1 . كتاب  الارواح للشيخ الطنطاوى , الطبع 3 , مصر , ص 15 . صفحه : 50

[ ( فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة اعين](   ( 1 ) و تبلغه الى رب العالمين فى النعيم المقيم , و اللذات  التى لم ترها عين , و لا سمعتها أذن , و لا خطرت  على قلب  بشر , و انخدع عن هذه الموهبة السرمدية الشريفة بتلك  الخساسات  التى لاثبات  لها , فهو حقيق بالمقت  من خالقه - عز وجل - , خليق بتعجيل العقوبة له و إراحة العباد و البلاد منه](  ( 2 ) .

و من لطائف  كلمات  أفلاطون الالهى هو ما قال[ : ( إن حياة النفس و قوامها لأعمالها المحصنة لها من الافات  حتى لا يدنو منها شىء يميتها فيكون ذلك  قتلا للنفس , فانها إن لم يقتلها ذلك  لم يقدر أحد على قتلها , لأنها غالبة على الجسد مرتفعة عنه , و ممتنعة بلطفها من أن ينظر اليها الموت  الناظر إلى الجسد , فهو لا يراها و هى تراه بفضل لطفها عليه ( 3 ) .

و من لطائف  كلمات  المتأله السبزوارى[ : ( كم من نفس ككتاب  مشحون من الأباطيل و الأكاذيب  و الجهالات  المركبة و الهزليات  و الهذيانات  , مستحق للاحتراق بل محترق بالفعل  ان كتاب  الفجار لفى جحيم  و كذا هو فى سجين . و رب  نفس هى صحيفة آلهية مملوة من المعارف  الالهية , و المطالب  الحقة , و الملكات  الحميدة , و هى كتاب  مرقوم يشهده المقربون قال تعالى : [ ( إن كتاب  الأبرار لفى عليين]( ( 4 )   ( 5 ) . و من لطائف  ما فى شواكل الحور للدوانى فى شرح هياكل النور للسهروردى ما قال فى شرح الهيكل الرابع[ : ( هيهنا إشارة إلى حقيقة النفس , فان معرفتها أم الحكمة , و اصل المعارف  , و أجلها كما جاء فى الوحى القديم [ :( اعرف  نفسك  يا انسان تعرف  ربك](   .  و فى كلام النبى - صلى الله عليه و آله و سلم[ - ( أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه](   . و فى كلام أفلاطون [ :( من عرف  ذاته تأله](  . و فى كلام ارسطو[ : ( معرفة النفس معينة فى كل حق](  ( 6 ) .

ومن لطائف  كلمات  القيصرى فى تعريف  النفس ما قاله فى خطبة شرحه على فصوص الحكم للشيخ الأكبر[ : ( فسبحان الذى تجلى بذاته لذاته , فأظهر آدم , و استخلفه على مظاهر اسمائه المنعوتة بالعالم , و أجمل فيه جميع الحقائق و أبهم , ليكون صورة اسمه الجامع العزيز

پاورقى :

1 . السجدة : 17 .

2 . تهذيب  الاخلاق و تطهير الاعراق , طبع بيروت  , ص 36 . 3 . نزهة الأرواح للشهرزورى , طبع حيدر آباد دكن , ج 1 ص 180 . 4 . المطففين : 18 .

5 . التعليقة على غرر الفرائد فى الحكمة المنظومة , ص 346 . 6 . نقلناه من نسخة مخطوطة من الشواكل عندنا .

صفحه : 51

الأكرم](  .

و ما قاله فى شرحه على الفص العيسوى[ : ( المدرك  لا يدرك  شيئا ما كان إلا بما منه فيه ( 1 ) .

و ما قاله فى اول شرحه على الفص اليونسى من فصوص الحكم[ : ( اعلم ان النفس الناطقة الانسانية مظهر الاسم الجامع الالهى , فهى من حيث  انها كذلك  برزخ للصفات  الالهية و الكونية , و للمعانى الكلية و الجزئية . و لهذه البرزخية تعلقت  الابدان اذ البرزخ لابد ان يكون فيه ما فى الطرفين , فجمعت  بين ما هو روحانى محض و معنى صرف  مقدس عن الزمان و المكان , منزه عن التغير و الحدثان , و بين ما هو جسمانى طلق محتاج الى المكان و الزمان , متغير بتغيرات  الازمان و الاكوان , فتم لها العالم العلوى الروحانى و السفلى الجسمانى فصارت  خليفة فى ملكه مدبرة لرعاياه ( 2 ) . أقول : قوله ( صورة اسمه الجامع ) فى الاسم الجامع الدائر فى ألسنة هؤلاء الأكابر و مشايخ علماء الحروف  سر و هو أن عددج ام ع يساوى عدد سور القرآن , و القرآن المسطور بين الدفتين صورة الانسان الكامل الكتبية , كما أن القرآن الكونى صورته العينية , و عدد أسمائه تعالى فى القرآن من غير تكرير يساوى عدد سوره . و على هذا المنوال قولهم الجفر الجامع . و قد قال الشيخ الأكبر محيى الدين العربى فى كتابه الدر المكنون و الجوهر المصون فى علم الحروف  فى فائدة الجفر ما هذا لفظه[ : ( و فائدته الاعتلاء إلى فهم الخطاب  المحمدى ( ص ) فتبصر](  . و قوله[ : (  لا يدرك  شيئا ما كان](  , أى لا يدرك  أى شىء كان إلا بما منه فيه , فافهم . و من لطائف  كلمات  الشيخ الأكبر فى تعريف  النفس و إن كان كلماته كلها فى ذلك  لطائف  ما قاله فى الفص الادمى من فصوص الحكم من أن جميع ما فى الصورة الالهية من الأسماء فى هذه النشأة الانسانية , فحازت  رتبة الاحاطة و الجمع بهذه الوجود و به قامت  الحجة لله على الملائكة . بيان : لما استخلف  الحق سبحانه الانسان الكامل و من شرط الخليفة أن يكون على صورة المستخلف  قال الشيخ[ : ( ان احدية جميع الأسماء الالهية , و صور اجتماعها فى

پاورقى :

1 . شرح القيصرى للفصوص , الطبع الأول , ص 328 .

2 . المصدر , ص 379 .

صفحه : 52

هذه النشأة الانسانية الجامعة , بين النشأة الروحانية و العنصرية التى هى أحدية جمع مظهريات  تلك  الأسماء . فحازت  اى اجتمعت  هذه النشأة الانسانية , و إن شئت  قلت  هذه الصورة الالهية رتبة الاحاطة بجميع الأسماء , و الجمع أى ورتبة جمعية مظاهرها بهذا الوجود العينى العنصرى . و بهذا الجمع قامت  حجة الحق سبحانه فى ادعائه استحقاقه الخلافة حيث  قال : [ ( انى جاعل فى الأرض خليفة](   ( 1 ) , على القادحين فى ذلك الاستحقاق بقولهم : [ ( أتجعل فيها من يفسد فيها](   ( 2 ) . و قال الشارح القيصرى[ : ( أى لما استخلف  الانسان و جعله ختما على خزائن الدنيا و الاخرة , ظهر جميع ما فى الصورة الالهية من الأسماء فى النشأة الانسانية الجامعة بين النشأة العنصرية و الروحانية أى صارت  جميع هذه الكمالات  فيها بالفعل . و قد صرح شيخنا رضى الله عنه فى كتاب المفتاح[ : ( أن من علامات  الكامل أن يقدر على الاحياء و الاماتة و أمثالهما](  . و اطلاق الصورة على الله مجاز إذ لا يستعمل فى الحقيقة إلا فى المحسوسات  ففى المعقولات  مجاز , هذا باعتبار اهل الظاهر . و أما عند المحقق فحقيقة لأن العالم بأسره صورة الحضرة الالهية تفصيلا , و الانسان الكامل صورته جمعا .  قال النبى - صلى الله عليه و آله[ : - ( إن الله خلق آدم على صورته](   . فالنشأة الانسانية حازت  رتبة الاحاطة و الجمع بهذا الوجود , أى بالوجود العينى , و ذلك  لأنه حاز بجسمه رتبة الأجسام , و بروحه رتبة الأرواح . و به أى بهذا الجمع قامت  الحجة على الملائكة لاحاطته بما لم يحيطو به](  ( 3 ) انتهى .

أقول : يعنى بقوله شيخنا فى كتاب  المفتاح , العارف  صدر الدين محمد بن اسحاق القونوى . و كتاب  المفتاح هو مفتاح غيب  الجمع و الوجود الذى شرحه ابن الفنارى و سماه مصباح الانس بين المعقول و المشهود فى شرح مفتاح غيب  الجمع و الوجود . و القيصرى صرح فى ديباجة شرحه على فصوص الحكم بانه تلمذ عند العارف  عبد الرزاق القاسانى - و القاسان هذه قرية بسمرقند - و هيهنا صرح بأن الصدر القونوى ايضا كان من مشايخه فهو تلمذ عندهما . ثم ان القونوى قد عد فى آخر المفتاح خواص الانسان الكامل إلى أن قال[ : ( و لنعدد الان من علامات  هذا الانسان الحقيقى . الخ](  . پاورقى :

1 . البقرة : 30 .

2 . البقرة : 30 .

3 . شرح القيصرى لفصوص الحكم , الطبع الأول , ص 75 .

صفحه : 53

قوله[ : ( و اطلاق الصورة على الله مجاز](  إن اراد من أهل الظاهر نحو أرباب  اللغات  فله وجه , و إلا فاطلاق الصورة على الله سبحانه عند الفيلسوف  الالهى على الحقيقة أيضا . كما أن الشيخ فى الفصل العاشر من المقالة الأولى من الفن الأول من طبيعيات  الشفاء ( 1 ) , و كذا فى الفصل الرابع من المقالة السادسة من آلهيات  الشفاء أتى بعدة معانى للصورة أولها أن الصورة يقال لكل معنى بالفعل ( 2 ) . و يطلب  تفصيل البحث  عن ذلك  فى الدرس السابع و الأربعين و مائة من كتابنا دروس معرفة النفس ( 3 ) . و لما كان هو - تعالى شأنه - الفعلية الصرفة و مجمع الفعليات  , و كان فعلية كل موجود بفعليته سبحانه يقال له : فى الصحف  التوحيدية صورة الصور , كما يقال له حقيقة الحقائق و كما اطلق عليه فاعل الفواعل و غاية الغايات  و مبدء المبادىء , فالعالم بأسره صورة الحضرة الالهية تفصيلا و الانسان الكامل صورته جمعا . قوله : [ ( قال النبى - صلى الله عليه و آله - انه قال[ : ( ان الله خلق آدم على صورته](   .

فى غوالى اللئالى لابن ابى جمهور الأحسائى ,  روى عنه - صلى الله عليه و آله - انه قال[ : ( ان الله تعالى خلق آدم على صورته](   . و كذلك  رواه رئيس المحدثين ثقة الاسلام الكلينى باسناده الى محمد بن مسلم  قال سألت  أبا جعفر عما يروون ان الله خلق آدم عليه السلام على صورته , فقال[ : ( هى صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله و اختارها على سائر الصور المختلفة فأضافها الى نفسه كما اضاف  الكعبة الى نفسه , و الروح إلى نفسه فقال[ : ( بيتى ( 4 ) , و نفخت  فيه من روحى]( ( 5 ) .

و لا يخفى عليك  ان الامام ابا جعفر الباقر عليه السلام صدق ورود الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه و آله و سلم - اولا , ثم تصدى لبيانه , و العجب  ان بعض المحدثين حمله على التقية , و هو كما ترى . و المحقق ابن ابى جمهور بعد نقل الرواية فى الغوالى تصدى لبيانها فقال :

[ ( اضطرب  اهل الكلام فى تأويل هذا الحديث  , فقال قوم[ : ( اراد خلق آدم على صورته

پاورقى :

1 . الشفاء , الطبع الأول الحجرى ج 1 , ص 22 .

2 . المصدر , الطبع الرحلى , ج 2 , ص 537 .

3 . دروس معرفة النفس . الطبع الأول , ص 518 .

4 و 5 . الاصول من الكافى , من المعرب  , باب  الروح , ج 1 , ص 104 . صفحه : 54

التى هو عليها](  . و قال قوم[ : ( إن الله خلق آدم على صورته عنده]( .

و قال قوم[ : ( إن الحديث  , لا تقبحوا الوجه فان الله خلق آدم على صورة الوجه](  .

و زاد قوم فى الحديث[ :  ( انه مر برجل يضرب  وجه آخر , فقال : لا تضربه على وجهه , فان الله خلق آدم على صورته , أى على صورة ذلك  الوجه](  . و كل هذه تأويلات  بعيدة . و ابعد منها قول بعضهم[ : ( اراد أن الله خلق آدم فى الجنة على صورته فى الارض](  .

و قول الاخر[ : ( إن الصورة ليست  بأعجب  من اليدين و الأصابع و العين , و انما وقع الالف  بتلك  لمجيئها فى القرآن , و وقعت  الوحشة من هذه لأنها لم تأت  فيه , و نحن نؤمن بالجميع , من غير أن نقول فيه بحد او كيفية , فان فيه اعترافا بالعجز عن تأويل الحديث  . و أما الذى فى القرآن من اليد و العين , فتأويلها فى التفاسير مذكور](  . فالأحسن أن يقال[ : ( المراد بالصورة هنا , الصورة المعنوية , كما يقال : صورة المسئلة كذا و يراد بها معناها , و يكون التقدير أن الله خلق آدم على صورة معنوية تشبه به و تناسب  المعانى الالهية , أى المشابهة فى الصفات  و الكمالات  و الأفعال فان آدم مشتمل على صفات  و كمالات  مناسبة و مماثلة للصفات  الالهية من جهة ما](  .

و قال بعض اهل الاشارة[ : ( المراد بادم فى الحديث  إن كان الانسان الكبير فهو العالم بأسره , و ان كان العالم الصغير فهو ولده الشخصى لقولهم[ : ( العالم انسان كبير , و الانسان عالم صغير , و يكون المراد انه ليس له تعالى غير هذين المظهرين العظيمين . فمعنى أنه على صورته أن فيه تمام المظهرية التى يظهر فيه الصورة الالهية المعنوية بجميع صفاتها و لوازمها لأنه ليس شىء أكمل من صورة الانسان فى معرفة الله تعالى , و لهذا  قال عليه السلام[ : ( من عرف  نفسه فقد عرف  ربه](   و مراده خلقه على صورة كمالاته الذاتية الجامعة للكمالات  الأسمائية و الصفاتية]( ( 1 ) .

ابن ابى جمهور هو ابو جعفر محمد بن على بن ابراهيم بن ابى جمهور الأحسائى الهجرى الامامى المتوفى سنة 940 ه , كان جامعا فى العلوم العقلية و النقلية كما لا يخفى على العارف  بصحفه العلمية , و البصير بالكتب  الرجالية . و غواليه يدل على تبحره فى الأحاديث  و تدربه فى المعرفة بالجوامع الروائية . و يستفاد من قوله فى التأولين الثالث  و الرابع بتقبيح الوجه

پاورقى :

1 . الغوالى , الطبع الأول , ج 1 , مد ص 53 - 54 .

صفحه : 55

و ضرب  الوجه , ثم التصريح بأنها تأويلات  بعيدة , أن بعض الروايات الواردة فيهما لايصح عنده انتماؤه الى المعصوم . من تلك  الروايات  ما روى الصدوق - رضوان الله عليه - فى عيون أخبار الرضا - عليه السلام - باسناده إلى الحسين بن خالد  قال[ : ( قلت  للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله - صلى الله عليه و آله و سلم - قال : إن الله عزوجل خلق آدم على صورته , فقال : قاتلهم الله لقد حذفوا أول الحديث  , إن رسول الله - صلى الله عليه و آله و سلم - مر برجلين يتسابان , فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبح الله وجهك  و وجه من يشبهك  , فقال : يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك  , فان الله عزوجل خلق آدم على صورته](   ( 1 ) .

ثم ان نحو السؤال فى حديث  العيون هو سؤال محمد بن مسلم ابا جعفر عليه السلام فى حديث  الكافى المقدم آنفا ,  فاجابه عليه السلام بقوله[ : ( هى صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله]( . . .   و هو يعاضد صاحب  الغزالى فى عدم انتماء حديث  العيون الى المعصوم , و لا يخفى عليك  انه لو دار الامر بين ما فى الكافى و ما فى العيون , فالأول متعين .

و منها ما فى مسند ابن حنبل باسناده إلى سعيد عن ابى هريرة  قال رسول الله - صلى الله عليه و آله و سلم[ : - ( اذا ضرب  أحدكم فليتجنب  الوجه , و لا تقل قبح الله وجهك  و وجه من اشبه وجهك  فان الله تعالى خلق آدم على صورته](   ( 2 ) .

و الذى ورد فى تفسير ان الله خلق آدم على صورته من الأخبار فى جوامعنا الروائية الحديثان المذكوران : أحدهما من الكافى و الثانى من العيون . و لا يخفى عليك  انه اذا دار الأمر بينهما كان الكافى أقدم و أصح و أمتن . على ان للمحدث  الجليل و العالم النبيل السيد نعمة الله الجزائرى فى كتابه الانوار النعمانية فى معنى حديث  أن الله خلق آدم على صورته كلاما يؤيد به صاحب  الغوالى , حيث  قال السيد بعد نقل ما جاء فى خلق آدم عليه السلام ما هذا لفظه :

[ ( فقد خلق الله سبحانه آدم على تلك  الصورة التى خلقه عليها , من غير أن يتخلق عليه الصور نطفة و علقة و مضغة و عظاما كما تداولت  على أولاده . و هذا هو أحد معانى  قوله - صلى الله عليه و آله[ : - ( ان الله خلق آدم على صورته](   . و قد اجبت  بهذا الجواب  لما سألنى پاورقى :

1 . مسند الامام الرضا ( ع ) , ج 1 , ص 26 .

2 . مسند ابن حنبل , طبع مصرج 2 , ص 251 .

صفحه : 56

بعض الأفاضل فى مجلس بعض الملوك  .

و جواب  آخر ايضا خطر بالبال ذلك  الوقت  , و حاصله : أنه قد روى أن ملائكة التصوير اذا ارادوا تصوير النطفة ذكرا أو أنثى , يقولون يارب  على أى صورة نصوره ؟ فان كان ذكرا قال سبحانه : احضروا صور ابيه إلى آدم و صوروه مثل واحدة منها , و إن كان انثى قال : احضروا صور امهاته إلى حواء فصوروه على صورة مثل واحدة منها . و من ثم  قال عليه السلام[ : ( لا ينبغى لأحد أن يطعن فى نسب  ولده لأجل أنه لا يشبهه فى الصورة فلعله انما صور مثل واحد من آبائه](   . و هذا فى غير ابينا آدم - عليه السلام - و أما هو فليس له آباء و لا أمهات  حتى يصور مثل واحدة منها , بل خلق على تلك  الصورة التى خلق عليها .

و قال المحقق صاحب  غوالى اللئالى المراد بالصورة الصورة المعنوية كما قال تخلقوا باخلاق الله , فيكون الضمير حينئذ راجعا إلى الله سبحانه و تعالى , يعنى على صورة الله المعنوية . و مصداقه الحديث  القدسى قال فيه : [ ( إذا تقرب  عبدى الى بالنوافل كنت  سمعه الذى به يسمع , و يده التى بها يبطش , و رجله التى بها يمشى , الحديث](    .

و قال السيد المرتضى - نور الله مضجعه - إن على بمع مع يعنى أن الله سبحانه خلق مادته مع صورته . فيكون ردا على ما زعمه الطبيعيون من ان المادة مخلوقة و الصورة من مقتضياتها .

و الذى ورد فى تفسير هذا الحديث  من الاخبار حديثان - ثم نقل الخبرين المذكورين من الكافى و العيون , ثم قال بعد نقلهما ما هذا لفظه - : و كان المرتضى طاب  ثراه أنما تكلم على معنى الحديث  بما سمعت  , من جهة ان هذين الخبرين لم يثبتا عنده بناء على اصله من عدم الاعتماد على العمل باخبار الاحاد . ( 1 ) .

اقول : عبارته اخيرا[ : ( فيكون ردا على ما زعمه الطبيعيون]( . . . كانت  فى الطبع المذكور , و فى مخطوطتين من الأنوار النعمانية , كما نقلناها , و لكن الصواب  أن يقال[ : ( على ما زعمه الطبيعيون من أن المادة ليست  مخلوقة و الصورة من مقتضياتها](  .

ثم ان شئت  فراجع إلى[ ( باب  تأويل قوله - تعالى -  ( و نفخت  فيه من روحى  , و روح منه )

و قوله - صلى الله عليه و آله و سلم [ : - ( خلق الله آدم على صورته ](  من البحار ( 2 ) .

پاورقى :

1 . الانوار النعمانية , الطبع الحجرى المعروف  بطبع حاج موسى ص 75 . 2 . بحار الانوار , طبع الكمبانى , ج 2 , صص 109 و 107 . صفحه : 57

الحديث  الاول من كتاب  الاستئذان من جامع البخارى  عنه - صلى الله عليه و آله و سلم - قال[ : ( خلق الله عز وجل آدم على صورته](   . و مثله فى جامع مسلم ( 1 ) , و كذا فى مسند ابن حنبل ( 2 ) .

و لك  ان تقول[ : ( لكل طائفة فى فنهم اصطلاحات  خاصة , و ليس يلازم أن يبتنى الاصطلاح على آية أو رواية , كما ترى أن اصطلاحات  القارىء فى قرائة القرآن , و المحدث  فى أسامى الحديث  , و الأصولى فى الفاظ اصول الفقه , و هكذا اصطلاحات  غيرهم فى علومهم و صنائعهم ليست  مبتنية عليهما . و ها هنا أيضا اطلاق الصورة على موجود بالفعل , و كونه تعالى شأنه صورة الصور أنما هو على اصطلاح هذه الطائفة فى بيان التوحيد الأصيل الحقانى , و التمسك  بالأثر على نحو الاستحسان أو الاستظهار فاذا كان الحديث  كما فى العيون فالصواب  أن لا يتمسك  به فى ايفاء ذلك  المعنى فقط , لا أن ذلك المعنى على ذلك  الاصطلاح غير صواب  رأسا .

و قد أشرنا الى أن معانى الصورة مذكورة فى الموضعين من الشفاء . و هى فيهما يرجع بعضها الى بعض و ان اختلفت  العبارات  . و لصدر المتألهين تعليقة مفيدة على الموضع الثانى منهما . و المعرفة بها توجب  زيادة بصيرة فيما نحن بصدده من بيان مطالب  العيون و هى ما يلى : اما فى الموضع الأول من الشفاء فقال[ : ( أما الصورة فقد يقال للماهية التى اذا حصلت  فى المادة قومتها نوعا . و يقال صورة لنفس النوع . و يقال صورة للشكل و التخطيط خاصة . و يقال صورة لهيئة الاجتماع كهيئة العسكر , و صورة المقدمات  المقترنة . و يقال صورة للنظام المستحفظ كالشريعة . و يقال صورة لكل هيئة كيف  كانت  . و يقال صورة لحقيقة كل شىء كان جوهرا أو عرضا و تفارق النوع فان هذا قد يقال للجنس الأعلى . و ربما قيل صورة للمعقولات  المفارقة للمادة](  ( 3 ) .

و اما فى الموضع الثانى منه فقال[ : ( و أما الصورة فنقول : قد يقال صورة لكل معنى بالفعل يصلح أن يعقل حتى تكون الجواهر المفارقة صورا بهذا المعنى . و قد يقال صورة لكل هيئة و فعل يكون فى قابل وحدانى او بالتركيب  حتى تكون الحركات  و الأعراض صورا .

پاورقى :

1 . جامع مسلم , كتاب  الجنة , الحديث  ص 28 .

2 . مسند ابن حنبل , طبع مصر , ج 2 , ص 323 .

3 . الشفاء , الطبع الحجرى الاول فى ايران , ج 1 , ص 22 . صفحه : 58

و يقال صورة لما تتقوم به المادة بالفعل فلا تكون حينئذ الجواهر العقلية و الأعراض صورا . و يقال صورة لما تكمل به المادة و ان لم تكن متقومة بها بالفعل مثل الصحة و ما يتحرك  اليها بالطبع . و يقال صورة خاصة لما يحدث  فى المواد بالصناعة من الأشكال و غيرها . و يقال صورة لنوع الشىء و لجنسه و لفصله و لجميع ذلك  و تكون كلية الكل صورة فى الأجزاء ايضا]( ( 1 ) .

و أما تعليقة صدر المتألهين فى الموضع الثانى فقال[ : ( قد ذكر للصورة معانى متعددة تقال عليها بالاشتراك  اللفظى كما يراه الجمهور , و من أمعن النظر الى هذه المعانى الستة وجدها كلها متفقة فى أمر واحد و هو كون الشىء بالفعل , فيمكن إرجاعها الى معنى واحد هو معنى الصورة , و يكون الاختلاف  راجعة الى أمور أخرى بأن نقول : ان الذى هو بالفعل إما بحسب المعنى و المفهوم , أو بحسب  الوجود و الحقيقة و الأول هو السادس , و الثانى إما شرطه أن يقارن أمرا بالقوة أولا و الثانى هو المعنى الأول و بهذا الوجه يقال للمفارق إنها صورة بلا مادة , و كذا للصورة المنتزعة عن المواد بتجريد مجرد و نزع نازع اياها , و يقال للواجب  تعالى انه صورة الصور لأن فعلية الوجود فيه اقوى و اتم و اشد ارتفاعا عن ما بالقوة , و الثانى هو الذى يقارن ما بالقوة فبالضرورة يخرج به ما بالقوة منها الى الفعل فذلك  الخروج إما بصناعة أو لا بصناعة و الأول هو الخامس , و الثانى اما مطلقا أو لا و الأول هو الثانى , و الثانى لا يخلو إما فى كماله الأول اولا و الأول هو الثالث  , و الثانى هو الرابع](  . و أما قوله[ : ( و يكون كلية الكل صورة فى الأجزاء](  معناه أن الأمور الكثيرة التى ليس لها جزء صورى حقيقى يقال لكليتها و جمعيتها انها صورة فى الأجزاء , و لا شك  أن هذا القول قول مجازى تشبيها للاعتبار الذهنى للوحدة بالصورة الخارجية التى هى جهة الوحدة ( 2 ) .

اعلم ان المراد من آدم فى  قوله صلى الله عليه و آله و سلم خلق الله آدم على صورته ,  و نحوه , ليس هو آدم الشخصى بل المراد آدم النوعى . و افاد فى ذلك  العارف  المتأله السيد حيدر الاملى فى جامع الاسرار بقوله [ :( الانسان مظهر جميع الاسماء الجلالية و الجمالية لقوله تعالى[ : ( و علم آدم الاسماء كلها](  ,  و لقول النبى صلى الله عليه و آله و سلم : [( خلق الله آدم على صورته](   . و معلوم أن كل من يكون على صورته , يكون جامعا لجميع اسمائه و صفاته الى قوله[ : ( و المراد بادم ليس آدم فقط , بل المراد باتفاق أكثر المفسرين فى اكثر

پاورقى :

1 . المصدر , ص 447ج 2 .

2 . المصدر , ص 249ج 2 .

صفحه : 59

مواضع القرآن - أولاده , وب[( تعليم الأسماء](  التعليم بالقوة لا بالفعل . و لذلك  كل من ظهرت  فيه هذه الاسماء بأسرها أو اكثرها بالفعل , كان اكمل من غيره , لأنه لا يكون إلا نبيا او وليا او وصيا من اوصياء الأنبياء أو عارفا كاملا من تابعيهم . فظهورها بالفعل بحسب  الاستعداد , أى بحسب استعداد الشخص و قابليته لها . و يشهد بذلك  قوله جل ذكره : [ ( و لقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين](   ( 1 ) لأنه اشارة إلى الجمع لا الى الواحد , و ان رجع بعده الى الواحد ( 2 ) .

و عليك  بعدة درر ثمينة خرجت  من بحر المعارف  و صدرت  عن خزانة الحكم الامام الوصى امير المؤمنين على عليه السلام فى الحض على معرفة النفس , نقلها العالم الأوحدى عبد الواحد الامدى فى غرر الحكم و درر الكلم و هى ما يلى : [ ( أعظم الجهل جهل الانسان أمر نفسه . أعظم الحكمة معرفة الانسان نفسه , و وقوفه عند قدره . افضل العقل معرفة الانسان نفسه , فمن عرف  نفسه عقل و من جهلها ضل . أفضل المعرفة معرفة الانسان نفسه . أكثر الناس معرفة لنفسه أخوفهم لربه . العارف  من عرف  نفسه فأعتقها و نزهها عن كل ما يبعدها . الكيس من عرف  نفسه و اخلص أعماله . المعرفة بالنفس انفع المعرفتين . إن النفس لجوهرة ثمينة , من صانها رفعها , و من ابتذلها وضعها . عجبت  لمن ينشد ضالته و قد أضل نفسه فلا يطلبها . عجبت  لمن يجهل نفسه كيف  يعرف  ربه . غاية المعرفة أن يعرف  المرأ نفسه . كفى بالمرء جهلا أن يجهل نفسه . كفى بالمرء معرفة أن يعرف  نفسه . كيف يعرف  غيره من يجهل نفسه . لا تجهل نفسك  فان الجاهل معرفة نفسه جاهل بكل شىء . معرفة النفس انفع المعارف  . من جهل نفسه أهملها . من جهل نفسه كان بغيره اجهل . من عرف  نفسه تجرد . من عرف  نفسه جاهدها . من عرف نفسه جل أمره . من عرف  نفسه فقد انتهى إلى غاية كل معرفة و علم . و من عرف  نفسه فهو لغيره أعرف  . من لم يعرف  نفسه بعد عن سبيل النجاة , و خبط فى الضلال و الجهالات  . نال الفوز الاكبر من ظفر بمعرفة النفس . من عرف  نفسه عرف  ربه](  .

پاورقى :

1 . الأعراف  : 11 .

2 . جامع الاسرار , طبع ايران , ص 136 - 135 .

صفحه : 60

و هم و رجم

- قال الفاضل الشيخ سيد على الطوبجى السيوطى فى مقدمته على السعادة لابن مسكويه ما هذا لفظه[ : ( . . . فالنبى ( ص ) و هو القول المعمول عليه أنه لم يخرج من الدنيا حتى اطلعه الله على ما كان و على ما يكون مما يناسب  عقول البشر . و لقد أخطأ من قال مفسرا لكلام أبى بكر الرازى فى قوله[ : ( من عرف  نفسه عرف  ربه](  : أنت  لا تعرف  نفسك  فلا تطمع فى معرفة كنه ربك  فقد علق مستحيلا على مستحيل .

ثم قال فى تعليقة منه على قوله[ : ( مفسرا لكلام ابى بكر الرازى](  ما هذا لفظه : قد اشتهر عند المؤلفين و أرباب  الحواشى و الصوفية بأنه حديث  , و لكن ليس بحديث  بل انما هو من كلام أبى بكر الرازى كما فى الدرر المنتثرة للسيوطى , و الفتاوى لابن حجر](  ( 1 ) . و أنا أقول : يعنى بابى بكر الرازى هذا ابا زكريا يحيى بن معاذ الواعظ . و فى وفيات  الاعيان لابن خلكان : ابو زكريا يحيى بن معاذ الرازى الواعظ احد رجال الطريقة . ذكره ابو القاسم القشيرى فى الرسالة , و عده من جملة المشايخ . و قال فى حقه[ : ( نسيج وحده فى وقته , له لسان فى الرجاء خصوصا , و كلام فى المعرفة](  . ثم فى الوفيات  بعد تاريخ حياته و نقل طائفة من كلماته فى المعرفة قال[ : ( و له فى هذا الباب  كل كلام مليح]( . و توفى يوم الاثنين لست  عشرة ليلة خلت  من جمادى الأولى سنة ثمان و خمسين و مائتين . و ما نقل ابن خلكان هذا الكلام اعنى حديث  ( من عرف  . . . ) عنه , مع انه من غرر الكلمات  القصار فى المعرفة . و انما قلنا ان الرازى هذا هو يحيى بن معاذ لما قاله على بن سلطان محمد القارىء , المشهور بالملا على القارى فى كتابه الأسرار المرفوعة فى الاخبار الموضوعة المعروف  بالموضوعات  الكبرى و هذا لفظه فيه[ : ( حديث من عرف  نفسه فقد عرف  ربه  , قال ابن تيمية : موضوع . و قال السمعانى : انه لا يعرف  مرفوعا , و انما يحكى عن يحيى بن معاذ الرازى من قوله . و قال النووى : انه ليس بثابت  , يعنى عن النبى عليه الصلوة و السلام , و إلا فمعناه ثابت  . فقد قيل : من عرف  نفسه بالجهل فقد عرف ربه بالعلم . و من عرف  نفسه بالفناء فقد عرف  ربه بالبقاء , و من عرف نفسه بالعجز و الضعف  فقد عرف  ربه بالقدرة و القوة . و هو مستفاد من قوله تعالى : [ ( و من يرغب  عن ملة ابراهيم إلا من سفه نفسه](   أى جهلها حيث  لم يعرف  ربها ( 2 ) .

پاورقى :

1 . كتاب  السعادة لابن مسكويه بمقدمة الطوبجى , طبع مصر لسنة 1346 ه . ق , ص 13 .

2 . الموضوعات  الكبرى , الحديث  506 , طبع بيروت  , ص 351 , 352 , طبع دهلى ص 72 .

صفحه : 61

و قال القارى المذكور فى كتابه الاخر الموسوم بالمصنوع فى معرفة الحديث الموضوع المعروف  بالموضوعات  الصغرى[ : ( قال السيوطى فى ذيل الموضوعات[ : ( 1 )  ( فصل فى احاديث  ذكر النووى فى فتاويه , أو فى غيرها انها باطلة](  . سئل عن حديث  من عرف  نفسه عرف  ربه , و من عرف ربه كل لسانه , هل هذا الحديث  ثابت  ؟ اجاب  : ليس بثابت](   ( 2 ) . ثم ان القشيرى ذكر فى الرسالة ابا زكريا يحيى بن معاذ الرازى الواعظ - كما قاله ابن خلكان - و نقل بعض كلماته , و لم ينقل حديث  ( من عرف  ) منه . و فى الرسالة القشيرية ايضا أن يحيى بن معاذ مات  بنيسابور سنة ثمان وخمسين و مائتين ( 3 ) ( ص 16 ط مصر ) . و قد دريت  آنفا أن اباعثمان عمرو بن بحر الجاحظ مات  سنة خمس و خمسين و مائتين معاصرا ليحيى بن معاذ و مات  قبله و قد نقل مائة كلمة من كلام أمير المؤمنين على عليه السلام و سماها مطلوب  كل طالب  من كلام امير المؤمنين على بن ابى طالب  , فكيف  يصح اسناده الى يحيى بن معاذ و ان كنا لا ننكر ان له كلمات  طريفة . و انما تفوه هو بحديث  ( من عرف  ) و اسنده الناس اليه بأن قائله هو يحيى بن معاذ , نظير ما اسند الحافظ ابو نعيم احمد بن عبد الله الاصفهانى المختار الثالث  من كتب  أمير المؤمنين على عليه السلام و رسائله من نهج البلاغة الى الفضيل بن عياض على التفصيل الذى ذكرناه فى شرحنا على نهج البلاغة ( 4 ) . على أن كلمات  الوصى الأخرى فى معرفة النفس , و كلمات  الرازى فيما نقله القوم شاهدان على أن الحديث  صدر من بيت  الوحى , فتبصر .

و مما هو جدير بالنقل هيهنا تعليقتان , إحديهما ما افاده العالم الجليل السيد محمد على القاضى الطباطبائى فى تعليقة منه على الفردوس الأعلى للاية الشيخ محمد حسين كاشف  الغطاء من ان المعروف  فى الألسن و المشهور فى الكتب  أن هذه الكلمة النيرة صادرة عن صاحب  الرسالة المقدسة - صلى الله عليه و آله و سلم - و لكن نقل العلامة الشيخ عبد الهادى نجا الابيارى فى كتابه باب  الفتوح لمعرفة احوال الروح ( 5 ) , عن القاضى الخفاجى أنه قال[ : ( عند استشهاد القاضى البيضاوى فى كلامه  بقوله عليه السلام[ : ( من عرف  نفسه

پاورقى :

1 . الموضوعات  الصغرى , تذييلة السيوطى , ص 203 .

2 . الموضعات  الصغرى , طبع بيروت  , ص 37 .

3 . الرسالة القشرية , طبع مصر , ص 16 .

4 . تكملة منهاج البراعة , الطبع الأول , ص 107 - 102 . 5 . الفردوس الاعلى بتعليقات  القاضى الطباطبايى , طبع مصر الاول لسنة 1308 ه . ق , ص 8 .

صفحه : 62

فقد عرف  ربه](   :

انه ليس بحديث  بل هو من كلام ابى بكر الرازى كما ذكره الحفاظ , و بعض الجهلة يظنه حديثا كما يقع فى بعض الموضوعات](   .

و قال العلامة السيد عبد الله شبر - قدس سره - فى كتابه مصابيح الأنوار [ :( الحديث  الثلاثون , ما رويناه عن جملة من علمائنا الأعلام و فضلائنا الكرام , و اشتهر بين الخاص و العام من  قول النبى - صلى الله عليه و آله و سلم - من عرف  نفسه فقد عرف  ربه](   ( 1 ) .

و مما هو جدير بالذكر ان هذه الكلمة لم يذكرها القاضى القضاعى فى كتابه الشهاب  من كلمات  رسول الله - صلى الله عليه و آله و سلم - بل هذه الكلمة المباركة هى الكلمة السابعة من مائة كلمة التى اخرجها و اختارها كبير ائمة الأدب  ابو عثمان الجاحظ من كلام أمير المؤمنين عليه السلام . قال الجاحظ[ : ( ان لأمير المؤمنين على بن ابى طالب  مائة كلمة كل كلمة منها تفى بالف  كلمة من محاسن كلام العرب](   انظر مستدرك  نهج البلاغة للعلامة الكبير الشيخ الهادى آل كاشف  الغطاء - قدس سره - و انظر ايضا الى هذه الكلمة الشريفة ص 90 من ذلك  الكتاب  . فظهر مما ذكرنا ان نسبتها الى الرازى كذب  محض , و حديث  خرافة اصلا و اساسا . انتهى ما افاده القاضى الطباطبائى فى التعليقة .

تنبيه : الحديث  الشريف  اعنى من عرف  نفسه فقد عرف  ربه , كما نقلناه آنفا هو الكلمة السادسة من مطلوب  كل طالب  كما فى المطبوع منه بتصحيح المحدث  الارموى - ره - , و لكن فى التعليقة المذكورة انها الكلمة السابعة منه . و لا يخفى على ارباب  الفضل و الخبرة انه قلما يتفق سنوح نحو هذا التقديم و التاخير فى ترتيب  الكلمات  فى المخطوطات  . و ثانيتهما تعليقة على رسالتين فى الحكمة المتعالية و الفكر الروحى تاليف  حسن بن حمزة بن محمد الشيرازى المعروف  بالشرف  البلاسى من اكابر عرفاء القرن السابع الهجرى , و قد حققهما و علق عليهما و صدرهما بمقدمة الدكتور صالح عضيمة , أن بعضهم ينسب  هذا الحديث  ( يعنى به حديث  من عرف  نفسه فقد عرف  ربه ) للرسول - صلى الله عليه و آله و سلم - و ينسبه آخرون للامام على عليه السلام , فمن الذى نسبوه للامام على , غير المصنف  , ابن ابى الحديد فى شرح نهج البلاغة ( 2 ) , و كذلك  الامدى , و انظر جامع الأخبار ( 3 ) .

پاورقى :

1 . مصابيح الانوار , طبع بغداد , ج 1 , ص 204 .

2 . شرح نهج البلاغة , طبع القاهرة لسنة 1929م , ص 547ج 4 . 3 . جامع الاخبار , الفصل الأول , ص 5 .

صفحه : 63

قال فيه ابن تيمية[ : ( انه موضوع](  و قال النووى[ : ( قبله ليس بثابت](   . و قال ابو المظفر بن السمعانى فى القواطع[ : ( انه لا يعرف مرفوعا](  , و إنما يحكى عن يحيى بن معاذ الرازى يعنى من قوله . و قال ابن الفرس بعد ان نقل عن النووى أنه ليس بثابت  , قال : لكن كتب الصوفية مشحونة به , يسوقونه مساق الحديث  , و للحافظ السيوطى فيه تأليف  لطيف  سماه القول الأشبه فى حديث   من عرف  نفسه فقد عرف  ربه . و قد قال النجم[ : ( قلت  : وقع فى ادب  الدين و الدنيا للماوردى , عن عائشة , سئل ( ص ) من اعرف  الناس بربه ؟ قال اعرفهم بنفسه  . انظر كشف  الخفاء . نقلت  هذه الحاشية من المعجم الصوفى للدكتورة سعاد الحكيم .

اقول : و سيأتى حديث  ادب  الدين و الدنيا للماوردى عن امالى علم الهدى ايضا بعيد هذا . و أما القول الاشبه تاليف  السيوطى فهو من جملة الرسائل الموجودة فى الحاوى . للفتاوى للسيوطى ( 1 ) . ( ثم ان غرض السيوطى فى تاليف  القول الأشبه هو نقل الوجوه التى فسر حديث  من عرف  نفسه فقد عرف  ربه ) بها من المشايخ . و قال فى صدر الرسالة بعد التسمية و التحميد ما هذا لفظه :

و بعد فقد كثر السؤال عن معنى الحديث  الذى اشتهر على الالسنة [ ( من عرف  نفسه فقد عرف  ربه](   و ربما فهم منه معنى لا صحة له , و ربما نسب  الى قوم اكابر , فرقمت  فى هذه الكراسة ما يبين الحال , و يزيل الاشكال , و فيه مقالان .

المقال الأول أن هذا الحديث  ليس بصحيح , و قد سئل عنه النووى فى فتاويه فقال[ : ( انه ليس بثابت](   . و قال ابن تيمية[ : ( موضوع](  . و قال الزركشى فى الأحاديث  المشتهرة[ : ( ذكر ابن السمعانى انه من كلام يحيى بن معاذ الرازى](  .

المقال الثانى فى معناه الخ . فذكر عدة وجوه من معانى الحديث  من النووى و الشيخ تاج الدين بن عطاء و الشيخ عز الدين , و القونوى و ابو طالب  المكى , و احتمل وجها آخر هو نفسه بانه تعليق المستحيل على المستحيل , و ختم الرسالة بقوله : و قد تحصل مما سقناه فى معنى هذا الأثر أقوال . و الله أعلم .

ثم ان العجلونى ( اسماعيل بن محمد العجلونى الجراحى المتوفى 1162 هق ) أتى فى كتابه كشف  الخفاء و مزيل الالباس عما اشتهر من الأحاديث  على السنة الناس بنحو ما فى الكتب  المذكورة ففيه[ : ( قال ابو المظفر بن السمعانى فى القواطع انه لا يعرف  مرفوعا](  الى

پاورقى :

1 . الحاوى للفتاوى , طبع مصر , ج 2 , ص 412 - 417 .

صفحه : 64

قوله : و قال ابن الغرس بعد ان نقل عن النوى انه ليس بثابت  , قال : [( لكن كتب  الصوفية مشحونة به , يسوقونه مساق الحديث  كالشيخ محى الدين بن عربى و غيره](  , قال و ذكر لنا شيخنا الشيخ حجازى الواعظ شارح الجامع الصغير للسيوطى بأن الشيخ محى الدين بن عربى معدود من الحفاظ . و ذكر بعض الأصحاب  أن الشيخ محى الدين قال[ : ( هذا الحديث  و إن لم يصح من طريق الرواية فقد صح عندنا من طريق الكشف](   ( 1 ) , الخ . و فى باب  معرفة النفس من الجامع المسمى بفصل الخطاب  للكرمانى : قال النبى - صلى الله عليه و آله[ : - ( اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه](  . و قال على عليه السلام[ : ( من عرف  نفسه عرف  ربه](   . ثم قال الكرمانى بعد نقل الحديثين ما هذا لفظه[ : ( اقول : اخرجت  هذين الحديثين لأن مشايخنا رووهما و لم ينكروهما , و مفادهما مؤيد بالكتاب  و السنة](  ( 2 ) .

و قد بالغ سفراء الحق و أئمة الخلق فى تحريض الناس على معرفة النفس بالسنة تاكيد و تشديد , مثل التحريض على معرفة الله سبحانه . و قد نقلناه شرذمة منها , و هى اربعون حديثا فى النكتة الأخيرة من كتابنا الف  نكتة و نكتة .

فمن تلك  الروايات  ما أتى بها علم الهدى الشريف  المرتضى فى أماليه المعروف  بالغرر و الدرر : [ ( ان بعض ازواج النبى - صلى الله عليه و آله - سألته , متى يعرف  الانسان ربه فقال : إذا عرف  نفسه  ( 3 ) . و منها ما فى أماليه ايضا انه - صلى الله عليه و آله و سلم -  قال : [( أعلمكم بنفسه أعلمكم بربه](   ( 4 ) .

و منها ما نقلناها عن الغرر و الدرر الامدى  عن الوصى أمير المؤمنين على عليه السلام[ : ( عجبت  لمن ينشد ضالته و قد أضل نفسه فلا يطلبها]( .

و منها ما فى غرر الامدى أيضا  عنه عليه الصلوة و السلام[ : ( لا تجهل نفسك  فان الجاهل معرفة نفسه جاهل بكل شىء](   .

و منها ما فى توحيد الصدوق باسناده الى إمام الملك  و الملكوت  جعفر الصادق عليه

پاورقى :

1 . كشف  الغطاء و مزيل الالباس , طبع بيروت  , ج 2 , ص 262 . 2 . فصل الخطاب  للكرمانى , الطبع الثانى , ص 154 .

3 . الغرر و الدرر للشريف  المرتضى , طبع مصر , ج 1 , ص 274 . 4 . المصدر , ج 2 , ص 329 .

صفحه : 65

السلام عن آبائه عليهم السلام  قال قال أمير المؤمنين عليه السلام[ : ( إن للجسم ستة أحوال : الصحة , و المرض , و الموت  , و الحيوة , و النوم , و اليقظة . و كذلك  الروح , فحياتها علمها , و موتها جهلها , و مرضها شكها , و صحتها يقينها , و نومها غفلتها , و يقظتها حفظها](   ( 1 ) . و فى آداب  أفلاطون الالهى و حكمه و مواعظه من نزهة الأرواح للشهرزورى ان أفلاطون قال[ : ( إن حياة النفس و قوامها لأعمالها المحصنة , من الافات حتى لا يدنو منها شىء يميتها , فيكون ذلك  قتلا للنفس فانها إن لم يقتلها ذلك  لم يقدر أحد على قتلها , لأنها غالبة ( عالية - خ ) على الجسد , مرتفعة عنه , و ممتنعة بلطفها من أن ينظر اليها الموت  الناظر الى الجسد , فهو لا يراها و هى تراه بفضل لطفها عليه ( 2 ) .

و قال أفلاطون[ : ( للنفس صحة , و سقم , و حياة , و موت  , فصحتها الحكمة , و سقمها الجهل , حياتها بأن تعرف  خالقها و تتقرب  اليه بالبر , و موتها بأن تجهل خالقها , و تتباعد منه بالفجور ( 3 ) . و اعلم أن معرفة النفس الانسانية مبتنية على أصول , و تلك  الاصول هى عيون مسائل معرفة النفس . و قد عملنا فى علم النفس كتابا موسوما بدروس معرفة النفس , و قد طبع من تلك  الدروس مائة و خمسون درسا و لم يتم الكتاب  بعد , و نسأل الله سبحانه التوفيق لاتمامه انه ولى التوفيق . و انما يتم البحث  عن النفس باتمام البحث  عن تلك  الاصول العيون و إن كان الكلام فى النفس من جهة أخرى لا يتم و لا ينتهى و لا نفاد لكلماتها النورية و مقاماتها العروجية و درجاتها الشهودية , و لا بأس بأن نشير اليها لعل من أخذ التوفيق بيده غاص فى بحار معارفها لاقتراف  لئالى حقائقها , و اقتناء درر معارفها .

ثم ان هذه الصحيفة المكرمة مهدت  لأهل التحقيق فى معرفة النفس لأنا قد عينا فى كل عين مصادر البحث  و التنقيب  , و ماخذ الفحص و التحقيق مع إشارات  منا إلى كنوز دقائق و رموز لطائف  فيها , على ما تيسر لنا فى أمد سنين من تدريسنا الصحف  العقلية و العرفانية كالشفاء و الاشارات  و الأسفار و مصباح الانس و شرح القيصرى على فصوص الحكم و

پاورقى :

1 . البحار , الطبع الاول , ج 14 , ص 398 .

2 . نزهة الارواح , ج 1 , ص 180 .

3 . افلاطون فى الاسلام , عبد الرحمن البدوى , ص 273 .

صفحه : 66

غرر الفرائد فى الحكمة المنظومة , و اللئالى المنتظمة , و الجوهر النضيد , و تمهيد القواعد فى شرح قواعد التوحيد , و كشف  المراد فى شرح تجريد الاعتقاد , و طهارة الأعراق لابن مسكوية , و الفصوص للفارابى , و غيرها من الزبر الكريمة المتداولة للتعليم و التعلم , من ضبطها و جمعها بقدر الوسع حتى تكون تذكرة لنفسى , و كالفهرس لتحقيقنا و تحريرنا فى معرفة النفس - ان ساعدنا التوفيق - :

على انا نهدى إلى القارىء الكريم , فى كل عين ما حصلنا فى تلك  المسائل المبحوث  عنها من الأصول الايقانية و الأمهات  البرهانية المستفادة من فهم الخطاب  المحمدى - صلى الله عليه و آله و سلم - و المستفاضة من اصول الجوامع الروائية الصادرة عن بيت  العصمة و الوحى مما ادى اليها نظرنا . و المرجو من الله سبحانه أن تقع موقع الافادة و الاستفادة , و تنالها الأيادى و أنالتها فى كل دورة و كورة فان الله لا يضيع أجر من أحسن عملا . و تلك  العيون و ان كان بعضها من شعب  بعض و يصح بحث  تلك  الشعب  فى عين واحدة , و لكنا جعلناها عيونا متمايزة لتفصيل المباحث  و تنقيحها . و العيون التى حررنا تحقيقها فى سائر مصنفاتنا , ربما أرجعنا القارىء الكريم الى مواضعها لما رأينا من عدم العائدة فى الاعادة . و لا نريد من ذلك  إلا تسهيل الخطب  للمتتبع لا غير , نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات  أعمالنا .

ثم ان معرفة النفس مما لا يمكن الوصول اليها إلا بمكاشفات  باطنة , و مشاهدات  سرية لا تحصل إلا برياضات  و مجاهدات  فى خلوات  مع توحش شديد عن صحبة الخلق و انقطاع عن أعراض الدنيا و شهواتها الباطلة و ترفعاتها الوهمية و أمانيها الكاذبة , و لا يكفى فيها حفظ القواعد البحثية , و أحكام المفهومات  الذاتية و العرضية ( 1 ) .

و من الكلمات  الرفيعة فى ذلك  ما أفاده صائن الدين على بن التركة فى تمهيد القواعد من أن من الأشياء الخفية ما لا يصل اليه العقل بذاته بل انما يصل اليه و يدركه باستعانة قوة أخرى هى إشرف  منه و باستعانة نور أضوأ و أتم منه مقتبسا من مشكوة الزجاجة الانسانية التى فيها المصباح ( 2 ) .

و تلك  المكاشفات  و المشاهدات  , هى فى الحقيقة تخطى النفس إلى عالم المفارقات  , و هو

پاورقى :

1 . الأسفار , الطبع الاول , ج 4 , ص 124 .

2 . تمهيد القواعد , الطبع الأول , الفصل 28 , ص 162 .

صفحه : 67

يحصل للكامل فى الحكمتين العلمية و العملية , أى لمن صار عقله النظرى و قوته العلامة كالعمالة بالفعل , و هؤلاء - كما  قال الوصى عليه السلام لتلميذه كميل الكامل النخعى - : ( أولئك  و الله الاقلون عددا , و الأعظمون عند الله قدرا  فتدبر قوله سبحانه : [ ( كلا إن كتاب  الأبرار لفى عليين , و ما أدريك  ما عليون , كتاب  مرقوم يشهده المقربون](   ( 1 ) .

قال رسول الله - صلى الله عليه و آله و سلم[ : - ( من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت  ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه](   .

و قال الامام باقر علوم الأولين و الاخرين - عليه السلام[ : - ( ما أخلص العبد الايمان بالله - عز وجل - أربعين يوما](  أو قال[ : ( ما أجمل عبد ذكر الله - عز وجل - أربعين يوما , إلا زهده الله - عز وجل - فى الدنيا , و بصره داءها و دواءها , فأثبت  الحكمة فى قلبه و أنطق به لسانه](   . و للأربعينات  تأثير غريب  فى النفوس المستعدة . و من جمع الرياضة العلمية مع العملية فقد حاز المنقبتين , و من أدرك  الحقائق بنور البرهان وضياء الكشف  و العيان فقد فاز بالحسنيين .

و قد قال صاحب  الفتوحات  المكية فى آخر الباب  الثانى عشر منه : نحن زدنا مع الايمان بالأخبار الكشف  ( 2 ) .

و قال صاحب  الأسفار فى الفصل السادس عشر من الموقف  الثامن من آلهياته : نحن بحمد الله عرفنا ذلك  بالبرهان و الايمان جميعا ( ج 3 ط 1 ص 139 ) .

و المحقق الطوسى فى شرحه على تاسع النمط العاشر من الاشارات  فسر الحكمة المتعالية بان حكمة المشائين حكمة بحثية صرفة , و الأحكام التى تتم مع البحث  و النظر بالكشف  و الذوق فالحكمة المشتملة عليها متعالية بالقياس إلى الأولى .

و الذوق هذا هو اصطلاح عرفانى أدرجه الطوسى فى كلامه , و قد فسره القيصرى فى شرحه على الفص الهودى من فصوص الحكم ( 3 ) بقوله[ : ( المراد بالذوق ما يجده العالم على

پاورقى :

1 . المطففين : 18 .

2 . الفتوحات  المكية بتعليقات  عثمان يحيى , ج 2 , ص 345 . 3 . فصوص الحكم , الطبع الأول , ص 245 .

صفحه : 68

سبيل الوجدان و الكشف  لا البرهان و الكسب  , و لا على طريق الأخذ بالايمان و التقليد فان كلا منهما و إن كان معتبرا بحسب  مرتبته لكنه لا يلحق بمرتبة الكشفية إذ ليس الخبر كالعيان](  .

و الغرض أن الانسان ما لم يذق المعانى بالوجدان , و لم يعتل إلى ذروة الحكمة المتعالية بنور البرهان و العرفان لم يرزق فهم معرفة النفس و أمثالها من المعارف  الحقة الالهية , و البرهان ما يعطيه العقل المنور و الشرع المطهر من الأدلة . و أما المتقشف  المعتكف  فى عتب  الظواهر , فهو بمعزل عن حقائقها بمراحل . و كما قلت  فى رسالتى المسماة بالهى نامه بالفارسية[ : ( آلهى جان بلب  رسيد تا جام بلب  رسيد](  . فيجب  الفرق بين المعرفة الفكرية و بين المعرفة الشهودية الذوقية , فان الأولى قنطرة إلى الثانية . و النظر الفكرى محجوب  بالتقييد و الذوق و الشهود يقتضى اتصاف  الذائق بما يذوقه حالا بخلاف  العلم التصورى , فانه بمجرد الاطلاع على الشىء , و المدرك  لا يدرك  غيره بالذوق إلا بحسب  ما فيه منه . و مما أبانه الشيخ العارف  العربى فى الشعيبى من فصوص الحكم قوله [ :( ما عثر أحد من الحكماء و العلماء على معرفة النفس و حقيقتها إلا الالهيون من الرسل و الأكابر من الصوفية , و أما اصحاب  النظر و ارباب الفكر من القدماء و المتكلمين فى كلامهم فى النفس و ماهيتها فما منهم من عثر على حقيقتها , و لا يعطيها النظر الفكرى ابدا , فمن طلب  العلم بها من طريق النظر الفكرى فقد استسمن ذاورم و نفخ فى غير ضرم . لاجرم أنهم من الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . فمن طلب  الأمر من غير طريقه فما ظفر بتحقيقه](  . انتهى .

و جملة الأمر أن معرفة النفس كمعرفة الرب  فكرية و شهودية ذوقية , و النظر الفكرى رؤية عن بعد , [ ( أولئك  ينادون من مكان بعيد](   ( 1 ) و الشهودية الذوقية هو الوجدان و الكشف  فان اجتمع الوصول عن برهان و شهود فهو الكمال و الحكمة المتعالية .

و لما عرفت  معانى الحكمة و الحكمة المتعالية , و العلم الشهودى الذوقى و النظر الفكرى المعبر بالعقلى أى البرهانى و الاستدلالى فاعلم أن الروايات  كأنها بالنسبة الى القرآن الكريم مرتبة نازلة منها , و بعبارة أخرى القرآن بحر و هى سواحله أو جداوله , أو أنه روح و هى مجاليه و مظاهره , و قياسها اليه قياس البدن الى نفسه مثلا . و كثير من الروايات پاورقى :

1 . فصلت  : 45 .

صفحه : 69

التى تفسر تأويلاته فالتوغل فيها يحكم بأن تلك  التأويلات  تفاسير أنفسية له , و من هنا تنتقل إلى أن القرآن و العرفان و البرهان لا فرقان بينها إلا أن الحقائق النورية ذات  مراتب  و التعبيرات  بالاجمال و التفصيل ذات وجوه نظير ما أفاده بعض مشائخنا فى تسمية صدر المتألهين كتابه الكبير تارة بالحكمة المتعالية , و أخرى بالأسفار الأربعة من أن الأولى فى مقامه الجمعى , و الثانية فى مقامه الفرقى , و قد أشبعنا الكلام فى ذلك فى سائر مصنفاتنا و الله سبحانه هو الهادى الفياض على الاطلاق . و ما ترى فى الصحف  العرفانية نظما و نثرا فى مذمة العقل فالمراد من العقل النظر الفكرى و الجمود عليه بلا ارتقاء الى مراتب  اهل الشهود و الذوق , فتبصر . و ان شئت  تفصيل البحث  عن ذلك  فراجع الى كتابنا نثر الدرارى على نظم اللئالى و الله سبحانه ولى التوفيق .

ثم قد صدرت  من قلم هذا الفقير الى الله الغنى المغنى فى تفاريق أثناء تصنيف  عيون مسائل النفس و شرحها سرح العيون , قصيدة عائرة تائية مسماة بينبوع الحيوة تنبىء عن فقرى و فاقتى و ذلى و مسكنتى , و تشير الى ما فى صحيفة الانسان من تلك  العيون , صدرتها بها لعلها براعة استهلال لما نحن بصددها , و المرجو ان تقع موقع قبول اولى النهى , و ينفعنا بها من له الاخرة و الأولى , و هى ما يلى :

ينبوع الحيوة

بدءت  ببسم الله عين الحقيقة

نطقت  به فى نشئة بعد نشئة

شهدت  محياه بعين شهوده

صباحا مساء كرة غب  كرة

أصلى على خير الأنام محمد

و عترته الأطهار هم خير عترة

و لست  أرى غير النبى و آله

اليه تعالى شأنه من وسيلة

و من ثدى أمى - قدس الله سرها -

شربت  حميا حبهم بدء رضعتى

و قربهموا فى متجرى لبضاعتى

محبتهم فى محشرى لشفيعتى

بيوتهمو كهفى وها أنا كلبهم

بسطت  ذراعى إليه بعقوة

صفحه : 70

ووحدة صنع العالمين لحجة

على الواحد الحق الحقيق بوحدة

على وحدة التدبير غير الروية

على وحدة التقدير عين الروية

فتوحيده الحق الحقيقى ناطق

بوحدته الشخصية الصمدية

بوحدته القدسية الأزلية

بوحدته الجمعية الأولية

بوحدته فى حضرة باطنية

بوحدته الكونية المظهرية

تجلى على الافاق و الأنفس معا

فليست  سوى آياته المستنيرة

و توحيده أفنى الذوات  برأسها

و فى المحق طمس ثم محو برتبة

إذا لم يكن غير الوجود فمن سواه

فليس سوى نور الوجود ببقعة

و قد ساوق الحق الوجود تصادقا

و ساوى الوجود الواحد فى البديئة

و قد عبروا عنه بعقل و وحدة

و قد افصحوا عنه بعشق و نقطة

و للناس فيما يعشقون مذاهب

خليقتهم تحكى اختلاف  السليقة

و ما زارت  العينان غير روائه

اريكته كانت  سويداء مقلتى

و ما لجمود العين حق الزيارة

و يا صاح طهرها باجراء دمعة

و من هو اواه منيب  فانه

خليل الاله صادق الود خلتى

و بالذوق إن شاهدته كنت  صادقا

و كم ضل من ظن الوصول بفكرة

و أنى لك  الاعراب  عن وصف  ذاته

و لما تذق من كأسه نحو جرعة

و من لم يذق ما ذاقه العاشق الوفى

فممن تردى فى هواه بسقطة

و لا يوصف  هذا الوصول بألسن

و قد أخرست  عن وصف  ذاك  وكلت

قد اضطرب  العقل من إنباء سره

و قد نطق القلب  بعجز و ذلة

و ما القلب  إلا بالتجلى تقلب

هل العقل إلا فى اعتقال بعلقة

و فى القلب  طورا بعد طور بوارق

تلوح ضياء فوق يوح المضيئة

و يتسع بالعلم من صنع ربه

فليس وعاء مثل بيت  و صرة

صفحه : 71

و قد وسع الحق فما ضاق عن سواه

فلا يغفل عن حضرة عند حضرة

و اوعية تلك  القلوب  فخيرها

لقلب  هو أوعى القلوب  المنيرة

و قد ثار قلبى من خفايا سريرتى

و قد طار عقلى من خبايا طويتى

و انى لك  الخبر بحالى و أنما

ترى جدتى لست  ترى ما بلجتى

و كيف  أثير ما بسرى فانما

دفين إلهى ذمتى أو مذمتى

و يا حبذا نار المحبة أحرقت

أنانيتى من جذبة بعد جذبة

و قد أضرمت  نار الصبابة فى الصبى

هدايا الجنون بين قومى و صبتى

صبابة من قد كان سرى سريره

فصاح بسرى صيحة بعد صيحة

و ما ذقت  فى دهرى من انواع لذة

فلا تعدل معشار أوقات  خلوتى

مضى الليل فى النجوى و شكوى غريبه

و كان الصباح لمعة فوق لمعة

و فى لجة الليل الذكاء تلألأت

و قد جرت  الأنهار من قلب  صخرة

و قد نور الروح أنين لياليا

و قد طهر السر دموع كريمتى

مداوى الكلوم كان ذاك  الأنين لى

أنينا لقد أن الطيور بأنتى

و نعم الأنين كان فى الدهر مونسى

فصرت  من أشباح الأناس بخيفة

أناس كنسناس وحوش بهائم

أضل من الأنعام دون البهيمة

و لو كشف  عنك  الغطاء لتبصر

سباعا ذئابا أو ضباعا بغيضة

و أف  لدهر ما ترى فيه آنسا

و لم ألف  فى دهرى اليفا لعشرة

و يا حسرتى ليس لنا صوب  مخلص

سوى أن ندين الحق دين التقية

تركت  سواه لقيه من لقائه

و قد أكرم المعشوق نجح عزيمتى

هدانى إلى وادى الولاية بعدما

رمانى عن أوطانى و سكان بلدتى

يضل و يهدى من يشاء بملكه

و ما اسم من الاسماء قط بعطلة

و ليس بجبر أو بتفويض ان ذا

على وفق الاعيان الثوابت  ثبت

صفحه : 72

و لما رءانى ليس لى مونس سواه

ترحم بى جاء أنيسا لغربتى

تركت  سواه فى هواه بلطفه

و فى الكسر جبران و فى الجبر لذتى

إذا كانت  النفس سراحا من الردى

ففى صقعها نار الهوى قد أنيرت

بسر الحضور نور الأنوار كامن

و حول الموافاة بدائع حكمة

و طوبى لمن وافى الحضور وفاته

و ليس يوازيه الوفاة بغيبة

و لما بدت  أنوار طوباه فى حماه

فقد طارت  النفس اليه بسرعة

و ما الكسب  إلا قطرة بعد قطرة

و ما الفضل إلا سيب  بحر بنحلة

فقد قادنى لطف  الاله إلى الحمى

على صغرى حمدا له من منيحة

مطايا عطاياه نفوس تطهرت

من ادناس الارجاس بوهب  و همة

إذا لم يك  السر نقيا من الشقاء

فما للشقى من ثياب  نقية

يوسع رزق العبد ما كان طاهرا

بذا جاء نص من نصوص صحيحة

تجنب  عن أرجاس الهواجس كلها

توكل على من ذاته الكل عمت

و من عاش فى الأتون طول حياته

فهل يدرك  العيش بساحة روضة

و ما لم يك  المطلوب  للطالب  بدى

فأين إلى المطلوب  كان بنجعة

و من لم يكن وجه الحبيب  تجاهه

فليس وجيها عند أهل المحبة

و هل وجهة فى غير عز تجاهه

و هل عزة فى غير قرب  المودة

و بالحب  الأعيان انجلت  فى شجونها

شجون تراها غمرة إثر غمرة

و فى سر غيب  الذات  الأعيان غابت

قد ارتجفت  بالعشق أنحاء رجفة

و لولا بروق الحب  ما صاح صائح

و لا حبة كانت  تلوح بمنبت

ولولا شروق العشق ما لاح كوكب

و ما الفلك  تجرى أو تدور كفلكة

و لما تركت  الخلق طرا وجدته

بدى الشمس و الخلق نظير الأشعة

صفحه : 73

لقد سر سرى من سنا وجهه السنى

على ما بدى لى فى رقادى ويقظتى

و إن مياه الأبحر لو تراكمت

لما هى مما تطفىء حر لوعتى

و لو لا انكسار القلب  مايعبأ به

و بالانكسار كان من خير عيبة

لنا ما رزقنا من قلوب  كسيرة

لكم ما رزقتم من عقار وضيعة

و كيف  أبوح ما بسرى و أنما

لسان الحروف  الراقمات  بلكنة

و ما تنفع أسماء الأسماء وحدها

إذا لم تكن أسرار الأسماء مكنتى

إذا ما أتيت  راحما لزيارتى

تشم نسيم الحب  من روض تربتى

و فى الصمت  نطقى إن ذا من عجائب

و فى غض عينى رؤيتى فى رويتى

و فى الذكر انسى ثم فى الأنس ذكره

تسلسل ذاك  الدور يومى و ليلتى

و لست  ارى الانسان غير دعائه

جناب  الاله لحظة لفت  لحظة

تصلى له سبحانه لست  شاعرا

كما أن الأشباح و الأرواح صلت

يميت  و يحى كل آن نفوسنا

كذاك  إليه نرجع كل لمحة

تجدد الأمثال العوالم كلها

على هيأة موزونة مستديمة

تجدد الأمثال على حفظ نظمها

بدائع صنع الله فى كل بدعة

متى غاب  حتى أطلب  الهادى إليه

و ما الهادى إلاجلوة منه جلت

خفاه ظهور فى الظهور خفائه

و فى قربه بعد وفى البعد قربتى

و من دأبه أن يظهر ثم يختفى

و فى القبض و البسط مفاد عقيدتى

و فى القبض بسط ثم فى البسط قبضه

و ما البسط و القبض سوى بسط قبضة

قضاء و قرآن و قبض ترادفت

ففى القدر الفرقان أنحاء بسطة

ففى الروح قبض ثم فى القلب  بسطه

و ما بالتجافى صورة ما تسرت

يمثلها صقع خيالك  بعد ذا

يجسمها فى الطبع طابع هيئة

و ما هو قرآن فجمع و باطن

و ما الجمع إلا الحكم فيه برمة

و ما هو فرقان فشرح و ظاهر

و ما هو تفصيل فمرهون كثرة

صفحه : 74

و من كان عن روح الكتاب  بمعزل

فما انتفع من شد حرف  و مدة

هو الصمد الحق أى الكل وحده

هو الأول فى آخر الاخرية

هو الصمد الحق فلا ثانى له

فما الشبهة تروى عن ابن كمونة

و معناه لاجوف  له فهو مصمت

كما فسر من أهل بيت  النبوة

فما ذرة إلا حيوة تجسمت

و سائر الأوصاف  كذلك  بجمة

فصار السوى غير السوى غير أنه

شئون و آيات  لذات  فريدة

فمن هو معلول و من هو علة

لدى الصمد الحق الوحيد بسطوة

و قد كانت  الدنيا غرورا لأهلها

لما أنها تغتالهم أى غيلة

فتوهمهم أن السموات  و الثرى

و ما فيهما فى الكون مما استقلت

إذا جاءهم كشف  الغطاء فأنما

عيانا رأوا قد كانوا فيه بغفلة

متى طلعت  شمس الحقيقة تفضح

خفافيش ما فى ظلمة الليل خفت

و هل أنت  إلا الروح و الجسم و القوى

و هل أنت  إلا وحدة فى الكثيرة

فما أنت  إلا واحد ذو مراتب

ترى ذاتك  مرآته قد تجلت

و لا بد من فرق كشىء و فيئه

و ليس كميز الشىء و الشىء فاثبت

هو الصمد الحق كذاك  كتابه

و ذا الحكم فاق الشمس عند الظهيرة

كذاك  النبى الخاتم فى النبوة

هو الصمد هل كنت  من اهل دربة

محمد المبعوث  ختم النبوة

كذاك  كتاب  الله من غير لبسة

هو المعجز الباقى من دين أحمد

هو نوره المنجى من كل نقمة

و الاعجاز بالأسلوب  أو بالفصاحة

أو الأمر فى ذاك  على نحو صرفة

و معجزه الباقى من فعله ترى

بيثرب  من تعيينه سمت  قبلة

بلا شاخص أو جدول من جداول

بلا ربع اسطرلاب  أو أى صنعة

و لكن بنور الله من يثرب  رأى

مع البعد بيت  الله يا حسن رؤية

صفحه : 75

فقام إلى الميزاب  من أمر ربه

تعين سمت  القبلة فى مدينة

إلى الان هذا المعجز كان باقيا

و فى الخوض فيه مالنا من وجيزة

فليس نبى بعده فمن ادعى

هو المتنبىء بلا طمث  ريبة

على قدر و سعى كان قرآنه معى

فلا خوف  من شر النفوس الشريرة

إذا كان بيت  أصفر من كتابه

فليس ببيت  بل وجار ضبوعة

و يا من أراد الاعتلاء إلى العلى

فطوبى لذات  و هى ذات  علية

فلو لم يكن فينا القبول إلى العلى

لما كان قرآن الرسول بقدوة

و حيث  بدا فينا العروج إلى الذرى

لنا فى رسول الله تحثيث  أسوة

تفقه بما قد فصل فى النبوة

عليك  بما أهديك  من غير مهلة

نبوة من كان من الله مرسلا

هى الخاصة المقرونة بالشريعة

و أخرى لمن كان من أهل الولاية

هى العامة فى كل عصر و دورة

و قد ختم الأولى ظهورا بأحمد

محمد المحمود من رب  العزة

و أما بطونا فهو عين النبوة

به يستنير أمة بعد أمة

و كل نبى كان من قبل يستضى

بمشكوة عين الرحمة الأحمدية

فمن أعرض عن منطق الوحى الأحمدى

فمنسلخ عن فطرة بشرية

و من آمن فى غر نور الولاية

فقد خلص من ظلمة مدلهمة

و من لم يكن من حظ عرفانه احتظى

فمما استلذ من أفانين حظوة

و من لم يكن من ضوء برهانه اهتدى

فلن يهتدى قط بقطع وبتة

و من أظلم ممن على الله يفترى

و ممن رسول الله آذى بفرية

بأن رسول الله من بين أمته

قد ارتحل من غير نص وصية

و لو لم يكن غير الغدير لقد كفى

لمسترشد و هو من أهل الحمية

فكيف  نصوص الفرقتين تواترت

بمثل الغدير فى جدير الخليفة

صفحه : 76

ألا و على كان يعرف  بالوصى

بأخبارنا الموثوقة المستفيضة

و أنت  ترى بين سنام الصحابة

هو وحده كان بهذى الخصيصة

على ما هو المعمول بين الجماعة

فحاشاى عن بحث  عن الأفضلية

لأن القياس صح فى ما تجانست

و أى جناس بين نور و ظلمة

و من همو أعراب  من الناس و الوصى

فيرتجز فى الفضل عند السقيفة

إذا كان جمع كلهم أهل العصمة

لصح الحوار عند ذا بالفضيلة

فيوزن اولوا العزم و المرتضى على

بأنهموا من كان أولى بخلة

و أدبنا القرآن فى الأفضلية

ففى الرسل أو فى النبيين حجتى

على إمام الكل بعد نبينا

على الكل فى كل صفات  سنية

و من أظلم ياقوم ممن قد ادعى

إمامة دين الله من غير عصمة

و من كان فى الأمس على الظلم ناله

من اليوم عهد الله يا من ظليمة

و لا بد للاسم الاله من الذى

نسميه كونا جامعا فى الرقيمة

هو القطب  بالاطلاق فى كل عالم

هو الشمس فى الافاق عند البصيرة

وجوده لطف  فى نظام العوالم

و لن تخلو الأرض من أنوار حجة

بذا حكم العقل ببرهانه السنى

و ألسنة النقل على ذاك  دلت

ألا إنه - و العصر - من صلب  العسكرى

سليل رسول الله و ابن الأئمة

م ح م د المهدى بالحق قائم

بذاك  اعتقادى من علوق نفيسة

بذاك  اعتقادى عن صميم معارفى

معارف  ما فى لجتى و سفينتى

عليك  بدرج الدر نهج الولاية

لما فيه من أسراره المستسرة

بذاك  اعتقادى من صفايا أدلتى

بلا دخل تقليد و رسم و سنة

و أشهد بالله على ما عقيدتى

بلا ريب  و سواس بلا شوب  شبهة

بذاك  اعتقادى من عطايا جنابه

و خير العطايا للنفوس السعيدة

على ما هدانا الله جل جلاله

له الحمد ثم الحمد من غير فترة

صفحه : 77

تصفحت  أوراق الصحائف  كلها

فلم أر فيها غير ما فى صحيفتى

امن مثلها نور بسيط توحدت

بشىء اذا قد واجهته لبغية

تجردها مما هى للطبيعة

يفيد بقاء النفس للأبدية

يحب  البقاء كل شىء بسوسه

فأصل البقاء ثابت  بالبديهة

كذاك  مقام فوق ذاك  التجرد

لها ثابت  أيضا بحكم الأدلة

و ما أخبر الكشف  الأتم المحمدى

بيان لما فى النفس فى كل سورة

على صورة الرحمن جل جلاله

بدى هذا الانسان من أمشاج نطفة

و سبحان ربى ما أعز عوالمى

و أعظم شأنى فى مكامن بنيتى

و ما آية فى الكون منى باكبرا

و نفسى كتاب  قد حوى كل كلمة

و لو لم يك  الانسان من كان حاملا

آمانته من حين عرض الوديعة

و محمول الانسان هو العرش قد بدى

أى الملك  مما اختاره ابن مسرة

ففى الدهر من مثلى و كنت  مثاله

و ما تعدل جنات  غير ببهجتى

و ماء مهين دافق صار عالما

كبيرا يوازى الكل من غير قلة

فما هو الانسان جميع العوالم

و ما هو الانسان سلالة طينة

و ما هو الانسان و الأسماء أنما

هى الدرر و هو لها نحو حقة

عجائب  صنع النفس يا قوم ماهيه

و ما يعدل صنع بتلك  الصنيعة

و للنفس انشاء الذوات  على الولاء

و ارسالها فى ما تشاء بمنة

و تلك  الذوات  قد تكون بسيطة

مفارقة نحو العقول المفيضة

كذا قد تكون ما تلينا من التى

قد اغتمرت  فى مدة ذات  مدة

و يا معشر الأحباب  من كان فيكمو

يعرفنى نفسى فيسكن ثورتى

و يا أمة الأملاك  فى الأرض و السما

و هل واحد منكم يجيب  بسؤلتى

و يا مالك  الأملاك  فى الأرض و السما

و يا من يناديه صراخى و ضجتى

و يا من أحب  خلقتى نعم ما أحب

و يا من كسانى خلعة بعد خلعة

صفحه : 78

و يا من اليه الكل يأوى و يلتجى

إليك  التجأت  فى رخائى و شدتى

و يا لهف  نفسى لست  أعلم ما أنا

و لست  فهمت  مصحفى من قريحتى

تحيرت  فى أطوار نفسى على الولاء

تروح و تغدو فى حضيض و ذروة

تجلى لها أسماء يوم القيامة

و قد بهرت  من غيب  ذات  الهوية

و قد تهبط منها إلى الدرك  الأسفل

إذا التفتت  نحو الحظوظ الخسيسة

و قد ملأت  أقطار الأفاق كلها

ملائكة الله و الأقطار أطت

ملائكة الله قوى كل عالم

قد اشتقوا من ملك  كما من ألوكة

و ما ملك  إلا وفينا مثاله

حقيقة شىء تعرف  فى الرقيقة

و معرفة الانسان نفسه أنما

هو الحد الأعلى للعلوم الرئيسة

و الانسان يزدان بانوار علمه

و انى له الأعراض كانت  بزينة

و صالحة الأعمال بعد علومه

تريها له ايضا من انوار حلية

جناحا العروج نحو اوج المعارج

هما العمل و العلم يا اهل نهية

و لا ينتهى قط كمال الولاية

فلا توصف  النفس بحد و وقفة

و من جوهر النفس إذا كان كاملا

بدى معجزات  مرة بعد مرة

ترى بشرا يمشى فى الأسواق قد على

سنا سره آفاق ما فى الخليقة

و جسم يدور حول نفس و نفسه

إلى العقل تنحو رفعة فوق رفعة

و للعقل إقبال إلى ذروة العلى

يعاوقه الطبع بأنواع حيلة

فكيف  لنا يرجى العروج إلى الذرى

فانه للنفس التى لا طمأنت

فان ملت  الأرواح من سوء دهرها

ففى جنة الأسفار كانت  بنزهة

و من كان يرجو الاعتلاء فأنما

يهيىء أسباب  الوغى من سرية

و من سافر صدقا فلا يستريح من

توخ من القيوم طى الطريقة

ترى آدم البرنامج الجامع الذى

حواه نعوت  الحضرة الأحدية

صفحه : 79

فلابد من برنامج فى اموره

و فى عمل البرنامج من صريمة

و إياك  و الفن الذى ليس نافعا

عليك  بادراك  العلوم الرفيعة

و العرفان بالله هو العلم وحده

فطوبى لمن نال بتلك  العطية

و علمك  صيد قيد الصيد يا فتى

و قيدك  إياه تراه بكتبة

و يا أيها الانسان انك  كادح

إلى ربك  كدحا فتسعى للقية

إذا تتجافى النفس من عرصة الفنا

فقد شهدت  عين البقاء بلحظة

أما سيرها من هذه العرصة إلى

فناء البقاء ليس إلا بخطوة

إذا وصل النفس إلى دار قدسها

إلى الموطن الأصلى من دار كربة

تحولت  النفس من النقص قد فنت

إلى عقلها فاستخلصت  من نقيصة

فما الوصل إلا الاتحاد بغاية

و يا صحب  ما فى النفس من حسن سيرة

و أمر فناء النفس فى العقل طالما

يدور على الأعصار بين الأجلة

و هذا الفناء ليس فى الكل واحدا

له درجات  فوق عد و حسبة

فمن نقصها الذاتى كانت  تبدلت

كمالا بسر الحركة الجوهرية

متى واجه أنوار غر المعارف

عرفت  بأنى لست  من ذى القبيلة

و لما رأيت  العاشق الحق قد دريت

معانى الوقار و الرضا و السكينة

و بالعمل و العلم نحن صنيعنا

فانهما نفس الجزاء أحبتى

لذا كانت  الالام يوم القيامة

لمن كان فى الدنيا أليف  الطبيعة

و من كان مأنوسا بحكم مثاله

ففى الجنة الصغرى له حظ نعمة

و من فاز بالقرب  إلى الحق حقه

يشاهد وجه الله فى كل وجهة

توغل فى العقل و أدبر عن سواه

ففى الجنة الكبرى له أى ملكة

هى جنة الذات  التى قد أضافها

إلى ذاته النورية السرمدية

و طاف  على المعشوق لم يدر غيره

تطوف  عليه الحور طائف  كعبة

و يوم الحصاد تحصد ما زرعته

ففى هذه الأيام هل زرع زرعة

صفحه : 80

فلست  سوى أعمالك  الأخروية

و لست  سوى أفعالك  الدنيوية

و الاعمال إما الكسب  بالصدق و الصفا

أو الاكتساب  باحتيال و خدعة

لذا جاء فى فصل الخطاب  المحمدى

لها و عليها فى مجازاة صفقة

فجنتك  و النار فيك  و تزعم

بأنهما فى حيز ما بفجوة

و للجنة و النار فينا مظاهر

و الافاق مثل الأنفس بالسوية

و عامل فعل كان نفس جزائه

ألا ملكات  عجنت  بالسريرة

إذا فتحت  عيناه فى صقع ذاته

فاما وجوه من وجوه دميمة

و إما وجوه من حسان كريمة

لئن كانت  الأفعال من حسن شيمة

سرائرها تبلى له الويل لو رأى

سريرته مشحونة بالرذيلة

و أنت  ترى الاناس فى السوق قد بدى

تجسم أعمال فهذا كحية

و هذا كخنزير و ذاك  كثعلب

و ذا سبع ينحو افتراس الفريسة

و شرذمة كانت  من اهل السعادة

يميل اليه الطبع من غير وحشة

و حشرهم يوم النشور كنشرهم

هنا فى جماعات  و سوق و سكة

و اكثر الأعمال سراب  و أنما

لقد حسب  الظمان ماء بقيعة

تجسم الأعمال من الدين الأحمدى

تمثل الأعمال بهاتى الوتيرة

و لست  سوى الدين الذى كنت  تعمل

تمثل الايمان بصورة سدرة

و أخلاقك  الأنهار الأربعة جرت

و طوبى مثال النفس طابت  بطيبة

و من عامل الخلق بأخلاق سوئه

ففى قبره كان له سوء ضغطة

إذا كنت  فى برنامج فى التمثل

نجحت  به فى ذاتك  بعد صفوة

تنورت  من نور الجمال المحمدى

بتطهير ذاتى من صبوح بشربة

سمعت  باذانى فصول أذانه

فيالذة قد أقبلت  صوب  مهجتى

بكيت  بكاء عاليا حينما قضى

حبيب  إله العالمين لصحبتى

و يا حسن صوت  لست  أقدر وصفه

على صوت  داود بأحسن لهجة

صفحه : 81

و كم نلت  من امثال هذا التمثل

تمثل عذب  يا لها من عدوبة

تجسم الأعمال بمعنى التمثل

تمثلها كان تصور صورة

فجسم هنا ليس بمعناه العنصرى

بل الجسم دهرى فخذه كدرة

رموز كنوز كل ما فى الشريعة

فلابد فيها من علوم غزيرة

ولابد فيها من صفاء السريرة

و مقعد صدق عند رب  البرية

تصورها كان تحققها الذى

لقد نشأ من صقع نفس كنبتة

و هذا النبات  كانت  النفس منبته

و بذرة خلق النفس تمثال حبة

فما تنبت  من أرض نفسك  أنما

حبوب  و إن قلت  لبوب  لصحت

و تلك  اللبوب  عند اهل البصيرة

تشخص الأبدان من البرزخية

كما أن نور العلم فى النفس أنما

مشخص الأرواح بلا شوب  مرية

فحق المعاد كان جسمانيا بدى

كما كان روحانيا ايضا بجملة

و أنت  بذاك  الجسم و الروح تحشر

كما كنته فى النشأة العنصرية

و الأبدان للانسان طولا تفاوتت

كمالا و نقصا عرصة فوق عرصة

فاياك  و الظن بأبدانه على

تكونها ممتازة ميز عزلة

و تنتشأ الأبدان من صقع نفسها

تقوم بها نحو ظلال المظلة

و لا تلك  الأرواح عن أبدانها خلت

و لا كانت  الأبدان عنها تخلت

تمايز الأرواح و الأبدان طالما

تقلقلت  الأفواه فيه بهفوة

و قد نطق الوحى بالأولى و الاخرة

فأحكام الأولى غير ما فى الأخيرة

و الاخرة الدنيا على ما زعمتها

فما الفرق فى البين من الأرجحية

فان كانت  الأخرى فليست  بهذه

فكن من فريق قائلين بفرقة

و إن شئت  قلت  النفس فى الدار هذه

هى للهيولى صورة فاستقرت

و لكنها فى الدار الأخرى بعكس ذا

تريها هيولى الصور المستمرة

و لذاتها كانت  هنا من مقولة

و فى دارها الأخرى ترى من مقولة

صفحه : 82

ففى دارها الأولى انفعال لضعفها

و أما فى الأخرى فهى فعل لقوة

على ذلك  الفعل نصوص تظافرت

و ننشئكم فى منطق الوحى عروتى

خوارق عادات  كذا معجزاتها

هى أنما من فعل نفس منيعة

عليك  بما فى الباب  من باب  العلم جا

بقلعه باب  خيبر دون طرفة

فقلعه ثم قذفه خلف  ظهره

لما كان ذا من قوة جسدية

لما كان عضو بالغذاء تحركا

لما كان الأعضاء بذاك  أحست

و لكن بتاييد قوى ملكوته

و نفس بنور ربها مستضيئة

كذالك  الالام هناك  وهيهنا

على نحو ما قلنا من إسناد لذة

و قد فسر القبر لسان الشريعة

بأخباره الموصوفة بالوثيقة

فمقبور إما فى الخصال الحميدة

و مدفون إما فى الصفات  الذميمة

حقيقته ما ليس عنا بخارج

و خارجه عنا يسمى بحفرة

و الأول ما وارى حقيقة ذاتنا

و ما الحفرة إلا الوعاء لميت

و هذا و ذاك  بالتشابه هيهنا

كأفراد نوع باختلاف  و شركة

و كم من أمور هيهنا قد تشابهت

تشعبت  عند الحشر أنحاء شعبة

فالانسان نوع ذو مصاديق هيهنا

بأصنافها من أى خلق و خلقة

و فى النشأة الأخرى هو الجنس قد بدا

بأنواع أوصاف  به لاستجنت

فما أنت  إلا نفس أفعالك  التى

فعلت  بطوع و اختيار و رغبة

قيامتنا قد قامت  الان فابصرا

و أنواعها الكلية خذ بخمسة

كنون و قلب  ثم عرش و حضرة

و حمد و أقسام نكاح بنوبة

هى سبعة سبع سماواتك  العلى

من الأرض فاقرأ مثلهن بسبعة

هى الكليات  تحتوى جزئياتها

على كثرة من غير حصر و عيقة

و تلك  الأصول فوق ما هو رائج

على نحوه فى الحكمة الفلسفية

و فلسفة ذات  مراتب  عندنا

وسفسافها قد عد من سفسطية

صفحه : 83

ففلسفة أنوارها مشرقية

و قد نالها من كان من مشرقية

فان كان فيها كاملا و مكملا

فذاك  إمام الكل فى كل كورة

و فلسفة أخرى هى من ظلالها

و ذو الظل أصل حاكم فى الأظلة

و يستوحش من لفظها المتقشف

يسوغ له تبديل لفظ بلفظة

دليل و برهان و نور و حجة

أو اللفظة الأخرى من أى قبيلة

و الانسان مفطور لفهم الحقائق

ببرهان لم أو بان بدقة

و طينته قد خمرت  بالتعقل

ف إما بمعلول و إما بعلة

فما خالف  البرهان إلا معاند

قد انسلخ بالخرق عن دين فطرة

و لا ينكر العلم الشهودى عاقل

بل العقل فى النيل به كالذريعة

و روحك  مشتاق الى سيب  رزقه

و جسمك  مفتاق الى اكل طعمة

فذاك  بما من سنخه فى اعتلائه

و هذا بما من جنسه فى غضوضة

و لا يشبع ذاك  بانوار رزقه

و قد شبع هذا بمرات  لقمة

فذاك  وراء الجسم من سوسه السنى

كبارئه فى الحيطة و الألوهة

و هل تذكر العهد الذى كنت  تغتذى

دم الطمث  من انبوبة باسم سرة

فسرتك  كان مدى أشهر فما

كذلك  سرات  كثير الأجنة

و هذا الفم المولود من أمر ربه

قد انفتح و السرة منه سدت

و فى الجنة كان الغذاء لأهلها

ببرنامج فى بكرة و عشية

و دار السلام الجنة و هى وصفها

و كان سلام الجسم فى حفظ صحة

فمن جاوز عن مرتين غذائه

قد انجر الأمراض إليه بأكلة

ففى الأثر من جاوز الأكل عنهما

فهو حر بالمعلف  و العليقة

والانسان قد خص بأخذ غذائه

من السمع فالسمع فم الأريحية

و علمه الله البيان بذا الفم

به صار ذا نطق بانطاق نية

نعم كل شىء أنطق الله ذو العلى

فلا ريب  للانسان ما من مزية

صفحه : 84

سوى تلك  الأفواه فم آخر له

مسمى بقلب  يغتذى من حظيرة

حظيرة قدس و هى عين حيوته

بل الكل منها كل آن تروت

و ما يدرك  القلب  فذاك  هو الغذاء

و غيره إعداد بأنحاء عدة

و إدراك  الانسان جميع العوالم

دليل على ما فيهما من نظيرة

و مدرك  شىء مغتذيه و مدركه

غذاء له فاثبت  بتلك  الدقيقة

مغائر شىء لا يكون غذائه

فبين الغذاء و المغتذى نحو نسبة

و أسرار الأفعال العبادية لنا

هى كلها الأنوار عند النتيجة

و ما أمر المولى به فيه حكمة

تعود إلينا من صيام و حجة

و ما قدر الانسان و ما وزنه إذا

تأنف  كالشيطان من فعل سجدة

و ما يعبأ بالمال و الجاه لو خلت

صحيفة الأعمال من إعمال سبحة

و أنت  تشاء الله رب  العوالم

فمن سرك  اطلب  وجه تلك  المشية

و طالب  شىء واجد الشىء مجملا

كحكم النداء حكم أول وهلة

فكيف  تنادى الله ما لم تشاهد

شهود العيان أو شهودا بخفية

هو الصمد لا يعزب  عنه خردل

جداوله كالبحر أو كالبحيرة

جداول أخرى ما تريها كأنهر

و قد جرت  عن أصل كنبت  فسيلة

فمن وحدة عين الهوية إنكا

بجدولك  الحق تنادى بخبرة

فالانسان طبع برزخ و مفارق

و يدعو الاله كالعقول البسيطة

بسيط يصير نفس ما يقبل إليه

قديم حديث  ذو سكون و حركة

نبات  و حيوان و نطق و معدن

سماء و أرض جامع كل جمعة

إمام مبين فيه إحصاء كل شىء

كتاب  حكيم حائز كل حكمة

و يرقى إلى أم الكتاب  فيتحد

به ثم تتلى فيه كل قضية

و قد قيل فيه فوق حد التجرد

و لكنه تعريف  رسم بخصلة

مواصلة الأجساد عند التجاور

فان النكاح جاء أعظم وصلة

صفحه : 85

مواصلة الأرواح عند اتحادها

فتنعتها بالوصلة المعنوية

و عند اتجاه النفس شطر المفارق

تراها فناء مثل بحر و قطرة

و هذا الفناء ذو مراتب  لا تعد

على حسب  أحوال نفس زكية

و عرض المزاج الادمى لما يحد

و أعدله كان لنفس كريمة

هو المركز فالأقرب  منه أعدل

من الأبعد عن هذه المركزية

و أسباب  هذا الاعتدال عديدة

من الفاعلات  القابلات  العديدة

و أحوال الاباء كذا الأمهات  من

أمور لأصل الاعتدال قوية

كما أن نفخ الروح فى الوالدين قد

تلون أعنى نفخة بعد نفخة

ففى الأب  و الأم تلون نفخة

تعالى كما أن المياه استشتت

و ما نالنى من أنعم الله إنها

قداسة ما كانت  لأمى العقيلة

و للشىء أنحاء الخزائن رتبت

و أم الكتاب  أصلها من خزينة

و ما هو فوق العقل أول صادر

فقد صدر عن مكمن الأزلية

هباء يسمى الصادر الأول كما

يسمى عماء فى الروايات  العدة

و إياك  و التسويف  و الساعة دنت

هشاشة سوف  ما ترى من بقية

و ما هذه الدار لنا للاقامة

و قد كتبت  فى بابها ادخل لرحلة

و لا تصحب  الأشرار فى أى محفل

و لا تقبل الأفكار من غير نظرة

فلا تترك  الأسحار إن كنت  ساهرا

و لا تهمل الأذكار فى أى وقعة

و إن قيل قدما للحروب  رجالها

كذاك  رجال للثريد و قصعة

و لا تجزعى يا نفس من عوز طارف

و لا تفرحى يا نفس من فوز عيشة

و ما قيمة الدنيا الدنية إنما

ترى ديدن الدنيا أليفا لسفلة

ثقى بالذى إياه يقصد من سواه

دعى ما دعاه الغاغة من دنية

و إياك  و الدون الذى كان فانيا

عليك  بما فيه ابتغاء الأعزة

و لا يشتكى الحر من أحوال دهره

فان هوان الدهر دون لشكوة

صفحه : 86

و ليس مناص من أناس و بأسهم

فلابد من إغماض أوهام فرقة

و يا قوم هل من مخلص يرتجى لنا

أم الحكم أن نرضى بتلك  البلية

لك  الويل و التعس لان كنت  جائرا

على أضعف  المخلوق كان كنملة

إذا قيس ذنب  ما إلى ذنب  آخر

فذا عند هذا من ذنوب  صغيرة

إذا ما نظرت  الله جل جلاله

ترى كل ذنب  من ذنوب  كبيرة

و نصبح فى أمر و نمسى باخر

نروح و نغدو فى الأمانى الرزية

مضى الأمد و الوقت  قد أقبل الأبد

على ما انقضى العمر لقد ضاع ثروتى

و اقبلت  الأخرى فقد حان رحلتى

و ادبرت  الدنيا فقد دان ضجعتى

كرهت  أمورا كانت  الخير كله

و أحببت  الأخرى و هى عين الكريهة

تمنيتها ثم توخيت  بعد ذا

بأن لم تك  تلك  الأمانى منيتى

و أمنية فيها الأمان بمعزل

و أمنية فيها انفعالى و خفتى

و كنت  ظننت  ما ظننت  و انها

لما نفعت  تالله مثقال ذرة

فخليت  نفسى عن سوى حسن ظنها

بربى فعاشت  فى سراح و فسحة

مواعيد عرقوب  سمعت  و شرها

أمانى نفس كان فيها منيتى

و قد نالنى ريب  المنون على الولاء

و أنقذنى الرحمن من سوء ميتتى

و لا اقدر تقرير تلك  المهالك

و لا أظهر ما عند ربى لحسبتى

و مشرب  يعقوب  النبى لموردى

الى الله يشكو البث  و الحزن عفتى

و يخبرك  عنها لسانات  اعين

جبال و انهار و بحر و أيكة

و لا بأس فى ذاك  لما قد رأيته

من ان سنام العلم ذاقوا مشقتى

و قد شهد التاريخ صدقا بمثل ذا

على كل من فاق السباق بسبقة

و قد لدغتنى حية فى جبالنا

و إنى قتلت  الحية سوء قتلة

و لدغتها قد جبلتنى و شوهت

و كنت  صبيا يا لها سوء لدغة

صفحه : 87

لكنت  من إحرار لظى سم لدغها

أموت  و أحيى برهة بعد برهة

و ربى الرحيم قد نجانى من الأذى

و أدخلنى فى عيشة ما هنيئة

و لكننى صرت  ابتليت  بحية

هى شر الحيات  على الأرض دبت

و لو تسأل التنين و الدب  فى السماء

لقالا هربنا من أذيها بثمة

ألا و هى ما بين جنبى قد أوت

ألا و هى أعدى عدوى لهلكة

ألا و هى بالسوء أمارة فقط

ألا و هى النفس الولوع لنكبة

مضينا و لم يحصل لنا طول دهرنا

سوى ما درينا حرفة بعد حرفة

سوى صرفنا ألفاظ بعض الطوائف

سوى نحونا جمع دفاتر عصبة

سوى ما عرفنا من حوامل أنجم

تداويرها و الخمسة ذات  حيرة

سوى سير فيل وفق لوح مربع

أو العدل من بيتين فيه بحصة

و لقط و تكسير أساس نظيرة

و مستحصل ما استحصل للصعوبة

و مفتاح مغلاق لدى ذى الكتابة

و مغن و ظلى من الهندسية

و آلات  أرصاد كأنواع حلقة

و حك  و إسكاف  و ربع و لبنة

سوى نقطة قرن الغزال و نصرة

و ذا شكل لحيان و ذا بيت  عقلة

سوى الامتياز بين أصل البرائة

و ما هو أصل الاشتغال لذمة

و هذا فراغ ليس حكم التجاوز

و هذا ورود ليس حكم الحكومة

و كان الهيولى قوة محضة فقط

و بالصورة الفعل بدى بالضرورة

مضى العمر فيها ليت  شعرى بما مضى

يوازى بوزن ساعة أو سويعة

لقد صار علمى عائقى عن مشاهدى

كسجف  ثخين حال بينى و شأوتى

و ما العلم حوز الأصطلاحات  يا فتى

بل العلم نور فى حصون أمينة

و ان لم تك  النفس سراحا فما لها

إلى منزل الاحسان من نيل زلفة

و من دق باب  التوبة و الانابة

بصدق و إخلاص فرد بخيبة

و هل جاز الاستغفار أم ليس جائزا

لمن لم يكن غير إثم وحوبة

صفحه : 88

و من هو قد رد إلى أرذل العمر

فان لم يتب  فليفعلن غير توبة

و فضل إله العالمين هو الرجاء

و ما هو فى التصنيف  و العبقرية

سرورى بأن الراحم هو مالكى

و إلا فان العبد فى نار حسرة

و لا يصف  معشار معشار رحمته

لسان الورى لو كان ضعف  المجرة

إلهى و من أرجو و ليس لى الرجاء

سوى حبك  المكنون فى حسن صيغتى

قصيدتى ينبوع الحيوة المريحة

لعائرة دهر الدهور قصيدتى

بما عان ينبوع الحيوة فقد جرى

على إثره الأنهار الأربعة التى

بها وعد الرحمن اهل تقاته

و بين الأنهار بتمثيل جنة

إلهى و حيث  انما انت  منطقى

نطقت  بها من غير ضغط و كلفة

لك  الحمد مادار الجديدان خلفة

لك  الشكر ما جاء الأصيل ببكرة

و أفرغ علينا الصبر عن كل محنة

و توفيق شكر عند اقبال منحة

و يا محسن أحسن إلى عبدك  الحسن

و من هو يدعوك  بأنحاء دعوة

صفحه : 89

فنقول :

بسم الله مجريها و مرسيها

فأما العيون فكل عين منها عين الحيوة لواردها , فهى تجرى كأنهار من ماء غير آسن و أنهار من لبن لم يتغير طعمه و أنهار من خمر لذة للشاربين و أنهار من عسل مصفى . و لا يصعب  على من ذاق من مشرب  الأولياء المحمديين حقائق الايمان بالعرفان , و ارتوى من منهل الحكماء الالهيين رقائق الايقان بالبرهان , انطباق العيون على تلك  الأنهار فى القرآن حسب  تجانس بعض العيون و تسانخها و تشابهها مع بعض الأنهار .

و فى مصباح الأنس لابن الفنارى[ : ( العلم معنى مجرد و له صورة فى نسخة وجود الانسان بحسب  بعض العوالم كعالم المثال , كصورة الماء و اللبن , كما ورد فى الحديث  فأولته أى اللبن بالعلم , و فى حديث[ :  ( فاصبت الفطرة , و ذلك  كما أن الأنهار الأربعة المذكورة فى قوله تعالى : [ ( فيها انهار من ماء  الاية](  مظاهر علوم الوهب  و صورها ذكره فى الفكوك ( 1 ) .

و قال الصدر القونوى فى أواخر فك  ختم الفص المحمدى من الفكوك[ :  ( قد اتفق المحققون من أهل الله أن اللبن و الماء و العسل و الخمر مظاهر علوم الوهب  . و تأييد كشفهم و اتفاقهم من حيث  الظاهر من اخبارات النبوية الصحيحة , و الاثار الثابتة , و الأسانيد

پاورقى :

1 . الفكوك  . الطبع الأول , ص 307 .

صفحه : 90

المتكررة الذكر فى السنن , و فى تعبير الرؤيا , و فى أحاديث  الحوض و الاسراء و غير ذلك  مع التجارب  المتكررة المذكورة فى الوقائع](  ( 1 ) . ثم راجع فى بيان الأنهار الأربعة الى الدرس الواحد و العشرين من كتابنا دروس اتحاد العاقل بالمعقول ( 2 ) .

و فى روح الجنان :  قال - صلى الله عليه و آله[ : - ( توضع الموازين القسط يوم القيامة , فيؤتى عمل الرجل فيوضع فى ميزانه , ثم يؤتى بشىء مثل الغمام أو مثل السحاب  فيقال له : أتدرى ما هذا ؟ فيقول : لا , فيقال : هذا العلم الذى علمته الناس فعلموا به بعدك](    ( 3 ) . و كم لمثل هذا الحديث  الشريف  من نظير فى تمثل الأعمال بمعنى تجسمها بالجسم الدهرى .

پاورقى :

1 . من هامش منازل السائرين , الطبع الاول ص 295 .

2 . دروس اتحاد العاقل بالمعقول , الطبع الاول ص 399 .

3 . بحر المعارف  الملا عبد الصمد الهمدانى , الطبع الاول ص 177 . صفحه : 91

عين فى اثبات  وجود النفس من حيث  هى نفس ( 1 )

الف  - من تلك  العيون المفتتحة , البرهان على اثبات  وجود النفس من حيث  هى نفس على ما هو مطلب  هل البسيطة

.

قال الشيخ فى الأول من أولى نفس الشفاء[ : ( إن أول ما يجب  أن نتكلم فيه إثبات  وجود الشىء الذى يسمى نفسا , ثم نتكلم فيما يتبع ذلك  . فنقول : إنا قد نشاهد أجساما تحس و تتحرك  بالارادة بل نشاهد أجساما تغتذى و تنمو و تولد المثل . و ليس ذلك  لها لجسميتها فبقى أن يكون فى ذواتها مباد لذلك  غير جسميتها , و الشىء الذى يصدر عنه هذه الأفعال و بالجملة كل ما يكون مبدءا لصدور أفاعيل ليست  على وتيرة واحدة عادمة للارادة فانا نسميه نفسا . و هذه اللفظة اسم لهذا الشىء لا من حيث  هو جوهره و لكن من جهة إضافة ماله أى من جهة ما هو مبدء لهذه الأفاعيل . و نحن نطلب  جوهره و المقولة التى يقع فيها من بعد . و لكن الان أنما أ ثبتنا وجود شىء هو مبدء لما ذكرنا و أثبتنا وجود شىء من جهة ماله عرض ما , و نحتاج أن نتوصل من هذا العارض الذى له إلى أن نحقق ذاته لنعرف ماهيته كأنا قد عرفنا أن لشىء يتحرك  محركا و لسنا نعلم من ذلك  أن ذات هذا المحرك  ما هو , الخ ( 1 ) .

و كذا جاء فى الفصل الأول من الباب  الأول من نفس الأسفار على وزان ما فى الشفاء قول صدر المتألهين[ : ( و أما البرهان على وجودها فنقول : إنا نشاهد أجساما يصدر عنها الاثار لا على وتيرة واحدة , الخ](  ( 2 ) . قوله[ : ( ليست  على وتيرة واحدة عادمة للارادة](  فان ذلك  المبدء إذا كان آثاره على

پاورقى :

1 . الشفاء الطبع الاول , ج 1 , ص 278 .

2 . الاسفار , الطبع الاول , ج 4 , ص 1 .

صفحه : 92

و تيرة واحدة , عادما للارادة فهو صورة معدنية لا يسمى نفسا . بل المبدأ إما أن يصدر عنه آثار على وتيرة واحدة مع الارادة , فهذا المبدأ هو النفس الفلكى , أو يصدر عنه آثار مختلفة مع الارادة فالمبدأ هو النفس الحيوانى , أو يصدر عنه اثار مختلفة مع عدم الارادة فالمبدأ هو النفس النباتى .

اعلم ان اثبات  النفس على الوجه المذكور هو المعرفة بأن لهذا الجسم محركا مدبرا متصرفا فقط و أما معرفة حقيقتها فأمر آخر . و الحق فى ذلك ما أفاده الشيخ فى التعليقات  من أن الوقوف  على حقائق الأشياء ليس فى قدرة البشر , و نحن لا نعرف  من الأشياء إلا الخواص و اللوازم و الأعراض , و لا نعرف  الفصول المقومة لكل واحد منها الدالة على حقيقته , بل نعرف أنها أشياء لها خواص و أعراض ,  ف إنا لا نعرف  حقيقة الأول و لا العقل و لا النفس و لا الفلك  و النار و الهواء و الماء و الأرض - الى قوله : و مثاله فى النفس : أنا رأينا جسما يتحرك  , فأثبتنا لتلك  الحركة محركا , و رأينا حركة مخالفة لحركات  سائر الأجسام فعرفنا أن له محركا خاصا أوله صفة خاصة ليست  لسائر المحركين , ثم تتبعنا خاصة خاصة , و لازما لازما فتوصلنا بها إلى إنيتها ( 1 ) .

اقول : ان صاحب  الأسفار ناظر فى كلامه الى ما أفاده الشيخ فى التعليقات  حيث  قال فى الثالث  من سابع كتاب  النفس : ان النفس الانسانية ليس لها مقام معلوم فى الهوية الى قوله : و الذى ادركه القوم من حقيقة النفس ليس الا ما لزم وجودها من جهة البدن و عوارضه الادراكية الخ ( 2 ) و سيأتى نقل تمام كلامه فى العين التاسعة .

نعم قد دريت  فى الديباجة أن معرفة النفس مما لا يمكن الوصول إليها إلا بمكاشفات  باطنة و مشاهدات  سرية - إلى آخر ما اهديناه اليك  من انه يجب  الفرق بين المعرفة الفكرية و بين المعرفة الشهودية الذوقية . ثم يجب  الفرق بين المعرفة بالكنة , و بين المعرفة بالاجمال على البيان الذى يأتى من ذى قبل إن شاء الله تعالى .

ثم اننا نأتى ببرهان آخر فى اثبات  النفس , ماخوذ من جهة غاية حركة العناصر إلى الاجتماع المؤدى إلى وجود النفس , من تعليقات  الشيخ فى العين الثالثة .

پاورقى :

1 . التعليقات  لابن سينا , الطبع الأول بمصر , ص 34 و 35 . 2 . الاسفار , الطبع الاول , ج 4 , ص 83 .

صفحه : 93

عين فى تحديد النفس من حيث  هى نفس ( 2 )

ب  - و من تلك  العيون المفتوحة , تحديد النفس من حيث  هى نفس . و هو أن النفس كمال اول الجسم طبيعى آلى ذى حيوة بالقوة . فالجسم المأخوذ فى التحديد , جوهر مركب  من الأجسام الطبيعية ذو مزاج تعلق به الحيوة . فتبصر . فكل جسم طبيعى حى فهو لا محالة جوهر مركب  . و حيوته بمعنى أن له بنفسه غذاء و نماء و نقصا .

و هذا التعريف  منقول من الحكيم الالهى ارسطاطاليس - رضوان الله تعالى عليه - كما نص به ناصر خسرو العلوى فى رسالته التى صنفها فى جواب  احدى و تسعين مسئلة . و كما نص به قسطا بن لوقا اليونانى فى كتاب  الفصل بين الروح و النفس , حيث  قال فيه[ : ( إن افلاطن حد النفس بأن قال : النفس جوهر ليس بجسم محرك  للبدن . و أما ارسطاطاليس فحد النفس بأن قال : النفس كمال لجسم طبيعى آلى . و فى حد آخر غير الالى , فقال : حى بالقوة](  ( 1 ) .

و سيأتى نقل كتاب  الفصل بتمامه فى تذييل العين الحادية عشرة . بل التحديد المذكور هو صريح ما فى كتاب  النفس لأرسطو ( 2 ) . و لكن فى اول المقالة الثانية من كتاب  النفس لارسطو ترجمة اسحق بن حنين](  . . . من أجل ذلك  صارت  النفس انطلاشيا ( أى الكمال ) و هى اول تمام جرم طبيعى ذى حيوة بالقوة ( 3 ) .

كيف  كان , التحديد المذكور تحديد كامل فى تعريف  النفس . و ان شئت فراجع فى

پاورقى :

1 . الرسائل الفلسفية , طبع اسطنبول , ج 2 , صص 98 و 102 . 2 . كتاب  النفس , المطبوع فى بيروت  , بترجمة الدكتور احمد فؤاد الاهوانى ص 41 - 49 .

3 . كتاب  النفس , المطبوع بمصر بترجمة اسحق بن حنين باهتمام عبد الرحمن البدوى , ص 30 .

صفحه : 94

ذلك  الى الدرس الواحد و المائة من كتابنا دروس معرفة النفس ايضا . و صاحب  الشفاء فى الفصل الأول من اولى كتاب  النفس , أخذ فى بيان هذا الاصل بعد إثبات  النفس بقوله[ : ( فنقول الان :

إن النفس يصح أن يقال لها بالقياس الى ما يصدر عنها من الأفعال قوة , الخ . فاتم البحث  على الاستيفاء و الإستقصاء فى بيان الحد المذكور](  ( 1 ) .

و كذا صاحب  الأسفار فى الفصل الأول من الباب  الأول من كتاب  النفس قال[ : ( و أما الحد فنقول آخذا فى بيانه على طبق ما قالته الحكماء : إن النفس لها حيثيات  متعددة فتسمى بحسبها بأسام مختلفة و هى القوة و الكمال و الصورة الخ ( 2 ) .

و بيانه فى المقام هو تحرير ما قاله الشيخ فى الشفاء مع إشارات  فى أثنائه إلى مبانيه الرصينة .

و راجع فى ذلك  الى الدرس الرابع من كتابنا دروس اتحاد العاقل بمعقوله ( 3 ) , و الى الدروس 98 و 99 و 100 من كتابنا دروس معرفة النفس ايضا .

و قال ابن رشد فى كتاب  النفس[ : ( النفس صورة لجسم طبيعى آلى . و ذلك  أنه إذا كان كل جسم مركب  من مادة و صورة , و كان الذى بهذه الصفة فى الحيوان هو النفس و البدن , و كان ظاهرا من أمر النفس أنها ليست بمادة للجسم الطبيعى فبين أنها صورة و لا الصورة الطبيعية هى كمالات للاجسام التى هى صور لها , فبالواجب  ما قيل فى حد النفس : إنها استكمال أول الجسم طبيعى آلى . و انما قيل أول تحفظا من الاستكمالات  الأخيرة التى هى فى الأفعال و الانفعالات  , الخ ( 4 ) .

و قال بعضهم : حد النفس من جهة التعليم أنها تمام جسم طبيعى آلى ذى حيوة بالقوة , وحدها من جهة الطباع أنها ابتداء كل حس و حركة . و معنى قولنا[ : ( انه تمام جسم طبيعى آلى](  ان الجسم انما يكون تمامه و فصله بحلول النفس الناطقة فيه . و معنى قولنا[ ( جسم آلى](  أن للجسم آلات مثل الدماغ و القلب  و غيرها , و قد يقال للخشب  و الحديد ايضا جسم , و لا

پاورقى :

1 . الشفاء , الطبع الاول , ج 1 , ص 278 .

2 . الاسفار , الطبع الاول , ج 1 , ص 1 .

3 . دروس اتحاد العاقل بالمعقول , الطبع الاول , صص 78 و 49 . 4 . كتاب  النفس لابن رشد , المطبوع بحيدر آباد , ص 10 . صفحه : 95

يقال له آلة من الالات  .

و فى كتاب  الفصل المذكور لقسطا بن لوقا[ : ( ان الكمال يقال على ضربين : فمنه اول , و منه ثان . فالكمال الأول فى الانسان هو العلوم و الصنائع . و الكمال الثانى فى الانسان هو معالجة ما يعلم من العلوم و الصنائع . و مثال ذلك  أن الطبيب  يقال إن له كمالا اوليا يعلم الطب  , فاذا عالج بما يعلم قيل إن له كمالا ثانيا للنفس . فالنفس كمال اول لأن النائم - و إن كان لاحس له فى وقت  نومه - فان له النفس الحساسة . و كل نوع و كمال فهو نوع , و كمال الشىء بالنفس نوع .

و كمال الجسم و الأجسام صنفان : فمنها ما نوعه فيه طبيعى كالحيوان و النبات  و النار و الهواء , و كل ما له حركة ذاتية فى نفسه . و منها ما يكتسب  له نوع بالصناعة كالباب  و السرير . فالنفس نوع لجسم طبيعى لأن الجسم ليس من أفعال الصناعة . و قد يخالف  النوع الطبيعى النوع الكائن بالصناعة , لأن النوع الطبيعى جوهر , و النوع الصناعى عرض , و النفس جوهر لأنها نوع لجسم مركب  طبيعى حى لابد له من غذاء و الغذاء يحتاج الى ضروب  من الالات  , فالنفس كمال اول لجسم آلى](  . انتهى ملخصا . لا يخفى عليك  أن ما فى الفصل اولا , هو تعريف  الكمال الاول و الثانى بمعناهما الأعم على وجه التمثيل و التقريب  , ثم سلك  الكلام الى النوع بمعناه الذى أخذ فى تحديد النفس فانه الكمال الذى يحتاج اليه الشىء فى وجوده و بقائه , و الطب  بكلا الكمالين ليس للطبيب  كذلك  . و فى ذلك قال الشيخ الرئيس فى التعليقات[ :  ( و كما ان واجب  الوجود يعطى كل شىء ما يحتاج اليه فى وجوده و بقائه فكذلك  يعطيه ما فوق المحتاج اليه فى ذلك  : مثلا أن يعطى الانسان الحكمة - و العلم بالهيئة إذ ليس الانسان محتاجا فى بقائه و وجوده الى علم الهيئة . و قد دل القرآن على هذا المعنى حيث  يقول : [ ( ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى](   ( 1 ) فالهداية هى الكمال الذى لا يحتاج اليه فى وجوده و بقائه , و الخلق هو الكمال الذى يحتاج اليه فى وجوده و بقائه . و ايضا حيث  يقول : [ ( الذى خلقنى فهو يهدين](   ( 2 ) . فالحكماء يسمون ما يحتاج اليه الشىء فى وجوده و بقائه الكمال الأول , و ما لا يحتاج اليه فى بقائه هو الكمال الثانى ( 3 ) .

پاورقى :

1 . طه : 51 .

2 . الشعراء : 79 .

3 . التعليقات  لابن سينا , المطبوع بمصر ص 21 و 22 .

صفحه : 96

و قال فى التعليقات  ايضا[ : ( صورة الشىء كماله الأول , و كيفيته كماله الثانى , و الكيفية تشتد و تضعف  , و الصورة لا تشتد و لا تضعف  . و إذا اشتدت  الكيفية حتى تستعد لقبول صورة أخرى فانها تكون بحركة و سلوك من طرف  الى طرف  , و الصورة لا تتحرك  هكذا بل تنسلخ دفعة](  ( 1 ) . اقول : كلامه هذا مبنى على القول بعدم الحركة فى الجوهر . ثم القول بالحركة فى الجوهر لا يصادم بقاء الكمال الأول و الثانى على معناهما القويم .

تبصرة : نقل عن المعلم الأول ايضا فى تعريف  الحركة قوله[ : ( الحركة كمال اول لما بالقوة من حيث  هو بالقوة](  و الفرق بين الكمال و الثانى فى التعريفين يعلم بما نأتى به من بيأن المتأله السبزوارى فيه فى الحكمة المنظومة ( 2 ) حيث  قال فى تعريف  الحركة :

[ ( ان المراد بالكمال ما هو حاصل بالفعل , فان الفعل رافع لنقصان و قوة محققة أو مقدرة , فالجسم الذى لم يتحرك  بعد , له قوتان : قوة أصل الحركة , و قوة الوصول إلى ما إليه الحركة , فالحركة كمال أول و الوصول كمال ثان .

ثم إن الكمال الأول و الثانى يستعمل فى موردين : أحدهما أن يكون ما به يخرج الشىء من القوة الى الفعل . لا يتم دفعة بل يكون حالة انتظارية فيسمى ما به يخرج قبل تمامه كمالا أولا , و كماله الذى يتوخاه و يقصده كمالا ثانيا .

و ثانيهما أن يكون ما به يخرج تتم دفعة . فان كان منوعا لذلك  الشىء يسمى كمالا أولا , و إن كان عارضا بل أثرا لذلك  المنوع يسمى كمالا ثانيا . فكون الحركة كمالا أولا من قبيل الأول , و كون النفس كمالا أولا من قبيل الثانى .

ف إذن لما كانت  الحركة لا حقيقة لها إلا التأدى إلى الغير و التوجه إليه , فارقت  سائر الكمالات  بأن هويتها متعلقة بأن يبقى منها شىء بالقوة , بل كل شىء يفرض منها امر بين صرافة القوة و محوضة الفعل , و بأن لا يكون ما إليه الحركة حاصلا بالفعل بل هو ايضا يكون بالقوة و إلا لم يتحقق الحركة بالفعل . و إما سائر الكمالات  فلا يوجد فيها هاتان الخاصيتان فان الشىء إذا كان مربعا بالقوة ثم صار مربعا بالفعل فحصول المربعية من حيث هى لا

پاورقى :

1 . المصدر , ص 33 .

2 . الحكمة المنظومة للسبزوارى , الطبع الاول , ص 233 و 234 . صفحه : 97

يوجب  أن يستعقب  شيئا و لا عند حصولها يبقى منها شىء بالقوة . فاذن الحركة كمال أول لما بالقوة و لكن من حيث  هو بالقوة لا من حيثية أخرى . و احترز بهذا عن الكمالات  التى ليست  كذلك  كالصورة النوعية فانها كمال أول للتحرك  الذى لم يصل الى المقصود لكن لايتعلق ذلك  بكونه بالقوة بما هو بالقوة و كيف  يتعلق و هو لا ينافى القوة ما دامت  موجودة , و لا الكمال اذا حصل .

و لفظ لما بالقوة اشارة إلى تينك  الخاصتين . و أما لفظ من حيث  هو بالقوة فى كلام ارسطاطاليس فهو احتراز عن الصورة النوعية التى الموضوع الحركة كالصورة النوعية التى للحجر المتحرك  فانه و ان صدق عليها أنها كمال أول لما بالقوة لكن ليس كماليتها من حيث  هو بالقوة لأن الكمال الذى يتعلق به من حيث  القوة لابد أن يطرد القوة و هى كانت  حاصلة له فى أول الحركة و كان بالقوة بعد , و إذا خرج عن القوة لم يخرج بها بل الحركة](  انتهى .

بيان : قوله[ : ( كمال أول الخ](  . الحركة ممكن الحصول , و كل ما يمكن حصوله للشىء فان حصوله كمال لذلك  الشىء , فاذن الحركة كمال أول لما يتحرك  .

قوله[ : ( فهو أن المراد بالكمال ما هو حاصل بالفعل](  . و إنما سمى الحاصل بالفعل كمالا لأن فى القوة نقصانا و الفعل تمام بالقياس اليها . قوله[ : ( فالحركة كمال أول و الوصول كمال ثان](  . فان الجسم اذا كان فى مكان مثلا و هو ممكن الحصول فى مكان آخر كان له امكانان : امكان الحصول فى ذلك  المكان , و امكان التوجه اليه و هما كمالان , و معلوم أن التوجه مقدم على الوصول فهو كمال أول , و الوصول كمال ثان , و احترز بقيد الأولية عن الوصول .

فجملة الأمر أن الحركة فى نفسها كمال لأن الكمال يكون فى الشىء بالقوة ثم يخرج إلى الفعل و الحركة كذلك  . فالحركة تشارك  سائر الكمالات  من هذه الجهة , و تمتاز عنها من جهة أخرى و هى أن سائر الكمالات  إذا حصلت صار الشىء بها بالفعل و لم يكن بعد فيه مما يتعلق بذلك  الفعل شىء بالقوة فان الشىء الأسود بالقوة إذا صار أسود بالفعل لم يبق أسود بالقوة من جهة الأسود الذى حصل له , بخلاف  الحركة فانها اذا حصلت  و صار الشىء بها متحركا بالفعل بقى بعد متحركا بالقوة من جهة الحركة المتصلة التى هو بها متحرك  بالفعل , فاذن هوية الحركة متعلقة بأن يبقى منها شىء بالقوة , و بأن لا يكون الذى هو المقصود من الحركة حاصلا بالفعل فان المتحرك انما يكون متحركا بالفعل اذا لم يصل الى

صفحه : 98

المقصود , فما دام كذلك  فقد بقى منه شىء بالقوة .

فنقول فى بيان تعريف  النفس بانه كمال أول الجسم طبيعى آلى ذى حيوة بالقوة : إن التعريف  متناول للنفوس النباتية و الحيوانية و الانسانية , و يعبرون عنها النفس الأرضية قبال النفس السماوية الشاملة للنفوس الفلكية كلها . و الأرضية و السماوية تشتركان فى معنى ما , و هذا المعنى المشترك  فيهما هو قولنا : النفس كمال أول الجسم طبيعى . و المعنى الذى ينضاف  الى ذلك  فيتحصل النفس السماوية هو أن نقول بعد قولنا لجسم طبيعى , ذى ادراك  و حركة يتبعان تعقلا كليا حاصلا بالفعل . ثم الكمال ينقسم إلى منوع هو صورة كالانسانية و هو أول شىء يحل فى المادة , و إلى غير منوع هو عرض كالضحك  و هو كمال ثان يعرض و يتبع المنوع بعد الكمال الأول .

و بعبارة أخرى : إن الكمال منه أول و هو الذى يتنوع به الشىء كالفصول , و منه ثان و هو ما يعرض للنوع بعد كماله من صفاته اللازمة و العارضة . فالنفس من القسم الأول أى النفس كمال منوع و صورة .

و انما عرفوا النفس بالكمال دون الصورة ؟ قال العلامة الحلى فى كشف المراد[ : ( لأن النفس الانسانية غير حالة فى البدن فليست  صورة له و هى كمال له . انتهى .

اقول : بيانه على ممشى المشاء تمام , و أما على مبنى الحكمة المتعالية الرصين فالنفس الحيوانية أيضا غير حالة فراجع إلى الفصل الثانى من الباب  الثانى من نفس الأسفار حيث  قال[ : ( فصل فى بيان تجرد النفس الحيوانية و عليه براهين كثيرة](  ( 1 ) و سيأتى البحث  عن تجرد النفوس الحيوانية فى العين الاحدى و العشرين .

و الشيخ فى الأول من أولى نفس الشفاء فى ترجيح الكمال على الصورة و القوة فى تعريف  النفس قال :

[ ( ثم كل صورة كمال و ليس كل كمال صورة : فان الملك  كمال المدينة , و الربان كمال السفينة و ليسا بصورتين للمدينة و السفينة , فما كان من الكمال مفارق الذات  لم يكن بالحقيقة صورة للمادة و فى المادة فان الصورة التى هى المادة هى الصورة المنطبعة فيها القائمة بها . اللهم إلا ان يصطلح فيقال الكمال النوع : صورة النوع . و بالحقيقة فانه قد استقر الاصطلاح على أن يكون الشىء بالقياس إلى المادة صورة , و بالقياس إلى الجملة غاية

پاورقى :

1 . الاسفار , الطبع الاول , ج 4 , ص 9 .

صفحه : 99

و كمالا , و بالقياس الى التحريك  مبدءا فاعليا و قوة محركة . و إذا كان الأمر كذلك  فالصورة نسبة إلى شىء بعيد من ذات  الجوهر الحاصل فيها , و الى شىء يكون الجوهر الحاصل هو ما به بالقوة , و إلى شىء لا ينسب الأفاعيل اليه , و ذلك  الشىء هو المادة لأنها صورة باعتبار وجودها للمادة . و الكمال يقتضى نسبة إلى الشىء التام الذى عنه يصدر الأفاعيل لأنه كمال بحسب  اعتباره للنوع . فبين من هذا أنا إذا قلنا فى تعريف النفس : إنه كمال كان أدل على معناها , و كان ايضا يتضمن جميع أنواع النفس من جميع وجوهها , و لا يشذ النفس المفارقة للمادة عنه . و ايضا إذا قلنا النفس كمال فهو أولى من أن نقول قوة و ذلك  لأن الأمور الصادرة عن النفس منها ما هى من باب  الحركة , و منها ما هى من باب  الاحساس و الادراك  , و الادراك  بالحرى أن يكون لها لا بما لها قوة هى مبدء فعل بل مبدء قبول , و التحريك  بالحرى أن يكون لها لا بما لها قوة هى مبدء قبول بل مبدء فعل . و ليس أن ينسب  اليها أحد الأمرين بانها قوة عليه أولى من الاخر . فان قيل لها قوة و عنى به الأمران جميعا كان ذلك  باشتراك  الاسم , و إن قيل قوة و اقتصر على أحد الوجهين عرض من ذلك  ما قلنا , و شىء آخر و هو أنه لا يتضمن الدلالة على ذات  النفس من حيث  هى نفس مطلقا , بل من جهة دون جهة و قد بينا فى الكتب  المنطقية أن ذلك  غير جيد و لا صواب  . ثم إذا قلنا كمال اشتمل على المعنيين فان النفس من جهة القوة التى يستكمل بها ادراك  الحيوان , و من جهة القوة التى يصدر عنها أفاعيل الحيوان أيضا كمال , و النفس المفارقة كمال , و النفس التى لا تفارق كمال](  , انتهى ( 1 ) .

بيان : قوله[ : ( اللهم إلا أن يصطلح فيقال الكمال النوع صورة النوع]( , أى و ان لم يكن منطبعة .

قوله[ : ( إلى شىء بعيد](  , أى المادة من ذات  الجوهر و هو النوع الحاصل فى الصورة . و إلى شىء أى المادة يكون الجوهر الحاصل هو ما هو به - متعلق بقوله يكون و الضمير راجع الى الشىء - و ذلك  الشىء هو المادة , بيان للأشياء الثلاثة .

قوله[ : ( عرض من ذلك  ما قلنا](  , أى عرض من ذلك  ما قلنا من عدم الأولوية . و من

پاورقى :

1 . الشفاء الفلسفية , الطبع الأول , ج 1 , ص 278 و 279 . صفحه : 100

جهة دون جهة , مثل الفعل و الانفعال . على المعنيين , أى الفعل و غيره . فتبين مما قدمنا أن الكمال فى تعريف  النفس متعين , قال شارح المقاصد [ :( إن القوة لفظ مشترك  بين مبدء الفعل كالتحريك  , و مبدء القبول و الانفعال كالاحساس , و كلاهما معتبر فى النفس , و فى الاقتصار على احدهما مع أنه إخلال بما هو مدلول النفس استعمال للمشترك  فى التعريف](   . و قال الفخر الرازى[ : ( فلأن القوة اسم لها - أى للنفس - من حيث إنها مبدء الأفعال , و الكمال اسم لها من هذه الجهة و من حيث  إنها مكملة للنوع , و ما يعرف  الشىء من جميع جهاته أولى مما يعرف  من بعض جهاته فيظهر أن الكمال هو الذى يجب  أن يوضع فى حد النفس مكان الجنس ]( . انتهى .

و الجسم فى تعريف  النفس بمعنى الجنس لا المادة . و ذلك  لأن الجسم إذا أخذ بمعنى المادة كانت  النفس صورة , و إذا أخذ بمعنى الجنس كانت كمالا لأن طبيعة الجنس ناقصة قبل الفصل . فبقيد الجسم خرج الكمال الأول للمفارقات  فليس هو فيها بنفس .

و القيد بالطبيعى يخرج الصناعى , أى يخرج صور الأجسام الصناعية كصورة السيف  و نحوه . و أما الجسم التعليمى فغير خارج عنه لأن النفس لما كانت  كمالا للجسم الطبيعى فهى كمال للجسم التعليمى ايضا بالتبع , فتدبر .

و كذلك  البدن البرزخى المثالى غير خارج عن التعريف  لأن النفس كمال له ايضا و ذلك  لأن النفس لها أبدان طولية متفاوتة بالكمال و النقص و سيأتى زيادة ايضاح فى ذلك  فى العيون الاتية , و ستعلم أن الأبدان المثالية منتشئة عن الأبدان الطبيعية و كلتاهما من أفراد طبيعة واحدة و حقيقة فاردة مع تفاوتها الطولى . أى البدن الأخروى عين البدن الدنيوى مع أنه تبدل الأرض غير الأرض , و ذلك  عين الحيوة و الشعور , و هذا متشابك  بالظلمة و العدم و حى بالعرض . و تفاوت  البدن الأخروى والدنيوى فى بعض خواص النشأتين لا يقدح فى تشخصهما و لا ينثلم به وحدتهما , فافهم .

و قال المحقق الطوسى فى أول النمط الثالث  من الاشارات[ :  ( و أما الطبيعى فما يقابل الصناعى](  .

اقول : الظاهر من عبارته يشمل التعليمى و المثالى , و لكن المشاء لا يقول بالمثالى كما بين فى محله فبقى شموله التعليمى على الوجه التبعى المقدم ذكره . و بالجملة أن الجسم الطبيعى قد يقال فى قبال الجسم التعليمى , و قد يقال فى قبال الجسم المثالى فالنفس كمال لها . صفحه : 101

و إطلاق الجسم على المثالى محقق و متحقق بلا سنوح ارتياب  , بل و يطلق على معنى أرفع من ذلك  و هو كون الشىء متحققا بذاته سواء كان مفارقا أو مقارنا , و لكن هذا المعنى الأخير ليس بمراد فى التعريف  كما تقدم فى ذكر الجسم فى التعريف  آنفا .

و أما الجسم الصناعى المقابل للجسم الطبيعى فهو خارج عن التعريف  بلا كلام .

و قد جعل بعض المتاخرين - كما فى المباحث  للفخر الرازى ( 1 ) - الطبيعى صفة للكمال الأول هكذا : النفس كمال اول طبيعى لجسم آلى , و زعم ان الكمال الاول قد يكون طبيعيا مثل القوى التى هى مبادىء الاثار , و قد لا يكون مثل التشكلات  الصناعية فالنفس كمال أول طبيعى لا أنها كمال أول صناعى .

و أما قيد الالى فيخرج كل ما ليس أفعالها باستخدام آلات  كصور العناصر النوعية أى البسائط العنصرية , و صور المعادن , و معنى كون الجسم آليا أن حصلت  و كملت  له جميع الشروط من الالات  و الأعضاء حتى يكون قادرا على تادية آثار النفس و أفعالها و جميع و ظائفها فلو فقدها لفقد كونه قادرا على التادية .

و الالة على وجوه : فالالة الأولى للنفس هى الحرارة الغريزية و تسمى الروح البخارى ايضا . و قد عبر عنها الشيخ فى الشفاء بمطيتها الأولى ( 2 ) . و هى آلة للطبيعة فى أفعالها كالجذب  و الدفع و الهضم و غيرها . و أن شئت  قلت  هى آلة للقوى كلها و لذلك  تنسب  إليها كدخدائية البدن . و هى ألطف  الاجسام و لاجسم الطف  منها . و كان ارسطو و أستاذه افلاطون و غيرهما من اساطين الحكمة يسمون الحرارة الغريزية بالنار الالهية . و بعد الالة المذكورة كانت  القوى النفسانية كلها آلات  للنفس , و بعدها محالها من الأعضاء و الجوارح إلا أن تلك  القوى آلات  لها بالذات  و محالها آلات لها بتوسطها . و أطلق المحقق الطوسى الالة على البدن حيث  قال فى حيات النفس و عدم فسادها بفساد بدنها العنصرى ما هذا لفظه[ : ( النفس الدراكة يمتنع أن تفسد بفساد البدن و تموت  بموته , لأنا نعنى بالنفس الدراكة الجوهر الذى تفيض منها الحيوة فى آلتها و هى الجسم الذى يقال له إنه ذو نفس الخ](  .

و الحق أن جميع الكائنات  الطبيعية الحية لشخص واحد آلات  للنفس . نعم قال صاحب  الأسفار فى بيان تعريف  النفس بأنها كمال أول الخ[ : ( ليس المراد

پاورقى :

1 . المباحث  لفخر الرازى , الطبع الاول , ج 2 , ص 223 . 2 . الشفاء , الطبع الاول , ج 1 , ص 365 , ص 454 .

صفحه : 102

بالالة المذكورة فى تحديد النفس ما هو كالاعضاء بل ما هو كالقوى مثل الغاذية و النامية و المولدة فى النفس النباتية و الخيال و الحس و القوة الشوقية فى الحيوان لا مثل المعدة و الكبد و القلب  و الدماغ و العصب  فيه](  ( 1 ) , فتدبر .

اقول : الظاهر أن كلامه فى بيان الالة لا ينافى ما ذكرناه من تعميمها فتبصر .

ثم أن نظر صاحب  الأسفار فى بيان الالة فى التحديد المذكور كان لدخول النفس الفلكية فى التعريف  لكى يشمل النفوس الأرضية و السماوية فان الأجسام السماوية لها قوى كالطبيعة الخامسة المحركة , و نفوس منطبعة مدركة و هى بمنزلة الحس المشترك  و الخيال فينا , و كذلك  لها عقل نظرى و عقل عملى فبالنظرى تدرك  أوضاع أبدانها , و لوازم أوضاعها فى عالم الكون و الفساد , و بالعمل تدرك  العقول المجردة و المفارقات  النورية , و فعلها أنما كان للتشبه بها كالنفوس الناطقة الانسانية فى ذلك  على السواء فلا تخرج النفوس الفلكية بقيد الالى .

و بعضهم جعل التعريف  شاملا للنفوس الفلكية من حيث  إن كل فلك  كلى شامل على كواكب  و بعضه على كوكب  و افلاك  جزئية و هى بمنزلة آلاتها كالقلب  و الدماغ و الكبد و غيرها من الأعضاء فى الحيوان . و لكن يرد عليه النقض فى الأطلس , على أن التحقيق فى ذلك  ما أتينا به فى الدرس الثامن عشر من دروس معرفة الوقت  و القبلة , و ذلك  التحقيق هو ما افاده صاحب  الأسفار فى نظره المقدم .

و ذهب  بعضهم إلى رفع الالى بأن نسبته إلى الفاعل أولى من نسبته إلى القابل , سيما إذا كانت  الالات  هى قوى النفس و القوى , هى فروعها و شئونها .

اقول : الجسم الذى هو ذو نفس كان لا محالة مرتبة نازلة من نفسه و كأنه , روح تجسمت  و إسناد الالة إليه من حيث  إنه محال و مظاهر لها و لقواها , و هذا الطريق سلوك  إنى من المظاهر الى الظاهر فيها , و سياق العبارة ايضا يناسب  جره كذى حيوة بالقوة و الوجه فى الرفع كالوجه المقدم من جعل الطبيعى صفة للكمال الأول , و الخطب  سهل و المال واحد . ذى حيوة بالقوة , لا ريب  أن الجسم الطبيعى الذى ذو نفس هو حى بالفعل لأنه بدنها و مرتبة نازلة منها و على التحقيق إذا فارقت  عنه فهو ميت  و ليس ببدن لها , و معنى ذى حيوة بالقوة أن الحيوة تفيض من النفس على البدن , إذ الحيوة جوهرية للنفس و صورة مقومة لذاتها , فلا يزال ينشأ منها الحيوة على البدن الذى هو جسم ميت  فى ذاته حى بالنفس , پاورقى :

1 . الأسفار , الطبع الاول , ج 4 , ص 3 .

صفحه : 103

فالبدن ما دام صلوحه لافاضته الحيوة عليه من النفس كان باقيا , و اذا فسد صلوحه لقبول الحيوة خرب  . و كذلك  فسره الحكيم ناصر خسرو العلوى فى رسالته المذكورة , على وجه يفيد أن ذا حيوة بالقوة , قيد للجسم الطبيعى و ذلك  أنه حى بالقوة أى إذا تعلق النفس به فيصير ذا حيوة بالفعل , و النفس حية بذاتها و الجسم حى بها , و لذا قال حكماء الدين الحق انه ظلها فانه مثالها كما أن الظل يحاكى اصله , و لما كانت  النفس حية بذاتها و الجسم حيا بها كان الجسم بالنسبة اليها بمنزلة الظل الى ذى الظل .

أقول : تفسير الحكيم المذكور يوجب  تعميم التعريف  , و ذلك  لأن كون الجسم الطبيعى ذا حيوة بالقوة و العرض بتعلق النفس شامل للجسم النباتى و الحيوانى و الانسانى و الفلكى فان الجسم من حيث  هو جسم ذو حيوة بالقوة و العرض على الوجه المذكور .

و فسره المحقق الطوسى فى شرحه على اول النمط الثالث  من الاشارات  بوجه آخر و و قوله[ : ( و معناه كونه ذا آلات  يمكن أن يصدر عنها بتوسطها و غير توسطها ما يصدر من أفاعيل الحيوة التى هى التغذى و النمو و التوليد و الادراك  و الحركة الارادية و النطق](  .

أقول : معنى قوله من غير توسط آلالات  , هو إدراك  النفس ذاتها , بل و ادراكها آلاتها أيضا فان إدراكها إياها بنفس ذاتها لا بالات  أخرى و إلا يتسلسل , على أن الالات  مطلقا ليست  إلا فروعها و شئونها و مظاهرها و مجاليها . و كذلك  إدراك  النفس الكليات  ليس بالات  و إن كانت  الالات معدات  لها فى ذلك  .

ثم معنى قوله[ : ( يمكن أن يصدر عنها](  , أن أفاعيل النفس من التغذية و التنمية و توليد المثل و الحركة الارادية و الادراك  و نحوها ليس صدورها عنها بدائمى بل تارة تصدر عنها فتصير بالفعل , و أخرى تكون بالقوة و يمكن أن تصدر عنها بعد ذلك  . فجملة الأمر أن قوله[ : ( يمكن أن يصدر عنها](  يفيد أن قوله ذى حيوة بالقوة بمعنى أن أفاعيل النفس تصدر عنها متعاقبا طول حيوة النفس من حيث  هى كمال للجسم الطبيعى أى من حيث  هى مدبرة للأبدان و مقيسة إليها و ليس فعل من تلك  الأفاعيل دائمى الصدور عنها فبذلك  يخرج النفوس الفلكية فان ما يصدر عنها من أفعال الأحياء مثل التعقلات  و الادراكات  و الحركات  الارادية دائمية فقوله فبالقوة فى التعريف  فى قبال بالفعل فى تعريف  النفس الفلكية بانها كمال أول لجسم طبيعى ذى إدراك  و حركة يتبعان تعقلا كليا حاصلا بالفعل . أو يؤخذ الالى فى التعريف  فيقال[ : ( كمال أول لجسم طبيعى آلى ذى إدراك الخ](  .

و لا يخفى عليك  أن قوله[ : ( ذا حيوة بالقوة](  على هذا التفسير قيد للنفس من تلك

صفحه : 104

الحيثية المذكورة . و كأن هذا الوجه أنسب  بالتعريف  من الأول و لكن صدور تلك  الأفاعيل متعاقبا يستخرج من قوله ذى حيوة بالقوة على الاستلزام , بخلاف  التفسير الأول المستفاد على معناه المطابقى , فليتدبر . و المحقق الطوسى لم يعتبر الالى فى تعريف  النفس الفلكية رأسا و عرفها بقوله : النفس كمال أول الجسم طبيعى ذى إدراك  و حركة يتبعان تعقلا كليا حاصلا بالفعل . كما فى شرحه على أول النمط الثالث  من الاشارات  . هذا الذى قدمناه كان تعريف  النفس على الوجه العام الشامل للنفوس الأرضية و السماوية , و أما التعريف  الخاص بكل واحد منها فهو أن يقال [ :( النفس النباتية كمال أول لجسم طبيعى آلى تتغذى و تنمو , و الحيوانية كمال اول لجسم طبيعى آلى تحس و تتحرك  بالارادة فقط , و الانسانية كمال اول لجسم طبيعى آلى تعقل الكليات  و تستنبط الاراء , و الفلكية كمال اول لجسم طبيعى ذى ادراك  و حركة دائمين](  . و هذه التعريفات  سواء كانت  على الوجه العموم او الخصوص أنما هى للنفس من حيث  هى نفس و مقيسة إلى البدن كما أخذ فى التعريف  الجسم الطبيعى , و أما تعريفها من حيث  جوهرها و ذاتها فيأتى فى العيون الاتية . و جملة الأمر أن تعريفها و تحديدها من حيث  جوهرها - صعب  غاية الصعوبة , كيف  و هى مجردة بالتجرد البرزخى بل بالتجرد التام العقلى بل لها مقام فوق التجرد لأنه ليس لها حد تقف  إليه فليس لها مقام معلوم فهى أشمخ من التحديد , فارتقب  غور البحث  عن ذلك  .

ثم إن النفس لما كانت  كمالا أول لجسم طبيعى ذى حيوة بالقوة , فلك  أن تقول[ : ( النفس صورة الجسم بمعنى أرفع من نسبة الصورة الى الهيولى , أو النفس مبدء الحياة , أو النفس مبدء الكائن الحى](  , فافهم . تنبيه : إذا أخذت  الفطانة بيدك  فى معرفة أن النفس مبدء الحياة , و مبدء الكائن الحى , و هى صورة الجسم بالمعنى المذكور , فلك  أن ترتقى إلى معرفة من هو مبدء حياة الكل و صورة الصور كلها , و تعرف  معيته القيومية لكل شىء , و تعرف  أنه دان فى علوه و عال فى دنوه , و تصل إلى سر  قوله عليه السلام[ : ( من عرف  نفسه عرف  ربه](  .

و من هذه اللطيفة الدقيقة , تدرك  كلام الأولياء المحمديين حيث  وصفوه سبحانه بصورة الصور , و حيث  قالوا[ : ( حيوة الارواح حيوة ذاتية , و كل ذى روح حى بروحه](  .

صفحه : 105

تبصرة : قد دريت  أن حد النفس واحد , فاعلم أن توحيد الحد هذا , لا ينافى ما يجرى فى العيون الاتية من أن الأنفس الانسانية مثلا مختلفة وجودا بحسب  قوتها و ضعفها على مراتب  علمها و عملها لأن العلم و العمل جوهران و الانسان يتقوم و يتحقق وجودا و يتشخص بهما , و العلم مشخص روحه , و العمل مشخص بدنه , لما يأتى بيانه . و لما بين فى الحكمة المتعالية من أن الوجود الذى هو جهة الوحدة لما كان أصلا , و الماهية و المفهوم الذى هو مثار الاختلاف  اعتباريا و كان المشكك  سنخا واحدا فان ما به الامتياز فيه عين ما به الاشتراك  , كان وجود الانسان الطبيعى و المثالى و الملكوتى و الجبروتى - كما يأتى البحث  عنها فى العين الرابعة و الأربعين - سنخا واحدا , فالمقومات  التى تعتبر فى تعريف  الانسان هى على سعة ما و إبهام ما , فالجسم المعتبر فيه أعم من الطبيعى و المثالى لأن الجسم المثالى هو بمعناه الدهرى , و كذا الحيوان المعتبر فى حد الانسان أعم من الحى بالذات  كالنفس الناطقة , و الحى بالعرض كبدن الانسان فانه مرتبتة النازلة الحية بحيوة النفس , و كذلك  الناطق أعم من المدرك  للكليات إدراكا حصوليا أو حضوريا شهوديا , و الكلى أعم من الكلى العقلى , و من الكلى بمعنى الوجود العينى السعى , بل أعم من المدرك  بالقوة و بالفعل حتى لا يخرج الانسان الجاهل .

تبصرة أخرى : قد علم بما تقدم من تعريف  النفس أن النفس بما هى نفس متعلقة بالبدن لا تؤثر ايجابا بل تؤثر إعدادا فانها تؤثر بالبدن و بوضعه فهى أنما تكون مبدءا للحركة لا مبدء للوجود بل التصرف  بالايجاد شأن العقل الكلى لا النفس بما هى نفس .

تبصرة أخرى : إذا كانت  النفس هيهنا و هى ممنوة بالمادة مدركة لأشياء بنفس ذاتها لا بالات  كادراكها ذاتها و آلاتها , فهى كذلك  إذا فارقت المادة تدرك  الأشياء بلا آلة بدنية إلا أن المعرفة بذر المشاهدة . و مما أفاده الشيخ فى ذلك  هو كلامه السامى فى التعليقات  حيث  قال[ : ( النفس ما دامت  ملابسة للهيولى لا تعرف  مجرد ذاتها , و لا شيئا من صفاتها التى تكون لها و هى مجردة , و لا شيئا من أحوالها عند التجرد لأنها لا يمكنها الرجوع إلى خاص ذاتها و التجرد عما يلابسها , و هذا يكون عائقا لها عن التحقق بذاتها , و عن مطالعة شىء من أحوالها . فاذا تجردت  و زال عنها هذا العوق فحينئذ تعرف  ذاتها و أحوالها و صفاتها الخاصة بها . صفحه : 106

و أنها تدرك  الأشياء بلا آلة بدنية و انها مستغنية عنها , و أن ما يتخيل لها الان من أن لا حقيقة إلا للجسم المحسوس و أن لا وجود لشىء سواه , كله باطل . القوى البدنية تمنع النفس عن التفرد بذاتها و خاص إدراكاتها , فهى تدرك  الأشياء متخيلة لا معقولة لانجذابها اليها و استيلائها عليها , و لأنها لم تألف  العقليات  و لم تعرفها , بل نشأت على الحسيات  فهى تطمئن اليها و تثق بها و تتوهم أن لا وجود للعقليات  و انما هى أوهام مرسلة](  ( 1 ) .

أقول : ما أفاده فى التعليقات  لا ينافى ما يأتى فى العيون الاتية من أن النفس لها ابدان طولية و انما التفاوت  بينها بالكمال و النقص . ثم ان ما أفاده جار فى أكثر النفوس التى لا تكون مكتفية قدسية و إلا فصاحب النفس المكتفية القدسية قائل بقوله : [ ( لو كشف  الغطاء لما ازددت يقينا](   , فتبصر .

قوله[ : ( و انها تدرك  الأشياء بلا آلة بدنية](  , أفاد فى ذلك  فى التعليقات  أيضا بقوله[ : ( النفس الزكية إذا فارقت  , أفاض عليها العقول كمالا تكون من لوازمه المعقولات  , فتستجلى لها الأشياء دفعة و لا تحتاج إلى مخصصات](   ( 2 ) .

و نحوه قوله الاخر فى التعليقات  ايضا[ : ( إذا فارقت  النفس البدن , و لها الاستعداد لادراك  المعقولات  فلعلها يحصل لها من غير حاجة لها إلى القوى الجسمية التى فاتته , بل يحصل لها من غير قصد و من حيث  لا يشعر بها](  ( 2 ) .

اقول : كلامه ناظر إلى ما روى فى جوامعنا الروائية  عن رسول الله - صلى الله عليه و آله و سلم[ : - ( إذا كان يوم القيامة تجلى الله عز وجل لعبده المؤمن , الخبر](   . و سيأتى فى العيون الاتية سيما فى العين الخامسة و الخمسين فى التكامل البرزخى مطالب  فى ذلك  , و يجب  التأمل فى تحقق الاستعداد بعد مفارقتها عن البدن , و الاستعداد للمادة , فتدبر . و أفاد فى معرفة النفس بذاتها فى التعليقات  أيضا بقوله[ : ( شعور النفس الانسانية بذاتها هو اولى لها , فلا يحصل لها بكسب  فيكون حاصلا لها بعدما لم يكن . و سبيله سبيل الأوائل التى تكون حاصلة لها , إلا أن النفس قد تكون ذاهلة عنها فتحتاج إلى أن تنبه كما تكون ذاهلة عن الأوليات  , فتنبه عليها . و لا يجوز أن يتوصل إلى ادراكها بغير ذاتها لأنه يكون

پاورقى :

1 . التعليقات  , المطبوع بمصر , ص 23 , 24 .

2 . المصدر ص 84 و 85 .

3 . المصدر ص 23 .

صفحه : 107

بينها و بين ذاتها غير , و هذا محال , و النفس ( و الشىء - خ ل ) اذا لم يعرف  ذاتها كيف  يعرفها اياها الغير ؟ فيلزم من هذا انه لا يكون له سبيل الى معرفتها , و أما الشعور بالشعور فمن جهة العقل](  ( 1 ) . و كذا قوله الاخر فى ذلك  فى التعليقات[ :  ( كل ما اصفه و أقول انى قد ادركته فيجب  أن يسبقه ادراكى لذاتى . فان قلت  : إنى عرفت  ذاتى بهذا الشىء يكون قد سبق جهلى بذاتى , فلم يصح قولى : انى قد عرفت  ذاتى , فان ما قد عرفت  به ذاتى هو ما اعبر عنه بقولى : عرفت  . و اذا قلت  عرفت ذاتى , فيجب  أن يكون قد سبق ذلك  معرفتك  بذاتك  ( 2 ) . و كذا قوله الاخر فى ذلك  فى التعليقات  ايضا[ : ( إدراكى لذاتى هو مقوم لى لا حاصل له من اعتبار شىء آخر , فانى اذا قلت[ :  ( فعلت  كذا](  فقد عبرت  عن إدراكى لذاتى , و إلا فمن اين اعلم انى فعلت  كذا , لو لا أنى اعتبرت  ذاتى أولا ثم اعتبرت  فعلها و لم اعتبر شيئا ادركت  به ذاتى ؟]( .

پاورقى :

1 . المصدر ص 79 و 80 .

2 . المصدر ص 147 .

صفحه : 108

صفحه : 109

عين فى اثبات  وجود النفس الانسانية ( 3 )

ج - و من تلك  العيون التى يشرب  بها عباد الله , إثبات  وجود النفس الانسانية كما يقتضيه مطلب  هل البسيطة أيضا

. و ذلك  لأن ما تقدم فى النفس من إثباتها و تعريفها متناول للنفوس النباتية و الحيوانية و الانسانية و الفلكية و كلها تشترك  فيه , و الان يختص الأمر بالانسان و هو الأمر الأهم لنا فى معرفة النفس . و الشيخ فى الشفاء بعد الفراغ عن بيان الحد المذكور فى العين الثانية , أخذ فى آخر ذلك  الفصل , أى الفصل الأول من المقالة الأولى من نفس الشفاء - فى إثبات  هذا الأصل بقوله :

[ ( ويجب  أن نشير فى هذا الموضع إلى إثبات  وجود النفس التى لنا إثباتا على سبيل التنبيه و التذكير , إشارة شديدة الموقع عند من له قوة على ملاحظة الحق نفسه من غير احتياج إلى تثقيفه و قرع عصاه و صرفه عن المغلطات  , فنقول :

يجب  أن يتوهم الواحد منا كأنه خلق دفعة , و خلق كاملا , لكنه حجب  بصره عن مشاهدة الخارج , و خلق يهوى فى هواء أو خلاء هويا لا يصدمه فيه قوام الهواء صدما ما يحوج إلى أن يحس , و فرق بين أعضائه فلم تتلاق و لم تتماس , ثم يتأمل أنه هل يثبت  وجود ذاته , فلا يشك  فى إثباته لذاته موجودا و لا يثبت  مع ذلك  طرفا من أعضائه و لا باطنا من أحشائه و لا قلبا و لا دماغا و لا شيئا من الأشياء من خارج .

فان قيل : إن المشعور به هو المزاج , فالجواب  أن المزاج لايدرك  إلا بالانفعال و المنفعل عنه غير المنفعل . بل كان يثبت  ذاته و لا يثبت  لها طولا و لا عرضا و لا عمقا . و لو إنه أمكنه فى تلك  الحال أن يتخيل يدا أو عضوا آخر لم يتخيله جزءا من ذاته و لا شرطا فى ذاته , و أنت  تعلم أن المثبت  غير الذى لم يثبت  , و المقر به غير الذى لم يقربه . فاذن للذات  التى أثبت  وجودها خاصية لها على أنها هو بعينة غير جسمه و أعضائه التى لم يثبت  . فاذن المتنبه له سبيل إلى أن يتنبه على وجود النفس بكونه شيئا غير الجسم بل غير جسم , و أنه

صفحه : 110

عارف  به مستشعر له فان كان ذاهلا عنه يحتاج إلى أن يقرع عصاه](  ( 1 ) .

أقول : عبارة الشفاء فى النسخ المطبوعة مشوهة جدا و فيها سقط . و ما نقلناه قد قابلناه بعدة نسخ مخطوطة عندنا .

قوله[ : ( خلق يهوى فى هواء](  , أى يسقط فى الهواء كأنه معلق فيه . قوله[ : ( فرق بين أعضائه](  , أى يكون أعضائه منفرجة بحيث  لا تتلامس أعضائه بعضها بعضا .

قوله[ : ( و لا يثبت  مع ذلك  طرفا](  , الواو حالية .

قوله[ : ( فان قيل إن المشعور به الى قوله غير المنفعل](  . هذه الزيادة سقطت  فى المطبوعة , و هى توجد فى نسختين من الشفاء مخطوطتين عندنا . و الشيخ يقول فى آخر الفصل الثانى من المقالة الأولى من الشفاء [ : ( 2 )( و إما الذين جعلوا النفس مزاجا فقد علم مما سلف  بطلان هذا القول](  و لم يسلف  بطلانه إلا فى هذا الموضوع من هذه الزيادة فهى ليست بزيادة قطعا .

قوله[ ( غير الجسم بل غير جسم](  . أى غير هذا الجسم المخصوص المعهود فى كلام الشيخ , بل غير جسم مطلقا .

و قد أعاد هذا الدليل القويم التجربى فى إثبات  وجود النفس الانسانية فى أثناء الفصل السابع من خامسة نفس الشفاء , لبيان كون النفس غير البدن و آلاته بقوله :

[ ( و هذا الشىء الواحد الذى تجتمع فيه هذه القوى هو الشىء الذى يراه كل منا أنه ذاته حتى يصدق أن نقول لما أحسنا اشتهينا . و هذا الشىء لا يجوز أن يكون جسما أما اولا - إلى قوله : و أما ثالثا فان هذا الجسم إما أن يكون جملة البدن فيكون إذا نقص منه شىء لايكون ما نشعر به انا نحن موجودا , و ليس كذلك  فانى أكون أنا و إن لم أعرف  أن لى يدا أو رجلا أو عضوا من هذه الأعضاء على ما سلف  فى مواضع أخرى , بل أظن أن هذه توابعى , و أعتقد أنها آلات  لى أستعملها فى حاجات  لو لا تلك  الحاجات  لما احتيج إليها و أكون أنا أيضا أنا و لست  هى . و لنعد ما سلف  ذكره منا فنقول : لو خلق انسان دفعة واحدة و خلق متباين الأطراف  و لم يبصر أطرافه , و اتفق أن لم يمسها و لا تماست  و لم يسمع صوتا , جهل پاورقى :

1 . الشفاء , الطبع الحجرى الاول , ج 1 , ص 281 .

2 . المصدر , ص 285 .

صفحه : 111

وجود جميع أعضائه و علم وجود انيته شيئا واحدا مع جهل جميع ذلك  , و ليس المجهول بعينه هو المعلوم ( 1 ) .

و قد اقام هذا الدليل ايضا فى الفصل الاول من النمط الثالث  من الاشارات فى إثبات  وجود النفس الانسانية و انها إنية مغائرة بالبدن بقوله : [ ( تنبيه : ارجع إلى نفسك  و تأمل هل إذا كنت  صحيحا بل و على بعض أحوالك  غيرها بحيث  تفطن للشىء فطنة صحيحة , هل تغفل عن وجود ذاتك  و لا تثبت  نفسك  ؟ ما عندى أن هذا يكون للمستبصر حتى أن النائم فى نومه و السكران فى سكره لا تعزب  عن ذاته و إن لم يثبت  تمثله لذاته فى ذكره . و لو توهمت  ذاتك  قد خلقت  اول خلقها صحيحة العقل و الهيأة , و فرض أنها على جملة من الوضع و الهيأة لا تبصر أجزائها , و لا تتلامس أعضائها بل هى منفرجة و معلقة لحظة ما فى هواء طلق , وجدتها قد غفلت  عن كل شىء إلا عن ثبوت  إنيتها .

قوله[ : ( و على بعض احوالك  غيرها](  : أى غير حالة الصحة . و قوله[ : ( و ان لم يثبت  تمثله لذاته فى ذكره](  , أى بعد اليقظة و الافاقة .

و قوله[ : ( و الهيأة](  , لئلا يؤذيه مرض .

و قوله[ : ( و معلقة](  , منصوب  بقوله و لو توهمت  .

و يوم طلق : روز خوش هو انه كرم و نه سرد كما فى منتهى الارب  . و قوله[ : ( وجدتها](  جواب  و لو توهمت  .

و لما كان ادراك  الانسان نفسه على الفرض المذكور فى هذا الفصل أول الادراكات  على الاطلاق و أوضحها صدرها بالتنبيه , كما قال فى الشفاء[ : ( إثباتا على سبيل التنبيه و التذكير](  .

و قد بينا مطالب  هذه العين الأصيلة فى تعليقاتنا على الإشارات  و شرح المحقق الطوسى عليها . و فى الدرس الثانى و العشرين من دروس معرفة النفس .

تبصرة : النفس تطلق على معان كالقوة بمعنى التغير فى الغير , و القوة بمعنى القبول و الانفعال , و الصورة , و الكمال . و كلها قد بينها الشيخ فى اول نفس الشفاء ( 2 ) و تطلق على الدم

پاورقى :

1 . المصدرج 1 , ص 363 .

2 . المصدر , ج 1 , ص 278 .

صفحه : 112

و الروح البخارى ايضا ( النكتة الثانية و المأتين من ألف  نكتة و نكتة ) كقوله تعالى : [ ( تعلم ما فى نفسى و لا أعلم ما فى نفسك](    ( 1 ) حيث  اطلق النفس على ذات  الله سبحانه على سبيل المشاكلة لوقوعه فى صحبة نفسى . و الكلام فى هذه العين أنما هو معرفة النفس و اثباتها من حيث  جوهرها و ذاتها . و الخبير فى مباحث  النفس يتفطن من تلك  العيون بأن النفس فى كل عين هل هى من حيث  إنها إضافة إلى البدن و مقيسة إليه , أو النفس بمعنى جوهرها و ذاتها , فلا نحتاج فى كل واحدة واحدة . من العيون التنبيه على أن البحث  عن النفس من حيث  كذا , أو بمعنى كذا . ثم على حذو ما أفاده الشيخ فى الشفاء و الاشارات  حرر الدليل على مغائرة النفس للبدن المحقق الفاضل المولى أبوالحسن الأبيوردى فى آخر روضة الجنان بقوله : روضة فى أن النفس مغائرة للبدن و أعضائه من القلب  و الدماغ و الدم و الأركان و غيرها . نمهد لك  أولا مقدمة هى أنا نعلم أنفسنا من غير كسب  بل يحضر ذاتنا عندنا دائما و لا يغيب  عنا أصلا . و لسنا نحتاج فى العلم بأنفسنا إلى ملاحظة شىء من الأمور الخارجة ضرورة فان العلم بالنفس هو الشعور بمعنى لفظ أنا لا غير , و هو ضرورى . و لأنه لو كان علمنا بأنفسنا بالكسب  لوجب  أن يدرك  قبله أمورا أخر و به ندرك أنفسنا , لكن كل من علم شيئا أمكنه أن يعلم أنه يعلمه ضرورة فاذا أدركنا قبل العلم بالنفس شيئا فلنا أن نعلم أنا ندركه , و هذا العلم إنما يصح بعد العلم بالنفس , و معنى لفظ أنا . و لو كان علمنا بأنفسنا بأفعالنا فاما أن نعلم الفعل فعلا مطلقا , فكيف  نعلم به النفس ؟ إذا الفعل المطلق إنما يستدعى فاعلا ما , لا فاعلا معينا . و إما أن نعلم فعلا معينا و من حيث  إنه صدر منا , فهذا العلم انما يتحقق بعد العلم بأنفسنا , هذا خلف  , و المنازع فى مقدمات  هذه الدلائل مكابر لمقتضى عقله . إذا تمهدت  هذه المقدمة نقول : إذا فرضت  نفسك  خلقت  دفعة فى هواء طلق , أو مظلم كثيرا و انت  لا تبصر شيئا من أعضائك  إما لاغماض عينك  أو لعدم الضوء أو للعمى و لا تلمسها , فلم يكن لك  فى هذه الحال العلم بشىء من بدنك  و أعضائك  و تغفل عن الجميع و لا تغفل عن ذاتك  و ما تعبر عنه بأنا فنفسك  غير بدنك  لأنه غير المعلوم . و المجمل أنه يمكنك  أن تذهل عن بدنك  و جملة أعضائك  و لا يمكنك  أن تذهل عن نفسك  . قال الشيخ[ : ( و من جوز

پاورقى :

1 . المائدة : 117 .

صفحه : 113

أن يذهل عن ذاته حتى لا يكون فى هذه الحال بينه و بين الجماد فرق فلا يجدى معه هذا البرهان . و إذا أردت  أن تعلم شيئا من أعضائك  الباطنة احتجت  إلى أن تبصرها أو تسمع من غيرها أو تتفكر فتعلمها بالفكر , و ليس نفسك  منه بهذه المثابة](  . انتهى ما أردنا من نقل قول الأبيوردى .

أقول : قوله[ : ( و لو كان علمنا بانفسنا]( . . .  ناظر إلى كلام الشيخ فى الفصل الرابع من النمط الثالث  من الاشارات  حيث  قال[ : ( و هم و تنبيه](  , و لعلك  تقول : إنما اثبت  ذاتى بوسط من فعلى فيجب  إذن , أن يكون لك  فعل تثبته فى الفرض المذكور , أو حركة , أو غير ذلك  , ففى اعتبارنا الفرض المذكور جعلناك  بمعزل من ذلك  . و أما بحسب  الأمر الأعم فان فعلك  إن أثبته فعلا مطلقا فيجب  أن تثبت  منه فاعلا مطلقا , لا خاصا هو ذاتك  بعينها , و إن أثبته فعلا لك  فلم تثبت  به ذاتك  , بل ذاتك  جزء من مفهوم فعلك  من حيث  هو فعلك  , فهو مثبت  فى الفهم قبله , و لا أقل من أن يكون معه لا به فذاتك  مثبتة لا به . انتهى . أقول : يعنى بقوله[ : ( الفرض المذكور](  الدليل التجربى الذى أفاده فى الفصل الأول من النمط الثالث[ :  ( ارجع الى نفسك  و تأمل , هل اذا كنت  صحيحا الخ](  . و المراد من قوله[ : ( بحسب  الأمر الأعم](  هو الفعل على وجه عام و مطلق , مقابل قوله[ : ( فعلى](  فانه فعل خاص من حيث  اضافته الى الشخص المعين , و الفعل بحسب  الأمر الأعم يقتضى إثبات  فاعل ما , لا إثبات  فاعل معين .

و أما ما أضافه الأبيوردى بقوله[ : ( او مظلم كثير]( . . .  فهو بمعزل عن التحقيق . فان محط النظر فى البحث  هو عدم الادراك  و الاحساس بشىء غير ذات  المدرك  أى النفس , و أما فى المظلم الكثير أو اغماض العين , أو العمى أو نحوها فيحس بشىء غير ما يعبر عنه بقوله أنا , أى النفس , فتأمل . على أن اثبات  النفس الانسانية أمر , و كونها مغائرا للبدن أمر آخر .

و الفصل الرابع المذكور من الاشارات  فى الأول , و الذى بعده - حيث  قال الشيخ[ : ( هو ذا يتحرك  الحيوان بشىء غير جسميته]( - . . .  فى الثانى , كما يعلم بالرجوع الى الاشارات  , و المحقق الطوسى فى شرح الفصلين صرح بذلك  , و الأبيوردى خلط البحث  فى الأمرين و ان كان يستفاد من الدليل التجربى المذكور المغائرة بل التجرد أيضا .

ثم قد أشرنا فى الدرس الثانى و العشرين من دروس معرفة النفس ( 1 ) ( ص 58 ط 1 ) .

پاورقى :

1 . دروس معرفة النفس , الطبع الاول , ص 58 .

صفحه : 114

ان ذلك  الدليل التجربى من الشيخ يوجد فى كلمات  دكارت  الفرانساوى أيضا , و لكن واليو , و فورلانى من فلاسفة أوربا كانا معتقدين على أن دكارت  كان مطلعا على دليل الشيخ فأتى به فى مؤلفاته .

ثم قال الشيخ فى التعليقات  :

برهان فى إثبات  النفس , مأخوذ من جهة غاية حركة العناصر إلى الاجتماع المودى إلى وجود النفس

:

لما كانت  الحركة تحصل بعد وجود الغايات  فى الأعيان كالجهات  , أو فى نفس المحرك  كما يكون فى نفس البناء , و كان واجبا أن تكون الغاية الجزئية موجودة حتى يصح وجود حركة جزئية , وجب  أن تكون حركة العناصر إلى الاجتماع لغاية أخرى غير الاجتماع , فان الاجتماع يحصل بعد الحركة , و تلك  الغاية هيئة يصح وجودها و تكمل بالبدن و يكون الاجتماع و المزاج و التركيب  و الأشكال و غير ذلك  من الأحوال التى تحصل للبدن بعد الحركة من توابع تلك  الغاية , و تلك  الغاية هى بعي نها المحركة , فتكون فاعلة للحركة و غاية لها . و الفاعل و الغاية هما واحد فى الانسان و هو النفس .

كل حالة من الأحوال الجسمانية تعرض بعد الحركة فلا يصح أن تجعل غاية للحركة فالمحرك  هو بعينه الغاية , و هو النفس ( 1 ) .

أقول : هذا البرهان القويم جار فى اثبات  النفس مطلقا , و كان الحرى به أن يؤتى به فى العين الاولى فى اثبات  وجود النفس مطلقا , إلا أن الشيخ لما اجراه فى النفس الانسانية حيث  قال فى آخره[ : ( الفاعل و الغاية هما واحد فى الانسان و هو النفس](  اقتفينا به و ذكرناه هيهنا . پاورقى :

1 . التعليقات  لابن سينا , المطبوع بمصر , ص 63 و 64 . صفحه : 115

عين فى آراء القوم فى النفس ( 4 )

د - و من تلك  العيون المتشعبة , الكلام فى آراء القوم فى النفس . و تلك  الاراء كثيرة حتى قال المتأله السبزوارى فى تعليقته على حدوث النفس من غرر الفرائد[ : ( و قد قيل فى النفس اربعون قولا](  ( 1 ) بل قال : المناوى ( المتوفى 1031 هق ) فى شرحه على القصيدة العينية للشيخ : [( اختلف  الأولون و الاخرون على مر الأيام و الأعوام فى النفس الناطقة التى يشير اليها كل أحد بقوله : أنا على زهاء مائة قول و هم فريقان : فريق يذكر تجردها و فريق يقول به الخ](  ( 2 ) .

المقالة الاولى من كتاب  نفس ارسطو فى تعديد مذاهب  القدماء مثل طاليس و ذيمقراطيس و هرقليطوس و افلاطون و غيرهم كما يأتى ذكرهم , فى النفس . ثم أخذ ارسطو فى نقضها و بعد نقدها , فى اثبات  رأيه الخاص فى النفس . و هذه المقالة من اهم المصادر و اقدمها فى التعديد , و لها أهمية تاريخية فى ذلك  .

و قد ذكر الشيخ فى الشفاء عدة آراء فى النفس ثم تصدى لنقضها , فقال فى الفصل الثانى من اولى نفس الشفاء ما هذا لفظه[ : ( 3 ) ( فى ذكر ما قاله القدماء فى النفس و جوهرها و نقضه , فنقول : قد اختلف  الاوائل فى ذلك  لأنهم اختلفوا فى المسالك  اليه - الخ](  . و كأن الشيخ ناظر فى الشفاء الى كتاب  نفس ارسطو .

و صدر المتألهين نقل تلك  الاراء من الشفاء و صوبها بحمل كل واحد منها على محمل صحيح , و أوله الى وجه وجيه . قال فى الفصل السادس من الباب الخامس من نفس الأسفار[ : ( فى تعديد مذاهب  القدماء فى امر النفس ذكرها الشيخ فى الشفاء و نقضها و نحن نحمل كلامهم على الرموز و نأولها تأويلات  حسنة بقدر ما يمكن إن شاء الله ( 4 ) .

پاورقى :

1 . تعليقات  السبزوارى لغرر الفرائد , الطبع الناصرى , ص 298 . 2 . شرح المناوى لقصيدة الشيخ العينية , طبع مصر , ص 5 . 3 . الشفاء , الطبع الاول , ج 1 , ص 282 .

4 . الاسفار , الطبع الاول , ج 4 , ص 59 .

صفحه : 116

اقول : ما افاده من بيان التأويلات  سلوك  الى صوب  الصواب  فان هؤلاء الأعاظم و اولى الألباب  لا يتفوهون بما ظاهره لا يوافق الموازين العلمية اصلا و كانت  عادتهم أن يبنوا كلامهم على الرموز و التجوزات  لحكم و مصالح راعوها كما يأتى نقل اقوال العلماء فى ذلك  .

على أن كثيرا من اصطلاحات  طبية و غيرها شاعت  فى العلوم الالهية و صار الاشتراك  اللفظى فى كثير منها موجبا لبعض الظنون بهم , و حاشاهم عن ذلك  و عمل صدر المتألهين عين الحق و الصدق و محض الرشاد و الصواب  . و قد عد عدة من الاراء المذكورة الشيخ البهائى فى اواخر كشكوله قال[ : ( المذاهب  فى حقيقة النفس اعنى ما يشير اليه كل أحد بقوله : انا كثيرة , و الدائر منها على الألسنة و المذكورة فى الكتب  المشهورة اربعة عشر مذهبا .

و بعد عد ثلاثة عشر منها , قال : الرابع عشر انها جوهر مجرد عن المادة الجسمانية و العوارض الجسمانية , لها تعلق بالبدن تعلق التدبير و التصرف  , و الموت  هو قطع هذا التعلق . و هذا هو مذهب  الحكماء الالهيين و اكابر الصوفية و الاشراقيين , و عليه استقر رأى المحققين من المتكلمين كالامام الرازى و الغزالى و المحقق الطوسى و غيرهم من الأعلام و هو الذى اشارت  اليه الكتب  السماوية و انطوت  عليه الأنباء النبوية و قادت إليه الأمارات  الحدسية و المكاشفات  الذوقية](  ( 1 ) . و كذلك  أتى بقريب  مما فى الكشكول فى كتابه الأربعين حيث  قال فى أول شرح الحديث  الأربعين ما هذا لفظه[ : ( و قد تحير العقلاء فى حقيقتها , و اعترف  كثير منهم بالعجز عن معرفتها حتى قال بعض الأعلام : ان  قول امير المؤمنين عليه السلام[ : ( من عرف  نفسه فقد عرف  ربه](   معناه أنه كما لا يمكن التوصل الى معرفة النفس لا يمكن التوصل الى معرفة الرب , و قوله عز و علا : [ ( و يسئلونك  عن الروح قل الروح من أمر ربى و ما اوتيتم من العلم إلا قليلا](   ( 2 ) مما يعضد ذلك  .

و الاقوال فى حقيقتها متكثرة , و المشهور اربعة عشر قولا ذكرناها فى المجلد الرابع من المجموع الموسوم بالكشكول . و الذى عليه المحققون أنها غير داخلة فى البدن بالجزئية و الحلول , بل هى برية عن صفات  الجسمية , منزهة عن العوارض المادية , متعلقة به تعلق

پاورقى :

1 . كشكول الشيخ البهائى , الطبع الاول , ص 564 .

2 . الأسراء : 85 .

صفحه : 117

التدبير و التصرف  فقط , و هو مختار اعاظم الحكماء الالهيين , و اكابر الصوفية و الاشراقيين و عليه استقر رأى اكثر متكلمى الامامية كالشيخ المفيد و بنى نوبخت  و المحقق نصير الملة و الدين الطوسى و العلامة جمال الدين الحلى . و من الأشاعرة الراغب  الأصفهانى و ابى حامد الغزالى و الفخر الرازى . و هو المذهب  المنصور الذى اشارت  اليه الكتب  السماوية , و انطوت  عليه الأنباء النبوية , و عضدته الدلائل العقلية , و أيدته الأمارات  الحدسية , و المكاشفات  الذوقية . انتهى .

اقول : كلامه مبنى على ما ذهب  اليه المشاء . و الموت  ليس هو قطع تعلق النفس عن البدن بل هو انقطاع الانسان عن غيره و ارتقاء النفس الى بارئها المتوفى اياها . فان النفس لا تكون بلا بدن ابدا لان النفس لها ابدان متفاوتة و التفاوت  بينها بالنقص و الكمال و كما أن حقيقة الحقايق - جلت  اسماؤها - لا تكون بلا مظاهر , كذلك  النفس لا تكون بلا بدن . فافهم . و قطع التعلق عن البدن مما شاع عن المشاء و صار دائرا بين الناس و رائجا سائرا و اكابر العارفين و ارباب  الحكمة المتعالية قد استقر رأيهم على هذا الوجه الذى اشرنا اليه لا على ما اسنده اليهم . و الاشارات  كلها الى هذا الحكم الحكيم لا غير .

و قد عد صاحب  البحار آراء فى الرابع عشر من البحار فى باب  حقيقة النفس و الروح و احوالهما منه ايضا ( 1 ) .

و كذا فى روض الجنان للابيوردى قد عد آراء , و ان شئت  فراجع فى ذلك إلى الدرس الثامن و العشرين و المائة من كتبانا دروس فى معرفة النفس ( 2 ) .

و الى الدرس الرابع من كتابنا اتحاد العاقل بمعقوله ( 3 ) و قد عرفنا فى صدر هذا الدرس كتاب  روض الجنان و ذكرنا فوائد انيقة فى المقام . تبصرة : أعلم أن منطق الوحى و كلمات  اكابر العلماء و اعاظم الحكماء فى الحقيقة رموز الى كنوز يصل اليها فى كل عصر و دورة واحد بعد واحد ممن وفق و يسر للوصول . و قد صرح بذلك  غير واحد من مشايخ العلم فى صحفهم الكريمة و كتبهم القيمة و نتلو عليك  طائفة من لطائف  اشاراتهم البديعة فى ذلك  معاضدة لما قلنا :

پاورقى :

1 . بحار الانوار , الطبع الاول , ج 14 , ص 387 - 391 , ص 408 . 2 . دروس معرفة النفس , الطبع الاول , ص 437 .

3 . دروس اتحاد العاقل بمعقوله , ص 49 .

صفحه : 118

قال الشيخ الرئيس فى السابع من اولى آلهيات  الشفاء[ : ( إن من الفضلاء من يرمز ايضا برموز , و يقول الفاظا ظاهرة مستشنعة أو خطأ و له فيها غرض خفى , بل اكثر الحكماء , بل الانبياء الذين لا يؤتون من جهة غلطا أو سهوا هذه و تيرتهم](  ( 1 ) .

اقول : كلام الشيخ تصريح على ما ذهب  الامامية إلى أن السفراء الالهية - صلوات  الله تعالى عليهم - لهم العصمة على الاطلاق . و الحق أن السفير الالهى مؤيد بروح القدس , معصوم فى جميع احواله و اطواره و شئونه قبل البعثة أو بعدها . فالنبى معصوم فى تلقى الوحى و حفظه و ابلاغه كما انه معصوم فى افعاله مطلقا بالأدلة العقلية و النقلية . فمن أسند اليه الخطاء فهو مخطىء , و من أسند اليه السهو فهو اولى به .

و كذا افاد الشيخ فى رسالته المعراجية بالفارسية ما كان ترجمانه بالعربية نحو ما أعبر عنه , و هو أن شرط الأنبياء تعبية ما يدركونه من المعقول فى المحسوس و النقل لكى يقتفى الامة ذلك  المحسوس و تحتظى من المعقول ايضا , فان العاقل يعقل بعقله أن ما قاله النبى كله رمز مملوء بمعقول , و أما الغافل فيقنع بظاهره و يبتهج بالمحسوس و يقع فى جوالق الخيال و لا يتجاوز عن اسكفة الوهم , يسأل من غير علم و يسمع من غير ادراك  , الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون . انتهى ملخصا بترجمة منا . و قد اجاد بما افاد الشيخ العارف  محى الدين العربى فى الفصوص الموسوى من فصص الحكم بقوله الثقيل :

[ ( و الأنبياء - صلوات  الله عليهم - لهم لسان الظاهر به يتكلمون لعموم أهل الخطاب  و اعتمادهم على فهم السامع العالم , فلا يعتبر الرسل عليهم السلام إلا العامة لعلمهم بمرتبة اهل الفهم كما نبه عليه السلام على هذه المرتبة فى العطايا  فقال[ : ( إنى لأعطى الرجل و غيره أحب  إلى منه مخافة أن يكبه الله فى النار](   فاعتبر ضعيف  العقل و النظر الذى غلب عليه الطمع و الطبع , فكذا ما جاؤوا به من العلوم جاؤوا به وعليه خلعة أدنى الفهوم ليقف  من لا غوص له عند الخلعة فيقول : ما أحسن هذه الخلعة ؟ و يراها غاية الدرجة , و يقول صاحب  الفهم الدقيق الغائص على درر الحكم بما استوجب  هذا : هذه الخلعة من الملك  فينظر فى قدر الخلعة و صنفها من الثياب  فيعلم منها قدر من خلعت  عليه على علم لم يحصل لغيره ممن لا علم له بمثل هذا . و لما علمت  الأنبياء و الرسل و الورثة أن فى العالم و فى أممهم من هو بهذه

پاورقى :

1 . الشفاء , الطبع الأول , ج 2 , ص 400 .

صفحه : 119

المثابة عمدوا فى العبادة الى اللسان الظاهر الذى يقع فيه اشتراك الخاص و العام فيفهم منه الخاص ما فهم العامة منه و زيادة مما صح له اسم انه خاص فيتميز به عن العامى , فاكتفى المبلغون العلوم بهذا](  . و قال صاحب  الأسفار فى الفصل السادس و العشرين من المرحلة الأولى فى العلم الكلى .

[ ( إياك  و أن تظن بفطانتك  البتراء أن مقاصد هؤلاء القوم من اكابر العرفاء و اصطلاحاتهم و كلماتهم المرموزة خالية عن البرهان من قبيل المجازفات  التخمينية أو التخيلات  الشعرية حاشاهم عن ذلك  . و عدم تطبيق كلامهم على القوانين الصحيحة البرهانية , و المقدمات  الحقة الحكمية ناش عن قصور الناظرين و قلة شعورهم بها , و ضعف  احاطتهم بتلك  القوانين , و إلا فمرتبة مكاشفاتهم فوق مرتبة البراهين فى افادة اليقين , بل البرهان هو سبيل المشاهدة فى الأشياء التى يكون لها سبب  إذ السبب  برهان على ذى السبب  , و قد تقرر عندهم أن العلم اليقينى بذوات  الاسباب  لا يحصل الا من جهة العلم بأسبابها , فاذا كان هذا هكذا فكيف  يسوغ كون مقتضى البرهان مخالفا لموجب  المشاهدة](  ( 1 ) .

و فى ثالث  السابع من كتاب  نفس الأسفار[ : ( أن عادة الأقدمين من الحكماء - تأسيا بالأنبياء - أن يبنوا كلامهم على الرموز و التجوزات لحكمة رأوها و مصلحة راعوها مداراة مع العقول الضعيفة و ترأفا عليهم و حذرا عن النفوس المعوجة العسوفة و سوء فهمهم ( 2 ) .

اقول : هذه نماذج مما أوصى بها مشايخ العلم حول كلمات  أكابر المعارف , و قليلة من كثيرة مما قال هؤلاء المذكورون و غيرهم فى ذلك  . و غرضنا من النقل لزوم التثبت  و التامل فى فهم ما صدر من اقلام ارباب  النهى كما هو ديدن أهل التحصيل و التنقيب  , دون التبادر الى التعنت  و التقول كما هو دأب  اصحاب  التصلف  و التقشف  .

ثم اذا كان كلام آحاد الرعية مبنيا على السر و الرمز فما ترى فيما افاضها حملة الوحى و سفراء الحق ؟ سيما فى الخطاب  المحمدى صلى الله عليه و آله و سلم , الذى هو ام الكتب  السماوية , كما أنه قطب  الاقطاب على الاطلاق .

پاورقى :

1 . الأسفار , الطبع الأول , ج 1 , ص 189 .

2 . الأسفار , الطبع الأول , ج 4 , ص 87 .

صفحه : 120

و فى الخبر بالاسناد الى عمرو بن اليسع عن شعيب  الحداد  قال سمعت الصادق جعفر بن محمد - عليهما السلام - يقول[ : ( إن حديثنا صعب  مستصعب لا يحتمله إلا ملك  مقرب  أو نبى مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للأيمان , أو مدينة حصينة](  .

قال عمرو : فقلت  : لشعيب  يا ابا الحسن و أى شىء المدينة الحصينة ؟ قال : سألت  الصادق عنها , فقال لى : القلب  المجتمع](   ( 1 ) . و فى النهج : [ ( أن أمرنا صعب  مستصعب  لا يحتمله إلا عبد امتحن الله قلبه للايمان , و لا تعى حديثنا إلا صدور أمينة , و أحلام رزينة](   . و فسر الصعب  المستصعب  فى حديث  المفضل  عن الامام ابى جعفر عليه السلام بقوله الشريف[ :  ( أما الصعب  فهو الذى لم يركب  بعد , و أما المستصعب  فهو الذى يهرب  منه أذا رئى](   ( 2 ) .

و أحاديث  أخرى فى ذلك  فى باب  ( أن حديثهم عليهم السلام صعب  مستصعب , و أن كلامهم ذو وجوه كثيرة , و فضل التدبر فى أخبارهم , و التسليم لهم , و النهى عن رد اخبارهم من المجلد الاول من البحار ( 3 ) ثم تنبه ذلك على فهم الكشف  التام المحمدى - صلى الله عليه و آله و سلم - . فاذا كانت  كلمات  مشايخ العلم و حملته رموزا وجب  التدبر فيها , و حملها على معانيها الحقة مهما أمكن ذلك  . و لعل الاراء المعدودة فى النفس كذلك  , بل هى من هذا القبيل كما نهديها اليك  . فننقل الاراء أولا ثم نتبعها بتأويلات  صاحب  الأسفار و بعض الافادات  منا : الف  - قال المحقق الطوسى فى فوائد العقائد[ : ( اختلفوا فى حقيقة الانسان , فبعضهم قالوا[ : ( ان الانسان هو هيكله المشاهد المحسوس](  . و بعضهم قالوا[ : ( هو اجزاء اصلية داخلة فى تركيب  الانسان لا تزيد بالنمو و لا تنقص بالذبول](  .

و قال النظام[ : ( هو جسم لطيف  داخل فى البدن , سار فى أعضائه , و اذا قطع منه عضو تقلص ما فيه إلى باقى ذلك  الجسم اللطيف  , و اذا قطع بحيث  انقطع ذلك  الجسم مات

پاورقى :

1 . البحار , الطبع الاول , ج 1 , ص 117 .

2 . بحار اللأنوار , الطبع الاول , ج 1 , ص 130 .

3 . المصدر , ج 1 , ص 117 - 136

صفحه : 121

الانسان](  .

و قال ابن الراوندى[ : ( هو جزء لا يتجزى فى القلب](   . و بعضهم قالوا[ : ( هو الدم](  .

و بعضهم قالوا[ : ( هو الاخلاط الاربعة](  .

و بعضهم قالوا[ : ( هو الروح , و هو جوهر مركب  من بخارية الأخلاط و لطيفها , مسكنه الأعضاء البدنية التى هى القلب  , و الدماغ , و الكبد , و منها تنفذ فى العروق و الأعصاب  الى سائر الاعضاء و جميع ذلك  جواهر جسمانية](  .

و بعضهم قالوا[ : ( هو المزاج المعتدل الانسانى](  .

و بعضهم قالوا[ : ( هو تخاطيط الأعصاب  , و تشكل الانسان الذى لا يتغيير من اول عمره الى آخره](  .

و بعضهم قالوا[ : ( هو العرض المسمى بالحيوة . و جميع ذلك  أعراض]( .

و الحكماء و جمع من المحققين من غيرهم قالوا[ : ( إنه جوهر غير جسمانى , لا يمكن أن يشار اليه أشارة حسية](  . فهذه هى المذاهب  و بعضها ظاهر الفساد ( 1 ) .

ب  - و قال العلامة فى شرحه عليه الموسوم بكشف  الفوائد : قد اختلف  الناس فى ماهية الانسان اختلافا عظيما , و تقريره أن نقول : إن الانسان اما أن يقال : إنه جسم أو جسمانى أو مجرد أو مركب  من هذه الأقسام تركيبا ثنائيا أو ثلاثيا , ذهب  الى كل واحد من هذه الأقسام قوم :

أما القائلون بأنه جسم فقد اختلفوا , فذهب  اكثر المعتزلة إلى أنه عبارة عن هذا الهيكل المحسوس المشاهد بجملته لأن العقلاء إذا اشاروا إلى المخاطبة و الاخبار عن انفسهم فانما يشيرون اليه . و يضعف  بأنه يزيد و ينقص و يتبدل الأجزاء بالبعدية .

و ذهب  آخرون و هم المحققون من المتكلمين و هو الذى اخترناه بأنه عبارة عن أجزاء اصلية فى هذا البدن باقية من اول العمر الى آخره لا يتطرق اليها الزيادة و النقصان و لا يتبدل , و عند الموت  تعدم ان قلنا بجواز اعادة المعدوم ثم يوجدها الله - تعالى - وقت  الاعادة , و يتفرق وقت  الموت  ان قلنا بامتناعه ثم يوجد الله - تعالى - تأليفا آخر وقت  اعادته لأنا ندرك  الجزئيات  و الأمور الجسمانية و المجرد لم يثبت  برهانا عليه و الجملة بينا بطلانها فلم يبق

پاورقى :

1 . فوائد العقائد , الطبع الأول , ص 88 .

صفحه : 122

سوى ما ذكرناه .

و ذهب  النظام الى أنه جسم لطيف  فى داخل البدن فى أعضائه , و اذا قطع منه عضو تقلص ما فيه الى باقى ذلك  الجسم , فان قطع بحيث  ينقطع ذلك الجسم اللطيف  مات  الانسان . و هو قريب  من مذهب  المتكلمين . و قال ابن رواندى إنه جزء لا يتجزى فى القلب  اذ لو كان مركبا جاز ان يحل فى بعض منه علم و فى بعض منه جهل . و هو ضعيف  لأن العرض مشروط بالثلاثة فلا تحل الأجزاء .

و قال بعض الاطباء انه الدم لفوات  الحيوة بخروجه . و قال آخرون منهم انه الاخلاط الاربعة اذ قوامه بها . و قال آخرون إنه الروح و هو عبارة عن جوهر مركب  من بخارية الأخلاط و لطيفها , مسكنة الأعضاء الرئيسة التى هى القلب  و الدماغ و الكبد , و هى من هذه الأعضاء الثلاثة تسرى الى الأعضاء المرئوسة فى العروق و الاعصاب  . هذا هو الظاهر من أقوال مذهب  من ذهب الى أن الانسان جوهر جسمانى .

و أما القائلون بأنه عرض فقد اختلفوا : فقال بعضهم[ : ( إنه المزاج المعتدل الانسانى , و هو كيفية متوسطة بين كيفيات  متضادة لحصول الموت بفساده](  .

و قال بعضهم[ : ( هو تخاطيط الأعضاء و تشكل الانسان الذى لا يتغير من أول عمره الى آخره](  .

و قال آخرون[ : ( إنه الحيوة و هى عرض قائم بالبدن لحصول الموت  عند فقدها](  .

و اما القائلون بالمجرد فهم جمهور الحكماء و جماعة من المسلمين كالشيخ و اولاد نوبخت  من الامامية و الغزالى أن حقيقة الانسان عبارة من الجوهر المجرد الذى ليس بجسم و لا جسمانى , عاقل بالقوة , متعلق بهذا البدن ليدبره تعلق العاشق بمعشوقه .

و بعد نقل دليل منهم فى تجرده قال[ : ( و أقوى المذاهب  هذا , أو ما ذهب  اليه المحققون من انه اجزاء اصلية](  .

ج - قال المحقق الفاضل ابو الحسن على بن أحمد الأبيوردى ( المتوفى 966 هق ) فى آخر روضة الجنان[ : ( المراد بالنفس هو الذى يشير اليه كل واحد بلفظ أنا . و تفرق مذاهب  الناس الى أرجاء متباعدة و اطراف  متبائنة : الأول , أن النفس إنما هى هذا الهيكل المحسوس المعبر عنه بالبدن لا غير , و هو زعم كثير من المتكلمين .

صفحه : 123

الثانى , أن النفس هى القلب  أى العضو اللحمانى المخصوص . الثالث  , أنها هى الدماغ .

الرابع , أنها اجزاء لا تتجزى فى القلب  و هو مذهب  النظام . الخامس , أنها هى الاعضاء الاصلية المتولدة من المنى .

السادس , أنها هى المزاج .

السابع , أنها الروح الحيوانى المذكور سابقا . و يقرب  منه ما قيل أنها جسم لطيف  سار فى البدن سريان ماء الورد فى الورد , و سريان الدهن فى السمسم .

الثامن , أنها الماء .

التاسع , أنها النار أو الحرارة الغريزية .

العاشر , أنها النفس .

الحادى عشر , أنها هى البارى - تعالى عما يقول الظالمون - . الثانى عشر , هى الأركان الاربعة .

الثالث  عشر , أنها صورة نوعية قائمة بمادة البدن متحدة معها و هو مذهب  الطبيعى .

الرابع عشر , أنها الجوهر المجرد المنزه بذاته عن مقارنة المادة الجسمانية المبراة عن صفات  الأجسام من الوضع و الأين و الجهة و الشكل و المقدار , له تعلق بهذا البدن المادى الكثيف  تعلق التدبير و التصرف مثل تعلق الملك  بالمدينة من جهة , و تعلق العاشق بالمعشوق من جهة أخرى , و تعلق البارى - تعالى - بالعالم من وجه . و هو سلطان القوى الحسية من المدركة و المحركة و غيرها . و الحيوة و العمر عبارة عن بقاء تعلق ذلك الجوهر المجرد بهذا الهيكل الحسى , و الموت  قطع ذلك  التعلق . و هو مذهب  الحكماء الالهيين و العرفاء و الاكابر من الصوفية و ارباب  الكشف  و اهل الاشراق و عليه استقر رأى المحققين من المتكلمين كالمحقق نصير الدين محمد الطوسى - ره - و الامام فخر الدين الرازى و الغزالى و غيرهم , و به وردت  الاشارات  النفيسة , و التنبيهات  المصطفوية , و يلوح من آيات القرآن المجيد ايضا ففى هذه الروضة نتعرض لابطال بعض من تلك  المذاهب اجمالا و تفصيلا . . . الخ](  .

د - قال العلامة البهائى فى أواخر كشكوله[ : ( المذاهب  فى حقيقة النفس - أعنى ما يشير اليه كل أحد بقوله أنا - كثيرة , و الدائر منها على الألسنة و المذكورة فى الكتب  المشهورة اربعة عشر مذهبا . ثم شرع فى عدها على الوجه الذى نقلناه من روضة الجنان للأبيوردى , و كانه نقل من الروضة و اختلاف  العبارات  فيهما نزرة يسيرة و الترتيب  على نحو ما فى الروضة

صفحه : 124

و الاراء على زهائها . و قريب  ما فى الكشكول اتى به فى كتابه الاربعين , كما تقدم ذكره فى صدر هذه العين](  ( 1 ) .

ه - باب  حقيقة النفس و الروح من الرابع عشر من البحار[ : ( قال المحقق القاسانى فى روض الجنان : اعلم ان المذاهب  فى حقيقة النفس كما هى الدائرة فى الالسنة و المذكورة فى الكتب  المشهورة اربعة عشر مذهبا . ثم نقل نحو ما فى الروضة للأبيوردى و الكشكول للبهائى](  . ( 2 ) اقول : كتاب  روضة الجنان للأبيوردى هو أحد مصادر كتاب  الحكمة المتعالية المشهور بالأسفار و من ماخذه , كما قال فى الفصل الخامس من الموقف  التاسع من آلهيات  الأسفار ما هذا لفظه :

اشعار تنبيهى : قد ذكر صاحب  روضة الجنان قريبا من الايراد المذكور بوجه آخر على قولهم الخ](  ( 3 ) .

نسخة من الروضة موجودة عندنا و هى نسخة كاملة بخط على بن حمد الله اللاهيجانى الجيلانى ( تاريخ كتابته 1073 هق ) . و فى تذكرة المؤلفين و تراجمهم نحو ايضاح المكنون فى الذيل على كشف  الظنون , و نحو معجم المؤلفين و غيرهما عرف  الكتاب  بروضة الجنان تأليف  ابى الحسن بن احمد الأبيوردى . و المصنف  اعنى مصنف  روضة الجنان لم يسم اسمه فى الكتاب  , و بعد التسمية أخذ فى تعريف  الحكمة و علم الكلام , ثم قال[ : ( و معاقد هذا الكتاب  ينحصر فى العلم الطبيعى و شىء مما يرتبط به و فيه حدائق الحديقة الاولى فى المباحث  العامة و فيه روضات  الروضة الاولى فى موضوعه الخ](  . و فى ظهر النسخة مكتوب[ :  ( كأنه لا يضاهى خط الكاتب  المذكور ]( . بل كتب  بعده[ : ( و ان كان قريب  العهد منه](  و فى صورته هكذا : [( كتاب  روضة الجنان للمحقق الفاضل المولى ابى الحسن الأبيوردى](  . و يستفاد من النسخة ان الجيلانى المذكور كتبه لنفسه و كان من علماء عصره و قد سمى اسمه فى الموضعين من الكتاب  أحدهما فى آخره حيث  قال[ : ( قد تم بعون الله و حسن تأييده يوم الثلاثاء من العشر

پاورقى :

1 . كشكول الشيخ البهائى , الطبع الأول , ص 564 .

2 . بحار الانوار , الطبع الأول , ج 14 , ص 408 .

3 . الأسفار , الطبع الأول , ج 3 , ص 159 .

صفحه : 125

الاول من جمادى الاول بعد الف  و سبعين و ثلاث  سنين من الهجرة النبوية عليه و آله التسليم و التحية و كتبه بيمناه الجانية العبد الجانى على بن حمد الله الاهيجانى](  , و ثانيهما فى الصفحة الاولى من ظهر الكتاب  هكذا [ :( من كتب  من كتب  هذا الكتاب  و هو العبد الأقل على بن حمد الله الجيلانى](  . ثم الروضة يجمع على الروض و اطلاق روض الجنان على الكتاب من وجه الجمع , و أما اسناده الى المحقق القاسانى ففيه كلام و دغدغة . و - أقدم الماخذ فى نقل الاراء فى حقيقة النفس من الكتب  التى فى ايدينا هو كتاب  النفس لارسطو , و نفس الشفاء للشيخ الرئيس - تغمدها الله برضوانه - و لا يوجد ذلك  - اعنى نقل الاراء - فى كتب  المتقدمين على الشيخ زمانا ككتب  الفارابى و الكندى و غيرهما مما رأيناها , و العمدة فى الباب  ما فى كتاب  النفس لارسطو و كتاب  النفس من الشفاء , و كأن اكثر ما فى سائر الصحف  من تعديد آراء القدماء منقول منهما إما بالواسطة و اما بدونها , بل الشيخ فى الشفاء كأنه ناظر فى تعديد الاراء الى كتاب النفس لارسطو . كيف  كان و الاطلاع على ما فى كتاب  نفس ارسطو من نقل آراء الأوائل فى النفس للفاحص المتتبع فى شعوب  مسائل النفس و أنحائها و أرجائها جدير جدا , و لا ينكر أهميته التاريخية فى ذلك  , سيما ما يتفرع عليها من التأويلات  الراسخة التحقيقة فى بيان الأسرار التى تضمنت  اكثر تلك  الاراء , و بمعرفتها يعلم أن كثيرا من النقد الذى أوردوه عليها مزيف  ليس بوارد .

و ليس الان عندى ترجمة حنين كتاب  نفس ارسطو , بل و ما عندى من التراجم العربية فى ذلك  إلا كتاب  النفس لارسطو طاليس نقله الى العربية الفاضل احمد فؤاد الأهوانى , فنأتى بتاريخ مذاهب  المتقدمين فى النفس , و نقد ارسطو اياها بنقله - ثم نتبعه بما نتلوها عليك  - فهو ما يلى : [ ( لما كنا ندرس النفس , فمن الضرورى , فى نفس الوقت  الذى نضع فيه المسائل التى يجب  أن تحل فيما بعد , أن نجمع آراء المتقدمين عنا من الذين كانت  لهم اقاويل فى النفس , حتى نفيد مما اصابوه من حق و نتجنب ما أخطأوا فيه .

و لنبدأ فى فحصنا هذا , بعرض ما أجمعوا عليه من الصفات  التى يبدو أنها تخص النفس فى الأغلب  من حيث  طبيعتها , و قد يبدو أن المتنفس يختلف  عن غير المتنفس بصفتين اساسيتين : الحركة و الاحساس . و هاتان الصفتان هما على وجه التقريب  ما نقل الينا عن القدماء فيما يختص بالنفس .

و لقد قال بعضهم ( أصحاب  الذرة ) إن النفس أولا و قبل كل شىء المحرك . و حيث

صفحه : 126

انهم ذهبوا إلى ما لا يتحرك  لا يستطيع ان يحرك  غيره , فقد اعتقدوا أن النفس من نوع الأشياء المتحركة - و لذلك  قال ديمقراطيس[ : ( إن النفس نوع من النار و الحرارة . فالأشكال أو الذرات  التى يقول بها لا نهائية , و يسمى ذات  الشكل الكروى نارا و نفسا . و هذه قد تشبه ما نسميه غبار الهواء الذى يبدو فى اشعة الشمس النافذة من خلال النوافذ , و تجمع هذه البذور يكون فيما يذهب  اليه عناصر الطبيعة بأسرها ( و نجد نفس هذه النظرية عند لوقيبوس ) . و ما كان من هذه الذرات  كروى الشكل فهو النفس , لأن الذرات  التى من هذا الجنس اسهل نفاذا فى جميع الأشياء , و أقدر على تحريك  غيرها , ما دامت  هى نفسها متحركة](  . و يذهب  هؤلاء الفلاسفة - يريد اصحاب  مذهب  الذرة - الى ان النفس هى التى تمنح الحركة فى الحيوانات  . و هم لهذا السبب  يجعلون التنفس الصفة الجوهرية للحياة ( يجعلون الحياة تقوم على التنفس - هكس ) . ذلك  أن الهواء حين يضغط الأبدان , و يخرج منها الذرات  الكروية التى تعطى الحركة للحيوان لانها نفسها لا تسكن أبدا , يغرزها من خارج ذرات  من نفس النوع تنفذ الى الجسم مع التنفس , و هذه الذرات  تمنع تلك  التى لا تزال داخل الحيوان من الخروج بأن تدفع تلك  التى تضغط و تكثف  . و يذهب اولئك  الفلاسفة ايضا الى أن الحيوان تطول حياته ما دام قادرا على هذه المقاومة](  .

و يبدو أيضا أن مذهب  الفيثاغوريين يتفق معهم فى هذا الرأى . فمنهم من قال[ : ( بأن النفس هى غبار الهواء](  , و منهم من قال[ ( بأنها هى التى تحرك  هذا الغبار](  . و ذكروا أن هذا الغبار يظهر لنا فى حركة مستمرة حتى اذا كان السكون تاما . و يذهب  كذلك  أفلاطون , و زينوقراط , و ألقمايون - تريكو , اولئك  الذين يحدون النفس بأنها هى التى تحرك نفسها , اذ يبدو أن هؤلاء الفلاسفة يرون جميعا أن الحركة أخص ما توصف  به النفس , و أن كل شىء يتحرك  بالنفس , و لكن النفس تتحرك  بنفسها . و علة ذلك  انهم لا يروون محركا الا و هو نفسه يتحرك  .

و كذلك  أنكساجوراس يؤكد أن النفس هى العلة المحركة . و هذا أيضا هو رأى غيره من الفلاسفة - إن وجد من يقول بذلك  - ( لعله هرموتين الكلازومينى - ت  ) القائلين بان العقل هو الذى يحرك  العالم . و يختلف رأى انكساجوراس بعض الاختلاف  عن رأى ديمقريطس الذى يوحد تماما بين النفس و العقل , لأن عنده أن الحق ما يبدو[  للحواس]  ( فى الأصل اليونانى ما يبدو أو يظهر , و المقصود ما يبدو للحواس , و هذه اضافة من هكس و تريكو ) . و ذلك  فانه يوافق هوميروس فى شعره الذى قال فيه : صفحه : 127

[ ( ألقى هكتور أرضا

و العقل منه ذاهب](

و اذن فان ديمقريطس لا يعد العقل القوة التى تعرف  الحقيقة , و لكنه يوحد بين النفس و العقل .

أما انكساجوراس فأن رأيه اقل وضوحا عنهما : ففى مناسبات  كثيرة يؤكد أن العقل علة الحسن و النظام . و فى مواضع أخرى يوحد بين العقل و النفس , لانه يجعل العقل فى جميع الحيوانات  كبيرة و صغيرة , راقية و دنيئة . إلا أنه لا يبدو أن العقل بمعنى البصر , يعم جميع الحيوانات  على السواء و لاجميع افراد الانسان .

و هكذا فان جميع الفلاسفة الذين لاحظوا أن الكائن الحى يتحرك  , عدوا النفس انها أولى ما يحرك  .

و أما الذين وجهوا نظرهم إلى أن الكائن الحى يعرف  و يدرك  الموجودات , فقد قالوا بأن النفس هى المبادىء : أما عند القائلين بعدة مبادىء فقد وحدوا بين النفس و بين هذه المبادىء , و اما عند القائلين بمبدأ واحد فالنفس هى هذا المبدأ .

و هكذا يذهب  انبادوقليس إلى أن النفس مركبة من جميع العناصر , و أن كل عنصر منها هو ايضا نفس . و اليك  نص أقواله[ : ( بالارض نرى الارض , و بالماء نرى الماء , و بالأثير نعرف  الأثير الالهى , و بالنار نعرف النار , و بالحب  ندرك  الحب  , و بالبغض الحزين الشديد ندرك  البغض ]( .

و يصوغ أفلاطون فى طيماوس على هذا النحو النفس من العناصر , اذ عنده أن الشبيه يدرك  بالشبيه , و ان الاشياء التى نعرفها - اضافة من هكس تتركب  من المبادىء .

و أيضا فاننا نجد فى دروسه عن الفلسفة ( الغالب  كما يرى هكس أن أرسطو يعنى بذلك  دروس افلاطون السماعية فى الأكاديمية و التى يرجح أن ارسطو و غيره من التلاميذ احتفظوا بمذكرات  عنها ) أن الحيوان بالذات  ( فى ترجمة هكس انه نفس الحيوان غير ان تريكيو يتابع التفسير اللاتينى الذى يجعل هذا الاصطلاح فى فلسفة افلاطون يعنى الحيوان بالذات  او الكلى ) يستمد من مثال الواحد بالذات[   و من العدد اثنين]  هذه الاضافة أى ان الطول هو الاثنان من تفسير هكس و غير موجود بالاصل و قد اثبتناه لزيادة الايضاح ) أو الطول الأولى , و من الثلاثة و هو العرض الأولى , و من الاربعة و هو العمق الأولى , و هكذا فى سائر المثل ( على ما جاء فى هكس ) . صفحه : 128

و لقد أوضح افلاطون رأيه بشكل آخر فقال[ : ( العقل هو الواحد , و العلم هو الاثنان , لانه يتجه فى اتجاه واحد[ )  نحو نهاية واحدة]  زيادة فى ترجمة تريكو ) , و الظن هو عدد السطح و هو الثلاثة , و الاحساس هو عدد الحجم و هو الاربعة . فالأعداد تتوحد مع نفس المثل و المبادىء , و انها تتركب  من العناصر .

و من جهة أخرى تدرك  الأشياء بعضها بالعقل , و بعضها بالعلم , و بعضها بالظن , و بعضها أخيرا بالاحساس . و هذه الأعداد هى فى نفس الوقت  مثل الأشياء .

و حيث  قد ظهر أن النفس محركة و علة ( يريد انها علة الحركة و مصدر المعرفة ) على هذا النحو , فان بعض الفلاسفة ( يريد زينوقراطXENOCRATE - تريكو ) صاغوا النفس عن هذين المبدأين , و قالوا[ : ( ان النفس عدد يحرك  نفسه , إلا أن الاراء تختلف  فيما يختص بطبيعة المبادىء و عددها و يظهر الاختلاف  على وجه الخصوص بين أولئك  الذين يجعلونها جسمانية ( الأصح أن نقول جرمية على اصطلاح الكندى و المعاصر ين له كما فى كتاب الربوبية , إلا أن المتأخرين من فلاسفة العرب  كابن سينا و غيره قد عدلوا عن استعمال جرم الى القول بالجسم ) و الذين يجعلونها لا جسمانية , و يختلف  عنهما كذلك  الذين يجمعون بينهما ( أى يجمعون بين الجسمانية و غير الجسمانية ) و يتخذون منهما المبادىء و يختلفون ايضا فى عدد المبادى : فيقول البعض بمبدأ واحد , و البعض الاخر باكثر من مبدأ . و طبقا لارائهم فقد تصوروا طبيعة النفس بأن ما هو متحرك  بالطبع فهو بحق من المبادىء . و لهذا ذهب  بعض الفلاسفة الى أن النفس نار , لأن النار الطف  العناصر و اشدها لا جسمانية , و ايضا فان النار هى أول ما يتحرك  و يحرك  الأشياء الأخرى .

و لقد أوضح ديمقريطس الأمر بطريقة أليق , فبين السبب  الذى من اجله تتعلق هاتان الصفتان بالنفس : فالنفس و العقل , كما يقول , شىء واحد , و هذا الشىء من الأجسام الأولية غير المنقسمة ( أى الذرات  ) , و النفس محركة بسبب  لطف[ )   ذراتها]  اضافة من تريكو لزيادة البيان ) و شكل[ هذه الذرات]   , ويذهب  من جهة أخرى إلى أن الشكل الكروى من بين سائر الأشكال اكثرها قبولا للتحريك  , و أن هذا هو شكل العقل و النار . أما انكساجوراس الذى يظهر انه يعد النفس شيئا آخر غير العقل , كما بينا فيما سبق , فانه ينظر اليهما كأنهما طبيعة واحدة , إلا أنه يؤثر أن يضع العقل مبدأ جميع الكائنات  . مهما يكن من شىء فانه يذهب  إلى أن العقل وحده , من بين سائر الموجودات  , بسيط , غير ممتزج , نقى , و لكنه يرجع القوتين : أعنى المعرفة و التحريك  , الى هذا المبدأ , فيما يقول : [( إن

صفحه : 129

العقل هو الذى يحرك  العالم](  .

و يبدو أن طاليس فيما يروى عنه , ذهب  إلى أن النفس قوة محركة , إن صح ما يروى عنه من انه زعم بأن فى حجر المغناطيس نفسا لأنه يجذب الحديد .

و يذهب  ديوجين ( و كذلك  بعض الفلاسفة انكسمانس , و انكساجوراس , و ارخيلاوس - ت  ) , الى أن النفس هى الهواء , ذلك  انه ظن أن الهواء الطف  الأجسام , و انه هو المبدأ[  الأول]  , و هذا هو السبب  فى أن النفس تعرف  و تحرك  : فهى تعرف  من حيث  إن الهواء هو[  العنصر - عن هكس]  الأول الذى تنشأ منه سائر الأشياء , و هى و تحرك  من حيث  إن الهواء الطف  الأجسام .

و يجعل هرقليطس ايضا النفس مبدأ لأنها عنده البخار ( النار الأثيرية أول الأولى - ت  ) الذى تنشأ منه سائر الأشياء , و يضيف  الى ذلك  أن هذا المبدأ أبعد الأشياء عن الجسمية , و فى جريان دائم . و من جهة أخرى المحرك  يعرف  بالمحرك  , لأن عنده و عند معظم الفلاسفة ( كراتيلوس و غيره من تلامذة هرقليطس - ت  ) جميع الموجودات  فى حركة . و يظهر كذلك  أن هذا هو رأى القمايون فى النفس , و هو يزعم انها خالدة , لأنها تشبه الموجودات  الخالدة , و ان هذا الشبه عندها من جهة حركتها الأبدية , لأن جميع الأشياء الالهية تتحرك  دائما حركة دائمة , كالقمر و الشمس و النجوم و السماء كلها .

و من اصحاب  الاراء العامية من قال بأن النفس ماء مثل هيبون و علة هذا الرأى على ما يظهر هو الاعتقاد بأن البرز ( تكتب  البذر و البرز , و لكن ابن رشد فى كتاب  النفس يكتبها بالزاى فى جميع الموجودات  رطب  , و يرفض هيپون مذهب  القائلين بأن النفس دم , و يقول ان البزر ليس بدم , و إنه هو النفس الأولى .

و يزعم غيرهم مثل كريتياس بأن النفس دم اعتقادا منهم أن الاحساس أخص صفات  النفس , و أن مرد هذه الصفة طبيعة الدم - و هكذا القيت  جميع العناصر من يؤيدها , باستثناء الأرض : فلم يقل بها أحد اللهم الا ذلك الذى زعم بأن النفس تتركب  من جميع العناصر أو أنها هى جميع العناصر ( الغالب  أنه يشير إلى انباذوقليس - الاهوانى ) .

و هكذا يحد جميع هؤلاء الفلاسفة النفس بصفات  ثلاثة : نعنى الحركة , و الاحساس , و اللاجسمية , و ترجع كل صفة من هذه الصفات  إلى المبادىء[ الاولى - اضافة فى هكس]  . و لذلك  كان الذين يحدون النفس بالمعرفة , إما أن يجعلوها عنصرا , و إما أن يجعلوها مركبة من العناصر فيقررون بذلك  آراء متقاربة ما عدا واحدا ( أنكساجوراس - ت  ) , فهم يقولون : صفحه : 130

[ ( إن الشبيه يعرف  بالشبيه](  , و ما دامت  النفس تعرف  جميع الأشياء فانهم يركبونها من جميع المبادىء . و هكذا فان الفلاسفة القائلين بعلة واحدة و عنصر واحد , كالنار أو الهواء يضعون النفس مركبة كذلك  من عنصر واحد , على حين أن اولئك  القائلين بعدة مبادىء , يجعلونها مركبة كذلك من عدة مبادىء . و انكساجوراس وحده هو القائل بأن العقل لا ينفعل , و لا يشترك  فى شىء مع غيره من الأشياء , فاذا كانت  هذه طبيعة العقل فكيف يعرف  ؟ و بأى علة ؟ لم يفسر لنا انكساجوراس ذلك  , و لا نستطيع استخلاص رأيه بوضوح من جملة أقواله .

و جميع الذين يجمعون بين الأضداد فى مبادئهم , يذهبون إلى أن النفس مركبة أيضا من الأضداد ( مثل انبادوقلس القائل بالعناصر الأربعة , و بالمبدأين المتقابلين : المحبة و الكراهية - ت  ) . و على العكس فان القائلين بمبدأ واحد هو أحد الضدين , كالحار أو البارد مثلا , أو أى صفة أخرى من هذا النوع , فانهم يردون النفس كذلك  الى أحد هذين الضدين و لذلك  ايضا فانهم يسترشدون باللغة : فالذين يوحدون بينها و بين البارد , يؤكدون أنها بسبب  التنفس و التبريد سميت  ( نفساpsuche (  فهذه إذن هى آراء القدماء فى النفس , و لأى الأسباب  قالوا بها على هذا النحو . انتهى .

اقول : هذه كانت  طائفة من آراء القدماء فى النفس نقلناها من كتاب النفس لارسطوطاليس بترجمة الأهوانى ثم يأخذ ارسطو فى نقدها كى يدحضها و يمهد لمذهبه , و يعد فى اثناء النقد بعض المذاهب  الأخر فى النفس كما يأتى ما قاله من النقد و التعديد من ذلك  الكتاب  ايضا . و نحن نقول قبل النقل إن ما عدها من الاراء يستفاد منها كلمات  قصار , و نكات  لطيفة شريفة حول معرفة النفس ينبغى لمبتغى المعارف  و مقتنى الحكم أن يعتنى بها كمال الاعتناء , و هى قولهم :

[ ( المتنفس يختلف  عن غير المتنفس بصفتين أساسيتين[ : ( الحركة و الاحساس[ . [( ( النفس من نوع الأشياء المتحركة . النفس هى التى تحرك نفسها , الحركة أخص ما توصف  به النفس , كل شىء يتحرك  بالنفس و لكن النفس تتحرك  بنفسها[ . [( ( العقل هو الذى يحرك  العالم[ . [( ( العقل علة الحسن و النظام[ . [( ( الكائن يعرف  و يدرك  الموجودات[ . [(  ( الشبيه يدرك  و يعرف  بالشبيه[ . [( ( تدرك  الأشياء بعضها بالعقل , و بعضها بالعلم , و بعضها بالظن , و بعضها أخيرا بالاحساس[ . [( ( النفس عدد يحرك  نفسه[ . [( ( العقل وحده من بين سائر الموجودات  بسيط , غير ممتزج , نقى , يرجع الى القوتين : المعرفة و التحريك  , العقل هو الذى حرك  العالم[ . [( ( المحرك  يعرف  بالمحرك[ . [(  ( جميع الموجودات  فى حركة[ . [( ( جميع الأشياء الالهية

صفحه : 131

تتحرك  دائما حركة دائمة[ . [( ( الاحساس أخص صفات  النفس[ . [( ( النفس تتركب  من جميع العناصر , أو أنها هى جميع العناصر[ . [( ( يحد جميع هؤلاء الفلاسفة النفس بصفات  ثلاث  : نعنى الحركة , و الاحساس , و اللاجسمية , و ترجع كل صفة من هذه الصفات  إلى المبادىء الأولى[ . [( ( الشبيه يعرف  بالشبيه[ . [( ( العقل لا ينفعل , و لا يشترك  فى شىء مع غيره من الأشياء](  . النفس مركبة من الأضداد](  .

و لا يخفى على المتوغل فى الحكمة المتعالية أن لكل واحدة من تلك الكلمات  القصار الجامعة لحقائق نورية شأنا يجدر أن يبحث  عنها فى عداد الحكم الأخرى النورية العرشية , و لها محمل صحيح فى المسائل الفلسفية الالهية . و لعل بعض الاشارات  الاتية الى دقائقها , المستجنة فيها تقع موقع القبول و الاقبال , و الان نرجع الى نقل نقد المذاهب  من كتاب النفس لارسطاطاليس بترجمة الأهوانى قال :

نقد مذهب  من يقول : إن النفس متحركة بذاتها

ينبغى أن نفحص اولا عن الحركة . و لا ريب  فى أنه ليس من الخطأ فقط تصور جوهر النفس كما يتصوره اولئك  الذين يعرفونها بأنها تتحرك  بنفسها , أو أنها قادرة على تحريك  نفسها بل أكثر من ذلك  من المستحيل أن يكون للنفس حركة ( يذهب  أرسطو الى أن الحيوان مادام يتحرك  بنفسه , فهو منقسم إلى متحرك  و هو الجسم , و محرك  و هو النفس , و النفس بطبيعتها محرك  لا يتحرك  - ت  ) .

و لقد بينا من قبل انه ليس من الضرورى أن يكون المحرك  متحركا - و قد يمكن أن يتحرك  أى شىء على وجهين : إما بشىء آخر , و إما بنفسه . و نقول : ان الشىء يتحرك  بشىء آخر , اذا كان المتحرك  موجودا فى شىء يتحرك  , كالبحارة مثلا , الذين لا يتحركون كما تتحرك  السفينة , فهذه تتحرك بنفسها , و يتحرك  البحارة لانهم موجودون على ظهر السفينة المتحركة . و هذا بين إذا نظرنا إلى أعضائهم : فحركة القدمين الخاصة بهما المشى , و هى ايضا الحركة الخاصة بالانسان , إلا أن المشىء لا ينسب  حينئذ الى البحارة .

و لما كان قولنا[ : ( أن يتحرك](   يؤخذ على وجهين , فلنفحص الان عن أمر النفس , هل تتحرك  بذاتها ؟ النفس بذاتها ؟ أو أن النفس تشترك فى الحركة ؟ و حيث  إن أنواع الحركة أربعة : النقلة , و الاستحالة , و النقصان , و الزيادة , فان النفس قد تتحرك  بأحدها أو بأكثر من صفحه : 132

واحد منها , أو بها جميعا . و اذا لم تكن الحركة للنفس عرضية , فتكون لها طبيعية . و لكن اذا كان ذلك  كذلك  فان النفس تكون ايضا فى مكان , ما دامت  جميع الحركة التى ذكرناها فى المكان - و لكن إذا كانت  ماهية النفس بالذات  أن تتحرك  بنفسها , فلا تكون الحركة لها بالعرض , كما هو الحال فى الأبيض , و ما طوله ثلاثة أذرع , فهاتان الصفتان تتحركان أيضا كذلك  , و لكن بالعرض فقط , لأن الشىء الذى توجد فيه هو الذى يتحرك  فى الحقيقة , اعنى الجسم . و هذا هو السبب  فى انه ليس لهما مكان طبيعى , و لكن يكون للنفس مكان إن صح أن الحركة لها طبيعة ( فى عالم ما تحت القمر , لكل عنصر مكان طبيعى , يتجه اليه بطبيعته و يسكن عنده : و الارض تتجه إلى الأسفل , و النار الى أعلى - بمعنى آخر الى مركز الكون أو المحيط الخارجى - و الماء و الهواء المكانان المتوسطان , فلا يبقى بعد ذلك  مكان طبيعى للنفس - ت  ) .

و ايضا إذا كانت  النفس تتحرك  بالطبع , فقد تتحرك  بالقسر , فاذا تحركت  بحركة قسرية , فقد يمكن كذلك  أن تتحرك  بالطبع . ( كل حركة للاجسام الموجودة فى عالم ما تحت  فلك  القمر , و تتجه نحو مكانها الطبيعى , تضادها قوة خارجية تؤثر عليها فى الاتجاة المقابل ) . و الأمر كذلك  فى ما يختص بالسكون , لأن النهاية الحركة الطبيعية للشىء هى أيضا موضع السكون الطبيعى .

و بالمثل نهاية حركية القسرية , هى مكان سكون القسرى , و لكن ما حركة النفس و سكونها القسريان ؟ ليس من السهل بيان ذلك  , و لو اطلقنا لخيالنا العنان .

و ايضا إذا تحركت  النفس الى أعلى , فهى النار , و اذا تحركت  إلى أسفل فهى الأرض , لأن هاتين الحركتين تخصان هذين الجسمين , و الأمر كذلك  ايضا فى الحركتين المتوسطتين ( يريد الماء و الهواء فهما العنصران المتوسطان بين الأرض و النار , و هما كذلك  متوسطان فى حركتهما بين الأعلى و الأسفل , فاذا كانت  للنفس الحركتان المتوسطتان فانها تكون ماء أو هواء و قد رفض هذا الرأى - ت  ) .

و هناك  صعوبة أخرى : ما دام يظهر أن النفس تحرك  الجسم فقد يمكن بحق أن نفترض انها تحركه بالحركة نفسها التى تتحرك  بها , و لكن اذا كان ذلك  كذلك  , فانه يصح أن نقول على العكس , ان الحركة التى بها يتحرك الجسم هى ايضا التى تحرك  النفس , لكن الجسم اذ يتحرك  بالنقلة , فقد يجب  أن تتحرك  النفس على هذا النحو ايضا , فتنتقل اما بكليتها , و إما باجزائها , لكن إذا أمكن ذلك  فقد يمكن كذلك  أن تبتعد النفس من صفحه : 133

الجسم , و أن تعود اليه . و يترتب  على هذا أن الحيوانات  الميتة قد تعود الى الحياة .

لكن قد يقال[ : ( إن النفس يمكن أن تتحرك  بحركة عرضية من شىء آخر , مادام الحيوان يمكن أن يدفع بحركة قسرية , لكن الشىء الذى يتحرك  بنفسه بالذات  , لا يمكن أن يتحرك  بشىء آخر إلا بالعرض , كما ان ما هو خير بذاته أو من أجل ذاته لا يمكن أن يكون بشىء آخر , أو من أجل شىء آخر](  . و إذا فرضنا أن النفس قد تحرك  , فاليق ما قد يقال[ ( إن ما يحركها المحسوسات[  ( يرد ارسطو على الاعتراض السابق . إذا سلمنا بأن النفس تتحرك  بالعرض بفاعل خارجى فلا يمكن القول بغير تناقض بأن النفس هى من جهة محركة بالذات  من حيث  طبيعتها , و من جهة أخرى تتحرك  بشىء آخر , و لهذا يسقط مذهب  القائل بأن النفس متحركة بذاتها - ت](   . و لكن قولنا [ :( ان النفس تحرك  نفسها](  , هو نفس قولنا[ : ( انها هى نفسها المتحركة](  . و لما كانت  كل حركة , فهى انتقال المتحرك  من حيث  انه متحرك  فانه يترتب  على ذلك  أن النفس ينتزع عنها جوهرها . هذا ان صح أن حركتها لنفسها ليست  بالعرض و لكنها فى نفس جوهرها و بالذات  . و يذهب  بعض الفلاسفة الى حد القول بان النفس تحرك  الجسم الذى توجد فيه , على النحو الذى تحرك  به نفسها . و هذا مثلا رأى ديمقرطيس الذى يشبه فيلبس ( هو ابن ارسطو فان شاعر اليونان الهزلى , و قد كتب كوميديا بعنوان ديدالسdaedalus  ) المؤلف  الكوميدى الذى يحدثنا أن ديدالس حرك  تمثاله الخشبى افروديت  بأن القى فى الزئبق , فهذا شديد الشبه بما يقوله ديمقريطس , إذ يقول إن الذرات  الكروية التى تتحرك  , لأن من طبيعتها ألا تبقى أبدا فى سكون , تدفع معها الجسم كله و تحركه , إلا أنا نسأل بدورنا , هل هذه الذرات  نفسها تحدث  ايضا السكون ؟ و كيف تحدثه ؟ هذا ما يصعب  , بل يستحيل تفسيره .

و على العموم لا يظهر أنه من هذا الوجه تحرك  النفس الحيوان انه فى الواقع بنوع من القصد و الاختيار , و ضرب  من التفكير ( فى ترجمة هكس : و لكن بنوع من الغاية أى التفكير - ت  ) .

و على هذا النحو ( اى بنفس الطريقة التى ذهب  اليها ديمقريطس ) كذلك , يفسر افلاطون فى طيماوس تفسيرا طبيعيا تحريك  النفس للجسم . فالنفس إذ تحرك  نفسها , تحرك  الجسم أيضا لأنها متداخلة به , لانه بعد أن ركب النفس من العناصر , و قسمها طبقا للأعداد المتناسبة , حتى يكون لها إحساس غريزى بالتناسب  , و أن يتحرك  العالم حركات  متناسبة , صفحه : 134

فقد حتى[  الخالق ( زيادة من هكس و تريكو لفهم المعنى , و ليست موجودة بالاصل اليونانى] (  الخط المستقيم فجعله دائرة , ثم قسم هذه الدائرة دائرتين متصلتين فى نقطتين , ثم قسم احدى هاتين الدائرتين سبع دوائر من حيث  ان حركات  السماء هى نفس حركة النفس ( هذا الجزء من طيماوس مشهور علق عليه الكثيرون و لم يكن ينبغى أن يأخذ ارسطو أساطير افلاطون حرفيا . و المقصود عند افلاطون أن نفس العالم موجودة قبل جسمه , و ان العالم حيوان لأنه افضل ما يوجد . و من جهة أخرى النفس الانسانية عالم صغير فى عالم كبير . . . فالتوازى بين العالم و النفس الانسانية هو شرط المعرفة : اما العناصر التى منها يتركب  نفس العالم فهى أولا الماهية اللامنقسمة ( عالم المثال ) , و ثانيا الماهية المنقسمة ( العالم المحسوس ) . ثم ركب  الخالق من هاتين الماهيتين ماهية ثالثة . ثم مزج هذه الثلاثة و اخرج منها ماهية رابعة ركب  منها الكرة السماوية . ثم قسم الخالق هذه الكرة الى سبعة أجزاء حسب  تقاسيم رياضية معقدة . . . و يملأ المسافات  متوسطان عددية و متناسبة , حتى اذا ما انتهى الخالق من هذا التركيب  كون الكرة السماوية . ارجع الى محاورة طيماوس[  عن تريكو باختصار]  . و لكن اولا ليس من الصحيح أن نعد النفس مقدارا . فمن الواضح فيما قصده طيماوس أن نفس العالم من الطبيعة التى تسمى بالعقل , فلا ريب  أنه لا يمكن أن تشبه النفس الحساسة او الغضبية التى ليست  حركاتها بالنقلة الدائرية . و لكن العقل واحد و متصل , على نحو التعقل , و التعقل هو نفس المعقولات  .

و من جهة أخرى , فان للمعقولات  وحدة تتابع , كالحال فى الأعداد , لا كالحال فى المقدار . و لذلك  ليس العقل كذلك  متصلا , على المعنى الأخير , لكنه إما أنه لا يتجزأ , و اما انه متصل و لكن لا كمقدار , اذ كيف  يعقل العقل اذا كان مقدارا ؟ أيكون ذلك  بكله أو بجزء من أجزائه ؟ و اذا كان بجزء فهل هو بمقدار , أم بنقطة ؟ ( اذا لزم أن نسمى النقطة جزء - النقطة عند ارسطو ليست  جزءا من المقدار - ت  ) فاذا كان بنقطة , فالنقط لأنها لا تتناهى فى العدد , فمن البين أن العقل لن يبلغ نهايتها أبدا . و إن كان بمقدار فان العقل يعقل موضوعه مرات  كثيرة , أو عددا لا نهاية له من المرات  , و لكن من الواضح أنه لا يستطيع أن يعقل إلا مرة واحدة . و اذا كان العقل يكتفى بأن يلامس[  الأشياء]  بجزء من أجزائه , فما حاجته أن يتحرك  بحركة دائرية , و ما حاجته على الاطلاق أن يكون مقدارا ؟ لكن اذا كان لابد كى يعقل من أن تماس دائرية كلها , فما أمر التماس بأجزائه ؟ و ايضا كيف  يعقل المنقسم بغير المنقسم , أو كيف  يعقل غير المنقسم بالمنقسم ؟ فيجب

صفحه : 135

أن يكون العقل هو المقصود بهذه الدائرة , لأن حركة العقل التعقل , و حركة الدائرة الدوران ( المقصود دائرة طيماوس فالعقل هو هذه الدائرة و ليست  هى فى هذه المحاورة آلة النفس و شرطها الضرورى فقط , بل هناك مطابقة بين فعل العقل اى التعقل , و بين الدائرة نعنى الحركة الدائرية - ت  - و المقصود من هذا التمثيل أن فعل العقل يقتضى التعقل , كما أن طبيعة الدائرة تقتضى الحركة الدائرية - الأهوانى ) .

فاذا كان التعقل إذن هو الحركة الدائرية , فالعقل هو الدائرة التى لها هذه الحركة الدائرية , أعنى التعقل . و لكن ما هو الموضوع الذى يعقله اذن على الدوام ؟ إذ يجب  أن يكون له موضوع ما دامت  الحركة الدائرية ابدية , أن للافكار العلمية حدودا ( لانها جميعا توجد من اجل شىء آخر ) و الأفكار النظرية محدودة على النحو الذى تحد به دلالتها اللفظية , و لكن كل دلالة لفظية , إما أن تكون حدا , أو برهانا , و يبدأ البرهان من مقدمة , و كأن غايته القياس , او النتيجة . و حتى إذا لم يكن البرهان محدودا , فعلى الأقل انه لا يعود نحو المقدمة , و لكن بمعونة الحد الأوسط و أحد الحدين الاخرين يتجه فى خط مستقيم . و التعاريف  كلها محدودة . و ايضا ما دامت  الحركة الدائرية تتم اكثر من مرة , فلابد أن يعقل العقل موضوعه اكثر من مرة . و ايضا فان العقل يشبه أن يكون سكونا , أو وقوفا , من أن يكون حركة . و الأمر كذلك  فى القياس , و من جهة أخرى لا يبلغ السعادة القصوى ما لا يتحرك  بسهولة , بل بالقسر . ( قوله . يتحرك  زيادة فى ترجمة هكس . و فى الترجمة اللاتينية[ ( يكون](  أو[ ( يحصل](  فاذا لم تكن حركة النفس هى جوهرها , فان حركتها تكون مضادة لطبيعتها . و مما يجلب  الألم ايضا أن تتصل النفس بالجسم , و لا تستطيع مفارقته , بل المفارقة أولى , إن صح أن الأفضل للعقل ألا يتصل الجسم , كما هى عادة قولهم , و ما وافقهم عليه الكثيرون ( افلاطون و الأفلاطونيون , انظر فيدرون 660 ب  - ت  ) و ايضا فان علة حركة السماء الدائرية تظل غامضة : اذ ليس جوهر النفس هو علة هذه الحركة الدائرية , بل بالعرض تتحرك النفس هكذا . و ليس الجسم ايضا هو هذه العلة , بل الأولى أن تكون النفس لا الجسم , و لم ينقل الينا أن هذا الضرب  من الحركة هو الأفضل , إلا أنه يجب  أن تكون العلة التى من أجلها جعل الله النفس تتحرك  دائريا , هى أن يكون الأفضل لها أن تتحرك  من أن تسكن و أن تتحرك  على هذا النحو , لا على نحو آخر . و لما كان الفحص عن ذلك  أليق أن يكون فى موضع آخر , فلنترك  ذلك  الموضوع الان . ( يشير ارسطو إما إلى كتاب صفحه : 136

الطبيعة المقالة الثامنة , و إما إلى كتاب  السماع المقالة الأولى , و إما كما يقول سمبلقيوس الى ما بعد الطبيعة - ت  ) .

و ها هنا أيضا تناقض يلزم عن هذا المذهب  , و عن معظم المذاهب  التى تنحو هذا النحو : فانها تجمع بين النفس و البدن , و تضع النفس فى البدن بدون أن تبين علة هذا الجمع , و مسلك  البدن , و مع ذلك  فيظهر أن هذا التفسير ضرورى : اذ الجمع بينهما يجعل أحدهما فاعلا و الاخر منفعلا , و احدهما يتحرك  و الاخر يحرك  , و لا يخضع شىء من هذه الصلات  المتبادلة للاتفاق .

و لكن هؤلاء الفلاسفة يحاولون فقط أن يفسروا طبيعة النفس , إلا أنهم فيما يخص البدن المتصل بها , لا يضيفون أى تحديد : كأنه يمكن , كما تحدثنا أساطير الفيثاغوريين , أن تحل أى نفس فى أى بدن[  و هذا تناقض]  إذ يظهر أن كل بدن له صورة و هيئة تخصه . و هذا شبيه بمن يقول ان فن النجار يمكن أن يحل فى المزمار : اذ يجب  أن يستخدم الفن آلاته الخاصة به , و أن تستخدم النفس البدن المناسب  لها ( المقصود انه لا يقبل أى جسم أى صورة كيفما اتفق . انظر كتاب  الطبيعة المقالة الثانية الفصل الثانى - ت  ) . مذهب  إن النفس ائتلاف  , و مذهب  أن النفس عدد متحرك  بذاته و لقد وصل الينا رأى آخر يختص بالنفس , و هو رأى فى نظر كثير من الفلاسفة لا يقل إقناعا عما ذكرناه من قبل , و هذا الرأى يسوق أدلة كأنها تفسير , حتى شاعت  على ألسنة الجمهور ( العبارة غامضة فى اليونانية و قد اختلف  فيها المترجمون , و قد آثرنا تفسير دى كورت  الذى وافقه عليه تريكو ) .

فانصار هذا الرأى يقولون[ : ( إن النفس ضرب  من الائتلاف  لان الائتلاف عندهم امتزاج و تركيب  بين الأضداد و الجسم مركب  من الأضداد - و مع ذلك  فالائتلاف  تناسب  ما , او تركيب  بين الأشياء الممتزجة , و لا يمكن أن تكون النفس شيئا من ذلك  - و ايضا فان التحريك  لا يأتى من الائتلاف  , بل من النفس التى يكاد جميع الفلاسفة يعزون اليها هذه الصفة , كأنها من اخص صفاتها . و الصحة , و على العموم الفضائل الجسمية , هى التى يجدر أن نسميها ائتلافا , لا النفس - و هذا بين , إذا اردنا أن نعزو احوال النفس و افعالها الى ائتلاف  معين , إذ يكون التناسب  عندئذ صعبا ( العبارة فى اليونانية فيها نوع من التورية

صفحه : 137

بحيث  لا تنقل بالضبط إلى العربية - قنواتى ) .

و كذلك  يقال الائتلاف  على معنيين[ : ( الأول المعنى الرئيسى , الذى ينطبق على المقادير حين تتحرك  و يكون لها وضع , فيدل الأئتلاف  على تركيب  هذه المقادير تركيبا لا يسمح بدخول عنصر آخر مجانس فيها](  . و الثانى و هو مشتق من الأول , أن الأئتلاف  هو التناسب  بين الأشياء الممتزجة , و لكن ليس من المعقول أن يقال عن النفس[ ( إنها أئتلاف  بأى معنى من المعنيين السابقين](  .

و من السهل جدا أن نرفض القول , بان النفس تركيب  لأجزاء الجسم , فان انواع التركيب  لأجزاء الجسم كثيرة مختلفة : فبأى جزء من الجسم , أو بأى نوع من التركيب  يجب  اذن أن ننزل العقل مركبا ؟ و ماذا نقول فى النفس الحساسة , أو النزوعية ؟ .

و كذلك  من التناقض البين , الزعم بأن النفس تناسب  بين المزيج , لأن التناسب  ليس واحدا فى المزيج بين العناصر التى تكون اللحم , و تلك التى تكون العظم . و يترتب  على ذلك  , وجود انفس عدة موزعة فى جميع الجسم , إن صح من جهة أن كل جزء من أجزاء الجسم مركب  من عناصر ممتزجة , و من جهة أخرى , أن علة المزج هو الائتلاف  , اعنى النفس . و قد يمكن أيضا أن نوجه إلى انبادوقليس السؤال الاتى[ : ( ما دام يزعم أن كل جزء من أجزاء الجسم يقوم على تناسب  ما , فهل اذن النفس هى التناسب  , أو أن شيئ ا آخر هو الذى يضاف  إلى الأجزاء ؟ و ايضا هل الوئام هو علة أى أمتزاج كيفما اتفق , أم الامتزاج القائم على التناسب  ؟ و هل الوئام فى هذه الحالة التناسب  نفسه , أم أنه متميز عنه , و شىء آخر غيره ؟ ( الوئام بمعنى الصداقة , و فى ترجمة هكس أنها الحب  , و فى اليونانية تقال باشتراك  على المعنيين - قنواتى ) .

فهذه اذن هى الصعوبات  التى تثيرها هذه المذاهب  . و من جهة أخرى , اذا كانت  النفس شيئا آخر غير الممتزج , فلماذا اذن تتلاشى فى نفس الوقت الذى تتلاشى فيه ماهية اللحم , أو الأجزاء الأخرى للحيوان ؟ و ايضا , إذا لم تكن النفس تناسبا بين الممتزج , فنرفض على ذلك  وجود نفس لكل جزء من اجزاء الجسم , فما الذى يفسد حين تفارق النفس الجسم ؟ .

فمن البين مما ذكرنا أن النفس لا يمكن أن تكون ائتلافا , و لا أن تتحرك دائريا . - و لكنها يمكن أن تتحرك  بالعرض , كما بينا , و يمكن أيضا أن تتحرك  بنفسها : أعنى أن الموضوع الذى تحل فيه يمكن أن يتحرك  , و ان يتحرك  بالنفس . و لا يمكن أن تتحرك  فى

صفحه : 138

المكان , بأى شكل آخر . - و يحق لنا أن نشك  فيما يخص حركة النفس , إذا نظرنا إلى الحقائق التى سوف  نذكرها .

فنحن نقول عن النفس : انها تألم أو تفرح , و تقدم أو تخاف  , و ايضا أنها تغضب  , و تحس , و تفكر , و إن جميع هذه الأحوال تظهر لنا كأنها حركات  , و قد يستخلص من ذلك  أن النفس تتحرك  . و مع ذلك  فليست  هذه النتيجة لازمة , فلو فرضنا أن الالم و الفرح او التفكير حركات  , و أن كل حالة من هذه الأحوال هى حركة , و أن هذه الحركة تحدثها النفس , مثل ذلك  الغضب  أو الخوف  فهو هذه الحركة الخاصة بالقلب  , و أن التفكير حركة لهذا العضو , أو العضو أخر , و أن هذه الأحوال هى كذلك  بعضها حركات  نقلة لبعض اجزاء الجسم , و بعضها حركات  استحالة ( أما بيان أى نوع من الحركة و كيف  يكون موضعها فهذا سئوال آخر ) .

فقولنا إذن إن النفس غاضبة , و هو كمن يزعم أن النفس هى التى تنسج أو تبنى . فالأولى و لا ريب  ألا نقول ان النفس تشفق , أو تتعلم , أو تفكر , بل نقول : ان الانسان هو الذى يفعل ذلك  بواسطة النفس . و نحن لا نعنى بذلك  أن الحركة تكون فى النفس . بل انها تنتهى تارة الى النفس , و تصدر عنها تارة أخرى . فالاحساس مثلا يبدأ من الأشياء الجزئية , و التذكر , على العكس , يصدر من النفس نحو الحركات  أو ما يبقى منها[  ما بقى من الاحساس]  فى أعضاء الحس . أما فيما يختص بالعقل فيظهر أنه يتولد فينا كأن له وجودا جوهريا و لا يخضع للفساد , لانه يمكن أن يفسد تحت تاثير الضعف  الناشى عن الكهولة , و لكنه فى الواقع امره يشبه أمر أعضاء الحس : فلو صحت  للكهل عين سليمة , لرأى كأوضح ما يرى الشاب  , فلا ترجع الكهولة إذن الى تأثر من أى نوع للنفس , بل إلى تأثر الشخص الذى توجد فيه , كما يحدث  فى أحوال السكر و المرض . فالتفكير و تحصيل المعرفة يضعفان إذن , عندما يفسد عضو باطنى , و لكن العقل فى ذاته لا ينفعل . و التفكير , كالحب  و البغض , أحوال , لا للعقل , بل لمن توجد فيه , من حيث  هى كذلك  . و لذلك  أيضا إذا فسد هذا الشخص , لم يكن هناك  تذكر , أو حب  , لذلك  ما نقول إنها ليست  أحوال العقل , بل أحوال المركب  الذى فسد . أما العقل فانه و لا ريب  أكثر ألوهية , و لا ينفعل . و يتبين مما سبق ذكره أن النفس لا تتحرك  , فاذا لم تتحرك  على الاطلاق , فمن البين أنها لا تحرك  نفسها .

و من أشد الاراء التى عددناها تهافتا , ذلك  الرأى الذى يزعم أن النفس عدد يحرك

صفحه : 139

نفسه ( و سوف  يفحص ارسطو الان عن مذهب  زينوقراط الذى يزعم أن النفس عدد يحرك  نفسه , كالحال فى الائتلاف  - ت  ) , لأن أنصار هذا الرأى يتصدون أولا للمجالات  المترتبة على القول بان النفس تتحرك  . و ايضا تلك  التى تخص الفلاسفة , الذين يذهبون إلى أن النفس عدد . - فكيف  يجب  أن نتصور وحدة تتحرك  ؟ ( هذا أول الاعتراضات  و سوف  تليها اعتراضات  أخرى ) بأى شىء تتحرك  هذه الوحدة , و كيف  يكون ذلك  ما دامت  بغير اجزاء , و بغير تبائن ؟ لانها اذا كانت  فى نفس الوقت  محركة و متحركة , فلابد أن يوجد فيها تبائن .

و أيضا ( اول الاعتراض الثانى ) مادام انصار هذا المذهب  يقولون ان الخط المتحرك  يولد السطح , و النقطة الخط , فان حركات  وحدات  النفس هى ايضا خطوط , لان النقطة وحدة تشغل موضعا , و يجب  أن يكون عدد النفس عندئذ فى جهة ما , و يشغل موضعا .

و ايضا ( اول الاعتراض الثالث  ) إذا طرحنا من عدد عددا , أو وحدة , فالباقى عدد آخر . و النبات  و كثير من الحيوانات  على العكس , تستمر فى الحياة اذا انقسمت  , و يظهر أن فيها عين النفس[ )  فى كل جزء]  - اضافة من تريكو )

و يظهر مع ذلك  أنه ليس من المهم القول بالوحدة أو بالذرة ( اول الاعتراض الرابع ) , لأن ذرات  ديمقريطس اذا أصبحت  نقطا , و بقيت كميتها العددية فقط ثابتة , فانه يجب  أن يكون فى تلك  الكمية عدد من النقط يحرك  , و عدد آخر يتحرك  , كما يتصل فى المتصل . فما ذكرناه عن الذرات  لا يتوقف  على فرق فى كبرها أو صغرها , بل فى أنها كمية عددية فقط , و ايضا فانه من الواجب  أن يكون هناك  شىء يحرك  وحدات  النفس , و لكن اذا كان المحرك  فى الحيوان هو النفس , فيجب  أن يكون كذلك  فى العدد , فلا يكون المحرك  و المتحرك  هما النفس , بل المحرك  فقط . و كيف  إذن يمكن أن تكون هذه العلة وحدة ؟ فيجب  أن يكون هناك  فرق بين هذه الوحدة و بين غيرها . و لكن النقطة الرياضية هل يميزها شىء آخر إلا الوضع ؟

و من جهة أخرى ( أول الاعتراض الخامس ) إذا كانت  وحدات  الجسم و نقطه متميزة[ )  عن وحدات  النفس]  - اضافة من تريكو و هكس ) فان وحدات النفس تكون فى نفس المكان[ )  الذى تكون فيه نقط الجسم]  - اضافة من تريكو ) . فكل وحدة تشغل مكان نقطة . فما الذى يمنع , إذا كان فى نفس المكان نقطتان , أن يكون هناك  عدد لا نهائى من النقط ؟ لأن المكان الذى تشغله الأشياء إذا كان غير منقسم , فالأشياء لا تنقسم كذلك  . و اذا كانت  نقط

صفحه : 140

الجسم , على العكس , هى عين عدد النفس , و بمعنى آخر إذا كان عدد نقط الجسم هو النفس , فلماذا لا يكون لجميع الأجسام نفس ؟ فجميع الأجسام يظهر أنها تحتوى على نقط , بل عدد لانهائى منها . و أيضا كيف  يمكن أن تنقسم هذه النقط , و تنحل عن الأجسام , هذا إذا سلمنا بأن الخطوط لا تنحل الى نقط ؟ .

تابع مذهب  أن النفس عدد متحرك  بذاته - مذهب  أن النفس موجودة فى كل شىء - وحدة النفس

لقد انتهى زينوقراط كما ذكرنا من قبل ( و فى النص اليونانى زينوقراط غير مذكور , و لم يذكر هكس فى ترجمته , على خلاف  تريكو الذى يريد توضيح النفس ) , من جهة , الى اعتناق نفس المذهب  الذى يقول به الفلاسفة الذين يجعلون النفس جسما لطيفا , ومن جهة أخرى فانه يحتذى مثال ديمقريطس فيذهب  إلى أن حركة الحيوان تنشأ من النفس , فيقع بذلك  فى صعوبات  تخصه . فاذا صح أن النفس تتفشى فى جميع الجسم الحاس , فبالضرورة يشغل جسمان نفس المكان , ما دامت  النفس جسما . و اولئك الذين يزعمون أن النفس عدد , يجب  أن يسلموا بوجود نقط كثيرة فى النقطة الواحدة , أو أن لكل جسم نفسا , إلا إذا كان العدد الذى يوجد فى الجسم هو عدد مختلف  اختلافا تاما عن مجموع النقط الموجودة من قبل فى الجسم . ( ترجمة الجملة السابقة عن هكس لوضوحها ) .

و نتيجة أخرى : يتحرك  الحيوان بالعدد على النحو الذى ذكرناه عن ديمقريطس فما الفرق بين قولنا ذرات  صغيرة , أو وحدات  كبيرة , أو وحدات  متحركة على كل حال ( أى سواء أكانت  ذرات  ديمقريطس , أم وحدات زينوقراط فعلى أى حال ليس هناك  سبب  للحركة - ت  ) , فان حركات الحيوان ترجع بالضرورة الى حركات  هذه الذرات  أو الوحدات  . و ايضا فان الذين يجمعون فى تعريفهم بين الحركة والعدد ( هو زينوقراط لأن عنده النفس عدد يحرك  نفسه - ت  ) ينتهون الى هذه الصعوبات  , و الى غيرها من نوعها , إذ بهاتين الصفتين , لا يكون من المستحيل تعريف النفس فقط , بل يستحيل كذلك  بيان الخواص اللازمة لها , و يتضح ذلك إذا حاولنا أن نبدأ من هذا التعريف  , لبيان احوال النفس و افعالها : كالاستدلال , و الاحساس , و اللذة , و الألم , و غير ذلك  , فانه كما ذكرنا من قبل ليس من

صفحه : 141

السهل تصور هذه الأحوال , عن هذه الصفات  ( العدد و الحركة - ت  ) . فهذه هى الضرب  الثلاثة التى عرف  بها القدماء النفس : فبعضهم عرفها بأنها أولى ما يحرك  , و ذلك  لانها شىء , يتحرك  بنفسه , و عرفها بعضهم الاخر بأنها الطف  الأجسام , أى أبعدها عن الجسمية . و لكننا قد بينا , بما فيه الكفاية , مبلغ الصعوبات  و المتناقضات  التى تؤدى اليها هذه المذاهب  . و يبقى أن نفحص بأى حق يزعمون ان النفس مركبة من العناصر ( فى اصطلاح قدماء المترجمين العرب  , العنصر هو الاسطقس , و هو نفس اللفظة اليونانية . جاء فى تلخيص حنين بن اسحاق لكتاب  النفس[ : ( ورد عليهم ايضا فقال : انكم لما صيرتم النفس مركبة من الاستقصات  , كانت حجتكم على ذلك  أن قلتم : انا لما رأينا العلم لا يكون إلا بالشبيه , أى يكون العالم شبيها بالمعلوم , قلنا : أن النفس مركبة من الاسطقسات  , لانها تعلم الأجسام المبسوطة و المركبة . و هذه حجة منكرة]( . . .  - الاهوانى](  .

و العلة التى يذكرونها هى أن هذا المذهب  يسمح للنفس أن تدرك الموجودات  , و تعرف  كل واحد منها . إلا أن هذا الرأى يفضى بالضرورة إلى مجالات  كثيرة . فهم يقولون ان الشبيه يعرف  بالشبيه . فكأنهم يفترضون أن النفس و موضوعاتها شىء واحد . غير أن العناصر ليست  هى موضوعات  النفس الوحيدة : فالنفس تعرف  اشياء أخرى كثيرة , أو قل إنها تعرف  عددا لا يحصى من الأشياء , و هى تلك  المركبة من العناصر - فلنسلم بأن النفس قادرة على معرفة و ادراك  العناصر المكونة لجميع هذه المركبات  , فبأى شىء يدرك  المركب  , أو يعرف  مثلا , ما الله ؟ أو الانسان ؟ أو اللحم ؟ أو العظم ؟ أو أى مركب  آخر ؟ فكل منها لا يتركب  من عناصر اجتمعت بتناسب  و تاليف  مخصوصين , كما يقول انبادوقليس نفسه : عن العظم[ . ( ثم تلقت  الأرض الطيبة فى فجواتها الواسعة](  جزأين من ثمانية أجزاء عن نستيسnestis  الساطعة[ ( ( و اربعة عن إفيستوس - إلهة النار Hephaistos - فتولدت  العظام البيضاء](  .

فنحن لا نجد أية فائدة من وجود العناصر فى النفس , بدون أن نضيف  إليها التناسب  و التركيب  . فكل عنصر ( أى كل عنصر من العناصر الموجودة فى النفس - ت  ) يعرف  شبيهه إلا أنه لا يوجد شىء يعرف  العظم , أو الانسان , إلا إذا كانا أيضا موجودين فى النفس . و لسنا فى حاجة إلى بيان ما فى ذلك  من استحالة , لأن أحدا لا يجسر على القول بوجود الحجر , أو الانسان , فى النفس . و الأمر كذلك  فى الخير , و الشر , و سائر الأشياء . و أيضا , فان الموجود , يقال على أنحاء كثيرة ( لأنه يدل على الجوهر , أو الكم , أو

صفحه : 142

الكيف  , أو أية مقولة أخرى , مما سبق أن بيناه ) فهل تتركب  النفس من جميع هذه المقولات  ؟ و ليس يظهر أن هناك  عناصر تعم جميع المقولات  . إذن فهل تتركب  النفس من هذه العناصر , التى تدخل فى تأليف  الجواهر فقط ؟ كيف  إذن تعرف  كل مقولة أخرى ؟ أو هل يقال , على العكس , ان هناك  عناصر و مبادىء خاصة لكل جنس ( الجنس الأخير أى المقولة - ت  ) , تتركب  النفس منها ؟ فتكون حينئذ , كما , و كيفا , و جوهرا فى آن واحد . إلا أنه يستحيل أن يخرج عن عناصر الكم جوهر ليس كما . هذه إذن هى الصعوبات  التى يواجهها من يزعمون أن النفس مركبة من جميع العناصر . و هناك  صعوبات  أخرى من نوعها يؤدى اليها مذهبهم - و من التناقض إلى جانب  ذلك  , أن يذهبوا إلى أن الشبيه لا ينفعل بالشبيه , مع انهم من جهة أخرى يزعمون أن الشبيه يدرك  بالشبيه , و ان الشبيه يعرف  بالشبيه , لأن الحس , و كذلك  التفكير و المعرفة , طبقا لمبادئهم , هى الانفعال و الحركة .

و هناك  صعوبات  و مشكلات  كثيرة يثيرها القوم , كما يذهب  انبادوقليس من أن كل عنصر يعرف  بعناصره الجسمية ( أى التى توجد فى الكائنات  الحية ) , و بالاضافة إلى شبيهه . و يؤيد ذلك  ما سوف  نذكره : لأن جميع أجزاء الجسم الحيوان المركبة من الأرض فقط , كالعظام مثلا , و الأوتار , و الشعر , لا تدرك  , فيما يظهر , شيئا على الاطلاق . و بناء على ذلك  لا تدرك  حتى العناصر التى تشبهها , كما يجب  أن يلزم عن ذلك  , و فوق ذلك فان كل عنصر ( فى الاصل مبدأ , و فسرها تريكو بأن المقصود عنصر , و جمع هكس بينهما فقال مبدأ عنصرىElemental principle  ) يكون نصيبه من الجهل اكثر من العلم , لأن كلا منهما يعرف  شيئا و يجهل الكثير ! و هو فى الواقع يجهل كل ما عدا هذا الشىء الواحد .

بل يترتب  على ذلك  , على الأقل فى مذهب  أنبادوقليس أن اكثر الموجودات  جهلا هو الله , لأنه الوحيد الذى لا يعرف  احد العناصر , نعنى الكراهية , على حين أن الموجودات  الفانية , المركبة من جميع العناصر , تعرفها جميعها .

و على العموم إذا كان كل شىء إما عنصرا أو مركبا من عنصر , أو عدة عناصر , أو جميعها , فلماذا لا تكون هناك  نفس لكل موجود ؟ و يترتب  على ذلك  بالضرورة أن كل شىء يعرف  إما عنصر , أو بعض العناصر , أو جميعها .

و قد نسأل أيضا ما هو المبدأ الموحد للعناصر فى النفس ؟ فان العناصر تكون فى مقابل المادة , على حين أن الفاعل الرئيسى , هو العلة التى توحدها , أيا كانت  هذه العلة ,

صفحه : 143

فاذا كان هناك  شىء أعلى من النفس , و يحكمها , فها هنا استحالة , بل هذا اشد استحالة فيما يختص بالعقل , فمن الصواب  التسليم بأن يكون العقل بطبعه اوليا و حاكما , إلا أنه فى هذا المذهب  العناصر هى اول الموجودات  .

و مع ذلك  فان جميع هؤلاء الفلاسفة سواء من يقول منهم بأن النفس من العناصر , بسبب  معرفتها للموجودات  , و ادراكها لها , أم من يعرف النفس بأنها أولى ما يحرك  , لا يتحدث  أى فريق منهم عن جميع أنواع النفس . ذلك  أن جميع الكائنات  التى تحس لا تتحرك  , إذ يظهر فى الواقع , ان بعض الحيوانات  , تظل ساكنة فى المكان . و مع ذلك  يبدو أن هذه الحركة , هى الوحيدة التى يمكن للنفس أن تحرك  بها الحيوان . و الأمر كذلك  بالنسبة للفلاسفة الذى يجعلون العقل , و قوة الحس ابتداء من العناصر , اذ يبدو هناك  ايضا أن النبات  يعيش دون مشاركة فى النقلة , او الاحساس , و أن عددا كبيرا من الحيوان لا يوجد عنده التفكير . و حتى لو سلمنا بهذه الأمور , و وضعنا العقل كالحال فى قوة الحس , جزءا من النفس , بفرض انه كذلك  , فان المذهب  لا ينطبق على كل نفس باطلاق , و لا على نفس واحدة بأكملها .

المذهب  الأورفى :

أما المذهب  الموجود فى الأشعار المسماة بالأورفية , فانه عرضة لنفس الاعتراض : فالنفس كما يقولون , تنفذ من العالم الخارجى إلى الكائنات , عند تنفسها , و تحملها أجنحة الرياح , إلا انه يستحيل أن يحدث  ذلك للنبات  , و لا لبعض الحيوانات  لأنها لا تتنفس كلها . و قد غاب  هذا الأمر عن اصحاب  هذا الاعتقاد . و حتى إذا وجب  أن نجعل النفس من العناصر , فليس من الضرورى أن تكون من جميعها , إذ يكفى أحد الطرفين المتقابلين أن يحكم على نفسه , و على ما يضاده , فنحن نعرف  بالمستقيم المستقيم و المنحنى , لأن المسطرة تحكم عليهما معا , و على العكس من ذلك  لا يحكم المنحنى على نفسه , و لا على المستقيم .

ليست  النفس ممتزجة بالعالم . و هناك  بعض الفلاسفة يزعمون ان النفس ممتزجة بالعالم كله . و لعل من هنا قد جاء ما ذهب  إليه طاليس من أن كل شىء مملوء بالالهة . - إلا أن هذا الرأى يثير بعض الصعوبات  : فلماذا لا تكون النفس حيوانا , عندما تكون حاضرة فى الهواء , أو النار , كما تفعل ذلك  عندما توجد فى الممتزجات  من هذه العناصر , مع أنها فى الحالة الاولى يظهر أنها أفضل ؟ ( و قد نسأل ايضا بهذه المناسبة : لماذا تكون النفس التى توجد فى الهواء أفضل , و اكثر خلودا من تلك  التى توجد فى الحيوان ؟ ) . مهما يكن جوابنا عن

صفحه : 144

ذلك  , فان النتيجة تنتهى الى تناقض و بطلان , لأن القول بأن النار أو الهواء حيوان , من أشد الاراء تناقضا , و الامتناع عن إطلاق لفظ الحيوان على ما يحتوى النفس تناقض ايضا .

و يظهر أن اعتقاد هؤلاء الفلاسفة فى وجود نفس العناصر , يرجع إلى أن الكل ينطبق على الأجزاء و يجانسها , فيلزمهم من ذلك  التسليم بأن النفس الكلية مطابقة أيضا لأجزائها , و مجانسة لها , إذ يرجع الفضل فى وجود نفس فى الحيوان الى اخذها جزءا من المحيط , و لكن اذا كان الهواء المتنفس متجانسا , على حين أن النفس غير متجانسة , فمن الواضح أن جزءا فقط من النفس يوجد فى هذا الهواء , و لا يوجد الجزء الاخر . فبالضرورة إذن إما_ أن تكون النفس متجانسة الأجزاء , و إما أنها لا توجد فى أى جزء على الاطلاق .

و يظهر جليا مما ذكرنا , أن المعرفة ليست  من صفات  النفس , من حيث إنها مركبة من العناصر , و ليس من الصواب  كذلك  و لا من الحق , أن نزعم بان النفس متحركة .

و لكن من حيث  إن المعرفة صفة للنفس , و كذلك  الاحساس , و الظن و الشوق , و الارادة , و النزوع على العموم , و ان الحركة المكانية تحصل ايضا فى الحيوان بسبب  النفس , و كذلك  النمو و النضج و الاضمحلال , فهل تتعلق كل حالة من هذه الأحوال بالنفس كلها ؟ و هل بواسطتها كلها نفكر , و نحس , و نتحرك  , و نفعل الافعال الأخرى , أو ننفعل بها , أو أن هذه الأعمال المختلفة يجب  أن تعزى الى أجزاء مختلفة ؟

ثم الحياة ذاتها هل توجد فى جزء واحد معين فقط , أو فى عدة أجزائها , أو فى جميعها , أو هل للحياة علة غير ذلك  ؟ .

و يذهب  بعض الفلاسفة إلى أن النفس منقسمة , و أن جزءا منها يفكر , على حين أن الجزء الاخر يشتاق . ماذا إذن يوحد النفس ( فى الاصل اليونانى يجمع النفس أى يجعل أجزاءها متصلة بعضها ببعضsunekhei  - قنوانى ) اذا كانت  بطبيعتها منقسمة ؟ ليس هو الجسم بكل تأكيد . فيظهر على العكس , أن النفس هى التى تحفظ وحدة الجسم , لأنها اذا ما فارقت  , تبدد الجسم و فسد . و على ذلك  إذا كان هناك  مبدأ آخر يحقق وحدة النفس , فالأولى أن تكون النفس ذاتها هى هذا المبدأ .

و لكن يجب  أن نبحث  ها هنا هل هذا المبدأ واحد أو كثير الأجزاء ؟ فان كان واحدا فلماذا لا نعزو الوحدة مباشرة الى النفس ذاتها ؟ و ان كان منقسما فعلينا أن نبحث  من جديد , ما علة الوحدة ؟ و هكذا يمضى البحث الى ما لا نهاية له .

و قد نسأل أيضا , فيما يختص بأجزاء النفس ما قوة كل منها المؤثرة فى الجسم ؟ لأنه

صفحه : 145

إذا كانت  النفس كلها هى التى تحفظ وحدة الجسم كله , فيترتب  على ذلك أن كل جزء منها يحفظ وحدة جزء من أجزاء الجسم . و هذا ظاهر الاستحالة : فأى جزء يحقق العقل وحدته , و كيف  يحققها ؟ من العسير حتى أن نتصور ذلك  .

النفس فى النباتات

و تدل المشاهدات  كذلك  على أن النبات  يستمر فى الحيوة إذا انقسم , و كذلك  بعض الحشرات  , فيبدو كأن فى الأجزاء انفسا , تخصها بالنوع لا بالعدد , إذ أن كل جزء منها يحفظ الاحساس و الحركة المكانية زمانا ما , أما أنها لا تستمر على هذه الحال , فليس هذا بغريب  , اذ ليس لها الأعضاء الضرورية لحفظها الطبيعى , و مع ذلك  فان جميع أجزاء النفس توجد فى كل جزء مبتور , و ان أنفس الأجزاء المبتورة تتجانس فيما بينها و بين النفس كلها . و هذا دليل على أن اجزاء النفس المختلفة لا ينفصل احدها عن الاخر , على حين أنه على العكس , تنقسم النفس كلها . - و يظهر أن المبدأ الذى يوجد فى النبات  هو ايضا ضرب  من النفس , لأن هذا المبدأ هو الوحيد الذى يشترك  فيه الحيوان و النبات  . و قد ينفصل عن مبدأ الحس , على حين أنه لا يمكن أى موجود بغيره أن يحس . اقول : انتهى ما فى كتاب  النفس لارسطو فى نقل الاراء فى النفس و نقدها , و سيأتى تأويل كثير من الاراء المتقدمة فى النفس و تصحيحها , و تزييف نقدها .

و يجب  الاعتناء التام بطائفة من الكلمات  القصار فيما نقلناها ايضا و هى[ : ( النفس اذ تحرك  نفسها , تحرك  الجسم أيضا لأنها متداخلة به]( [ .( نفس العالم موجودة قبل جسمه[ . [( ( العالم حيوان[ . [( ( التوازى بين العالم و النفس الانسانية هو شرط المعرفة[ . [( ( التعقل هو نفس المعقولات[ . [(  ( نفس العالم من الطبيعة التى تسمى بالعقل[ . [( ( العقل هو المقصود فى الدائرة[ . [( ( حركة العقل التعقل[ . [( ( حركة النفس هى جوهرها[ . [( ( كل بدن له صورة و هيئة تخصه[ . [( ( الصحة و على العموم الفضائل الجسمية - هى التى يجدر أن نسميها ائتلافا[ . [( ( كل جزء من اجزاء الجسم يقوم على تناسب  ما[ . [( ( العقل لا ينفعل و لا يفسد [ . [(( النفس تتفشى فى جميع الجسم الحساس[ . [( ( النفس جسم لطيف [ . [(( النفس اولى ما يحرك[ . [(  ( النفس الطف  الأجسام , أى أبعدها عن الجسمية[ . [( ( بأى شىء يدرك  النفس المركب  , أى كيف  يدرك النفس المركب  ؟[ . [( ( النفس هى التى تحفظ وحدة الجسم](  . و أما التأويلات  فسنذكرها بعد نقل كلام الشيخ من الشفاء فى آراء الأوائل فى النفس و نقدها . و لا يخفى عليك  - كما اشرنا اليه - أن ما أتى به فى الشفاء كأنه ناظر الى كتاب  النفس لارسطو , و لذا تجده بيانا و تفسيرا له , على أن فى نقل ما فى الشفاء و تعليقاتنا عليها

صفحه : 146

فوائد , و أن تأويلات  صاحب  الأسفار الاتى نقلها هى على حذاء ما فى الشفاء . فعليك  بما افاده الشيخ فى الشفاء من الاراء و هى ما يلى : ز - قال الشيخ فى الفصل الثانى من اولى كتاب  النفس من الشفاء ما هذا لفظه : ( فى ذكر ما قاله القدماء فى النفس و جوهرها و نقضه : فنقول قد اختلف  الاوائل فى ذلك  لانهم اختلفوا فى المسالك  اليه : فمنهم من سلك الى علم النفس من جهة الحركة , و منهم من سلك  اليه من جهة الادراك  , و منهم من جمع بين المسلكين , و منهم من سلك  طريق الحيوة غير مفصلة . فمن سلك  منهم جهة الحركة فقد كان تخيل عنده أن التحريك  لا يصدر إلا عن محرك  و إن المحرك  الأول يكون لا محالة متحركا بذاته و كانت  النفس محركة أولية اليها يتراقى التحريك  من الأعضاء و العضل و الأعصاب  فجعل النفس متحركة لذاتها و جعلها لذلك  جوهرا غير مائت  معتقدا أن ما يتحرك  لذاته لا يجوز أن يموت  . قال و لذلك  ما كانت  الأجسام السماوية ليست  تفسد و السبب  فيها دوام حركتها . فمنهم من منع أن تكون النفس جسما فجعلها جوهرا غير جسم متحركا لذاته . و منهم من جعلها جسما و طلب الجسم المتحرك  بذاته . فمنهم من جعل ما كان من الأجرام التى لا تتجزى كريا ليسهل دوام حركته , و زعم أن الحيوان يستنشق ذلك  بالتنفس و ان التنفس غذاء للنفس , و ان النفس تستبقى به النفس بادخال بدل ما يخرج من ذلك  الجنس من الهباء التى هى الأجرام لا تتجزى التى هى المبادى و انها متحركة بذاتها كما يرى من حركة الهباء دائما فى الجو فلذلك  صلحت لأن تحرك  غيرها . و منهم من قال انها ليست  هى النفس بل ان محركها هو النفس و هى فيها و تدخل البدن بدخولها . و منهم من جعل النفس نارا و رأى أن النار دائم الحركة .

و أما من سلك  طريق الادراك  فمنهم من رأى أن الشىء انما يدرك  ما سواه لأنه متقدم عليه و مبدء له فوجب  أن يكون النفس مبدء فجعلها من الجنس الذى كان يراه المبدء إما نارا أو هواء أو أرضا أو ماء . و مال بعضهم الى القول بالماء لشدة رطوبة النطفة التى هى مبدء التكون . و بعضهم جعلها جسما بخاريا إذ كان يرى أن البخار مبدء الأشياء على حسب  المذاهب التى عرفتها . و كل هؤلاء كان يقول إن النفس انما تعرف  الاشياء كلها لأنها من جوهر المبدأ لجميعها . و كذلك  من رأى ان المبادىء هى الأعداد فانه جعل النفس عددا . و منهم من رأى أن الشىء انما يدرك  ما هو شبيهه , و أن المدرك  بالفعل شبيه المدرك  بالفعل فجعل النفس مركبة من الاشياء التى يراها عناصر . و هذا هو قول انباذقلس فانه قد جعل

صفحه : 147

النفس مركبة من العناصر الاربعة و من الغلبة و المحبة . و قال انما تدرك  النفس كل شىء شبهة فيها .

و أما الذين جمعوا الأمرين فكالذين قالوا ان النفس عدد متحرك  لذاته فهى عدد لانها مدركة و هى متحركة لذاتها لأنها محركة أولية . و أما الذين اعتبروا أمر الحيوة غير ملخص فمنهم من قال[ : ( ان النفس حرارة غريزية لأن الحيوة بها](  . و منهم من قال[ : ( بل برودة و إن النفس مشتقة من النفس و النفس هو الشىء المبرد , و لهذا ما يتبرد بالاستنشاق](  ليحفظ جوهر النفس . و منهم من قال[ : ( بل النفس هو الدم لأنه اذا سفح الدم بطلت  الحيوة](  و منهم من قال[ : ( بل النفس مزاج لأن المزاج مادام ثابتا لم تتغير صحة الحيوة )) . و منهم من قال[ : ( بل النفس تأليف  و نسبة بين العناصر و ذلك  لأنا نعلم أن تأليف  ما يحتاج اليه حتى يكون من العناصر حيوان , و لأن النفس تأليف  فلذلك  تميل الى المؤلفات  من النغم و الأراييح و الطعوم و تلتذ بها](  . و من الناس من ظن أن النفس هو الاله - تعالى عما يقوله الملحدون - , و أنه يكون فى كل شىء بحسبه فيكون فى شىء طبعا و فى شىء نفسا و فى شىء عقلا سبحانه و تعالى عما يشركون . فهذه هى المذاهب  المنسوبة الى القدماء الأقدمين فى امر النفس و كلها باطلة](  . انتهى كلام الشيخ فى تعديد الأقوال فى النفس .

اقول : عبارة الشفاء المطبوعة على الحجر مغلوطة مشوهة جدا , و ما نقلناها هى من نسخة مصححة منه غاية الاتقان بعرضها حين تدريسنا اياه على عدة نسخ مخطوطة غير واحدة منها مصححة بالاجازة المرسومة عند القدماء , على انها كانت  قد صححت  ايضا عند غير واحد من اساطين الفن , و بالجملة عباراته التى لا دغدغة فيها هى ما اهدينا اليك  . و نقول فى توضيح بعض جملها :

قوله[ : ( و منهم من سلك  طريق الحيوة غير مفصلة](  , أى غير ملخص كما يفسره فى ذيل العبارة بقوله[ : ( و اما الذين اعتبروا امر الحيوة غير ملخص](  .

قوله[ : ( ان المحرك  الاول يكون لا محالة متحركا بذاته](  , لأنه ظن أن المحرك  يجوز أن يتحرك  و ان لم يتحرك  لا يجوز ان يحرك  . قوله[ : ( فمنهم من منع أن تكون النفس جسما](  , اى من الذين قالوا : [( ان النفس متحركة بذاتها و محركة بذاتها](  .

قوله[ : ( فمنهم من جعل ما كان من الأجرام التى لا تتجزى كريا](  , اى فمنهم من

صفحه : 148

جعل هذا الجسم المتحرك  و هو النفس من الأجزاء الصغار الصلبة التى لا تتجزى كريا فالاجرام هى تلك  الأجزاء .

و قوله[ : ( ان النفس تستبقى به النفس](  بفتح الفاء فى الاول و سكونها فى الثانى .

قوله[ : ( و منهم من قال[ : ( انها ليست  هى النفس](  , اى ان تلك الاجرام التى هى الأجزاء التى لا تتجزى ليست  هى النفس بل ان محركها هو النفس , و النفس فى تلك  الاجزاء , و تدخل النفس البدن بدخول تلك الأجزاء .

قوله : فمنهم من رأى أن الشىء انما يدرك  ما سواه لانه متقدم عليه و مبدء له , المراد بالمبدء هو العلة فهو متقدم على المدرك  بالتقدم الرتبى . و يفهم منه أن اعتقاد هذا القائل ان المدرك  لا محالة يجب  أن يكون علة لمدركاته . و لهذا القول شأن ينبغى أن يعتنى به فى مسائل الحكمة المتعالية فى معرفة النفس و إدراكها . و هذا الشأن مما يؤيد تأويلات  صاحب  الاسفار الاتية .

قوله : على حسب  المذاهب  التى عرفتها . على الخطاب  . و كان الفصل الثانى من الفن الثالث  من طبيعيات  الشفاء فى اقتصاص تلك  المذاهب  و فيه البحث  عن مذهب  البخار , و الفصل الثالث  منه فى نقض تلك المذاهب  و فيه نقض مذهب  البخار ( 1 ) .

ثم ما نقله عنهم بقوله[ : ( و كل هؤلاء كان يقول ان النفس تعرف  الاشياء كلها لأنها من جوهر المبدء لجميعها](  كلام بعيد الغور لانه ما لم يكن بين المدرك  و مدركه مناسبة فكيف  يدركه ؟ و بالمشابهة يدرك  و يعرف  الشبيه بالشبيه , فنعم ما قالوا من أن النفس انما تعرف  الاشياء كلها لأنها من جوهر المبدء لجميعها , و هذا الكلام الكامل يؤيد ايضا التأويلات  الاتية . و البحث  عن المناسبة يأتى فى ذى قبل - انشاء الله تعالى - . و قد اشار الشيخ اليها فى الفصل التاسع من النمط الثامن من الاشارات  بقوله : كل مستلذ به فهو سبب  كمال يحصل للمدرك  هو بالقياس اليه خير الخ . و كذلك  المولى الصدراء فى الفصل الثانى من عاشر نفس الأسفار ( 1 ) . حيث  قال[ : ( إن سعادة كل قوة بنيل ما هو مقتضى ذاتها من غير عائق و حصول كمالها من غير آفة , و لا شك  ان كل كمال كل شىء ما هو من باب  نوعه و جنسه](  . و سابع فاتحة مصباح الانس فى ذلك  ايضا ( 2 ) . پاورقى :

1 . الشفاء , الطبع الاول من الحجرى , ج 1 , ص 188 - 192 . 1 . الأسفار , الطبع الأول , ج 4 , ص 129 .

2 . مصباح الانس , الطبع الأول ص 39 .

صفحه : 149

قوله[ : ( و كذلك  من رأى أن المبادىء هى الأعداد فانه جعل النفس عددا ]( قال فى الفصل الاول من المقالة الثالثة من آلهيات  الكتاب  فى ان مقولتى الكم و الكيف  هل هما من الجواهر أو الأعراض : و اما أصحاب العدد فانهم جعلوا هذه مبادىء الجواهر إلا انهم جعلوها مؤلفة من الوحدات حتى صارت  الوحدات  مبادىء المبادىء ( 1 ) .

قوله[ : ( و منهم من رأى ان الشىء انما يدرك  ما هو شبيه الخ](  لا يخفى عليك  أن لهذا الكلام أيضا شأنا . و هو عبارة عن المناسبة المذكورة . و المدرك  مغتذ , و المدرك  غذائه , و لابد أن يكون بين المغتذى و غذائه من شباهة و مناسبة . و نعم ما قال[ : ( من ان المدرك  بالفعل شبيه المدرك بالفعل](  .

قوله[ : ( فانه جعل النفس مركبة من العناصر الاربعة و من الغلبة و المحبة](  جعل النفس مركبة من الاشياء التى يراها عناصر . لأن مدركات النفس مركبة منها . و كان انباذقلس يعتقد العناصر أصولا للكون و البقاء فى العالم فيشمل الغلبة و المحبة فالكون منوط بالعناصر الاربعة و البقاء بدفع المنافر و جذب  الملائم و هما منوطان بالغلبة و المحبة , و بعبارة أخرى المحبة بمعنى الباعثة للتركيب  , و الغلبة بمعنى الحافظة للتركيب . و الكلام فى المحبة و الغلبة مذكور فى الفصل الخامس من الفن الثالث من طبيعات  الشفاء ( 2 ) . و المحقق اللاهيجى فسر الغلبة و المحبة بالغضب  و الشهوة , و المال واحد .

قوله[ : ( فهى عدد لانها مدركة الخ](  , اى النفس مدركة و كل مدركة يجب  أن يكون مبدء المدركه و المبدأ هو العدد فيجب  أن يكون النفس عددا . و النفس متحركة لذاتها لانها محركة أولية و قد سلف  أن كل محرك متحرك  .

قوله[ : ( و اما الذين اعتبروا أمر الحيوة غير ملخص](  أى هؤلاء لما و صلوا الى معرفة النفس من مسلك  الحيوة . جعلوها من سنخ الحيوة و مقوماتها و لوازمها و معداتها و ممداتها .

قوله[ : ( و من الناس من ظن ان النفس هو الاله الخ](  هذا الكلام يستشم منه رائحة الحقيقة ايضا . و لعل هذا القائل ذهب  الى أن النفس فى ارتقائه تتصف  بصفاته سبحانه و تصير خليفة و تتصرف  باذنه فى مادة الكائنات  و ينال قربى النوافل و الفرائض . و هذا الكلام هو نحو ما قاله الشيخ فى آخر الالهيات  من هذا الكتاب[ :  ( و رؤوس هذه الفضائل عفة و حكمة

پاورقى :

1 . الأسفار , الطبع الأول , ج 2 , ص 424 .

2 . الشفاء , الطبع الأول , ج 1 , ص 198 .

صفحه : 150

و شجاعة و مجموعها العدالة و هى خارجة عن الفضيلة النظرية . و من اجتمعت  له معها الحكمة النظرية فقد سعد . و من فاز مع ذلك  بالخواص النبوية كاد أن يصير ربا انسانيا و كاد أن تحل عبادته بعد الله تعالى و هو سلطان العالم الارضى و خليفة الله فيه](  .

و فى نسخة : و كاد أن يحل عبادته بعد الله تعالى , و ان يفوض اليه امور عباد الله , و هو سلطان الخ .

ثم ان الشيخ و من تقدمه زمانا لم يذكروا القول بأن حقيقة الانسان اجزاء اصلية فى هذا البدن - الى آخر ما اسنده فى كشف  الفوائد الى المحققين من المتكلمين - فلم يكن فى الأوائل من هو قائل به فهو قول مستحدث  من طائفة من المتكلمين المتأخرين . و لعل المراد من الأجزاء الاصلية الباقية من اول العمر الى آخره هو الصورة الفعلية الانسانية المتحققة من صور مدركاتها النورية العلمية و ملكاتها الفاضلة الصالحة العملية . و أما اجزائها غير الاصلية فهى التى تتبدل و تتغير من حين تكونها الى انتقالها من هذه النشأة بحسب  أطوارها الوجودية الطبيعية فى مدى سنى عمره . و لا ريب  ان تلك  الصورة اعنى الأجزاء الأصلية لا تصير مأكولة لحيوان و لا تتصرف  فيها المدة و المادة و هى باقية أبدية فهى صورة روحانية و جسمانية معا على حسب  ما تصورت  و تكونت  من العلم و العمل , و سيأتى زيادة ايضاح فى ذلك  فى العيون الاتية .

و ألسنة الروايات  فى بيان حقائق المعارف  ناطقة على وجوه معجبة مدهشة دالة على انهم عليهم السلام أمراء الكلام فيلقون المعانى فى كسوة الالفاظ على هيأة لا يحرم من تلك  الموائد و المادب  متقشف  و لا متبحر , كما ترى انموذجا من ذلك  فى تفسير العياشى عن حفص بن غياث  قال شهدت  المسجد الحرام و ابن ابى العوجاء يسأل ابا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى : [ ( كلما نضجت  جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب](    ( 1 ) , ما ذنب  الغير ؟ قال[ : ( ويحك  هى هى , و هى غيرها](  , فقال[ : ( فمثل لى ذلك  شيئا من امر الدنيا , قال[ : ( نعم أرأيت  لو أن رجلا أخذ لبنة فكسرها ثم ردها فى ملبنها فهى هى و هى غيرها](  ( 2 ) . و المعتكف على الظاهر يكتفى به ثم يفرط القول فى من فهم مغزاه و بلغ قصواه و قد نهاه الكتاب  و السنة عن التعنت  و التهتك  , و امره بالتدبر و التثبت , فافهم .

پاورقى :

1 . النساء : 56 .

2 . بحار الأنوار , الطبع الاول , ج 3 , ص 199 .

صفحه : 151

و كما أن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا و ينطق بعضه ببعض , كذلك الاحاديث  يعطف  بعضها على بعض كما هو المروى  عن الامام الصادق عليه السلام[ : ( أحاديثنا يعطف  بعضها على بعض فان أخذتم بها رشدتم و نجوتم , و إن تركتموا ضللتم و هلكتم فخذوا بها و أنا بنجاتكم زعيم](   ( 1 ) . فطريق النجاة هو ما يستفاد من الايات  و الأخبار الواردة فى المعاد مفسرا بعضها ببعض و معطوفا بعضها على بعض لا العكوف  و الجمود بظاهر آية واحدة أو رواية فاردة فعندئذ يمتاز الحق عن الباطل و الصواب  عن الخطأ .

و الظاهر لفظ[ ( الأجزاء الاصلية](  ليس بمنطوق به فى أثر , بل هو مما اصطلح عليه بعض من المتكلمين و تبعه الاخرون , و ما هو منطوق به فى الرواية كلمة[ ( الطينة](  ففى الكافى باسناده الى عمار بن موسى  عن أبى عبدالله عليه السلام قال[ : ( سئل عن الميت  , يبلى جسده ؟ قال[ : ( نعم , حتى لا يبقى لحم و لا عظم إلا طينته التى خلق منها فانها لا تبلى , تبقى فى القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة](  ( 2 )  . و كأن الاصطلاح على الاجزاء الأصلية أخذ من نحو هذا الحديث  المذكور , و يؤيدنا ما قاله صاحب  البحار توضيحا للحديث  المذكور بعد نقله , من أن [( هذا يؤيد ما ذكره المتكلمون من أن تشخص الأنسان أنما هو بالأجزاء الأصلية و لا مدخل لسائر الأجزاء و العوارض فيه](  .

و كذلك  تفوه صاحب  البحار فى عدة مواضع فى معاده : منها فى بيان ما فى آخر سورة يس من الايات  : [ ( أو لم ير الانسان انا خلقناه من نطفة , الايات](    ( 3 ) , فى رد الشبهة المعروفة بشبهة الاكل و المأكول حيث قال[ : ( ان فى الاكل اجزاء أصلية و اجزاء فضلية , و فى المأكول كذلك  , فاذا أكل انسان انسانا صار الأصلى من اجزاء المأكول فضليا من أجزاء الاكل , و الأجزاء الأصلية للاكل هى ما كان له قبل الاكل ,  و الله بكل شىء عليم  يعلم الأصلى من الفضلى فيجمع الأجزاء الأصلية للاكل و ينفخ فيها روحه , و يجمع الأجزاء الأصلية للمأكول و ينفخ فيها روحه , و كذلك  يجمع الأجزاء المتفرقة فى البقاع المتبددة فى الأصقاع بحكمته الشاملة و قدرته الكاملة](  ( 4 ) .

پاورقى :

1 . الخصائص الفاطمية , ص 25 .

2 . بحار الانوار , الطبع الاول , ج 3 , ص 201 , فصل الخطاب  للكرمانى , الطبع الثانى , ص 59 .

3 . يس : 77 .

4 . بحار الانوار , الطبع الاول , ج 3 , ص 194 .

صفحه : 152

و منها فى رد تلك  الشبهة ايضا فى بيان قصة ابراهيم عليه السلام و الطيور فى القرآن الكريم :  و إذ قال إبراهيم رب  أرنى كيف  تحيى الموتى  الاية](  , حيث  نقل تقرير الشبهة و جوابها هكذا[ : ( لو أكل انسان انسانا و صار غذاء له جزءا من بدنه فالأجزاء المأكولة إما أن تعاد فى بدن الاكل او فى بدن المأكول , و أياما كان لا يكون احدهما بعينه معادا بتمامه , على أنه لا أولوية لجعلها جزء من أحدهما دون الاخر , و لا سبيل إلى جعلها جزء من كل منهما . و ايضا إذا كان الاكل كافرا و المأكول مؤمنا يلزم تنعيم الأجزاء العاصية , أو تعذيب  الأجزاء المطيعة . و اجيب  بأنا نعنى بالحشر اعادة الأجزاء الأصلية الباقية من أول العمر الى آخره , لا الحاصلة بالتغذية , فالمعاد من كل من الاكل و المأكول , الأجزاء الأصلية الحاصلة فى أول الفطرة من غير لزوم فساد . ثم أوردوا على ذلك  بأنه يجوز أن تصير تلك  الأجزاء الأصلية فى المأكول , الفضلية فى الاكل , نطفة و أجزاء أصلية لبدن آخر و يعود المحذور . و اجيب  بانه لعل الله يحفظها من أن تصير جزءا لبدن آخر , فضلا عن أن تصير جزءا أصليا . ( 1 ) .

و منها فى رد شبهة التناسخ حيث  جاء فيه[ : ( ان أجزاء بدن الشخص كبدن زيد مثلا و ان لم يكن له جزء صورى لا يكون بدن زيد إلا بشرط اجتماع خاص و شكل معين , فاذا تفرقت  اجزاؤه و انتفى الاجتماع و الشكل المعينان لم يبق بدن زيد ثم اذا أعيد فاما أن يعاد ذلك  الاجتماع و الشكل بعينها أولا , و على الأول يلزم اعادة المعدوم , و على الثانى لا يكون المعاد بعينه هو البدن الأول بل مثله و حينئذ يكون تناسخا , و من ثم قيل : ما من مذهب إلا و للتناسخ فيه قدم راسخ .

فنقول : انما يلزم التناسخ لو لم يكن البدن المحشور مؤلفا من الأجزاء الأصلية , أما إذا كان كذلك  فلا يستحيل إعادة الروح اليه , و ليس ذلك من التناسخ , و ان سمى ذلك  تناسخا كان مجرد اصطلاح فان الذى دل على استحالته تعلق نفس زيد ببدن آخر لا يكون مخلوقا من اجزاء بدنه , و أما تعلقه بالبدن المؤلف  من اجزائه الأصلية بعينها مع تشكلها بشكل مثل الشكل السابق فهو الذى نعنيه بالحشر الجسمانى](  ( 2 ) . پاورقى :

1 . المصدر , ج 3 , ص 199 .

2 . المصدر , ج 3 , ص 202 .

صفحه : 153

و منها قوله[ : ( ذكر بعض المتكلمين أن تشخص الشخص أنما يقوم بأجزائه الأصلية المخلوقة من المنى , و تلك  الأجزاء باقية فى مدة حيوة الشخص و بعد موته و تفرق أجزائه فلا يعدم التشخص](  ( 1 ) . أقول : و نحو كلماته المذكورة فى الأجزاء الأصلية , تجده فى مواضع أخرى من البحار , فلا حاجة الى نقلها . و الأجزاء الاصلية كما نقلناه عنه أخيرا , هو قول بعض المتكلمين , ثم شاع و كثر نقله و قائله , حتى قال ما نقلناه عنه اولا من ان المتكلمين ذكروا ان تشخص الانسان انما هو بالأجزاء الأصلية بل لم يقنع الاخر بهذا الحد حتى قال[ : ( هو قول المحققين من المتكلمين](  . ثم ان تقرير المعاد الجسمانى على الوجه المذكور الذى توهموه من الأجزاء الاصلية على زعمهم هو ايضا نشأة دنيوية لا أخروية و الاخرة ليست  من جنس هذا العالم , فأين الدار الاخرة ؟ و المعاد يجب  أن يكون دارا آخرة و فى الدار الاخرة . و الحق المبرهن المحقق أن البدن الأخروى ينشأ من النفس بحسب  صفاتها لا أن النفس تحدث  من المادة بحسب هيات  المادة و استعدادتها كما فى الدنيا , و أن معاد الانسان جسمانى و روحانى معا بالبيان المبين المستبين الاتى ذكره , و كذا فى تحقيق التناسخ سر سيأتى بيانه , على أن فى زعم ذلك  البعض من المتكلمة من أن تشخص الشخص انما يقوم بأجزائه الأصلية المخلوقة من المنى , و كذا فى كلماتهم الأخرى فى ذلك  كما سمعت  انحاء ايرادات  شتى , لا حاجة لنا الى التعرض بها , و ما نطق به اهل بيت  العصمة و الوحى ارفع منزلة و اشمخ مقاما من نحو هذه الموهومات  التى كاللعب  بالدين .

و فى ثالث  الحادى عشر من نفس الأسفار بعد نقل شبهة الاكل و المأكول , قال فى دفعها[ : ( و اندفاعه ظاهر بما مر من أن تشخص كل انسان انما يكون بنفسه لا ببدنه , و ان البدن المعتبر فيه امر مبهم لا تحصل له الا بنفسه و ليس له من هذه الحيثية تعين و لا ذات  ثابتة , و لا يلزم من كون بدن زيد مثلا محشورا أن يكون الجسم الذى منه صار مأكولا لسبع أو انسان آخر محشورا , بل كل ما يتعلق به نفسه فهو بعينه بدنه الذى كان . فالاعتقاد بحشر الابدان يوم القيامة هو أن يبعث  أبدان من القبور اذا رأى أحد كل واحد واحد منها يقول هذا فلان بعينه , أو هذا بهمان بعينه , أو هذا بدن فلان و هذا بدن بهمان , و لا يلزم من ذلك  أن يكون غير مبدل الوجود و الهوية , كما لا يلزم أن يكون مشوه الخلق و الأقطع

پاورقى :

1 . المصدر , ج 3 , ص 203 .

صفحه : 154

و الأعمى و الهرم محشورا على ما كان من نقصان الخلقة و تشويه البنية كما ورد فى الأحاديث  . و المتكلمون عن آخرهم أجابوا عن هذه الشبهة بما لا حاجة الى ذكره لركاكته](  .

ثم بعد نقل بعض من الشبه الأخرى من شبه الجاحدين لحشر الأجساد و دفعها - قال[ : ( اما المتكلمون فحيث  لم يدخلوا البيوت  من ابوابها ليس فى وسعهم التفصى عن أمثال هذا الاشكال](  ثم أخذ فى الطعن عليهم بقوله[ : ( ثم العجب  أن اكثر ما رأينا منهم يخوضون فى المعقولات  و هم لا يعرفون المحسوسات  , و يتكلمون فى الالهيات  و هم يجهلون الطبيعيات  , و يتعاطون الحجج و القياسات  و لايحسنون المنطق و الرياضيات  , و لا يعرفون من العلوم الدينية الا مسائل خلافيات  , و ليس غرضهم فى العلم اصلاح النفس و تهذيب  الباطن , و تطهير القلب  عن ادناس الصفات  و الملكات  , بل طلب الرياسة و الجاه و ارجاع الخلائق الى فتاويهم و حكوماتهم , و لأجل ذلك يضمرون النفاق و يعادون اهل الحكمة و المعرفة . و من اعظم الفتن و المصائب  أنهم مع هذه العقول الناقصة و الاراء السخيفة يخاصمون و يعادون الحكماء و العرفاء اكثر من الخصومة و العداوة مع الكفار و اليهود و النصارى , و يعدون هذا من تقوية الدين و حفظ عقائد المسلمين , و غاية تقويتهم للدين أن يقولوا[ : ( إن الحكمة ضلال و اضلال , و ان تعلمها بدعة و وبال , و ان علم النجوم باطل فى اصله , و ان الكواكب  جمادات  , و إن الأفلاك  لا حيوة لها و لا نطق , و إن الطب  لا منفعة فيه , و إن الهندسة لا حقيقة لها , و إن علوم الطبيعيات  و الالهيات  اكثرها كفر و زندقة و اهلها ملاحدة و كفرة , الى غير ذلك  من مقالاتهم و هوساتهم المشحونة بالتدليس و التلبيس , المخالفة اكثرها لما فى كتاب  الله و سنة نبيه من تعظيم الحكمة و توقير أهلها , و تعظيم النجوم و السماء , و الاقسام فى كثير من الايات  بها , و مدح الناظرين المتفكرين فى خلقها , و ذم المعرضين عن آياتها لقوله :  الذين يتفكرون فى خلق السموات   الاية , و قوله :  و كأين من آية فى السموات  و الأرض يمرون عليها و هم عنها معرضون  , فاذا جاءوا الى دفع مثل هذه المشكلات  عن الدين وقعوا فى العجز كالحمار فى الوحل و الطين](  ( 1 ) .

بيان : قوله[ : ( هو أن يبعث  أبدان من القبور]( . . .  , اى ابدان برزخية من الأبدان

پاورقى :

1 . الأسفار , الطبع الأول , ج 4 , ص 151 .

صفحه : 155

الطبيعية العنصرية , كما صرح بذلك  فى الفصل السابع من الباب  العاشر من كتاب  النفس بقوله[ : ( و ان الله يبعث  من فى القبور , قبور الأجساد و قبور الارواح أعنى الأبدان](  .

قوله[ : ( إذا رأى أحد كل واحد]( . . .  ناظر الى حديث  ابى بصير و هو من غرر الاحاديث  ,  قال ابو بصير سألت  ابا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن ارواح المؤمنين فقال[ : ( فى الجنة على صور أبدانهم لو رأيته لقلت  فلان](   . و حقق الامر فى ذلك  فى الموضعين الاخرين من نفس الأسفار أيضا , أحدهما فى آخر الفصل الثامن من الباب العاشر و ثانيهما فى السادس من الباب  الخامس ( 1 ) و سيأتى الكلام فى ذلك  فى العين الثالثة و الاربعين , و تمام الكلام فيه فى العين التاسعة و الخمسين .

و ما يناسب  نقله فى المقام أن ابا الريحان البيرونى ذكر فى الباب الثالث  و السبعين من كتابه فى تحقيق ما للهند فى حق الميت  فى جسده و الاحياء فى أجسادهم ما هذا لفظه[ : ( و كذلك  يقول الهند إن فى الانسان نقطة بها الانسان انسان , و هى التى تتخلص عند انحلال الأمشاج بالاخراق و تبددها](  ( 2 ) . فالنقطة المذكورة الجزء الأصلى من الانسان عندهم , و الكلام فيها كالكلام فى الأجزاء الأصلية المذكورة .

ثم أخذ الشيخ فى نقض تلك  الأراء فى النفس فقال[ : ( فاما الذين تعلقوا بالحركة فأول ما يلزمهم من المحال أنهم نسوا السكون , فان كانت النفس تحرك  بأن تتحرك  فكان لا محالة تحركها علة للتحريك  , فلم يخل تسكينها إما أن يصدر عنها و هى متحركة بحالها فتكون نسبة تحركها بذاتها إلى التسكين و التحريك  واحدة ف لم يمكن أن يقال انها تحرك  بان تتحرك و قد فرضوا ذلك  , أو يصدر عنها و قد سكنت  فلا تكون متحركة بذاتها . و ايضا فقد عرفت  مما سلف  أنه لا متحرك  إلا من محرك  , و انه ليس شىء متحركا من ذاته فلا تكون النفس شيئا متحركا من ذاته .

و ايضا فان هذه الحركة لا يخلو إما أن تكون مكانية أو كمية أو كيفية أو غير ذلك  , فان كانت  مكانية فلا يخلو إما أن تكون طبيعية أو قسرية أو نفسانية , فان كانت  طبيعية فتكون إلى جهة واحدة لا محالة فيكون تحريك النفس الى جهة واحدة فقط , و ان كانت

پاورقى :

1 . المصدر , ج 4 , ص 141 و 61 .

[ . 2 ( ما للهند](  للبيرونى الطبع الأول ص 479 .

صفحه : 156

قسرية فلا تكون متحركة بذاتها , و لا يكون ايضا تحريكها بذاتها , بل الأولى أن يكون القاسر هو المبدأ الأول و أن يكون هو النفس , و ان كانت  نفسانية فالنفس قبل النفس و تكون لا محالة بارادة فتكون إما واحدة لا تختلف  فيكون تحريكها على تلك  الجهة الواحدة , أو تكون مختلفة فتكون كما علمت  سكونات  لا محالة فلا تكون متحركة لذاتها . و أما الحركة من جهة الكم فأبعد شىء من النفس , ثم لا يكون شيئا متحركا من جهة الكم بذاته بل لدخول داخل عليه , او استحالة فى ذاته . و أما الحركة على سبيل الاستحالة فاما أن تكون حركة فى كونها نفسا فتكون النفس اذا حركت  لا تكون نفسا , و إما حركة فى عرض من الأعراض لا فى كونها نفسا , فأؤل ذلك  أن لا يكون تحركها من نحو تحريكها بل تكون ساكنة فى المكان حين تتحرك  فى المكان , و الثانى الاستحالة فى الأعراض غايتها حصول ذلك  العرض , و اذا حصل فقد وقفت  الاستحالة .

و ايضا فقد تبين لك  أن النفس لا ينبغى أن تكون جسما و المحرك  الذى يحرك  فى المكان بأن يتحرك  نحو ما يحرك  فهو جسم لا محالة , فلو كان للنفس الحركة و الانتقال لكان يجوز أن تفارق بدنا , ثم تعود اليه . و هؤلاء يجعلون مثل النفس مثل زيبق يجعل فى بعض الأجسام فاذا ترجرج تحرك ذلك  الجسم و يدفعون أن تكون الحركة حركة اختيارية .

و ايضا فقد علمت  ان القول بالهباء هدر باطل . و علمت  أيضا ان القول بوحدة المبدأ الأسطقسى جزاف  .

ثم من المحال ما قالوه من أن الشىء يجب  أن يكون مبدأ حتى يعلم ما وراه , فانا نعلم و ندرك  بانفسنا أشياء لسنا بمبادلها . و أما اثبات  ذلك من طريق من ظن أن المبدأ أحد الاسطقسات  , فهو أنا نعلم اشياء ليست الأسطقسات  بوجه من الوجوه مبدأ للأسطقسات  , و هو أن كل شىء إما أن يكون حاصلا فى الوجود , و إما أن لا يكون , و ان الأشياء المساوية لشىء واحد متساوية فهذه الأشياء لا يجوز أن يقال إن النار و الماء و غير ذلك مبادلها فنعلمها بها و لا بالعكس .

و ايضا إما أن تكون معرفة النفس بما هى مبدأ له انما تتناول عين ذلك المبدأ , أو تتناول الأشياء التى تحدث  عن المبدأ و ليست  هى المبدأ , أو تكون بكليهما , فان كانت  انما تتناول كليهما و كان العالم بالشىء يجب  أن يكون مبدأ له فتكون النفس ايضا مبدأ للمبدأ , و ايضا مبدأ لذاتها لأنها تعلم ذاتها , و إن كانت  ليس تعلم المبدأ و لكن تعلم الأحوال

صفحه : 157

و التغيرات  التى تلحقه فمن ذا الذى يحكم بأن الماء و النار أو أحد هذه مبدأ ؟](  .

أقول : قوله[ : ( انهم نسوا السكون](  هكذا جاء فى جميع النسخ المخطوطة من الشفاء عندنا , و بعضها مصححة بالعرض و المقابلة و القرائة غاية الاتقان , و نسوا من[ ( ن س ى](  ناقص يائى . و نقل صاحب  الأسفار عبارة الشيخ هكذا[ : ( إنهم نسبوا السكون الى النفس](  بالباء الموحدة من[ (ن س ب](   , و زيادة[ ( الى النفس](  , و نسخ الاسفار التى عندنا كلها متفقة على ذلك  ايضا . و الظاهر بل المتيقن أن عبارة الأسفار محرفة , فقرأ بعضهم كلمة نسوا , نسبوا , ثم زاد[ ( إلى النفس](  كى تفيد العبارة معنى .

قوله[ : ( انها تحرك  بأن تتحرك](   , أى انها تحرك  بعلة انها متحركة . فكونها علة للحركة لا يكون علة لكونها متحركة , و يصلح أن يقال : إن النفس تسكن فيجب  أن تكون ساكنة .

قوله[ : ( فان هذه الحركة . . . أو غير ذلك](   , أى حركة وضعية . قوله[ : ( و لا يكون ايضا تحريكها بذاتها](  , أى بل بقسرها . قوله[ : ( فالنفس قبل النفس](  , لأن المحرك  قبل المتحرك  . قوله[ : ( فلا تكون متحركة لذاتها](  , أى بل لأجل نفس أخرى . قوله[ : ( بل لدخول داخل عليه]( . . .  , فان كان بدخول الداخل فهى الحركة الاغتذائية أو التسمن , و ان كان بالاستحالة فهى الحركة التخلخلية أو التكاثفية , و ان كان بخروج شىء فهى الذبولية و الهزالية . و المراد على سبيل الاستحالة , الحركة الكيفية .

قوله[ : ( فاما أن تكون حركة فى كونها نفسا](  عبارة الأسفار جائت[  ( عن كونها نفسا](  مكان[ ( فى كونها نفسا](  و نسخ الأسفار مطبقة عليها , و كذلك  النسخ الشفاء إلا أن واحدة منها جعلت  كلمة[ ( عن](  أصلا , و كلمة[ ( فى](  فوقها بدلا عنها . و عبارة الكتاب  على كلمة عن ظاهرة المعنى و لا غبار عليها , و أما معناها على كلمة فى فهو أن النفس إذا حركت  فى كونها نفسا , فمعناه انها لم تكن قبل الحركة نفسا , و ان لم تخل عن تكلف  , فتبصر .

قوله[ : ( بل تكون ساكنة فى المكان حين تتحرك  فى المكان](  لأن المفروض أن تحريكها تحريك  مكانى .

قوله[ : ( فقد وقفت  الاستحالة](  و الحال انها متحركة لذاتها . قوله[ : ( هؤلاء يجعلون مثل النفس مثل زيبق]( . . .  ناظر الى ما تقدم من كتاب  النفس لارسطو أن بعض الفلاسفة ذهب  إلى أن النفس تحرك  الجسم الذى توجد فيه - إلى قوله : ان ديدالس حرك  تمثاله الخشبى افروديت  بأن ألقى فيه الزئبق الخ .

صفحه : 158

قوله[ : ( القول بالهباء هدر باطل](  المراد بالهباء الأجزاء التى لا تتجزى . و فى اكثر النسخ الهباءات  . و فى بعضها هذر بالذال المعجمة . قوله[ : ( و هو أن كل شىء](  الضمير راجع الى المعلوم المستفاد من قوله [ :( فهو انا نعلم شيئا]( . . .  .

قوله[ : ( بما هى مبدأ له](  الضمير راجع الى العناصر و الاسطقسات  . قوله[ : ( فمن ذا الذى يحكم]( . . .  و ذلك  لأن الحكم فرع ادراك الطرفين , فاذا لم يدرك  احدهما كيف  يحكم على شىء بشىء ؟ ثم العبارة فى جميع النسخ المخطوطة عندنا جائت  هكذا[ : ( فمن الذى يحكم](  . ثم قال الشيخ - رحمة الله عليه[ : - ( و أما الذين جعلوا الادراك بالعددية فقالوا لأن المبدأ لكل شىء عدد بل قالوا : ماهية كل شىء عدد , و حده عدد . و هؤلاء و ان كنا قد دللنا على بطلان رأيهم فى المبدأ فى موضع آخر , و سندل فى صناعة الفلسفة الأولى ايضا على استحالة رأيهم هذا و ما اشبهه فان مذهبهم ها هنا نزيفه من حيث  النظر الخاص بالنفس : و ذلك بأن ننظر و نتامل هل النفس أنما هى هى , بأنها عدد معين كاربعة أو خمسة أو بأنها مثلا زوج أو فرد أو شىء , أعم من عدد معين ؟ فان كانت  النفس أنما هى ما هى بأنها عدد معين فما يقولون فى الحيوان المخرز الذى إذا قطع تحرك  كل جزء منه و أحس ؟ فلا محالة هناك  تخيل ما , و كذلك  كل جزء منه يأخذ فى الهرب  إلى جهة , و تلك  الحركة من تخيل ما لا محالة , و معلوم أن الجزئين يتحركان عن قوتين فيهما و أن كل واحد منهما أقل من العدد الذى كان فى الجملة , و انما كان النفس عندهم العدد الذى فى الجملة لا غير فيكون هذان الجزءان يتحرك  لا عن نفس و هذا محال , بل فى كل واحد منهما نفس من نوع النفس الاخر فنفس مثل هذا الحيوان واحدة بالفعل متكثرة بالقوة تكثر الى نفوس . و انما تفسد فى الحيوان المخرز نفساه , و لاتفسد فى النبات  لأن النبات  قد شاعت  فيه الالة الأولية لاستبقاء فعل النفس , و لا كذلك  فى الحيوان المخرز , بل بعض بدن الحيوان المخرز لا مبدأ فيه لاستبقاء المزاج الملائم للنفس , و بعض الاخر ذلك  المبدأ , و لكنه يحتاج فى استبقائه ذلك  إلى صحبة من القسم الاخر فيكون بدنه متعلق الأجزاء بعضها ببعض فى التعاون على حفظ المزاج . فان لم تكن النفس عددا بعينه بل كان عددا كيفية ما و صورة فيشبه أن تكون فى بدن واحد نفوس كثيرة فانك  تعلم أن فى كثير من الازواج ازواجا , و فى كثير من الأفراد افرادا , و فى كثير من المربعات  مربعات  , و كذلك  سائر الاعتبارات  .

صفحه : 159

و أيضا فان الوحدات  المجتمعة فى العدد : إما أن يكون لها وضع , أو لا تكون كذلك  بل لانها قوة أو كيفية أو غير ذلك  , لكنهم جعلوا الطبيعة النفسية مجرد عددية فيكون العدد الموجود للنقط طبيعة النفس فيكون كل جسم اذا فرض فيه ذلك  العدد من النقط ذا نفس , فكل جسم لك  أن تفرض فيه كم نقطة شئت  فيكون كل جسم من شأنه أن يصير ذا نفس لفرض النقط فيه .

و ان كانت  عددا لا وضع له و إنما هى آحاد متفرقة , فبماذا تفرقت  و ليس لها مواد مختلفة , و لا قرن بها صفات  أخر و فصول أخرى و انما تتكثر الأشياء المتشابهة فى المواد المختلفة , فان كان لها مواد مختلفة فهى ذوات  وضع و لها إبدان شتى , ثم فى الحالين جميعا كيف  ارتبطت  هذه الوحدات  أو النقط معا ؟ لأنه إن كان ارتباطها بعضها ببعض , و التيامها للطبيعة الوحدية و النقطية فيجب  أن تكون الوحدات  و النقطات  مهرولة إلى الاجتماع من أى موضع كانت  . و ان كان لجامع فيها جمع واحدة منها الى الأخرى , و ضام ضمها بعضها الى بعض حتى ارتبطت  و هو يحفضها مرتبطة فذلك  الشىء أولى أن يكون نفسا](  .

اقول : قوله[ : ( و سندل فى صناعة الفلسفة الأولى](  راجع فى ذلك  الى الفصل الأول من المقالة الثالثة من آلهيات  الشفاء ( 1 ) حيث  يقول[ : ( و اما اصحاب  العدد فانهم جعلوا هذه مبادىء الجواهر الخ](  , و كذا فى الفصل الثانى من سابعة آلهيات  الشفاء حيث  قال[ : ( و اكثر الفيثاغورسين يرون أن العدد التعليمى هو المبدأ الخ](  ( 2 ) . قوله[ : ( فى الحيوان المخرز](  المخرز كمعظم كل طائر على جناحيه نمنمة أى نقش كالخرز .

قوله[ : ( فلا محالة هناك  تخيل ما](  أى فاعل بالقصد , اذ ليس عن طبع و إلا لما اختلفت  , و لا عن قسر لعدم القاسر , فهو عن التخيل و القصد . قوله[ : ( و انما كان النفس عندهم العدد الذى فى الجملة لا غير](  أى يكون النفس عددا معينا](  .

قوله[ : ( متكثرة بالقوة تكثرا الى نفوس](  فلا يكون لها عدد معين , هذا خلف  .

قوله[ : ( و انما تفسد فى الحيوان المخرز نفساه , و لا تفسد فى النبات ]( المراد من نفسيه :

پاورقى :

1 . الشفاء , الطبع الاول , ج 2 , ص 424 .

2 . المصدر , ج 2 , ص 559 .

صفحه : 160

النباتية و الحيوانية . و انما تفسد نفساه بعد مهلة , و فى بعضها بلا مهلة فان بعضها فى بعض الحيوان يموت  بلا مهلة بعد الجز و القطع , و فى بعضها يبقى قليلا ثم يموت  . و أما ما قال[ : ( و لا تفسد فى النبات]( فيعنى النبات  المقطوع , و قد عبر عن المقطوع بالمبتور فى كتاب  النفس لارسطو , و قد تقدم فى آخر نقل الاراء .

قوله[ : ( إما أن يكون لها وضع](  الوضع بمعنى القابل للاشارة الحسية . قوله[ : ( و انما هى آحاد متفرقة فبماذا تفرقت](   الضمير هى , و الذى ( فى تفرقت  ) , راجعة الى النفس .

قوله[ : ( ثم فى الحالين جميعا](  الحالان هما الوضع و عدم الوضع . ثم قال الشيخ[ : ( و اما الذين قالوا : إن النفس مركبة من المبادىء حتى يصح أن تعرف  المبادىء و غير المبادىء بما فيها منها , و أنه تعرف كل شىء بشبهه فيه , فقد يلزمهم أن تكون النفس لا تعرف  الاشياء التى تحدث  عن المبادىء مخالفة لطبيعتها فان الاجتماع قد يحدث  هيئات  فى المبادىء , و صورا لا توجد فيها مثل العظيمة , و اللحمية , و الانسانية , و الفرسية , و غير ذلك  فيجب  أن تكون هذه الأشياء مجهولة للنفس اذ ليس فيها هذه الأشياء بل انما فيها أجزاء المبادى فقط , فان جعل فى تأليف  النفس انسانا و فرسا و فيلا كما فيه نار و أرض و غلبة و محبة , و قال[ : ( ان فيها هذه الأشياء , فقد ارتكب  العظيم . ثم ان كان فى النفس انسان ففى النفس نفس , ففيه مرة أخرى انسان و فيل , و يذهب ذلك  الى غير النهاية](  .

و قد يشنع عليه من جهة أخرى هى أنه يجب  على هذا الوضع أن يكون الله تعالى , إما غير عالم بالأشياء , و إما مركبا من الأشياء و كلاهما كفر , و مع ذلك  يجب  أن يكون غير عالم بالغلبة لأنه لا غلبة فيه , فان الغلبة توجب  التفريق و الفساد فيما تكون فيه , فيكون الله تعالى غير تام العلم بالمبادىء , و هذا شنيع و كفر . ثم يلزم من هذا أن تكون الأرض ايضا عالمة بالارض , و الماء بالماء , و أن تكون الارض لا تعلم الماء , و الماء لا يعلم الارض , و يكون الحار عالما بالحار غير عالم بالبارد . و يجب  أن تكون الأعضاء التى فيها ارضية كثيرة شديدة الاحساس بالأرض و ليست  هى كذلك  بل هى غير حساسة لا بالارض و لا بغيرها , و ذلك  كالظفر و العظم و لأن ينفعل الشىء و يتأثر عن ضده أولى من أن يتأثر عن شكله , و انت  تعلم أن الاحساس تأثر ما و انفعال ما .

و يجب  أن لا تكون هيهنا قوة واحدة تدرك  الأضداد فيكون السواد و البياض ليس يدركان بحاسة واحدة , بل يدرك  البياض بجزء من البصر هو ابيض , و السواد بجزء منه هو

صفحه : 161

أسود . و لأن الألوان لها تركيبات  بلا نهاية فيجب  أن يكون قد أعد للبصر اجزاء بلا نهاية مختلفة الألوان . و إن كان لا حقيقة للوسائط و ما هو إلا مزج الضدين بزيادة و نقصان من غير اختلاف  آخر فيجب  أن يكون مدرك البياض يدرك  البياض صرفا , و مدرك  السواد يدرك  السواد صرفا إذ لا يمكن أن يدرك  غيره , فيجب  أن لا تشكل علينا بسائط الممتزج , و لا تتخيل الينا الوسائط التى لا يظهر فيها بياض و سواد بالفعل . و كذلك  يجب  أن يدرك  المثلث  بالمثلث  , و المربع بالمربع , و المدور بالمدور , و الأشكال الأخرى التى لا نهاية لها , و الاعداد أيضا بامثالها , فتكون فى الحساسة اشكال بلا نهاية , و هذا كله محال . و أنت  تعلم ان الشىء الواحد يكفى فى أن يكون عيارا للأضداد تعرف  به كالمسطرة المستقيمة يعرف  بها المستقيم و المنحنى جميعا و انه لا يجب  أن يعلم كل شىء بشىء خاص](  . اقول : لا يخفى عليك  أن عباراته المذكورة ناظرة الى ما فى كتاب  النفس لارسطو . و العجب  ان الشيخ تكلم على سيرة الناقدين من القدماء و لم يأول كلمات  الحكماء من الأوائل الى مبانيها الرصينة , و ارتضى بتلك  النقوض عليهم و هى كما تريها .

قوله[ : ( و يذهب  ذلك  الى غير النهاية](  و ذلك  لان المفروض أن فى النفس الانسانية جميع الأشياء , ففى النفس يكون على هذا الفرض الانسان , و للانسان الحاصل فى النفس ايضا نفس , و فى هذه النفس ايضا انسان و له نفس , و فى هذه النفس الثالثة ايضا جميع الأشياء و من الأشياء الانسان فيحصل نفس رابعة , و هكذا الى غير النهاية .

قوله[ : ( و ذلك  كالظفر و العظم و لان ينفعل]( . . .  أى ما فيها ارضية كثيرة كالظفر و العظم , و الحال لأن ينفعل الشىء و يتأثر عن ضده أولى من أن يتأثر عن شكله أى عن مشاكله .

قوله[ : ( و يجب  أن لا تكون هيهنا قوة](  أى على هذا الوضع . ثم قال الشيخ[ : ( و أما الذين جعلوا النفس جسما يتحرك  بحركتها المستديرة التى تتحرك  على الاشياء لتدرك  بها الاشياء ( و اما الذين جعلوا النفس مدركة بحركتها المستديرة - خ ل ) , فسنوضح بعد فساد قولهم حتى يتبين أن الادراك  العقلى لا يجوز أن يكون بجسم .

و أما الذين جعلوا النفس مزاجا , فقد علم مما سلف  بطلان هذا القول , و على أنه ليس كل ما يفسد بفساده الحيوة يكون نفسا فان كثيرا من الأشياء و الأعضاء و الأخلاط و غير ذلك  بهذه الصفة , و ليس بمنكر أن يكون شىء لابد منه حتى تكون للنفس علاقة بالبدن و لا يوجب  ذلك  أن يكون ذلك  الشىء نفسا .

صفحه : 162

و بهذا يعلم خطأ من ظن ان النفس دم , و كيف  يكون الدم محركا و حساسا ؟

و الذى قال : ان النفس تأليف  , فقد جعل النفس نسبة معقولة بين الأشياء , و كيف  تكون النسبة بين الأضداد محركا و مدركا ؟ و التأليف يحتاج الى مؤلف  لا محالة فذلك  أولى أن يكون هو النفس , و هو الذى اذا فارق وجب  انتقاض التأليف  .

ثم سيتضح فى خلال ما نعرفه من أمر النفس بطلان جميع هذه الأقاويل بوجوه أخرى , فيجب  الان أن نكون نحن وراء طلب  طبيعة النفس . و قد قيل فى مناقضة هذه الاراء أقاويل ليست  بالواجبة و لا اللازمة , و انما تركناها لذلك](   .

اقول : هذا آخر ما اراده الشيخ من نقل آراء الأوائل فى النفس و نقدها , و هو الفصل الثانى من المقالة الأولى من كتاب  نفس الشفاء بتمامه . و قد أتينا ببيان بعض عباراته فى الأثناء على الوجه الذى اهديناه اليك كما دريت  .

قوله[ : ( فقد علم مما سلف  بطلان هذا القول](  ناظر الى ما قاله فى آخر الفصل الأول من المقالة المذكورة[ : ( فان قيل ان المشعور به هو المزاج , فالجواب  أن المزاج لا يدرك  الا بالانفعال , و المنفعل عنه غير المنفعل ) ( 1 ) و أعلم أن هذه الزيادة سقطت  من الشفاء المطبوع على الحجر , و قد اتينا بها من نسختنا المصححة بالعرض و المقابلة على عدة نسخ . و لو لا هذه الزيادة كانت  إحالة الشيخ بطلانه الى ما سلف  بلا محل . قوله[ : ( و ليس بمنكر أن يكون شىء لابد منه]( . . .  يريد بالشىء هيهنا المزاج .

اعلم أن النقض الذى هو قضاء حتم لا راد له , على القائلين بأن النفس الناطقة من النشأة الطبيعية العنصرية , هو أن الانسان عاقل مفكر , و المادة ليست  كذلك  , فكيف  يتكون العاقل من غير العاقل , و يخرج الحى من الميت  ؟ !

و كذلك  يرد عليهم النقض المحتوم الاخر و هو كونها وعاء العلم , و العلم صورة كلية معقولة , و ذلك  الوعاء سواء كان الواهب  أو المتهب عار عن المادة العنصرية و احكامها , سيما أن العلم و العالم و المعلوم وجود نورى واحد , و ادلة اتحاد العاقل بمعقوله , و كذلك  ادلة تجرد النفس الناطقة سواء كانت  الادلة على تجردها البرزخى , أو تجردها التام العقلى , أو فوق تجردها العقلى أى مقامها اللايقفى , ناطقة على البت  و الفصل أن النفس الناطقة موجود بسيط نورى من عالم وراء الطبيعة المادى يضاهى المفارقات  المرسلة , بل ترتقى الى ذروة

پاورقى :

1 . الشفاء للشيخ الرئيس , الطبع الاول , ج 1 , ص 281 . صفحه : 163

وسعة تحتوى على العرش و ما دونها , بل تصير اوسع من ذلك  على ما نشير اليها فى العيون الاتية .

و كذلك  يرد عليهم نقوض أخرى تذكر فى العيون الاتية و لكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور . على أن العيون و سائر الصحف  النفسية كلها فى الرد عليهم .

ح - ثم رأينا أن الفخر الرازى سلك  فى كتابه الاربعين هذا المسلك  الذى تبادر اليه نظرنا من أن كون النفس وعاء للعلوم حجة بالغة قاطعة على أنها عالية على الطبيعة العنصرية و عارية عن أحكامها السفلية , و نعم ما سلك  اليه . و قد نقل اقوالهم فى النفس ثم ختمها بذلك  المسلك  القويم إلا أنه لم يحكم بفصل الخطاب  , و تمجمج بما لا يخلو عن ارتياب  و اضطراب , و تفوه بما هو عدول عن صوب  الصواب  , فنحن نأتى بعض ما أفاد , و نتبعه بما هو محض الصواب  , و ما لعله لا يخلو عن فائدة ايضا . قال فى المسألة الثامنة و العشرين فى حقيقة النفس ما هذا لفظه : [ ( اعلم ان مرادنا من لفظة النفس هو الشىء الذى يشير اليه كل انسان بقوله[ : ( انا](  حين يقول[ : ( أنا فعلت  و انا ادركت](   اذا عرفت هذا فنقول : اختلفوا فى حقيقة النفس , و ضبط تلك  المذاهب  أن يقال : الذى يشير اليه كل واحد بقوله[ : ( أنا](  إما أن يكون جسما أو جسمانيا , أو لا جسما و لا جسمانيا أو يكون مركبا من هذه الاقسام تركيبا ثنائيا أو ثلاثيا , فان كان جسما فذلك  الجسم أما أن يكون هو هذا الهيكل المحسوس , أو جسم حاصل فى داخله .

فالقول الأول هو اختيار طائفة عظيمة من المتكلمين إلا أنه ضعيف  , و يدل على ضعفه وجهان : الأول أنى أعلم ببداهة عقلى أنى الان عينى الذى كنت موجودا قبل هذا اليوم بعشرين سنة , و هذا الهيكل المحسوس الموجود ليس هو الذى كان موجودا قبل ذلك  بعشرين سنة لأن اجزاء هذا الهيكل متبدلة تارة بالسمن و الهزال , و تارة بسائر انواع التحللات  من العرق و انفصال الفضلات  من الدماميل و غيرها , و لانه محتاج الى الغذاء و الغذاء عبارة عما يصير بدلا لما تحلل من البدن و كيف  لا يكون كذلك  و البدن حار رطب  و الحار اذا عمل فى الرطب  اصعد عنه الأجزاء البخارية و حللها , و اذا ثبت  أن هذا الانسان هو الذى بعينه كان موجودا قبل هذا اليوم بعشرين سنة و ثبت  أن هذا الهيكل ليس هو الذى كان موجودا قبل ذلك  فثبت  قطعا ان الانسان ليس عبارة عن هذا الهيكل .

الوجه الثانى أنى أعلم بالضرورة ذاتى المخصوصة حال ما اكون غافلا عن جميع مالى من الأعضاء الظاهرة و الباطنة و المعلوم مغائر لما ليس بمعلوم فوجب  القطع بأن ما هو

صفحه : 164

المشار اليه بقولى أنا مغائر لجميع الأعضاء الظاهرة و الباطنة . و أما القول الثانى - و هو أن الانسان عبارة عن جسم موجود فى داخل هذا الهيكل فهذا القول فيه وجوه :

احدها قول افلوطرخس , و هو أنه عبارة عن الأجزاء النارية السارية فى هذا الهيكل . قال : لأن خاصية النار الاشراق و الحركة , و النفس خاصيتها الادراك  و الحركة الاختيارية , و الادراك  من جنس الاشراق فثبت  أن النفس عبارة عن النار . قالوا[ : ( و يتأيد هذا بما يقول الأطباء[ : ( إن مدبر البدن هو الحرارة الغريزية](  .

و ثانيها قول ديوجانس و هو أن النفس هو الهواء . قال[ : ( و ذلك لأنه متى كان النفس موجودا مترددا كانت  الحياة باقية , و اذا انقطع النفس زالت  الحياة , فوجب  أن تكون النفس عبارة عن النفس و هو الهواء المستنشق المتردد فى مخارق البدن ( فى مجاوف  البدن - خ ) و ايضا من خواص الهواء انه لا لون له و يدخل فى المنافذ الضيقة , و يقبل الأشكال المختلفة , و الجسم الذى يكون فيه مستقلا بذاته كالزق المنفوخ , و النفس موصوفة بهذه الصفات  , فثبت  أن النفس هو النفس ( أن النفس هو الهواء - ط](  .

و ثالثها قول ثاليس المطلى , قال[ : ( إن النفس هو الماء لأن الماء سبب  لحصول النشوء و النمو , و النفس ايضا كذلك  فكان النفس هو الهواء ]( .

و اعلم ان دلائل هذه الأقوال الثلاثة كلها ضعيفة لأنها أقيسة مركبة من الموجبتين فى الشكل الثانى , و ذلك  غير منتج لانه لا يمتنع فى العقل استواء الماهيات  المختلفة فى بعض الصفات  .

و رابعها أن النفس عبارة عن مجموع الأخلاط الأربعة بشرط أن يكون لكل واحد منها مقدار معين . و احتجوا عليه بأنه مهما كانت  هذه الاخلاط الاربعة باقية على كمياتها المخصوصة و كيفياتها المخصوصة و كانت  الحياة باقية , و مهما لم تبق تلك  الكميات  وتلك  الكيفيات  زالت  الحياة . و هذا الدليل ضعيف  لأن الدوران لايفيد العلم ( لا يفيد العلم بالعلية - ط ) . و خامسها أن النفس عبارة عن الدم لأنه اشرف  اخلاط البدن . و سادسها أن الأجسام مختلفة فى ماهياتها و ذلك  لأن جسم الأرض جسم كثيف  ( جسم الأرض كثيف  - ط ) و انه البتة لا ينقلب  لطيفا , و جسم النار جسم لطيف  ( جسم النار لطيف  - ط ) و انه لا ينقلب  البتة كثيفا . إذا ثبت  هذا فنقول : النفس الأنفس - ط ) اجسام لطيفة لذواتها , حية لذواتها , فتلك  الأجسام إذا شاركت  ( إذا شايكت  - خ ) هذا الهيكل , و سرت  فيه

صفحه : 165

سريان ماء الورد فى ورق الورد , و سريان النار فى الفحم , و سريان دهن السمسم فى جرم السمسم صار هذا الهيكل حيا بسبب  تلك  المشاركة ( تلك المشايكة - خ ) , و الذوبان و الانحلال و التبدل لا يتطرق إلى تلك  الأجسام اللطيفة الحية , و انما يتطرق الى هذا الهيكل , فما دامت  الأعضاء و الأخلاط قابلة لسريان تلك  الاجسام اللطيفة الحية لذواتها فيها بقى هذا الهيكل حيا , فاذا أخرجت  الأعضاء و الاخلاط عن القابلية انفصلت  تلك الأجسام اللطيفة عنها و ذلك  هو الموت  .

و سابعها أن النفس عبارة عن المزاج الذى هو عبارة عن اعتدال الاركان و الاخلاط , و ذلك  لأن الأركان و الأخلاط اذا امتزج بعضها ببعض حصلت  هناك كيفية معتدلة متوسطة و هى المزاج فذلك  الاعتدال عبارة عن النفس و عن الحياة .

و ثامنها ان النفس عبارة عن الاجسام اللطيفة المتكونة فى جانب  البطن الأيسر من القلب  , النافذة فى الشرايين , النابتة منه الى جملة اجزاء البدن .

و تاسعها أن النفس عبارة عن الارواح المتكونة فى الدماغ الصالحة لقبول قوة الحس و الحركة و الحفظ و الفكر و الذكر , النافذة من الدماغ فى شظايا الأعصاب  , النابتة منه الى أقاصى البدن .

و عاشرها أن اجزاء هذا البدن على قسمين , بعضها أجزاء اصلية باقية من اول العمر الى آخره من غير أن يتطرق اليها شىء من التغيرات  و الانحلالات و الزيادات  و النقصانات  و بعضها اجزاء عارضة تبعية , تارة تزداد , و تارة تنتقص , فالنفس و الشىء المشار اليه لكل واحد بقوله[ : ( أنا]( انما هو القسم الأول من الأجزاء . و اذا عرفت  هذا فنقول : ما هو اجزاء اصلية بالنسبة الى زيد كانت  اجزاء فاضلة بالنسبة الى عمرو و بالعكس . و هذا اختيار المحققين من المتكلمين , و بهذا القول يظهر الجواب  عن اكثر شبهات  منكرى الحشر و النشر .

فهذا تفصيل قول من قال[ : ( النفس جسم](  , و اما القسم الثانى و هو قول من قال[ : ( النفس شىء جسمانى](  فهذا فيه أقوال :

احدها قول من قال[ : ( إنها عبارة عن صفة الحياة](  .

و ثانيها قول من قال[ : ( إنها عبارة عن الشكل و التخطيط ( و التخاطيط - خ](  .

و ثالثها قول من قال[ : ( إنها عبارة عن تناسب  الاركان و الأخلاط](  . و أما القسم الثالث  , و هو قول من قال[ : ( النفس ليست  بجسم و لا بجسمانى](  , فهذا القول اختيار جمهور الفلاسفة , و من قدماء المعتزلة مذهب  معمر بن عباد السلمى و مذهب

صفحه : 166

اكثر الأخيار من الامامية , و من المتأخرين الغزالى و ابى القاسم الراغب  .

و اعلم أن الفلاسفة ذكروا فى اثبات  هذا وجوها كثيرة , و اعترضنا عليها فى كتبنا الحكمية , إلا أن اعتمادهم على وجه واحد و نحن نذكره هيهنا , قالوا[ : ( لا شك  فى وجود معلومات  غير منقسمة فيكون العلم بها غير منقسم فيكون الموصوف  بتلك  العلوم غير منقسم و كل متحيز فهو منقسم فاذا الموصوف  بتلك  العلوم لا متحيز و لا حال فى المتحيز](  . اقول : هذا ما اردنا من نقل كلام الفخر الرازى من كتابه الأربعين . و عندنا نسخة مخطوطة منه تخالف  طائفة من الكلمات  المطبوعة فجعلنا المختلف  فيها بين الهلالين , و حرف[  ( خ](  اشارة الى المخطوطة , و حرف[  ( ط](  الى المطبوعة . و كلمة شايكت  كأنها محرفة[ ( شابكت]( بالباء الموحدة , و كذلك  المشايكة .

ثم إن هؤلاء الأوائل الذين حكى عنهم القول بكون النفس عبارة عن الأمور المادية العنصرية , فهم الموصوفون فى صحف  التراجم الأولية بأنهم من أعاظم الحكماء الالهية و بعضهم من تلامذة الانبياء العظام , بل بعضهم من الانبياء فكيف  يتفوه الحكيم الالهى بأن النفس الناطقة الانسانية التى بقائها بعد الموت  احد المدارين لكل دين - كما تقدم فى الديباجة - هى مادة عنصرية تضمحل و تتلاشى بالموت  ؟ !

على أن بعد العهد و تراجم المتجرمين و كتاب  الكتب  , سيما تحريف المعاندين مما يوجب  عدم الاعتماد على ظاهر ما نقل عنهم , و مع صحة النقل فلابد أن يحمل على مبنى قويم و أساس رصين يناسب  مشربهم الحكمى و مسلكهم الالهى كما يأتى تفسير كلماتهم على منهج الصواب  .

و العجب  أن الفخر قد رد المتكلمين القائلين بأن النفس جسم بوجهين أولا , ثم قبل المردود ثانيا و قال[ : ( و بهذا القول يظهر الجواب  عن اكثر شبهات  منكرى الحشر و النشر](  و يسند الاول الى طائفة عظيمة من المتكلمين , و الثانى الى المحققين منهم , و القولان واحد . فالجدير فيه ما قاله المحقق الطوسى فى آخر النمط الثانى من الاشارات  من ان هذا و امثاله مما لا يخفى عليه و لكن  من لم يجعل الله له نورا فما له من نور ,  أو ما قاله فى آخر الرابع من نفس الاشارات  من أن هذا الرجل أعظم قدرا من أن يجعل امثال هذا لكنه يتجاهل فى كثير من المواضع تقربا الى الجهال .

قوله[ : ( و اعلم ان الفلاسفة ذكروا فى اثبات  هذا وجوها كثيرة . . . الخ](  يعنى بالوجوه ادلة تجرد النفس أقاموها فى اثبات  أن النفس ليست  بجسم و لا جسمانية .

صفحه : 167

و قوله[ : ( و اعترضنا عليها فى كتبنا الحكمية](  اعتراضاتها كلها مدخولة محجوجة , و تلك  الادلة حجج بالغة على تجرد النفس بالبيان القويم و القول الثقيل كما يعلم بالرجوع الى كتابينا العربى و الفارسى فى البراهين على تجرد النفس الناطقة .

و قوله[ : ( إلا أن اعتمادهم على وجه واحد و نحن نذكره هيهنا]( . . . ناظر الى البرهان الذى اتى به الشيخ الرئيس فى نفس الشفاء , و هو البرهان الأول فيه على أن قوام النفس الناطقة غير منطبع فى مادة جسمانية . و هذا البرهان قد نقله الفخر فى المباحث  بتحرير آخر قريب مما فى الأربعين , و هو الدليل الاول فى المباحث  ايضا . و صدر المتألهين فى الأسفار بعد تقرير هذا البرهان من الشفاء قال[ : ( و عندهم انه من اقوى البراهين الدالة على تجرد النفوس المدركة للمعانى الكلية](  الخ و تحقيق البحث  حول البرهان المذكور و تحكيمه و تسديده , ورد اعتراضات الفخر عليه , و الاتيان بحجج أخرى على ذلك  ايضا كلها تعلم فى كتابينا المذكورين .

ثم العجب  أن الفخر لم يعتن بالأدلة العديدة القائمة على تجرد النفس , و لم يجعل جميعها - لا اقل - , على حد دليل واحد فأعرض عنها و نقل فى الأربعين ذلك  الدليل و اتى عليه باعتراضاته الفائلة و ختم الكلام فى النفس , و لا أدرى أنه و اترابه كيف  قنعوا فى المسائل النفسية التى هى أساس سائر المطالب  على هذا المقدار المشوب  بالوسوسة و الدغدغة ؟ ! ط - و قد اشار الى طائفة من اختلاف  الأقوال فى النفس الحكيم العارف المير ابو القاسم الفندرسكى فى قصيدته اليائية المعروفة الفارسية بقوله :

[ ( نفس را چون بندها بگسيخت  يا بد نام عقل

چون به بى بندى رسد بند دگر برجاستى](

يعنى : أن النفس بذاتها عقل , و بالاضافة الى بدنها نفس , ثم اذا تجرد عن القيود فلها قيد الامكان و تعينه الخاص فلا ينفكان عنها فلا تدرك  إلا بحدها المحدود :

[ ( گفت  دانا نفس مارا بعدما حشراست  و نشر

هر عمل امروز كرد اورا جزا فرداستى](

اى قال عالم : إن النفس لها حشر و نشر , و أن عملها نفس جزائها . [ ( نفس را نتوان ستود اورا ستودن مشكل است

نفس بنده عاشق و معشوق او مولاستى](

صفحه : 168

أى وصف  النفس مشكل بل لا يمكن وصفها , كيف  و العاشق فان فى معشوقه , و معشوقها هو الله سبحانه .

[ ( گفت  دانا نفس مارا بعد ما باشد وجود

در جزا و در عمل آزاد و بى همتاستى](

اى قال عالم : ان النفس لا تفنى بالموت  , بل موجود ابدى , و هى فى افعالها مختارة و جزائها عملها و كل نفس كأنها نوع منحصر فى فرده من حيث  انها مصنوعة علمها و عملها أى أنها ليست  إلا علومها و أعمالها . [ ( گفت  دانا نفس را آغاز و انجامى بود

گفت  دانا نفس بى آغاز و بى مبداستى](

أى قال عالم[ ( إن النفس حادثة مع حدوث  البدن , أو بحدوثه , و لها معاد](  . و قال عالم[ : ( ان النفس قديم لا أول لها](  . قال صدر المتألهين فى الأسفار[ : ( اعلم أن المنقول من القدماء كأفلاطون القول بقدم النفوس الانسانية , و لعل ليس المراد أن النفوس البشرية بحسب  هذه التعينات  الجزئية كانت  موجودة قبل البدن لأنه باطل اذ ليس حقيقة النفس بما هى نفس إلا صورة متعلقة بتدبير البدن , بل المراد أنها صور أخرى لمبادى وجودها فى عالم علم الله تعالى من المثل الالهية و الصور المفارقة العقلية التى اثبتها افلاطون و من قبله , فللنفوس انحاء من الكون : بعضها قبل الطبيعة , و بعضها عند الطبيعة , و بعضها بعد الطبيعة على ما عرفه الراسخون فى الحكمة المتعالية .

[ ( گفت  دانا نفس را ماضى و حال است  و سپس

آتش و آب  و هوا و اسفل و اعلاستى](

أى قال عالم[ : ( إن النفس موجود زمانى , فله ماض و حال و استقبال , فقيل : إنها نار , و قيل ماء , و قيل هواء , و هو الأسفلية و الأعلوية من خواص الأجسام .

[ ( گفت  دانا نفس ما را نيست  بعد از ما وجود

مى نماند بعدما نفسى كه او ماراستى](

أى قال عالم[ : ( إن النفس تفنى بالموت  و لا تبقى](  . و هذا قول من يقول بأن النفس مزاج , و ظاهر أن المزاج بعد انحلال التركيب  و اضمحلال المركب  ليس بباق بل يفنى بالانحلال .

صفحه : 169

[ ( گفت  دانا نفس هم با جا و هم بى جا بود

گفت  دانا نفس نى با جا و نى بيجاستى](

أى قال عالم[ : ( ان النفس ذات  اين , و ايضا ليست  بذات  أين](  . و قال عالم[ : ( إن النفس ليست  بتلك  و لا بهذه أى ليست  بذات  اين , و ليست  بلا ذات  اين](  .

الظاهر أن هذا البيت  يشير الى كلام بعيد الغور , و مطلب  سامك  سام فى حقيقة النفس بأن لها أطوارا و شئونا فهى ذات  أين بلحاظ مرتبتها النازلة اعنى البدن , كما انها ليست  بذات  اين بلحاظ مرتبتها المثالية الخيالية التى لها تجرد برزخى , و كذلك  بلحاظ مرتبتها العقلية التى لها التجرد التام , بل للنفس مرتبة فوق التجرد لأنها ظل الله أى مثال بارئها ذاتا و صفاتا و افعالا فهى عالية فى دنوها , و دانية فى علوها , قال عز من قائل : [ ( ما لكم لا ترجون لله و قارا و قد خلقكم أطوارا]( ( 1 ) و الله سبحانه فى السماء اله و فى الأرض اله , و هو الأول و الاخر , و الظاهر و الباطن , و هو عال فى دنوه و دان فى علوه , فهو تعالى جامع للأضداد على أنه صمد لا جوف  له , و من عرف  نفسه عرف  ربه . [ ( گفت  دانا نفس را وصفى نيارم هيچ گفت

نه بشرط شىء باشد نه بشرط لاستى](

أى قال عالم[ : ( لا أقدر على وصف  النفس فانها لا تؤخذ بشرط شىء و لا بشرط لا شىء . يعنى أن الشرطين يؤخذان فى الماهيات  و النفس و ما فوقها انيات  صرفة و وجودات  محضة فهى فوق المقولات  .

[ ( گفت  دانا اين سخنها , هر كسى از و هم خويش

در نيايد گفته را كاين گفته معماستى](

يشير الى أن الاراء المذكورة رموز و اسرار , لها محامل صحيحة حسنة , لا يصل الى فهم تلك  الاسرار و حل تلك  الرموز إلا الأوحدى من اهل العلم , لا اصحاب  الخيال و الوهم و القيل و القال , لذا قال بعد ابيات  : [ ( هر كسى چيزى همى گويد به تيره رأى خويش

تا گمان آيد كه او قسطاى بن لوقاستى](

كاش دانايان پيشين مى بگفتندى تمام

پاورقى :

1 . نوح : 14 و 15 .

صفحه : 170

تا خلاف  ناتمامان از ميان برخاستى](

اى[ : ( أن غير الكاملين توهموا فى تلك  الاراء ما ليس بمراد قائله , فقد قال واحد منهم برأيه القائل شيئا حتى يظن فيه انه عديل الحكيم قسطا بن لوقا البعلبكى . و ياليت  العلماء السابقين بينوا مرادهم على التمام , حتى لا يختلف  الناقصون كذلك  .

تتمة : ثم إن هيهنا أقوالا أخر فى حدوث  النفس ايضا , هل هى جسمانية أو روحانية سيأتى نقلها فى العين التاسعة .

اعلم أن بعض الاراء المعدودة فى النفس اصطلاح طبى و لا دخل له فى بيان جوهر النفس و ذاتها من حيث  هى غير مقيسة الى البدن , و بعضها ناظر الى تعريفها من حيث  هى منسوبة و مقيسة اليه . و الاول نحو القول بان النفس حرارة غريزية , أو دم , أو مزاج , و الثانى نحو القول بأنها تأليف  و نسبة بين العناصر . و ترى طبيعيا يعتقد بأن جوهر النفس وجود نورى عار عن المادة و احكامها , و ينبه فى كتابه على ذلك  و يقيم البرهان على تجردها , و يستعمل اصطلاحات  طبية . كما قال على بن الحزم القرشى فى كليات  الطب[ :  ( الارواح و لا نعنى بها ما يسميه الفلاسفة النفس الناطقة كما يراد بها فى الكتب  الالهية بل نعنى بها جسما لطيفا بخاريا يتكون عن لطافة الأخلاط كتكون الأعضاء عن كثيفها و الارواح هى الحاملة للقوى](  ( 1 ) .

و الغرض أن اطلاق الارواح فى الكتب  الطبية تطرق فى الصحف  الفلسفية استطرادا فظن ان الطبيب  قائل بأن النفس الانسانية هى الروح البخارية . و كان على بن ربن الطبرى صاحب  فردوس الحكمة فى الطب  من قدماء الاطباء , جعل المقالة الثانية من النوع الثانى منه عشرة ابواب  فى بيان جوهرية النفس الناطقة و تجردها و بقاءها و تدبيرها فى البدن و قواها و افعالها , و أتى بكلمات  سامية فى النفس و العقل من أعاظم الحكماء الالهية . و قال فى صدر المقالة[ : ( قال ارسطوطيلس الفيلسوف  ان العلم بالنفس الناطقة اكبر من سائر العلوم لأن من عرفها فقد عرف  ذاته و من عرف  ذاته قوى على معرفة الله . ثم قال الطبرى بعد نقل كلام ارسطو هذا[ : ( و قد صدق الفيلسوف  , فان من جهل نفسه و حواسه كان الغير ذلك  أجهل](  ( 2 ) .

پاورقى :

1 . كليات  الطب  لابن ابى حزم القرشى , شرح نفيس , الطبع الاول , ص 20 .

2 . فردوس الحكمة للطبرى , طبع برلين , ص 60 .

صفحه : 171

على أن ادلة تجرد النفس الناطقة ناطقة بأنها من وراء الطبيعة المادية و أنها عارية عن احكامها بحسب  جوهر ذاتها , بل إن كثيرا من افعالها لسان صدق بكونها جوهرا علويا نوريا , كما ان البراهين القاطعة ناهضة الى أنها لا تخلو عن بدنها و أن لها ابدانا طولية متفاوتة بالنقص و الكمال و هذه الحقائق النفيسة لا تتطرق اليها وساوس أوهام , و لا تشوبها هواجس خيالات  , فالاراء المنقولة فى النفس ان كانت  قابلة للحمل على وجه وجيه و معنى صحيح , و إلا فلا يعبأ بما لا يوافقه القرآن و لا يمضيه البرهان و لا يصدقه العرفان .

ى - و قد حان أن نأتى بما افاد صاحب  الأسفار فى توجيه الاراء و تأويلها , و نتبع فى اثناء تأويلاته بعض ايضاحات  و اشارات  منا و الله سبحانه هو الهادى الى الرشاد , و المرشد الى السداد . قال - قدس سره - بعد نقل الأقوال المذكورة المنتهية الى قول الشيخ - رضوان الله تعالى عليه[ : ( فهذه هى المذاهب  المنسوبة الى القدماء الأقدمين فى امر النفس , و كلها باطلة](  ما هذا لفظه :

[ ( ثم شرع فى نقض ما قالوه و ابطالها و تزييفها , اقول : نقض ظواهر هذه

الأقوال , و ابطالها فى غاية السهولة بعد أن ثبت  أن النفس جوهر مفارق الذات  عن الأجسام . و كل من له أدنى بضاعة فى الحكمة يعلم أن النفس جوهر شريف  ليس من نوع الأجسام الدنية كالنار و الهواء و الماء و الارض , و لا من باب  النسب  و التأليفات  , فكيف  يذهب  على الحكماء السابقين كانباذقلس و غيره أن يجهلوا ما يعلمه من له أدنى معرفة فى علم النفس و أحوالها , فاذن التأويل و التعديل لكلامهم أولى من النقض و الجرح . فنقول - و من الله الاستعانة - :

أما قولهم[ : ( إن النفس متحركة لكونها محركة اولية](  , فكلام صحيح مبرهن عليه و لا يلزم منه كون النفس جرما من الاجرام . اما حركاتها فى ذاتها بحسب  الشدة فقد ثبت  بيانها بالبرهان و تقدم ذكرها تصريحا و تلميحا من أن لها تطورات  جوهرية و تحولات  ذاتية من حد الاحساس الى حد التعقل فتارة تتحد بالحس و ذلك  فى أوائل حدوثها و تكونها , و طورا تبلغ إلى حد التخيل فتتحد بالخيال , و اذا بلغ إلى مقام تحضر عندها المعقولات  مشاهدة تصير عقلا مفارقا متبرىء الذات  عن الأجرام و الجرميات ]( .

و اقول : كأن كون النفس محركة اولية ناظر الى انها مظهر لمفطرها فى الحركة الحبية فان الحركة الحبية فوق الحركة الطبيعية الجارية فى الاجسام و الأجرام المادية و اهل العرفان بالله يطلقون تلك  الحركة العلية الحبية على فوق الطبائع المادية حتى انهم قالوا[ : ( إن وجود صفحه : 172

العالم انما هو بالحركة الحبية](  و قال - عز من قائل - : [ ( كل يوم هو فى شأن](   ( 1 ) . قال الشيخ العارف  العربى فى الفص الموسوى من فصوص الحكم[ : ( ان الحركة ابدا انما هى حبية و يحجب  الناظر فيها باسباب  أخر و ليست  تلك  و ذلك  لان الاصل حركة العالم من العدم الذى كان ساكنا فيه الى الوجود و لذلك  يقال إن الامر حركة عن سكون فكانت  الحركة التى هى وجود العالم حركة الحب   و قد نبه رسول الله - صلى الله عليه و آله - على ذلك  بقوله[ : ( كنت  كنزا مخفيا لم أعرف  فاحببت  أن اعرف ](  فلولا هذه المحبة , ما ظهر العالم فى عينه . فحركته من العدم الى الوجود حركة حب  الموجد لذلك  . و لأن العالم ايضا يحب  شهود نفسه وجودا كما شهدها ثبوتا , فكانت  بكل وجه حركته من العدم الثبوتى الى الوجود العينى حركة حب  من جانب  الحق و جانبه فان الكمال محبوب  لذاته](  ( 2 ) .

و كما ان الحركة الحبية سارية فى الكل فكذلك  حركة النفس التى مظهرها فى شئونها كلها فمن عرف  نفسه عرف  ربه . فهى مقام الحس تتحد به , و فى حد الخيال تتحد به و هكذا فى سائر شئونها فهى ثابتة سيالة اى ثابتة فى كمالاتها الفعلية , و سيالة فى مرتبة طبعها بالسيلان الجوهرى , و لا بعد فى كون واحد شخصى ذا مراتب  و مظاهر و له فى كل مرتبة و مظهر حكم خاص لا يتعدى تلك  المرتبة و لا يتجاوز عن ذلك  المظهر إلا بنحو الحقيقة و الرقيقة . بمعنى أن الحقيقة اصل الرقيقة و الرقيقة فرعها و ظلها و بينهما محاكاة على هذا الوجه اللطيف  حيث  يكون الواحد قاهرا على كثراتها التى هى شئونها و مظاهرها , و هى مقهورة فى وحدتها , فافهم . ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و ما اسخف  القول بأن النفس عند كونها صورة الطفل بل الجنين الى حد كونها عقلا بالفعل مستحضرة للمعقولات  مجاورة للملأ الأعلى عند المقربين , جوهر واحد بلا تفاوت  فى ذاته , انما التفاوت  فى اضافاته و أعراضه اللاحقة حتى أن أنفس البله و الصبيان و نفوس الانبياء عليهم السلام متحدة بالحقيقة و الماهية , و انما الاختلاف  و التفاضل بينهم بضمائم خارجة : بعضها من باب  السلوك  و الاضافات  , و بعضها من باب  الانفعالات  , و بعضها من باب  الكيفيات  , فاذا كان كذلك كان فضيلة افراد الانسان بعضها على بعض بشىء خارج عن الانسانية , فاذا الفضيلة بالذات  لذلك  الشىء

پاورقى :

1 . الرحمن : 29 .

2 . شرح القيصرى على فصوص الحكم , ط 1 , ص 456 .

صفحه : 173

لا للانسان . فاذا قيل[ : ( النبى - صلى الله عليه و آله - اشرف  افراد الانسان كان معناه أن شيئا خارجا من حقيقته و حقيقة امته كالعلم و القدرة هو اشرف  منهم فلا فضيلة له فى ذاته بذاته من حيث  هويته و ماهيته على سائر الأفراد . و هذا قبيح فاسد عندنا فان جوهر نفس النبى - صلى الله عليه و آله - بحسب  هويته التامة اشرف  جواهر النفوس الادمية و اشدها قوة و كمالا و انورها و اقواها تجوهرا و ذاتا و هوية , بل ذاته بذاته بحيث  بلغت  الى غاية مرتبة كل نفس و عقل كما قال : [ ( لى مع الله وقت  لا يسعنى فيه ملك  مقرب  و لا نبى مرسل](   , و ان كان مماثلا لها فى الماهية الانسانية من حيث  وجوده الطبيعى البشرى كما فى قوله تعالى ( 1 ) : [ ( إنما أنا بشر مثلكم](   . فظهر أن للنفس الانسانية تطورات  و شئونا ذاتية و استكمالات  جوهرية و هى دائمة التحول من حال الى حال . و من راجع الى ذاته يجد أن له فى كل وقت  و آن شأنا من الشئون المتجددة]( .

و اقول : كلامه هذا طعن على المشاء فانهم ذهبوا الى أن النفس روحانية الحدوث  حادثة مع حدوث  البدن , و صاحب  الأسفار ذهب  الى أنها جسمانية الحدوث  حادثة بحدوث  البدن و كلاهما متفقان على انها لاتفسد بفساد البدن و قد استوفينا البحث  عن ذلك  فى كتابنا دروس اتحاد العاقل بالمعقول . و العين التاسعة الاتية فى هذه المسألة ايضا . و هذا الطعن اورد عليهم فى عدة مواضع من كتاب  الأسفار و سيجىء نقلها فى العين التاسعة و العشرين . و لكن الطعن على الوجه المذكور غير وارد عليهم و ذلك  لانهم قائلون بأن تفاضل النفوس بحسب  تفاوت  اعتدال الامزجة , فافضل النفوس حادث  مع اعدل الأمزجة فالنفوس متفاوتة و متفاضلة بحسب  اعتدال الامزجة فى بدء حدوثها مع البدن . نعم الطعن عليهم وارد من جهات  شتى غير الجهة المذكورة و حدوث  النفس بحدوث  البدن و استكمالها بتحولات  جوهرية حكم حكيم و امر قويم .

ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و أما قولهم[ : ( ان المحرك  الأول يكون لا محالة متحركا بذاته](  فهو ايضا صحيح لان مرادهم من المحرك  الاول هو الفاعل المباشر للتحريك  و هو إما الطبيعة او النفس فيما له نفس , و قد مر بيان هذا المطلب  فى مباحث  القوة و مباحث  الحركة . أى بيان ان العلة القريبة للحركة الطبيعية العرضية كالكمية و الكيفية و الأينية و الوضعية لابد أن تكون جوهرا متبدل الهوية و الوجود , و إن كانت  ثابتة الماهية . و المراد من

پاورقى :

1 . الكهف  : 110 .

صفحه : 174

الحركة الطبيعية فى قولنا هذا ما يشمل الحركة النفسانية الوضعية التى فى الافلاك  لانها ايضا صادرة من طبيعة الفلك  التى هى نفسه باعتبار أن لها الادراك  و الارادة و الحركة النفسانية الكمية التى فى النبات  و الحيوان لأن هذه الحركات  طبيعية بوجه و نفسانية ايضا . و بالجملة فما من حركة ذاتية إلا و مباشرها طبيعة سارية فى الجسم , و هذه الطبيعة قد ثبت تجددها و تبدلها بحسب  الهوية الوجودية كما علمت  بالبرهان , و لا ينفك جسم طبيعى من هذا الجوهر إلا أن هذا الجوهر فى الفلك  و الحيوان و النبات  لا ينفك  عن النفس بمعنى أن النفس كمال هذا الجوهر و تمامه لا أن الطبيعة فى ماله نفس شىء له وجود , و النفس فيه جوهر آخر له وجود آخر حتى يكون فى شخص واحد جوهران متبائنان فى الوجود , احدهما طبيعة و الاخر نفس , فان ذلك  ممتنع جدا , بل كل شخص طبيعى له ذات  واحدة و صورة واحدة هى وجوده و بها هويته و شخصيته , فمن حيث  كونها مبدء الحركات  و الانفعالات  المادية طبيعة , و من حيث  ادراكها و تدبيرها نفس . و ايضا قد علمت  فى الفصل ان النفس التى فينا هى بعينها مبدء الحس و الحركة و التخيل و الوهم و التعقل , كل ذلك  بالبرهان . فقد ثبت  و تحقق حقية كلام الأقدمين أن المحرك  الأول للحركات  الذاتية امر متحرك  لذاته يعنى بهويته و وجوده , و ان النفس هى المحركة الأولية فيما له نفس اليها يتراقى التحريك  من الأعضاء بالعضل و الأعصاب  و ذلك  من حيث كونها عين الطبيعة المتجددة الهوية لذاتها , و بها يقع جميع الحركات  و الاستحالات  حتى القسرية و الاتفاقية و الارادية لما مر أن مرجعها الى الطبيعة و النفس](  .

و اقول : كلامه - رضوان الله تعالى عليه - ناظر الى أمرين أحدهما ان جميع الحركات  سواء كانت  طبيعية او ارادية او قسرية مبدئها هو الطبيعة , و الحركة متجددة و مبدء المتجدد يجب  أن يكون متجددا فالطبيعة يجب  أن تكون متجددة بحسب  الذات  اى تكون ذاتها منقضية متصرمة متجددة . و الطبيعة جوهر فهذا الجوهر متجدد آنا فانا اى سيال بحسب  ذاته و يقررها اشد تقرير كلام اهل العرفان بالتجدد فى الامثال كما سيأتى فى العين الخامسة عشرة .

و الأمر الثانى أن الجسم الالى بفعله كان مسخر كماله الذى هو نفسه و النفس من حيث  هى نفس كان الجسم مرتبتها النازلة أى الجسم حيوة متجسمة و كذلك  فى سائر اوصافه النفسية فالنفس فى كل واحد من شئونها و مظاهرها بحسبه فهى عالية فى دنوها و دانية فى علوها فهى مبدء الحس و الحركة و التخيل و الوهم و التعقل و غيرها فهى فى كل آن فى شأن خاص فى جميع مظاهرها و شئونها من القوى و محالها على وزان بارئها , قال سبحانه : [( كل

صفحه : 175

يوم هو فى شأن](   ( 1 ) . فالنفس جوهر ثابت  سيال محرك  متحرك مستكمل طبيعة و نفس لانه هوية واحدة ممتدة ظاهرها من الشهادة المطلقة , وظاهرها و باطنها بيد من له الأمر و الخلق و بيده ملكوت  كل شىء فمن سلك  من الاقدمين الى أن المحرك  الأول يكون لا محالة متحركا بذاته - الى آخر ما نقل عنهم الشيخ فى الشفاء , فقد صدق فى قوله و اصاب  الحق فى رأيه .

ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و أما قولهم إن ما يتحرك  لذاته فهو لا يموت فكلام حق لأن مرادهم منه أن ما ينبعث  حركته من ذاته و مقوم صورته لا من غيره لا يموت  فالاجسام بما هى أجسام مائتة لأن مبدء حركاتها أمر خارج عن جسميتها أعنى الجسم بالمعنى الذى هو مادة , و كل ما ينبعث  الحركة من ذاته بذاته فهو لا محالة متوجه الى الكمال الذاتى الجوهرى , و كل ما يتوجه نحو الكمال بحسب  الفطرة الأولى فهو لا يموت  بل يتحول من نشأة الى نشأة أخرى و من دار الى دار أعلى , و الحركة المنبعثة عن الذات  ليست الا نفسانية .

و أما هذه الحركات  الطبيعية التى للبسائط العنصرية من مكان الى مكان فليست  منبعثة عن ذات  المحرك  اذ شرط انبعاثها عن الطبيعة خروجها عن احيازها الطبيعية فهى بسبب  امر خارج عن ذات  المتحرك  . و أما حركات  المركبات  المعدنية و النباتية فهى ايضا مفتقرة فى انبعاثها الى امور خارجة كحرارة طابخة أو برودة جامعة أو رطوبة مسهلة لقبول الأشكال و التحولات  و غير ذلك  .

و أما الحركة الذاتية التى فى الطبيعة فهى و ان كانت  منبعثة عن الذات لكن الطبائع العنصرية البسيطة لتضادها متفاسدة غير باقية بالعدد . و أما جواهر النفوس الحيوانية و طبائع الأجرام الفلكية التى هى عين نفوسها فهى حية بحيوة ذاتية لانها دائمة التشوق الى منزل البقاء و حركتها . الى الكمال امر ذاتى لها . و تلك  النفوس ان كانت  عقلية كالنفوس الفلكية , و الكاملين فى العلم من النفوس الانسانية فلها حشر الى الله تعالى فى دار المفارقات  العقلية , و ان لم تكن عقلية بل وهمية أو خيالية فلها ايضا حشر الى عالم النفوس على طبقاتها فى الشرف  و الدنو و السعادة و الشقاوة فان الشقاوة فى المعاد لا ينافى الاستكمال فى الوجود النفسانى بحسب  الجربزة الشيطانية او الشهوة

پاورقى :

1 . الرحمن : 29 .

صفحه : 176

البهيمية او الغلبة السبعية فانها كمالات  لسائر النفوس , و رذائل للنفس الانسانية](  .

و أقول : قوله[ : ( و مقوم صورته](  مجرور معطوف  على ذاته أى ما ينبعث  حركته من ذاته و من مقوم صورته .

قوله[ : ( بالمعنى الذى هو مادة](  اى بشرط لا , و أما بالمعنى الذى هو جنس و لا بشرط فهو متحد مع النفس , بل هو نفس متجسمة .

قوله[ : ( و أما هذه الحركات  الطبيعة](  الخ . ناظر الى الحركة الأينية النقلية العرضية , و الحركة الجوهرية منوعة و لازم ذاتى للطبيعة وجودا , و التفكيك  بينهما بتحليل عقلى و لما كانت  ذاتى الطبيعة و ذاتى الشىء لا يعلل فالحركة الجوهرية لا تعلل .

قوله[ : ( و اما حركات  المركبات  المعدنية](  , يعنى أنها من حيث  هى معدنية لا تكون حركاتها ذاتية لها بل لابد فى انبعاثها عنها من امور خارجة عنها .

قوله[ : ( و أما الحركة الذاتية](  الخ استدراك  على ما قاله آنفا من أن كل ما ينبعث  الحركة من ذاته بذاته الخ فتبصر . فدريت  من هذا البحث عن الحركة فى الجوهر أى قسم منها متوجه الى كمالها الذاتى , و اى قسم منها مائتة , و أى قسم منها حية .

قوله[ : ( و ان لم تكن عقلية بل وهمية او خيالية فلها ايضا حشر الى عالم النفوس](  الخ . فالوهم و الخيال ايضا لهما حظ من التجرد و المفارقة عن المادة كما هو المبرهن عليه فى محله و سيأتى حولهما عدة مباحث  جليلة فى العيون المقبلة , و استيفاء البحث  عن ذلك  يطلب  فى كتابينا العربى و الفارسى فى اقامة الحجج على تجرد النفس الناطقة . ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و اما من جعل النفس جسما أراد بالنفس النفس الخيالية الحيوانية , و لم يرد بالجسم هذه الاجسام الطبيعية الواقعة تحت  الحركات  و الانفعالات  , بل شبحا برزخيا صوريا له أعضاء حيوانية , و تلك  النفس صورة حيوانية حية بذاتها ليست  حيوتها بأمر عارض عليها كهذه الاجسام . و بوساطتها يتصرف  النفس الناطقة فى هذا البدن الطبيعى و يدرك  الجزئيات  و الحسيات  كما اتفق عليه جميع السلاك و المكاشفين . و ذلك  الجسم هو الصورة التى يراها الانسان فى المنام حيث يجد نفسه مشكلا مصورا بجوارح و أعضاء , و انه يرى شخصه فى المنام يدرك ادراكات  جزئية و يعمل أعمالا حيوانية فيسمع باذنه و يرى بعينه و يشم بأنفه و يذوق بلسانه و يلمس ببشرته و يبطش بيده و يمشى برجليه و هذه كلها أعضاء روحانية غير هذه الأعضاء الطبيعية](  .

و اقول[ : ( قوله و تلك  النفس صورة حيوانية حية](  يعنى بها النفس الخيالية , و انما كانت

صفحه : 177

حية لأنها من منشئات  النفس الناطقة الحية بذاتها و قائمة بها قيام الفعل بفاعله و المظهر بظاهره . و النفس الناطقة بوساطة هذه النفس الخيالية تتصرف  فى هذا البدن الطبيعى . و هذه النفس الخيالية من الصور المثالية البرزخية و اتفق على القول بالصور البرزخية جميع السلاك  و المكاشفين من اهل الله .

و انما النكتة العليا فى كلامه المذكور هى العناية بمعنى الجسم الأخروى الذى هو بدن أخروى و الجسم بمعناه الموجود القائم المتحقق بذاته سواء كان طبيعيا أو غير طبيعى كان فى السنة الأوائل دائرا , و تجسم الأعمال مأخوذ من الجسم بهذا المعنى , و يعبرون عنه بالجسم الدهرى فمن البدن الطبيعى الى الأخروى تنتقل الى ان للانسان ابدانا طولية متفاوته بالنقص و الكمال . و معنى تجسم الأعمال هو ناظر الى هذه النكتة و هو اصطلاح علمى شريف  صدر عن صدر مشروح بمعرفتها فتدبر ترشد انشاء الله تعالى . و سيأتيك  ايضاحات  و ايماضات  فى ذلك  فى العيون المقبلة . و قد اشار الى الجسم الأخروى فى عدة مواضع اخرى ايضا من الاسفار و نتلو عليك  طائفة منها و هى ما يلى :

فمنها ما نقل فى آخر الفصل العشرين من الباب  الحادى عشر من نفس الاسفار عن فيثاغورس و كان من اعاظم الحكماء الاقدمين أنه قال[ : ( انك ستعارض لك  فى افعالك  و اقوالك  و افكارك  , و سيظهر لك  من كل حركة فكرية أو قولية او عملية صورة روحانية أو جسمانية](  الخ ( 1 ) . و منها قوله فى آخر الفصل السابع من الباب  العاشر من كتاب  النفس : [( و اما الايات  التى يستدل فيها على اثبات  الاخرة بخلق الاجرام العظيمة و الانواع الطبيعية فالغرض فيها اثبات  هذا المطلوب  من جهة نحو الفاعلية فان اكثر الناس يزعمون أنه لا بد من حدوث  شىء من مادة جسمية و طينية لأن حصول شىء لا من اصل محال فينكرون حدوث  عالم آخر و أشكال و صور فيها و لم يعلمو أن وجود الاكوان الأخروية أنما هو من باب  الانشاء بمجرد الجهات  الفاعلية , لا من باب  التخليق من اصل مادى و جهات  قابلية , فالله تعالى بينه على أن شأنه الأصلى فى الفاعلية هو الابداع و الانشاء لا التكوين و التخليق من مادة . و كذلك  خلق السموات  و الارض و اصول الأكوان فان وجودها لم يخلق من مادة أخرى بل

پاورقى :

1 . الاسفار لصدر المتألهين , ط 1 , ج 4 , ص 178 .

صفحه : 178

أوجدها على سنة الاختراع و الانشاء . و هكذا يكون انشاء الجنة و النار و الأجسام الموعودة فى الاخرة . فيندفع اشكال المنكرين للدار الاخرة انها فى أى مادة توجد , و فى أى قطر وجهة , و اين مكانها , و متى زمانها و وقت قيامها ؟ يطلبون للاخرة مكانا خاصا , و يسئلون عن الساعة أيان مرسيها , أى فى أى مكان من أمكنة هذه الاجسام , و يقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين أى فى أى زمان معين من أزمنة الدنيا , و لم يعلموا أن مكان الاخرة و زمانها ليس من جنس مكان الدنيا و زمانها , و لا أن وجودها و ايجادها ليس كوجود الاكوان الدنيوية و ايجادها , فلها نشأة أقوى حاصل من الانشاء , و لهذه خلقة حاصلة من التخليق](  ( 1 ) .

و للراقم تعليقة فى المقام بهذه العبارة : قوله و الاجسام الموعودة فى الاخرة , لهذا الكلام شأن و كأنه تمهيد و ارهاص لاثبات  الحشر الجسمانى . و ينبغى لك  أن تدبر فى الأجسام الأخروية حق التدبر فان تفاوت  الأبدان الدنيوية و الأخروية بالكمال و النقص , و الأخروية عين الدنيوية مع حفظ ذلك  التفاوت  , فالابدان مطلقا أجسام متحققة , و هى فى كل نشأة مرتبة نازلة للنفس , فتدبر . ثم من هذا البحث  الاسمى تعرف  سرا عظيما من اسرار ما فى قوله عليه السلام -  من عرف  نفسه فقد عرف  ربه ,  فتبصر . و منها فى آخر الفصل الثانى من الباب  المذكور حيث  قال[ : ( الحق أن المعاد فى المعاد هو هذا الشخص بعينه نفسا و بدنا , فالنفس هذه النفس بعينها و البدن هذا البدن بعينه بحيث  لو رأيته لقلت  انه بعينه فلان الذى كان فى الدنيا و ان وقعت  التحولات  و التقلبات  الى حيث  يقال هذا ذهب  و هذا حديد , و ربما ينتهى فى كلاهما الى حيث  يتحدان و يصيران عقلا محضا واحدا . و من أنكر ذلك  فهو منكر للشريعة ناقص فى الحكمة و لزمه انكار كثير من النصوص القرآنية](  ( 2 ) .

و للراقم تعليقة ايضا فى المقام بهذه العبارة : قوله بحيث  لو رأيته , ناظر الى الحديث  المروى عن صادق آل محمد صلوات  الله عليهم - و هو من غرر الأحاديث  , و هو الحديث  الاربعون من كتاب  الاربعين لأبى الفضائل الشيخ البهائى رواها باسناده  عن أبى بصير قال سألت  أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق - عليهما السلام - عن ارواح المؤمنين ؟ فقال[ : ( فى الجنة على صور أبدانهم لو رأيته لقلت  فلان](  .

پاورقى :

1 . الأسفار لصدر المتألهين , ط 1 , ج 4 , ص 140 .

2 . المصدر , ج 4 , ص 141 .

صفحه : 179

و على هذا المنوال قال فى اول الفصل الثالث  من الباب  الحادى عشر من كتاب  النفس فى رد شبهة الاكل و المأكول[ : ( و لا يلزم من كون بدن زيد مثلا محشورا أن يكون الجسم الذى منه صار مأكولا لسبع أو انسان آخر محشورا , بل كل ما يتعلق به نفسه فهو بعينه بدنه الذى كان . فالاعتقاد بحشر الابدان يوم القيامة هو أن يبعث  ابدان من القبور إذا رأى أحد كل واحد واحد منها يقول هذا فلان بعينه , و هذا بهمان بعينه , أو هذا بدن فلان و هذا بدن بهمان . و لا يلزم من ذلك  أن يكون غير مبدل الوجود و الهوية , كما لا يلزم أن يكون مشوه الخلق و الأقطع و الأعمى و الهرم محشورا على ما كان من نقصان الخلقة و تشويه البنية كما ورد فى الأحاديث]( و مراده - رضوان الله تعالى عليه - من قوله[ : ( أن يبعث  ابدان من القبور](  أن يبعث  أبدان أخروية برزخية من الأبدان الطبيعية المعبر عنها بالقبور كما صرح بذلك  فى قوله الرفيع فى الفصل السابع من الباب العاشر من نفس الاسفار[ : ( إن الله يبعث  من فى القبور قبور الاجساد و قبور الارواح اعنى الابدان](  ( 1 ) . و مما ينبغى الاعتناء به جدا هو ما صدر من قلم العلم الاية الشيخ محمد حسين كاشف  الغطاء - رضوان الله عليه - فى الفردوس الأعلى أن معنى المعاد الجسمانى كما فى بعض الأخبار أنك لو رأيته لقلت  هذا هو فلان بعينه - الى آخر ما افاد ( 2 ) . انتهت التعليقة . و سيأتى الكلام فى ذلك  فى العين التاسعة و الخمسين ايضا . و منها قوله فى الفصل الثالث  من الباب  الحادى عشر من كتاب  النفس : [( الحق أن لا عبرة بخصوصية البدن و تشخصه , و ان المعتبر فى الشخص المحشور جسمية ما أية جسمية كانت  . و ان البدن الأخروى ينشأ من النفس بحسب  صفاتها لا أن النفس تحدث  من المادة بحسب  هياتها و استعداداتها كما فى الدنيا .

و منها قوله الاخر فى الفصل المذكور فى تقرير الشبهة الخامسة وردها[ : ( إن من الفلاسفة الاسلاميين من فتح على قلبه باب  التأويل فكان يأول الايات الصريحة فى حشر الاجسام و يصرف  الأحكام الأخروية عن الجسمانيات  الى الروحانيات  قائلا ان الخطاب  للعامة و اجلاف  العرب  و العبرانيين و هم لا يعرفون الروحانيات  و اللسان العربى مشحون .

پاورقى :

1 . المصدر , ج 4 , ص 139 .

2 الفردوس الأعلى , طبع النجف  , ص 50 .

صفحه : 180

بالمجازات  و الاستعارات  , و العجب  منه كيف  غفل كجمهور الفلاسفة عن وجود عالم آخر جسمانى فيه أجسام و اشكال أخروية مع أعراضها كما قررناه . ثم كيف  حمل الايات  القرآنية الناصة الصريحة فى احوال المعاد الجسمانى على الأمور العقلية مع تصديقه للرسول و ايمانه فى القرآن و فيه مبالغات و تأكيدات  لما ذكرنا , الخ](  ( 1 ) .

و منها قوله فى الفصل السابع و العشرين من الباب  الحادى عشر من نفس الاسفار[ : ( جميع ما يراه الانسان يوم القيامة يراه بعين الخيال - الى قوله : و تلك  الصور المشهودة للنفس ليست  خارجة عن ذاتها بل عينها فالاجساد فى الاخرة و فى عالم الخيال عين الارواح , و هذا معنى تجسد الارواح و هى لا تكون إلا فى ذلك  العالم , و أما فى هذا العالم فالأرواح تتعلق بهذه الاجساد لا انها تتجسد و كذلك  الاجساد فى الاخرة تروحن و فى الدنيا لا يكون كذلك](   ( 2 ) .

و بعد ذلك  اتى بكلام العارف  العربى من بابين فى تجسد الارواح : احدهما الباب  الثالث  و السبعون و ثلاثمائة من الفتوحات  المكية , و ثانيهما هو الباب  الحادى و الثمانون و ثلاثمئة و قد استوفينا البحث  عن ذلك  فى رسالة العرفان و الحكمة المتعالية من أن امهات  مسائل الأسفار من مشايخ اهل العرفان سيما الفصوص و الفتوحات  , و صدر المتألهين بلغ غايتها و أقام البرهان على حقيقتها .

و منها فى الفصل الثالث  من الفن الخامس من الجواهر و الأعراض من الأسفار حيث  قال فى تفسير قول انكساغورس من ان اصل الاشياء جسم واحد موضوع للكل لا نهاية له و منه يخرج جميع الاجسام و القوى الجسمانية : لعله أراد بالجسم الاول الموجود الأول و عبر عنه بالجسم لأنه فاعلة و مقومه و مصوره ( 3 ) .

اقول : هذه كانت  عدة مواضع من الأسفار فى التصريح بالجسم الأخروى , و قد كنا جمعناها من قبل فى أثناء التدريس و أهديناها اليك  فى الحال , فلنرجع الى ما كنا من نقل تاويلات  الأراء المنقولة فى النفس من الأسفار .

ثم قال صاحب  الاسفار[ : ( و اما قول من قال انها من الاجرام التى لا تتجزى , فاراد .

پاورقى :

1 . الأسفار لصدر المتألهين , ط 1 , ج 4 , ص 156 .

2 . المصدر , ج 4 , ص 190 .

3 . المصدر , ج 2 , ص 163 .

صفحه : 181

بها الاجرام المثالية التى لا مادة لها . و قد مر بيان انها لا تقبل القسمة الوهمية فضلا عن الخارجية إذ لا مادة لها فقسمتها بالوهم يرجع الى ايجاد الوهم فردين آخرين منها ابتداء لا بجعل جسم جسمين . و كذا وصل الجسمين الخياليين جسما واحدا عبارة عن ايجاد جسم آخر من كتم العدم](  . و اقول : قوله[ : ( قد مر بيان أنها لا تقبل القسمة الوهمية الخ](  , اى قد مر فى الفصل الخامس من الباب  الخامس من كتاب  نفس الاسفار ان تفاوت  مقدار الصور الخيالية مع اتحادها فى النوع ليس للمأخوذ منه و لا للاخذ بأن يكون مادة قابلة لها , بل حاصل للمأخوذ بفعل الاخذ و انشائه دون قبوله و اتصافه ( 1 ) .

ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و اما نسبة الكروية الى النفس فلأنها ابسط الأشكال و لهذا كانت  الافلاك  كروية , فالنفس اذا تصورت  و تشكلت  و وقعت  فى عالم الطبيعة كانت  كرة كالافلاك  لكونها اسهل حركة كما قالوا , اذ بالحركة يخرج كمالات  النفوس من القوة الى الفعل . ثم التركيب الاتحادى بين النفس و البدن ثابت  عندنا كما ذهب  اليه بعض المتأخرين , فاتصاف  النفس بصفات  الجسم بالمعنى الذى هو جنس متحقق لكونها مبدء فصله و تمام ذاته و ان لم يتصف  بما هو مادة و هى صورة , و معلوم ان اعتبار الجنس و الفصل غير اعتبار المادة و الصورة , و فى اعتبار الأول كما يتصف  الاجسام بصفات  النفوس كذا يتصف  النفوس بصفات  الاجسام و لذلك  تشير الى نفسك  بانى كاتب  جالس , فكون النفس الفلكية كرة من هذا القبيل](  .

و اقول : قوله[ : ( اذ بالحركة يخرج الخ](  , دليل على الاحتياج الى الحركة , أى لما كانت  الحركة محتاجة اليها لتحصيل الكمالات  و الكرة اسهل حركة يلزم أن يكون الشكل هو الكرة . و قوله : بعض المتأخرين , يعنى به سيد المدققين . و ظاهر ان جعل النفس كروية بلحاظ تشكلها و تصورها فى عالم الطبيعة على الوجه المذكور فى الافلاك  . ثم تدبر فى كلام مشائخ اهل العرفان من ان الحركة حيوة ووجود كما فى الفص الموسوى من فصوص الحكم من ان الحركة حيوة فلا سكون فلا موت  , و وجود فلا عدم , فافهم .

ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و أما قولهم ان الحيوان يستنشق النفس بالتنفس , فالمراد ان فى الحيوان روحا بخاريا من قبيل الأجرام الفلكية فى الصفا و اللطافة , و هو خليفة النفس

پاورقى :

1 . المصدر , ج 4 , ص 58 .

صفحه : 182

فى البدن الطبيعى , و بالنفس يبقى اعتداله و تتغذى بالهواء المعتدل جوهره . و لما كان هذا الجوهر حاملا لقوة الحس و الحركة النفسانية و مفاضا من النفس على الدوام فى هذا البدن الطبيعى , فاطلقوا عليها اسم النفس و قد ذكره الشيخ فى بعض رسائله بلغة الفرس بهذه العبارة[ : ( روح بخارى راجان گويند , و نفس ناطقة راروان](  .

و أقول : سيأتى البحث  عن الروح البخارى و كون النسيم غذائه فى العين الحادية عشرة .

ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و أما من قال انها ليست  هى النفس بل أن محركها هو النفس و هى فيها و تدخل البدن بدخولها , فكلام حق لا غبار عليه و يرجع الى ما أولنا به الكلام السابق عليه فيتوافقان من غير تناقض](  . و اقول : يعنى من قال ان الاجرام الصغار الصلبة التى لا تتجزى ليست  هى النفس بل ان محركها هو النفس و النفس فى تلك  الاجرام و تدخل النفس بدخول تلك  الاجرام البدن , يرجع الى ما أولنا به الكلام السابق عليه و هو تأويل القول بان الحيوان يستنشق النفس بالتنفس .

ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و أما من قال إن النفس نار و إن هذه النار دائمة الحركة , فلم يرد بها هذه النار الاسطقسية بل فى الوجود نار أخرى هى حرارة جوهرية يتصرف  فى الاجسام بالاحالة و التحليل و هى الطبيعة , و فوقها نار النفس الأمارة بالشهوة و الغضب  و هى التى تطلع على الأفئدة كما اشير اليها فى الكتاب  الالهى , و اذا كسرت  سورتها بفعل الطاعات  و الرياضات  صارت  النار نورا و النفس الأمارة مطمئنة](  . و اقول : المراد من الحرارة الجوهرية هى الحرارة الغريزية و سيأتى البحث  عنها فى العيون المقبلة . و أما ما اشار الى نار النفس الأمارة فهو كما قال - عز من قائل - : [ ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا و سيصلون سعيرا](   ( 1 ) . ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و أما السالكون مسلك  الادراك  فقولهم[ : ( ان الشىء انما يدرك  ما سواه لانه متقدم عليه](  , فى غاية الصحة و القوة و الاستقامة فان المعلوم بالذات  هو الصورة الحاضرة عند المدرك  , و قد علمت  أن ادراك  الشىء هو وجوده للمدرك  و وجود شىء لشىء لا يكون الا بعلاقة ذاتية بينهما و ليست  العلاقة الذاتية الا العلية و المعلولية و لكن نسبة

پاورقى :

1 . النساء : 11 .

صفحه : 183

الصورة المدركة الى الذات  العالمة نسبة المجعول الى الجاعل لا نسبة الحلول و الانطباع كما علمت  فى مباحث  الوجود الذهنى و فى مباحث  الابصار و غيرهما](  .

و اقول : المعلوم بالذات  هو فى مقابل المعلوم بالعرض , و المعلوم بالذات  هو ما تقرر فى صقع ذات  العالم و صار عين نفسه وجودا على وزان صورته الخارجية بانشاء النفس و تلك  الصورة الخارجية من حيث  أن النفس توجهت  اليها و انشأت  مثالها و صورتها فى سر ذاتها . و راجع فى ذلك الى الدرس الحادى عشر من كتابنا دروس اتحاد العاقل و المعقول ( 1 ) . ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و أما جعل بعضهم النفس من الجنس الذى كان يراه المبدأ إما نارا أو هواء أو ارضا أو ماء , فلعله أراد من المبدء القريب  لتدبير الأجسام و تصريفها فمن جعلها نارا أراد بها ما مر ذكره . و من جعلها هواء فلعله أراد به الشوق و المحبة فان النفس عين المحبة , ثم التعبير عن المبدء الأول بالعشق مما شاع فى كلام العرفاء و للناس فيما يعشقون مذاهب  . و من جعلها ماء فاراد به عين ماء الحيوة الذى به حيوة كل شىء ذى نفس كما قال - تعالى - : [ ( من الماء كل شىء حى]( ( 2 ) , و النفس حيوة الجسم كما أن العقل حيوة النفس و لهذا عبر بعض الأوائل عن العقل الكل بالعنصر الأول و جعله ماء , و ربما كان المراد بالعنصر الأول الوجود الفائض منه - تعالى - على الموجودات  كلها على الترتيب  . و من سماها ارضا فلكونها فى ذاتها قابلة للعلوم و الصور الادراكية الفائضة عليها من سماء العقل , فالنفس القابلة للصور العلمية ارض الحقائق فى مرتبة كونها عقلا هيولانيا فيفاض عليها المعارف  العلمية النازلة من سماوات  العقول الفعالة كما ينزل الأمطار التى بها تحيى الارض بعد موتها و قد ورد فى الحديث  أن القلوب  تحيى بالعلم كما تحيى الارض بوابل السماء](  .

و أقول : قوله[ : ( اراد به ما مر ذكره](  , يعنى به الحرارة الغريزية .

قوله : و من جعله هواء فلعله اراد به الشوق و المحبة , اى الهواء بأحد معانيه اللغوية لا بمعناه العنصرى كقول الشاعر :

[ ( أنا من أهوى و من أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

فاذا أبصرتنى أبصرته

و إذا أبصرته أبصرتنا](

پاورقى :

1 . دروس اتحاد العاقل بالمعقول للمؤلف  , ط 1 , ص 209 . 2 . الانبياء , 31 .

صفحه : 184

و قالت  الرابعة العدوية :

[ ( أحبك  حبين حب  الهوى

و حبا لأنك  اهل لذاكا

فاما الذى هو حب  الهوى

فذكرك  فى السر حتى أراكا

و أما الذى أنت  اهل له

فشغلى بذكرك  عمن سواكا

فلا الحمد فى ذا و لا ذاك  لى

و لكن لك  الحمد فى ذا و ذاكا

قوله[ : ( و من جعلها ماء الخ](  . الماء صورة العلم الذى به حيوة النفوس كما أن حيوة الأبدان بالماء الذى منه كل شىء حى , فالعلم سبب حيوة الارواح كما أن الماء سبب  حيوة الاشباح , و كذلك  يعبر الماء بالعلم و فسر ابن عباس  و انزلنا من السماء ماء  بالعلم . و تدبر فى الحديث من تمثل العلم بشىء مثل الغمام كما فى روح الجنان  قال - صلى الله عليه و آله[ : - ( توضع الموازين القسط يوم القيامة فيؤتى عمل الرجل فيوضع فى ميزانه , ثم يؤتى بشىء مثل الغمام أو مثل السحاب  فيقال له أتدرى ما هذا ؟ فيقول : لا , فيقال : هذا العلم الذى علمته الناس فعملوا به بعدك]( ( 1 ) .

و المراد من بعض الأوائل هو ثاليس الملطى و فى الحكمة المنظومة للسبزوارى[ : ( فثاليس يرى ذا الجسم ماء](  ( 2 ) . بل و قد نقل قوله و قول عدة اخرى من اعاظم القدماء يقرب  من هذا فى الجواهر و الأعراض من الأسفار فى الفصل الثالث  من الفن الخامس منه ( 3 ) .

و فى روضة الكافى  عن امامنا باقر علوم النبيين - عليهم السلام - . . . [( و لكنه كان إذ لاشىء غيره , و خلق الشىء الذى جميع الاشياء منه و هو الماء الذى خلق الاشياء منه فجعل نسب  كل شىء الى الماء و لم يجعل للماء نسبا يضاف  إليه](   .

قوله[ : ( و ربما كان المراد بالعنصر الاول الوجود الفائض منه - تعالى - على الموجودات  كلها على الترتيب](   , يعنى به الصادر الاول المسمى بالنفس الرحمانى و الوجود العام و العماء و الرق المنشور و النور المرشوش و الوجود الفائض و الأسم الأعظم و مادة الممكنات  و هيوليها و أسام اخرى كثيرة محررة فى الصحف  العرفانية كمصباح الأنس پاورقى :

1 . بحر المعارف  للمولى عبد الصمد الهمدانى , ص 177 .

2 . الحكمة المنظومة للسبزوارى , ص 258 .

3 . الأسفار , الفصل الثالث  من الفن الخامس , ص 491 .

صفحه : 185

و فصوص الحكم و الفتوحات  المكية , بل و فى المرحلة السادسة من الأسفار فى العلة و المعلول ايضا .

و هو اول ما صدر عن الحق سبحانه , و اول ما خلقه الله تعالى هو العقل . و فى الخلق تقدير و الصادر الأول مقيد بالاطلاق عن التقدير , و العقل أول نقش انتقش على ذلك  الرق المنشور لذلك  قال فى المصباح المذكور[ : ( إن الوجود العام لكونه بسيطا فى ذاته كالأول بعينه لولا تقيده بنسبة العموم](  ( 1 ) .

فقوله : ربما كان المراد بالعنصر الاول الوجود الفائض منه , عدول من الخلق الأول الى الصادر الأول . ثم تدبر فى قوله - سبحانه : [ ( و كان عرشه على الماء](   ( 2 ) و فى قوله : [ ( و جعلنا من الماء كل شىء حى ](  ( 3 ) ايضا حتى يظهر لك  أن اصل كل شىء هو ماء الحيوة و هو الماء الذى خلق الأشياء منه فجعل نسب  كل شىء اليه . و ان شئت  فراجع فى ذلك الى كتابنا نصوص الحكم ( 4 ) , و الى رسالتنا الوحدة فى نظر العارف  و الحكيم ( 5 ) .

ثم قال صاحب  الاسفار[ : ( و من رأى أن المبادى هى الأعداد و جعل النفس عددا , أراد من العدد كما أراد اصحاب  فيثاغورس و تأويل كلامهم ان المبدء الأول واحد حقيقى و هو مبدء الاشياء كما أن الواحد العددى مبدء الأعداد , لكن المبدئية و الثانوية و الثالثية و العشرية فى هذه الأعداد الجسمانية الكمية ليست  ذاتية لهذه الوحدات  , فكل ما صار اول لم يمكن له أن يصير ثانيا و الثانى منها يجوز أن يكون اول , بخلاف  المبدء الأول تعالى فمبدئيته و اوليته عين ذاته , و كذا ثانوية العقل الأول عين ذاته لا يتبدل , و كذا مرتبة النفوس بعد مرتبة العقول , فاطلاق العدد على المبادى العقلية و النفسية من جهة ترتيبها فى الوجود ترتيبا لا يمكن تبدله , فالعددية فيها ذاتية و فى غيرها عرضية فهى الأعداد بالحقيقة , كما أن الوحدة و الأولية ذاتية للحق الأول و فيما سواه اضافية فهو الواحد الحق و ما سواه زوج تركيبى](  .

پاورقى :

1 . مصباح الأنس , ط 1 , ص 70 .

2 . هود : 7 .

3 . الانبياء : 31 .

4 . نصوص الحكم للمؤلف  , ط 1 , ص 174 .

5 . الوحدة فى نظر العارف  و الحكيم , للمؤلف  , ط 1 , ص 84 . صفحه : 186

و اقول : هذا البيان الشريف  هو فى أن المبادى هى الأعداد كما ذهب اليه آل فيثاغورس قد انتشأ من الصحف  العرفانية من كون اسماء الله سبحانه توقيفية فان توقيفية الاسماء فى منظرهم الأعلى بمعنى أن كل كلمة وجودية فى مرتبتها الخاصة بحسب  النظام الكيانى الناشىء من النظام العلمى العنائى الربانى , فلكل منها مقام معلوم لا تتجافى عنه و لا تبدل و لا تحول . و قد اشار الى توقيفية الاسماء بهذه اللطيفة الشريفة صائن الدين على بن محمد التركة فى عدة مواضع من تمهيد القواعد شرح رسالة قواعد التوحيد :

منها فى مقدمته فى بيان مسائل علم العرفان حيث  قال[ : ( و أما المسائل هيهنا فهى عبارة عما تتبين به متعلقات  هذه الحقائق و الاسماء من المراتب  و المواطن و تخصيص كل منها بموطنه و محتده فان لكل اسم موطنا يختص به , و هذا هو المراد بتوقيفية اسماء الله تعالى على قواعدهم](  ( 1 ) .

و منها فى شرح الفصل الثامن و العشرين حيث  قال ابوحامد التركة[ : ( و اعلم ان تلك  الهوية المطلقة الواحدة بالوحدة الحقيقة تلزمها النسبة العلمية اولا بحصول نفسها فى نفسها لنفسها , و تلزمها بتوسط هذا اللازم الواجبية بالذات  و الموجبية و المفيضية و غيرها من الصفات  المترتبة و غير المترتبة اللازمة لذاتها](  قال الشارح[ : ( هذا شروع فى بيان تفريع التفصيل الأسمائى على الاجمال الذاتى و كيفية انتشاء تلك  الاسماء باجناسها و انواعها و اصنافها و تعيين متعلقات  كل منها و مواطن اعتبارها فان لكل اسم مبدء لا يظهر ذلك  إلا فى موطن خاص من مواطن تنوعات  الذات  , و مرتبة مخصوصة من مراتب  تنزلاتها لا يطلق ذلك  الاسم عليها إلا بذلك  الاعتبار و هذا معنى من معانى ما عليه أئمة الشريعة - رضوان الله عليهم - ان اسماء الحق توقيفية و ذلك  من امهات  مسائل هذا الفن](  ( 2 ) .

و منها فى شرح الفصل الثانى و الاربعين قال[ : ( ثم انها لما ظهرت  تلك الهوية فى النفس الرحمانى الذى هو محل تفاصيل الأسماء و مظهر تعينات الغير و السوى بحسب  الارادة المخصصة , و الاستعدادات  المختلفة حسب اختلاف  شئونها الذاتية الحاصلة بالفيض الأقدس و الوسائط المتعددة بناء على ما تقرر عندهم أن تلبس الهوية السارية و الحقيقة النازلة بالصور السافلة لا يمكن الا بعد تلبسها بالعالية منها ضرورة ان الاسماء توقيفية , اذ بحصول الأعلى

پاورقى :

1 . تمهيد القواعد لابن تركة , ط 1 , ص 12 .

2 . المصدر , ص 78 .

صفحه : 187

تستعد لتحصيل الأنزل منها كتلبس المادة بالصورة الحيوانية مثلا فانها انما يمكن بعد تلبسها بالنباتية و حصول ذلك  الاستعداد لها فالمراد من الوسائط هيهنا هو حصول الاستعدادات  المرتبة الواقعة فى دائرة مراتب الوجود](  ( 1 ) .

و منها ما قال فى شرح الفصل الخامس و الاربعين فى البحث  عن الرؤية : [( التباس الطبيعة الواجبية بتلك  الملابس المظهرة لها فى المدارك  من الغاية المطلوبة الباعثة للحركة الايجادية فيجب  أن يكون مشاهدة مدركة بهذه الحيثية . نعم يلزم أن لا يطلق عليه حينئذ اسم الواجب  لأن الاسماء توقيفية كما سبق الايماء اليه](  ( 2 ) .

ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و أما من رأى منهم أن الشىء انما يدرك شبيهه , و أن المدرك  بالفعل شبيه بالمدرك  , فقوله حق و صواب  و قد تكرر منا فى هذا الكتاب  ان المدرك  دائما من جنس المدرك  فاللمس يدرك  الملموسات  و هو من جنسه , و كذا الذوق يدرك  المذوقات  و هو من جنسه , و النور البصرى يدرك  المبصرات  , و الخيال يدرك  المتخيلات  , و الوهم يدرك  الوهميات  , و العقل العقليات  . و بالجملة كل قوة ادراكية إذا تصور بصورة المدرك  يخرج ذاته من القوة الى الفعل , و لا شبهة فى أن القوة القريبة و الاستعداد القريب  من الشىء من جنس صورة ذلك  الشىء و فعليته . ثم إنك  قد علمت  بالبرهان القطعى اتحاد العاقل بالمعقولات  و الحس بالمحسوسات  و الاتحاد اشد من الشبه . و علمت  أن النفس اذا صارت عقلا تصير كل الأشياء , و هى ايضا الان تتحد بكل من الأشياء التى تستحضرها فى ذاتها أعنى صور تلك  الاشياء لا اعيانها الخارجة عنها , و لا يلزم من ذلك  تركيب  النفس من تلك  الأمور الخارجية و لا صورها ايضا , بل كلما صارت  النفس اكمل صارت  اكثر جمعا للأشياء و اشد بساطة اذ البسيط الحقيقى كل الأشياء كما مر برهانه](  .

و أقول[ : ( قوله لا اعيانها الخارجة عنها](  بل النفس فى اعتلائها تتحد بالصادر الأول وجودا و حينئذ تصير اعيان الاشياء الخارجية من شئون ذاتها كما هى كانت  من شئون الصادر الاول الذى هو رق منشور و حينئذ تتصرف  فى مادة الكائنات  و تصير كلمة كن . و قد استوفينا البحث  عن ذلك  فى رسالتنا نهج الولاية , و فى كتابنا اتحاد العاقل بالمعقول . ثم قال صاحب  الأسفار[ : ( و اما قول الجامعين بين الأمرين الادراك  و الحركة , فاذا

پاورقى :

1 . المصدر , ص 122 .

2 . المصدر , ص 129 .

صفحه : 188

صح تأويل الكلام فى كل واحد منها صح فى المجموع .

و اما المعتبرون فى سلوك  معرفة النفس أمر الحيوة , فمن قال : إن النفس حرارة غريزية فالحار الغريزى قد ثبت  أنها جوهر سماوى منبعث  فى البدن عن النفس و تفعل النفس به الافعال الطبيعية و النباتية و الحيوانية , و هذا الجوهر الحار هو الروح الحيوانى و هو عندنا بسيط غير مركب  من الاسطقسات  و قد مر أنه خليفة النفس و متصل بها . و من قال : إنها برودة فلعله تجوز بها عن كيفية حالها و علمها اليقينى , أو راحة البدن بها و سلامته عن الافات  ما دامت  النفس حافظة للمزاج . و أما من قال إنها الدم فالدم لكونه مركب  الروح البخارى و هو يجرى فى كل البدن و يتوسط لسرى الحيوة فى الأعضاء فاطلق اسم النفس عليه إما من باب الاشتراك  او التجوز , و اطلاق النفس على الدم شائع فى هذا الزمان ايضا ]( .

و اقول : قوله[ ( و هو عندنا بسيط غير مركب  من العناصر](  اختلفوا فى الجوهر الاسطقسى المركب  من العناصر هل العناصر باقية على صورها النوعية , أو غير باقية ؟ و المشهور و وافقهم الشيخ الرئيس على الاول , و طائفة من المتقدمين و وافقهم صاحب  الاسفار على الثانى .

قال المحقق الطوسى فى آخر شرحه على الفصل الخامس من ثانى الاشارات  فى بيان مذهب  الشيخ و المشاء فى ذلك[ :  ( إن الكائن نباتا و حيوانا انما تتصل به صورة كمالية نباتية كانت  أو حيوانية مع بقاء صور أجزائه العنصرية بحسب  مزاجه](  .

بل الشيخ صرح بمذهبه ذلك  اعنى بقاء صور الاجزاء العنصرية فى الجوهر العنصرى المركب  منها فى الفصل الثانى و العشرين من النمط الثانى من الاشارات  فى بيان كيفية تولد المركبات  الثلاث  أى المعدن و النبات  و الحيوان من الاصول اى العناصر الاربعة فقال[ : ( و اذا امتزجت  لم تفسد قواها و إلا فلا مزاج , بل استحالت  فى كيفياتها المتضادة المنبعثة عن قواها متفاعلة فيها حتى تكتسى كيفية متوسطة توسطا ما فى حد متشابه فى اجزائها و هى المزاج](  .

و كذلك  قال بهمنيار فى التحصيل[ : ( الجواهر العنصرية ثابتة فى الممتزج بصورها متغيرة فى كيفياتها فقط , و كيف  لا تكون ثابتة فيه و المركب  إنما هو مركب  عن أجزاء فيه مختلفة , و إلا لكان بسيطا لا يقبل الأشد و الأضعف  , و أما كيفياتها و لواحقها فتكون قد

صفحه : 189

توسطت  و نقصت  عن حد الصرافة](  ( 1 ) .

ثم ان الشيخ قد شنع فى الشفاء على القول الثانى و استغر به و هو القول بأن تلك  العناصر غير باقية فى المركب  منها , حيث  قال فى الفصل السابع من الفن الثالث  من طبيعياته ( 2 ) فى نقل هذا المذهب  و ابطاله ما هذا لفظه[ : ( لكن قوما قد اخترعوا فى قرب  زماننا مذهبا غريبا عجيبا و قالوا ان البسائط اذا امتزجت  و انفعل بعضها من بعض تأدى ذلك  بها إلى أن تخلع صورها فلا يكون لواحد منها صورته الخاصة , و تلبس حينئذ صورة واحدة فيصير لها هيولى واحدة و صورة واحدة , فمنهم من جعل تلك  الصورة أمرا متوسطا بين صورها ذوات  الحمية , و يرى أن الممتزج يستعد بذلك لقبول الصورة النوعية التى للمركبات  , و منهم من جعل تلك الصورة صور أخرى هى صورة النوعيات  و جعل المزاج أمرا عارضا لا صورة . الخ](  . ثم شرع الشيخ فى ابطال هذا المذهب  فى المزاج . و اقول : قوله[ ( فمنهم من جعل تلك  الصورة أمرا متوسطا](  , اى كأنهم قالوا بان هذه الصورة المتوسطة هى المزاج , و ان الممتزج يستعد بذلك  أى بواسطة حصول هذه الصورة المتوسطة لقبول الصورة النوعية التى للمركبات  . و الحميا كالثريا شدة الغضب  و أوله , و من الكأس سورتها و شدتها , و من كل شىء شدته .

و هذا المذهب  الذى استغربه الشيخ و استعجب  منه استصوبه صاحب  الأسفار ففى الأول من الفصل الأول من الباب  الثانى من كتاب  نفسه اشار الى مذهبه اجمالا بقوله[ :  ( ان البدن جوهر اسطقسى مركب  من عناصر متنازعة بطباعها الى الانفكاك  , و الذى يجبرها على الامتنزاج و حصول المزاج قوة غيرها سواء قلنا إن العناصر باقية على صورها النوعية كما هو المشهور و عليه الشيخ و غيره من العلماء , أو قلنا إنه غير باقية الخ](  ( 3 ) . و كذا فى المقام فى تأويل الاراء و المذاهب  فى النفس حيث  قال[ : ( و هو عندنا بسيط غير مركب  من الاسطقسات  كما نقلناه](  ( 4 ) . پاورقى :

1 . التحصيل لبهمنيار , ط 1 ايران , ص 693 .

2 . الشفاء للشيخ الرئيس , ط 1ج 1 , ص 205 .

3 . الأسفار لصدر المتألهين , ط 1 , ج 4 , ص 6 .

4 . المصدر , ج 4 , ص 62 .

صفحه : 190

و كذا فى الفصل التاسع من الفن السادس من الجواهر و الأعراض من الأسفار اشار الى مذهبه اجمالا بقوله[ : ( أنا سنبين فى مبحث  المزاج زيادة تبيين أن شيئا من العناصر غير موجودة بصرافته فى هذه الأنواع الطبيعية](  ( 1 ) .

و كذا اشار اليه اجمالا فى اول الفصل الرابع عشر من سادس الجواهر و الاعراض فى تحقيق ماهية المزاج و انيته حيث  قال[ : ( إن المزاج كيفية بسيطة ملموسة من جنس اوائل الملموسات  متوسطة بين الكيفيات  الاربع الأول توسطا ما متشابهة الأجزاء , حتى أنها تكون بالقياس الى الحرارة الشديدة برودة , و بالقياس الى البرودة الشديدة حرارة , و بالقياس الى اليبوسة رطوبة , و بالقياس الى الرطوبة يبوسة , و أنها فى الجسم ذى المزاج بحيث  يكون ما وجد منها فى كل جزء من أجزائه مثل ما وجد منها فى جزئه الاخر لاتفاوت  بينها إلا فى الموضوع ذاتا و وضعا كما هو عند الجمهور , او وضعا فقط كما هو عندنا](  ( 2 ) .

قوله[ : ( حتى أنها تكون بالقياس](  , اشارة إلى معنى التوسط . و قوله [ :( و إنها فى الجسم ذى المزاج , اشارة الى معنى التشابه](  . و قوله : [( ذاتا و وضعا](  , بيان الحال الموضوع .

و فى الفصل الخامس عشر من الفن المذكور بين مذهبه المذكور فى المزاج من عدم بقاء العناصر على صورها النوعية فى المركبات  على التفصيل ( 3 ) . ففى هذا الفصل يذكر فى المزاج ثلاثة مذاهب  اصلية , احدها أنه يحصل بامتزاج العناصر و هى باقية فى الممتزج بصورها النوعية المحضة إلا أنها قد تصغرت  فى الغاية .

و ثانيها انه يحصل بالامتزاج و لكنها غير باقية فى الممتزج بنحو المحوضة بل تخلع صورها و تلبس صورة واحدة أخرى فتصير لها هيولى واحد و صورة واحدة . . .

و ثالثها أنه يوجد بلا امتزاج منها ايضا , و لكن الذى يحصل من الامتزاج كما فى المواليد فهو على الوجه الذى ذهب  اليه صاحب  المذهب  الثانى , و الأخير مذهب  صاحب  الأسفار , و الشيخ ذهب  الى الاول ورد على الثانى و حسبه مذهبا محدثا مخترعا .

و اعلم أن ملخص كلام الشيخ فى المقام هو أنه قال فى عدة كتبه[ : ( إن المزاج هو كيفية متوسطة بين الكيفيات  الاربع الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة مع بقاء الصور النوعية

پاورقى :

1 . المصدر , ج 2 , ص 194 .

2 . المصدر , ج 2 , ص 202 .

3 . المصدر , ج 2 , ص 206 .

صفحه : 191

للعناصر](  . فعلى مذهبه يكون العناصر المركبة الكائنة صورتان نوعيتان , منها الصورة التى كانت  للمركب  , و الثانية الصورة التى لكل واحدة من البسائط , و حلول الصورتين فى محل واحد محل تأمل و منع , بل نقول يمكن للحرارة الساذجة الخالصة التى فى غايتها أن تنكسر سورتها الأصلية فتصير معتدلة فى مزاجها المتوسط بين الكيفيات  الأربع فحينئذ لا صور للعناصر بأجمعها حتى تبقى فى المركب  الحادث  . و الشيخ لما ادعى الايجاب  الكلى كفانا مؤنة السلب  الجزئى فى مقام الرد عليه فافهم .

ثم قال صاحب  الأسفار فى التأويل[ : ( و أما من قال[ : ( ان النفس تأليف  , اراد به المؤلف  بالكسر لأنها يؤلف  بين عناصر البدن و اجزائها على نسبة وفقية فيها أحدية الجمع . أو أراد به المؤلف  بالفتح لأن جوهرها مؤلف  من معان و صفات  على نسبة معنوية شريفة نورية ينشأ منها النسبة الاعتدالية المزاجية فى البدن و هذه كلها ظل لها و حكاية عنها فان جميع ما يوجد فى العالم الأدنى الطبيعى من الصور و اشكالها و احوالها توجد نظائرها فى العالم الاعلى على وجه الشرف  و أعلى](  . و اقول : قوله[ : ( على نسبة وفقية فيها احدية الجمع](  , كلام بعيد الغور و هو على ظاهره محمول على نسبة اعتدالية كما صرح بعد ذلك  عليه بقوله[ : ( ينشأ منها النسبة الاعتدالية](  . و يمكن أن يتضمن معنى الوفقية على مصطلح علم الأوفاق من شعب  الارثماطيقى و قد اشرنا الى طائفة منها مناسبة لمسائل الحكمة المتعالية فى رسالتنا الوحدة فى نظر العارف و الحكيم ( 1 ) و تفصيلها يطلب  فى تأليفنا الدروس الأوفاقية , و لكنه لم يطبع بعد .

ثم فى تأويل قول من قال إن النفس تأليف  , و إن النفس هى هذه الجملة , كلام و بيان لبهمنيار فى التحصيل ( 2 ) يأتى نقله فى العين الخامسة فى أن النفس غير الجسمية و المزاج .

ثم قال صاحب  الأسفار فى التأويل و هو آخر كلامه فيه - شكر الله سبحانه مساعيه[ : - ( و أما قول من قال إنها هو الاله , فلعله أراد به الفناء فى التوحيد الذى نقل عن اكابر الصوفية لا المعنى الذى ادعاه الفراعنة و الملاحدة - تعالى عما يقوله الملحدون - . و أما من قال إنه تعالى فى كل شىء بحسبه فيكون فى شىء طبعا و فى شىء نفسا و فى شىء عقلا , فلست  أصحح كلامه حذرا عن سوء الأدب  لكنى أقول : النفس الانسانية فى شىء طبع و فى شىء حس

پاورقى :

1 . الوحدة فى نظر العارف  و الحكيم للمؤلف  ط 1 , ( منشورات  فجر ) , ص 33 , 35 .

2 . التحصيل لبهمنيار , ط 1 , ص 734 .

صفحه : 192

و فى شىء خيال و فى شىء عقل فهى الجوهر العاقل المتخيل السميع البصير الشام الذائق اللامس الغاذى النامى المولد , و هى مع ذلك  جوهر بسيط غير منقسم جعلها الله مثالا له ذاتا و صفة و خليفة له فى هذا العالم ثم فى العالم الأعلى و جعل معرفتها سببا لمعرفته تعالى . فهذا ما تيسر لنا فى تأويل رموزهم و إظهار كنوزهم](  .

و أقول كما أن النفس فى علوها دانية حتى انها كانت  فى شىء طبعا و كانت  دافعة و جاذبة و فى وحدتها كل قويها , و فى دنوها عالية حتى انها كانت  فوق الطبيعة و لها التجرد البرزخى و التجرد التام العقلى و المقام الذى هو فوق التجرد اى المقام اللايقفى و هى القاهرة على شئونها كلها و لها وحدة حقة حقيقية ظلية , كذلك  الحق المطلق سبحانه و لها وحدة حقة حقيقية ذاتية , و الاسماء توقيفية كما مرت  الاشارة اليه  و قال النبى و الوصى - عليهما السلام[ : - ( من عرف  نفسه فقد عرف  ربه](   . و فى باب  آداب  الخلاء من البحار : [ ( و روينا عن على - عليه السلام - أنه كان اذا دخل المخرج لقضاء المخرج قال : بسم الله اللهم انى اعوذ بك من الرجس النجس الخبيث  الشيطان الرجيم , فاذا خرج , قال : الحمد الله الذى عافانى فى جسدى و الحمد لله الذى أماط عنى الأذى  . ثم روى عن الامام ابى عبدالله عليه السلام حديثا آخر قريبا منه ( 1 ) . و فى رواية اخرى :  الحمد لله الذى دفع عنى الأذى و عافانى ,  , مكان أماط عنى الأذى , مع ان القوة الدافعة النفسية دفعت  الأذى , و التوحيد الصمدى هو يوجب  هذا و ليس إلا , فأين سوء الأدب  ؟ ! و العجب  من كلامه المعجب  انه للاحتراز عن ذلك  السوء تمسك  بحديث  النفس و تأدب  بما اجتنب  و لايخفى حسن صنيعته قدس سره الشريف  فى حسن الأدب  مع الله , و الاحتراز عن سوء أدب  الأفواه العامية و دأبها و إساءتها باهل التوحيد , كما قال على بن أبى طالب  القيروانى[ : ( الجاهلون لأهل العلم اعداء , حيث  لم يقل بالعكس](  : العالمون لأهل الجهل أعداء , أو لم يقل : بين الجاهل و العالم معاداة :

تبصرة : ما مر نقله عن كشف  الفوائد من[ : ( ان المحققين من المتكلمين ذهبوا إلى ان الانسان عبارة عن اجزاء اصلية فى هذا البدن باقية من اول العمر الى آخره لا يتطرق اليها الزيادة و النقصان و لا يتبدل](  فانما جعله فى قبال من قال بأنه هذا الهيكل المحسوس , ثم ضعف  القول بالهيكل بقوله : بانه يزيد و ينقص و يتبدل الأجزاء بالبعدية . و مراده من پاورقى :

1 . بحار الانوار للمجلسى , ط 1 , ج 18 , ص 46 .

صفحه : 193

البعدية الأقطار الثلاثة , و الظرف  متعلق بالافعال الثلاثة , فيستشم منه ان القائل بالأجزاء قائل بانها ليست  بأجسام و يؤل الى ما قلنا من توجيه الأجزاء و تأويلها الى الروح الانسانى فتأمل .

ثم ان امتناع اعادة المعدوم أبين من الشمس فى دائرة نصف  النهار فى السماء الصحو , على أن الموت  ليس باعدام الانسان و عدمه كما سيجى البحث  عن ذلك  فى العين الاثنتين و الخمسين , و كانهم اطلقوا لفظ المعدوم على المخفى او الغائب  أو المستور أو نحوها ثم جوزوا اعادته اى ظهوره و اظهاره . و بالجملة على ظاهر القول بالأجزاء كما فهمه هؤلاء , و ما أوتوا به فى بيان مرامهم , يطردها العقل و النقل قد أعرضنا عن الورود فيها خوفا للاسهاب  .

ثم إن الانسان ليس من أجزاء ترابية فقط , فلم لا يتفوهون بالأجزاء الدموية و النارية و الهوائية و المائية . ثم ان تلك  الأجزاء هى أجزاء أى زمان منه . ثم تقبل سؤالات  أخرى لا طائل تحتها . و الانسان محشور و له معاد على الوجه الأرفع الذى بينه منطق الوحى القرآنى , و ما بينه القرآن ليس الا عين العرفان و نور البرهان و متن الأعيان . و المولى صدر المتألهين فى الفصلين الثامن و التاسع من عاشر نفس الأسفار قد استوفى البحث  عن القول بالأجزاء و ايراد الاعتراضات  عليه و تسديد الحكم الحق و تحكيمه ( 1 ) .

و مما يجب  التنبيه عليه أن ما ذهب  اليه جمهور الحكماء من تجرد النفس الناطقة , فهو و ان كان كذلك  و لكن النفس لها ابدان طولية متفاوته بالنقص و الكمال فالنفس فى عين كونها مجردة بانحاء التجرد ليست بعارية عن بدن فما ذهب  اليه جمهور الحكماء من المشاء باطلاقه الظاهر ليس بصحيح , و لا ينافى كون النفس ذات  بدن , تجردها البرزخى او العقلى أو فوق التجرد , فافهم . ثم معنى تجردها هو التجرد عن المادة لا عن الماهية فان كل ممكن زوج تركيبى من وجود و ماهية , و الفرد على الاطلاق هو الوجود الصمدى - تعالى شأنه - . و لو تفوه متوغل فى الحكمة المتعالية بتجرد النفس الناطقة عن الماهية فمراده غلبة احكام وجودها على ماهيتها , و انطماس احكام ماهيتها فى شمس وجودها .

پاورقى :

1 . الأسفار , ط 1 - ج 4 - ص 143 - 141 .

صفحه : 194

عين فى اثبات  ان النفس الانسانية بل الحيوانية غير الجسمية و المزاج ( 5 )

5 - و من تلك  العيون الأصلية اثبات  أن النفس الانسانية بل الحيوانية غير الجسمية و المزاج , بل النفس حافظة للمزاج .

الفصل الأول من اولى الفن الثانى من المبدء و المعاد لصدر المتألهين فيما نحن بصدد اثباته فى هذه العين مطلوب  جدا ( 1 ) .

و الشيخ أقام الدليل عليه فى الفصل الخامس من نفس الاشارات  بقوله : [ ( اشارة : هو ذا يتحرك  الحيوان بشىء غير جسميته التى لغيرة , و بغير مزاج جسمه الذى يمانعه كثيرا حال حركته بل فى نفس حركته . و كذلك يدرك  بغير جسميته و بغير مزاج جسميته , الخ](  .

و قال فى التعليقات[ :  ( لو كان المزاج هو النفس لكان يجب  أن يكون المزاج موجودا قبل المزاج , إذ كان هو الغاية المحركة للعناصر إلى الامتزاج الخ](  ( 2 ) .

اقول : و قد تقدم كلام الشيخ من التعليقات  فى العين الثالثة فى اثبات النفس من برهان مأخوذ من جهة غاية حركة العناصر الى الاجتماع المؤدى إلى وجود النفس , و فهم ما نقلناه منه هيهنا مبتن على ما نقل فى العين الثالثة .

ثم اقول : و قد تقدم فى العين الثالثة مغائرة النفس للبدن بالدليل التجربى المذكور .

و من الدلائل القوية على مغائرتها له أنك  لا تجعل طبيعتك  حاكمة على عقلك  . مثلا اذا كنت  صائما و يشتهى بدنك  الأكل و الشرب  و انت  تمنعه عنهما و ذلك  المانع ليس إلا انت  كما ان ذلك  المشتهى ليس إلا انت  . و كذا فى جميع آرائك  و احوالك  التى تريد بها ارتقائك  الى پاورقى :

1 . المبدأ و المعاد لصدر المتألهين , الطبع الحجرى , ص 165 - 169 . 2 . التعليقات  للشيخ الرئيس , ط 1 , ( مصر ) , ص 64 .

صفحه : 195

معالى الأمور يمنعك  عنها طبيعتك  و انت  تستعملها على كرهها فيما تطلبها فالمانع غير الطالب  الممنوع .

و قال العلامة البهائى فى المجلد الرابع من كشكوله ( 1 ) و كذا المحقق الفاضل المولى ابو الحسن الأبيوردى فى روضة الجنان[ : ( إن الشيخ السهروردى استدل على مغائرة النفس للبدن بأن النفس كما يتعلق بالبدن العنصرى المحسوس فى عالم الحس , يتعلق أيضا بالأبدان البرزخية و الهياكل المثالية على ما يعلم و يشاهد فى المنام . و بيانه : أنا نرى أنفسنا فى المنام ببلاد غير بلادنا , و فى بلد صغير أو كبير و غير ذلك مما يعلم منه يقينا أنه ليس البدن العنصرى , و يشاهد ذلك  البدن كما يشاهد البدن العنصرى لا غير . فعلم أن النفس مغائرة لهذين البدنين نسبتهما إليهما على السواء](  .

اقول : خلاصته أن النفس فى اليقظة مستعملة للبدن الطبيعى , و البدن المثالى مغفول عنه , و فى المنام مستعملة للبدن للمثالى , و البدن الطبيعى كالميت  , فهى غيرهما . و هذا الدليل موجود فى صحف  الأوائل المتقدمين على السهروردى بكثير كما يعلم بالرجوع الى كتابنا الحجج البالغة على تجرد النفس الناطقة و سيأتى ذلك  فى العين التاسعة و الخمسين ايضا .

و المتأله السبزاوى نقل الدليل المنسوب  إلى السهروردى فى اسرار الحكم ( ص 175 المطبوع بتصحيح الأستاذ العلامة الشعرانى و تعليقاته عليه ) , و عده من أدلة تجرد النفس . و لكن كما نص به صاحبا الكشكول و الروضة , بل السهروردى نفسه ايضا هذا استدلال على مغائرتها للبدن طبيعيا كان أو مثاليا , و مجرد هذا الاستدلال لا يفيد تجردها إلا باضافة قيود أخرى و عنايات  أخر , نعم للاستاذ الشعرانى كلام آخر فى المقام حول الدليل المذكور ذكرناها فى كتابينا العربى و الفارسى الحجج البالغة على تجرد النفس الناطقة و كنجينة گوهرروان فى البحث  . عن أدلة التجرد , فتدبر . و بعض تلك  الأدلة القائمة على التجرد ينطق بمغائرة النفس للبدن ايضا و ان كانت  تلك  الأدلة كلها مثبتة للمغائرة ايضا .

و فى التحصيل لبهمنيار[ : ( ثم الانسان فيه قوة تدرك  المعقولات  , و قد بينا أن مدرك  المعقولات  لا يصح أن يكون جسمانيا فلا يصح أن يكون تلك القوة مزاجا . و الانسان من شأنه أن يشعر بذاته كما نبينه , و لا يصح أن يكون الشاعر بذاته مزاجا لأن المزاج لا يصح أن يشعر إلا مع انفعال و المنفعل عنه غير المزاج الأصلى .

پاورقى :

1 . الكشكول للبهائى , ط 1 , ص 397 .

صفحه : 196

ثم الانسان يشعر بذاته من أول وجوده إلى انقضائه بشىء واحد , و المزاج متبدل بتبدلات  سنية و عرضية , فاذن هو غير المزاج , و لو كان تحريك الروح بسبب  قوة مزاجية فيها لحرك  إلى جهة واحدة فان المزاج الواحد مقتضاه واحد .

و أيضا لو كانت  النفس مزاجا أو جسما لما كان يطلب  البدن بدل ما تحلل منه . ثم قد تعرض للبدن تكاثفات  و تخلخلات  غير طبيعية يتغير معها المزاج بأسباب  خارجة , فاذا زالت  تلك  الأسباب  عاد البدن إلى الحالة الأصلية , و لا محالة هناك  أمر معيد إلى تلك  الحالة غير المزاج , بل المادة الموضوعة للانسانية يجب  أن يكون على صفة مزاج مخصوص حتى يستعد المادة به للحيوانية و النباتية , و حتى يتم بها أفعال النفس الانسانية كما أن المادة التى تتخذ منها الباب  يجب  أن يكون على صفة مخصوصة , و لكنها لا يكفى كونها على تلك  الصفة فى أن يكون بابا بل يحتاج أن تكسى صورة البابية .

و من ذلك  قول من قال : أن النفس تأليف  و نسب  بين العناصر , و التأليف  الطبيعى حيث  يكون كثرة طبيعية , و لاكثرة هناك  طبيعية بل النسب  فى الممتزج أنما تكون بالعرض بين العناصر , ثم قد يتغير الأجزاء فى الممتزج بل واجب  أن يتغير بحسب  الانسان و يختلف  النسب  بينهما و مع هذا يكون الشخص ثابتا .

و من ذلك  قول من قال بأن النفس هى هذه الجملة , و الجملة أما أن يراد بها الأجزاء , و العناصر , و هذه الأجزاء تزيد و تنقص و هى فى طريق السيلان , و لكن المشخص الانسانى ثابت  من أول العمر إلى آخره شخصا واحدا , و اما أن يراد بها الأعضاء الالية و قد يفقد منها ما يفقد ثم يكون الشخص ثابتا بعينه , و على أن هذه الجملة لابد لها من محمل و ذلك  أولى بأن تكون نفسا . و تبين أن النفس ليس بجسم و ليس بمزاج و لا نسب  بين العناصر , و انما هو جوهر ليس بجسم فان الجسم لا يقتضى أن يكون علة لهذه الجملة](  ( 1 ) .

و قد تقدم فى العين الماضية نقل بعض التأويلات  فى كون النفس تأليفا و جملة . و هذا ما وعدنا فى آخرها من نقل تأويل التحصيل .

تبصرة : جميع الأدلة التى تثبت  كون جوهر النفس مفارقا تثبت  مغائرته لجوهر البدن و من تلك  الأدلة هى ما نقلناه عن التحصيل فانها تفيد المغائرة أولا ثم تجرد النفس ثانيا .

پاورقى :

1 . التحصيل لبهمنيار , ط 1 : ( ايران ) , ص 734 - 733 . صفحه : 197

كما أن فى ادلة تجرد النفس شواهد لنا فى ذلك  كثيرا , و نكتفى هاهنا بما نتلوها عليك  و هى ما يلى :

الشيخ الرئيس ابو على بن سينا فى رسالته فى معرفة النفس الناطقة و احوالها , أقام فى الفصل الأول منها ثلاثة براهين فى اثبات  أن جوهر النفس مغائر لجوهر البدن , ثم استنتج منها أن ذلك  الجوهر المغائر لجوهر بدنه لا يمكن أن يكون جسما و لا جسمانيا . و قال فى ديباجتها بعد التسمية و التحميد ما هذا لفظه :

[ ( و بعد , فهذه رسالة حررتها فى علم النفس , و جعلتها ثلاثة فصول : الفصل الأول فى اثبات  أن جوهر النفس مغائر لجوهر البدن . الفصل الثانى فى بقاء النفس بعد فناء البدن .

الفصل الثالث  فى مراتب  النفوس فى السعادة و الشقاوة بعد مفارقة النفس عن البدن .

ثم ألحقت  بها خاتمة أذكر فيها العوالم الثلاثة التى هى عالم العقل , و عالم النفس , و عالم الجسم , و ترتيب  الوجود من لدن الحق الأول إلى أقصى مراتب  الموجودات  على الترتيب  النازل من عنده - تعالى - , ليكون الناظر فى هذه الرسالة مطلعا على جمل من أجناس المخلوقات  , و شطر من أنواعها .

فأهديت  هذه الرسالة التى هى مشتملة على أهم المطالب  , و هو معرفة الانسان نفسه و ما يؤول إليه حاله بعد الارتقاء .

و أيضا فان معرفة النفس مرقاة إلى معرفة الرب  - تعالى - , كما أشار إليه قائل الحق بقوله : [ ( من عرف  نفسه فقد عرف  ربه](   . و لو كان المراد بالنفس فى هذا الحديث  هو هذا الجسم لكان كل أحد عارفا بربه , أعنى خصوص معرفته , و ليس كذلك  .

فهذه الرسالة تهديك  إلى الأسرار المخزونة فى عالم النفس الذى غفل عنه الدهماء من الناس , بل أكثر العلماء عنه غافلون , و لهذا أوحى إلى رسول الله لما سئل عن حقيقة الروح : [ ( و يسألونك  عن الروح قل الروح من أمر ربى](   ( 1 ) ثم قال عقيبه : [ ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا](   ( 1 ) تنبيها على أكثر الناس عن النفس و حقيقة الروح . فهذا هو الاشارة المختصرة إلى فوائد هذه الرسالة . فلنشرع فيما ذكر من الفصول بتوفيق الله و حسن

پاورقى :

1 . الاسراء : 85 .

صفحه : 198

هدايته](  . هذا ما أردنا من نقل ديباجة الرسالة , ثم شرع فى تحرير الفصل الأول فقال :

الفصل الأول فى اثبات  أن جوهر الناس مغائر لجوهر البدن , فنقول : المراد بالنفس ما يشير إليه كل إحد بقول[ : ( أنا](  . و قد اختلف أهل العلم فى أن المشار إليه بهذا اللفظ هو هذا البدن المشاهد المحسوس أو غيره . أما الأول فقد أظن أكثر الناس و كثير من المتكلمين أن الانسان هو هذا البدن , و كل أحد فأنما يشير إليه بقوله[ : ( أنا](  . فهذا ظن فاسد لما سنبينه .

و القائلون بانه غير هذا البدن المحسوس اختلفوا , فمنهم من قال[ : ( إنه غير جسم و لا جسمانى , بل هو جوهر روحانى فاض على هذا القلب  و أحياه , و اتخذه آله فى اكتساب  المعارف  و العلوم , حتى يستكمل جوهره بها , و يصير عارفا بربه , عالما بحقائق معلوماته , فيستعد بذلك  للرجوع إلى حضرته , و يصير ملكا من ملائكته فى سعادة لا نهاية لها , و هذا هو مذهب  الحكماء الالهيين و العلماء الربانيين , و وافقهم فى ذلك  جماعة من أرباب  الرياضة و أصحاب  المكاشفة , فانهم شاهدوا جواهر أنفسهم عند انسلاخهم عن أبدانهم و اتصالهم بالأنوار الالهية . و لنا فى صحة هذا المذهب  من حيث  البحث  و النظر براهين :

البرهان الأول :

تأمل أيها العاقل فى أنك  اليوم فى نفسك  هو الذى كان موجودا جميع عمرك  حتى أنك  تتذكر كثيرا مما جرى من أحوالك  , فأنت  إذن ثابت  مستمر لا شك  فى ذلك  , و بدنك  و أجزاؤه ليس ثابتا مستمرا , بل هو أبدا فى التحلل و الانتفاض . و لهذا يحتاج الانسان إلى الغذاء بدل ما تحلل من بدنه , فان البدن حار رطب  , و الحار إذا أثر فى الرطب  تحلل جوهره حتى فنى بكليته , كما يوقد عليه النار دائما فانه ينحل إلى أن لا يبقى منه شىء , و لهذا لو حبس عن الانسان الغذاء مدة قليلة نزل و انتقص قريب  من ربع بدنه . فتعلم نفسك  أن فى مدة عشرين سنة لم يبق شىء من أجزاء بدنك , و أنت  تعلم بقاء ذاتك  فى هذه المدة , بل جميع عمرك  , فذاتك  مغائرة لهذا البدن و أجزائه الظاهرة و الباطنة . فهذا برهان عظيم يفتح لنا باب الغيب  فان جوهر النفس غائب  عن الحواس و الأوهام . فمن تحقق عنده هذا البرهان و تصوره فى نفسه تصورا حقيقيا فقد أدرك  ما غاب  عن غيره . صفحه : 199

البرهان الثانى :

هو أن الانسان إذا كان متهما فى أمر من الأمور فانه يستحضر ذاته حتى أنه يقول : إنى فعلت  كذا و فعلت  كذا , و فى مثل هذه الحالة يكون غافلا عن جميع أجزاء بدنه , و المعلوم بالفعل غير ما هو مغفول عنه , فذات  الانسان مغائرة للبدن .

البرهان الثالث  :

هو أن الانسان يقول : أدركت  الشىء الفلانى ببصرى فاشتهيته , أو غضبت منه , و كذا يقول : أخذت  بيدى , و مشيت  برجلى , و تكلمت  بلسانى , و سمعت  باذنى , و تفكرت  فى كذا و توهمته و تخيلته , فنحن نعلم بالضرورة أن فى الانسان شيئا جامعا يجمع هذه الادراكات  و يجمع هذه الأفعال , و نعلم أيضا بالضرورة أنه ليس شىء من أجزاء هذا البدن مجمعا لهذه الادراكات  و الأفعال , فانه لا يبصر بالأذن و لا يسمع بالبصر و لا يمشى باليد و لا يأخذ بالرجل , ففيه شىء مجمع لجميع الادراكات  و الأفاعيل الالهية , فاذن الانسان الذى يشير إلى نفسه بـ[ ( أنا](  مغائر لجملة أجزاء البدن , فهو شىء وراء البدن .

ثم نقول : إن هذا الشىء الذى إنه هوية الانسان و مغائر لهذه الجثة لا يمكن أن يكون جسما و لا جسمانيا , لأنه لو كان كذلك  لكان أيضا منحلا سيالا قابلا للكون و الفساد بمنزلة هذا البدن , فلم يكن باقيا من أول عمره إلى آخره فهو إذن جوهر فرد روحانى , بل هو نور فائض على هذا القالب المحسوس بسبب  استعداده و هو المزاج الانسانى . و إلى هذا المعنى أشير فى الكتاب  الالهى بقوله : [ ( فاذا سويته و نفخت  فيه من روحى](   ( 1 ) فالتسوية هو جعل البدن بالمزاج الانسى مستعدا لأن تتعلق به النفس الناطقة , و قوله[ : ( من روحى](  إضافة لها إلى نفسه لكونها جوهرا روحانيا غير جسم و لا جسمانى . فهذا ما أردنا أن نذكره فى هذا الفصل . أقول : الرسالة المذكورة وجيزة عزيزة قد طبعت  مع ثلاث  رسائل أخرى للشيخ فى معرفة النفس فى قاهرة مصر 1371 هـ بتحقيق الدكتور أحمد فؤاد الأهوانى و تقديمه اليها . و قال فى مقدمة هذه الرسالة ما هذا لفظه[ : ( نشر هذه الرسالة الدكتور محمد ثابت  إلفندى ,

پاورقى :

1 . الحجر : 29 .

صفحه : 200

بمطبعة الاعتماد , و كتب  عليها أنها الطبعة الثانية , و قدم للرسالة بمقدمة وجيزة , ذكر فيها أنه رجع إلى ثلاث  نسخ خطية اثنتان منها عن مكتبة طلعت  , والثالثة عن برلين](  انتهى ما أردنا من نقل عبارة الأهوانى باختصار منا . لكن يستشم من عبارات  الرسالة و سياقها - و ان كانت  فى موضوعاتها رصينة جدا - تأبيها عن الانتحال إلى الشيخ , و إسنادها إلى أحد العلماء المتأخر عنه . و بالجملة لا نملك  الجزم بنسبة هذه الرسالة للشيخ الرئيس للأنس الذى حاصل لنا بقلمه الشريف  مدى سنين من تعلمنا و تدريسنا كتبه و رسائله و تعليقاتنا و شروحنا عليها و تحقيقاتنا حولها .

ثم لا يخفى عليك  أن ما نقلناه عن التحصيل و عن هذه الرسالة يحاكى بعض موضوعاتهما بعضا . مثل قول صاحب  التحصيل من شعور الانسان بذاته من أول وجوده إلى انقضائه بشىء واحد , و كذا فى الرسالة المذكورة . و مثل قوله من احتياج البدن الى بدل ما يتحلل منه دون النفس , و كذا فى هذه الرسالة . و مثل قوله من كون البدن قابلا للكون و الفساد دون النفس , و كذا فى هذه الرسالة و هكذا فى مطالب  أخرى و لا يخفى محاكاتهما فيها بعضها عن بعض .

و من إفادات  الشيخ فى التعليقات  أيضا فى ان النفس ليست  بمزاج , و ان القوى مسخرة تحت  تدبير النفس , ما هذا لفظه[ : ( النفس ليس بمزاج فانه إذا تغير عن صحته و اعتداله فانه لايحس بتغيره و هو غير باق على صحته بل قد تغير , فيجب  أن يكون المدرك  لتغيره شىء ثابت  هو النفس الذى هو كماله . و كذلك  إذا تفرق الاتصال لا يحس به المزاج و هو قد تفرق اتصاله و تغير , بل يكون المدرك  له شيئا ثابتا غيره و هو النفس . و كذلك  القوى التى فى أجسامنا إذا تحركت  إلى خلاف  ميولها فانما يحركها شىء غيرها و هو النفس و كذلك  إذا أحست  حاسة بشىء كان المدرك  لها النفس , فان الحاسة قد انفعلت  عند الاحساس فلم تبق على حالتها ( 1 ) . و لنختم البحث  بما أتى به الشيخ فى الفصل الخامس من نفس الاشارات  من الاستدلال بالحركة و الادراك  و المزاج على اثبات  أن نفس الانسان غير الجسمية و المزاج , ثم نتبعه ببيان منا , و ما أفاده المحقق الطوسى فى الشرح . قال الشيخ :

هو ذا يتحرك  الحيوان بشىء غير جسميته التى لغيره , و بغير مزاج جسمه الذى يمانعه كثيرا حال حركته فى جهة حركته , بل فى نفس حركته . و كذلك يدرك  بغير جسميته ,

پاورقى :

1 . التعليقات  للشيخ الرئيس , ط 1 , ( مصر ) , ص 69 - 70 . صفحه : 201

و بغير مزاج جسميته الذى يمنع عن ادراك  الشبيه و يستحيل عند لقاء الضد فكيف  يلمس به . و لأن المزاج واقع فيه بين أضداد متنازعة إلى الانفكاك , انما تجبرها على الالتيام و الامتزاج قوة غير ما يتبع التيامها من المزاج , و كيف  و علة الالتيام و حافظه قبل الالتيام فكيف  لا يكون قبل ما بعده , و هذا الالتيام كلما يلحق الجامع الحافظ و هن أو عدم يتداعى إلى الانفكاك  ؟ فاصل القوى المحركة و المدركة و الحافظة للمزاج شىء آخر لك أن تسميه النفس و هذا هو الجوهر الذى يتصرف  فى أجزاء بدنك  ثم فى بدنك](   .

لا يكون قبل ما بعده , و هذا الالتيام كلما يلحق الجامع الحافظ و هن أو عدم يتداعى الى الانفكاك  ؟ فاصل القوى المحركة و المدركة و الحافظة للمزاج شىء آخر , لك  أن تسميه النفس . و هذا هو الجوهر الذى يتصرف  فى اجزاء بدنك  ثم فى بدنك](   .

بيان : هو ذا كلمة واحدة معناه بالفارسية اينك  , و آنك  . قال الشيخ الأجل السعدى :

[ ( خلاف  رأى سلطان رأى جستن

به خون خويش بايد دست  شستن

اگر خود روزرا گويد شب  است  اين

ببايد گفت  آنك  ماه و پروين](

و فى الباب  الواحد و العشرين من ابواب  التيمم من وسائل الشيعة بالاسناد الى عبد الله بن عاصم قال : [ ( سألت  أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم و يقوم فى الصلوة فجاء الغلام فقال هو ذا الماء  . الخبر](  ( 1 )

و قوله[ : ( يتحرك  الحيوان](  قد حرفت  الحيوان فى النسخ المطبوعة بالانسان . و النسخ المخطوطة عندنا - و هى تجاوز عشرا - مطبقة على الحيوان لا الانسان , أى هو ذا يتحرك  الحيوان بشىء الخ . و صاحب  الأسفار أيضا نقل عبارة الشيخ كما اخترناها حيث  قال[ : ( فلذلك  قال الشيخ فى الاشارات[ :  ( إن الحيوان متحرك  بشىء غير مزاجه الذى يمانعه كثيرا حال حركته وجهة حركته بل فى نفس حركته الخ](  ( 1 ) .

پاورقى :

1 . و سائل الشيعة , الطبع البهادرى , ج 1 , ص 189 .

2 . الأسفار لصدر المتألهين , ج 4 , ص 8 .

صفحه : 202

و عبد السلام الفارسى ايضا ترجمة كذلك[ :  ( آنك  جانور جنبش مى كند بچيزى جز جسم او](  , إلا أن الشارح المحقق الطوسى اجرى البحث  فى الانسان فظن أن عبارة المتن ايضا كذلك  فحرفت  كلمة الحيوان بالانسان . و قوله[ : ( قوة غير ما يتبع]( . . .  برفع القوة , فاعل لقوله تجبرها . و المراد بها النفس . و كذلك  يعنى بعلة الالتيام و حافظه , النفس ايضا . كما صرح فى آخر كلامه . و أما ما افاده الشارح المحقق فهو ما يلى باختصار منا :

قوله[ : ( اشارة , هو ذا يتحرك  - الى قوله : بل فى نفس حركته](  يريد اثبات  أن نفس الانسان غير الجسمية و المزاج , تصدر عنها الأفاعيل المنسوبة إليها , من مأخذ آخر . و هو الوجه الذى تثبت  به صور سائر الأنواع و قواها . فنقول قبل الخوض فيه :

إن صور المركبات  تقوم موادها , و تجعلها شيئا ما غير المواد , فهى من حيث  هى كذلك  مباد لفصول منوعة , و من حيث  تصدر عنها افعال مختلفة هى قوى و طبائع . فمن الأفعال الصادرة عنها حفظ موادها المجتمعة من الاسطقسات  المتضادة بكيفياتها المتداعية الى الانفكاك  لاختلاف  ميولها إلى أمكنتها المختلفة . و الصورة التى يقتصر فعلها على هذا القدر معدنية . و منها الأفعال النباتية التى منها جمع أجزاء أخر من الاسطقسات  و اضافتها الى موادها و صرفها فى وجوه التغذية و الانماء و التوليد . و الصورة التى تصدر عنها هذه الأفعال مع الحفظ المذكور نفس نباتية . و منها الأفعال الحيوانية التى هى الحس و الحركة . و الصورة التى تصدر عنها هذان الفعلان مع الافعال النباتية و الحفظ المذكور نفس حيوانية . و أما النفس الانسانية فهى التى تصدر عنها الأفعال السابقة كلها مع النطق و ما يتبعه .

فالشيخ يريد فى هذا الفصل أن يستدل ببعض هذه الأفعال على وجود النفس الانسانية من حيث  هى نفس , أو صورة ما , لا من حيث  ذاتها المدركة لنفسها , فانها من حيث  هى تلك  لايمكن أن يثبت  بأفعالها على ما مضى . و بدء بأظهر الأفعال المذكورة و هو الحركة الارادية و الحس . فاستدل بالحركات  الارادية المختلفة أولا , و ذلك  لأنها تقتضى مبدء و لا يجوز ان يكون مبدؤها جسمية الانسان

صفحه : 203

لأنها موجودة لغير الانسان كالعناصر و الجمادات  . و لا يجوز أن يكون مبدؤها المزاج لأن المزاج يقتضى حركة المركب  إلى مكان يقتضيه غالب أجزائه إما مطلقا , أو بحسب  الاجتماع , أو سكونه فى مكان اتفق حدوثه فيه على ما تقرر , و بالجملة لا يقتضى حركات  مختلفة فى جهات  مختلفة لكونه كيفية متشابهة غير مختلفة , بل هو مما يمانع الانسان كثيرا وقت  حركته فى جهة الحركة كما اذا صعد الأنسان على جبل فانه يريد الفوق و مزاج بدنه لغلبة الثقلين فيه يقتضى السفل , بل و فى نفس حركته كما اذا اراد الانسان ان يتحرك  على الارض و مزاجه يقتضى سكونه عليها لثقله . قوله[ : ( و كذلك  يدرك  - الى قوله : فكيف  يلمس به](  و هذا استدلال بالادراك  فانه يقتضى مبدء , و لا يجوز أن يكون مبدؤه الجسمية المشتركة , و لا المزاج فانه كيفية مالا تتأثر عما يوافقها فى النوع , فيمنع المدرك عن ادراكه إذ الادراك  انما يحصل بانفعال المدرك  , و تستحيل عما يخالفها فلا تبقى معه موجودة فكيف  يلمس المدرك  بها و هى غير موجودة ؟ . قوله[ : ( و لأن المزاج واقع - الى قوله[ : ( يتداعى الى الانفكاك](   و هذا استدلال بوجود المزاج نفسه و بقائه على وجود النفس . و هو أن المزاج أنما يحدث  بين اسطقسات  متضادة متنازعة إلى الانفكاك  لاختلاف  ميولها إلى امكنتها فهو محتاج أولا إلى شىء يجمعها بالقسر حتى تمتزج و تلتئم بعد الاجتماع , ثم تتفاعل فيحدث  بعد ذلك  المزاج , و إلى شىء يحفظ الاسطقسات بالقسر مجتمعة ليبقى المزاج موجودا , و إلا تفرقت  بحسب  طبائعها فانعدم المزاج . فالمزاج المستمر الوجود محتاج إلى جامع و حافظ , أحدهما سبب وجوده , و الثانى سبب  بقائه , و هما متقدمان على الالتيام المتقدم على المزاج . و هذا هو المراد من قوله[ : ( و كيف  و علة الالتيام و حافظه قبل الالتيام فكيف  لا يكون قبل ما بعده](  أى فكيف  و علة الالتيام و حافظه يكونان قبل الالتيام المستمر الوجود فكيف  لا يكونان قبل المزاج الباقى الذى هو بعد الاليتام . و هذا الالتيام يتداعى الى الانفكاك  عند لحوق الجامع و الحافظ و هن بالامراض المنهمكة مثلا , او عدم بالموت لارتفاع المعلول عند ارتفاع العلة . و هذا الاستدلال مؤكد للذى قبله باعتبار المشاهدة . فاذن هناك  شىء هو الجامع و الحافظ للمزاج و هو الشىء الذى صار المركب  به انسانا .

قوله[ : ( فاصل القوى - الى قوله : ثم فى بدنك](   هذه نتيجة لما تقدم , و انما صرح بتسميته بالنفس لأن الاصطلاح وقع على أن مبدء هذه الأفعال هو النفس . و لما تبين كونه

صفحه : 204

صورة , و كان كل صورة جوهرا صرح بأنه جوهر , فقال[ : ( و هذا هو الجوهر الذى يتصرف  فى أجزاء بدنك  ثم فى بدنك](   .

و انما كان تصرفه فى اجزاء البدن أقدم من تصرفه فى البدن , لأنه يتعلق أول تعلقه بالروح ثم بالأعضاء التى هى أوعيته ثم بسائر الأعضاء الرئيسية التى هى مبادى الأفعال الحيوانية و النباتية ثم بالأعضاء المرؤسة الباقية , و عند ذلك  يصير متصرفا فى جميع البدن . انتهى ما اردنا من نقل كلامه .

بيان : قوله[ : ( من مأخذ آخر](  متعلق بقوله اثبات  أن النفس . اى يريد اثبات  النفس من طريق آخر غير ما تقدم من طريق اثبات  المغائرة بين النفس و البدن . و ذلك  الوجه هو الذى تثبت  به صور سائر الأنواع مثلا نرى اثر النار و نحكم بأن هيها نارا . فالمراد بالأفاعيل صدور الحركة و الادراك  عن النفس . و قوله[ : ( تقوم موادها](  اى المواد الثانية . و قوله[ : ( النطق و ما يتبعه](  اى ادراك  الكليات  , و ما يتبعه أى الضحك  و التعجب  مثلا .

قوله[ : ( لا يمكن أن يثبت  بافعالها على ما مضى](  مضى فى الفصل الرابع من نفس الاشارات  انه لا يمكن اثبات  النفس بأفعالها . و ذلك  لأن الفعل إن اخذ من حيث  هو فعل من غير اختصاص بفاعله فهو لا يدل الا على فاعل ما غير معين و لا يمكن ان يستدل الانسان به على فاعل معين هو ذاته . و إن اخذ من حيث  هو فعل لفاعل معين فالفاعل المعين يكون معلوما قبله , و لا اقل من أن يكون معه , فلا يمكن أن يستدل بذلك  عليه . على أن الانسان فى الفرض المذكور من الدليل التجربى فى العين الثالثة فى اثبات  وجود النفس الانسانية , كان غافلا عن افعاله مع ادراك  ذاته . قوله[ : ( إلى مكان يقتضيه غالب  أجزائه إما مطلقا](  بأن يكون أحد اجزائه غالبا على أجزائه الاخرى كالمواليد الثلاثة فان الجزء الترابى غالب  فيها على اجزائه الاخرى .

و قوله[ : ( او بحسب  الاجتماع](  بأن يكون مثلا الاثنان منها معا غالبا على الأخرى .

و قوله[ : ( او سكونه فى مكان اتفق حدوثه فيه](  أى فى أى مكان حصل المركب  كان ساكنا و مستقرا فيه , على التفصيل الذى بينه فى الفصل الخامس من النمط الثانى من الاشارات  .

صفحه : 205

و قوله[ : ( الى شىء يجمعها بالقسر](  ذلك  الشىء هو النفس . و قوله[ : ( الى شىء يحفظ الاسطقسات  بالقسر](  ذلك  الشىء الحافظ هو النفس ايضا . و سيجىء العين الخامسة عشرة فى جامع اجزاء البدن و حافظها .

و قوله[ : ( و هذا الالتيام يتداعى]( . . .  الواو للاستيناف  . و هذه قضية تجربية ذكرها توضيحا و تتميما للاستدلال المذكور .

و قوله[ : ( و كان كل صورة جوهرا](  سيأتى استيفاء البحث  عن ذلك  فى العين السادسة .

و قوله[ : ( لانه يتعلق اول تعلقه بالروح](  اى الروج البخارى السارى فى جميع الأعضاء , و الذى هو مركبها و مركب  قويها و معسكر عسكرها المتفرق فى ساحة جميع البدن , و هو الروح الذى يبحث  عنه فى الطب  , لا الروح الذى هو النفس الناطقة . و سيأتى فى العين الحادية عشرة الفرق بين الروح البخارى و الروح الانسانى .

صفحه : 206

صفحه : 207

عين فى ان النفس الانسانية جوهر ( 6 )

و - و من جواهر تلك  العيون ان النفس جوهر .

و الشيخ جعل البحث  عن ذلك  و اقامة الدليل عليه فى فصل على حدة حيث قال فى اولى نفس الشفاء[ : ( 1 ) ( الفصل الثالث  فى ان النفس داخلة فى مقولة الجوهر](  .

و قال صاحب  الاسفار فى الفصل الثانى من الباب  الأول من كتاب  النفس منه[ : ( اما بيان كون النفس على الاطلاق جوهرا](  - الى أن قال[ : ( فتلك  الصورة التى هى مبدأ هذه الأفاعيل و الاثار لكونها محصلة للجوهر تحصيلا و تنويعا و تقويما , هى أولى بأن يكون جوهرا من نفس الجسمية المبهمة الوجود , و من الجسمية المادية القابلة لتأثيرات  ذلك  المبدأ المسمى بالنفس النباتية . و قد سبق فى مباحث  الصور النوعية ما يدل على جوهرية مثل هذه المبادىء من القاعدة التى وضعناها فى هذا الباب  فليرجع اليها من اختلجت  فى صدره بعد دغدغة](  ( 2 ) .

بيان : قوله[ : ( و قد سبق فى مباحث  الصور النوعية](  , قد سبق هذا المطلب  الشريف  فى الفصل الثالث  من الفن الرابع من الجواهر و الأعراض من الاسفار ( 3 ) حيث  قال :

قاعدة عرشية : اذا تركب  امر تركيبا طبيعيا له وحدة طبيعية من امرين احدهما متيقن الجوهرية , و الاخر مشكوك  فيه الجوهرية و اردت  أن تعلم حال الاخر , أهو جوهر أم عرض فأنظر فى درجة وجوده و مرتبة فضيلته فى المعنى و الحقيقة بحسب  الاثار المترتبة على وجوده بما هو وجوده , فان كان وجوده أقوى من وجود ما تحققت  جوهريته لما يترا أى من الاثار التى پاورقى :

1 . الشفاء للشيخ الرئيس , ط 1 , ج 1 , ص 285 .

2 . الاسفار لصدر المتألهين , ط 1 , ج 1 , ص 5 .

3 . المصدر , ج 2 , ص 151 .

صفحه : 208

ترتبت  عليه فوق ما ترتبت  على ذلك  المتحقق جوهريته فاعلم أن نسبة التقويم و العلية و التقدم اليه أولى من نسبة التقوم و المعلولية و التأخر بالنسبة إلى قرينه , و لقرينه الأولى عكس ذلك  بالقياس اليه , بعد أن تحقق عندك  أن لابد فى كل تركيب  نوعى أو صنفى من ارتباط ما بالتقدم و التأخر و العلية و المعلولية بين جزئيه , و إلا لم يكن نوعا و لا صنفا إلا بمجرد التعمل الوهمى .

و إن كان وجود الأمر الاخر الذى لم يتنقح عندك  بعد أنه جوهر أو عرض أضعف  من وجود ذلك  الأمر الجوهرى و رتبته أنقص فاعلم أن ذلك  الأمر مستغنى القوام عنه , فيجب  أن يكون هذا متأخر الوجود عن وجود ذلك محتاجا اليه معلولا له فيكون إما مادة له أو عرضا قائما به , إذ لو كان هذا جوهرا غير محتاج اليه و ذلك  ايضا كان مستغنيا عنه فلم يكن ارتباط و ايتلاف  ما طبيعى أو غيره , و إن كان عرضا قائما بغيره فكذلك  عاد خلاف المفروض جذعا](  .

هذا ما كان أفاده فى الأسفار من تلك  العرشية , و قد أتى بها فى تعليقاته على الشفاء ملخصا بقوله :

[ ( اذا تركب  أمر من أمرين تركيبا طبيعيا أحدهما معلوم الجوهرية و الاخر مشكوكها و أردت  أن تعرف  هل هو جوهر صورى أو عرض تابع ؟ فانظر الى مرتبته فى الوجود , و درجته فى القوة و الضعف  : فان كان وجوده أقوى من وجود ما انضم اليه و الاثار المرتبة عليه اكثر , فاعلم ان نسبة التقويم العلية اليه اولى من نسبة التقويم المعلولية اليه بالقياس الى قرينه , بعد أن يثبت  عندك  أن لابد فى كل تركيب  نوعى او صنفى من ارتباط ما و علية و معلولية ما بين جزئيه , فيعلم أن نسبة الجوهرية اليه أولى , لأن مقوم الجوهر أولى بالجوهرية](  .

و إن كان ذلك  الأمر اضعف  تحصلا و أخس وجودا , فاعلم ان المضموم اليه مستغنى القوام عنه , فيجب  أن يكون هذا متأخر الوجود عنه فيكون إما مادة له , أو عرضا قائما](  ( 1 ) .

و اقول : يستفاد جوهرية النفس الانسانية بالدليل التجربى المشار اليه فى العين الثالثة أيضا كما يستفاد مغايرتها للبدن به ايضا . و يستفاد منه ايضا كونها عالمة بنفسها . فالدليل التجربى المذكور يفيد امورا هى : اثبات  وجود النفس , و اثبات  مغايرتها للبدن , و كونها جوهرا , و انها عالمة بذاتها , فتبصر .

پاورقى :

1 . الشفا مع تعليقات  صدر المتألهين : الطبع الأول الحجرى الرحلى . ص 72 .

صفحه : 209

ثم إن أدلة تجرد النفس بأقسامها الثلاثة - أعنى تجردها البرزخى الخيالى , و تجردها التام العقلى , و مقام فوق تجردها - تفيد كونها جوهرا بسيطا , و الجوهر البسيط عقل و عاقل و معقول فهو موجود ابدى لازوال له ابدا . و بهذا يعلم أن البحث  عن جوهرية النفس و اقامة الدليل عليها أنما هو لشدة الاعتناء فى مسائل النفس و التحقيق حولها و إن كان بعضها يلزم آخر أو يستفاد منه بوجه , فتبصر .

و صدر المتألهين فى المبدء و المعاد اثبت  جوهرية النفس الانسانية بالاستدلال على تجردها ( 1 ) و نعم ما فعل . و هذا يؤيد حدسنا الثاقب  فى البحث  عن جوهرية النفس على حدة , فافهم .

و من افادات  صدر المتألهين فى الأسفار فى المقام ما أتى به فى آخر الفصل الاول من الفن الرابع من الجواهر و الأعراض حيث  قال[ : ( الجواهر إن كان قابلا للأبعاد الثلاثة فهو الجسم , و إلا فان كان جزء منه هو بالفعل سواء كان فى جنسه أو فى نوعه فصورة إما إمتدادية أو طبيعية , أو جزء منه هو به بالقوة فمادة , و أن لم يكن جزء منه فان كان متصرفا فيه بالمباشرة فنفس و إلا فعقل , و ذلك  لما سيظهر من تضاعيف  ما حققناه من كون الجوهر النفسانى الإنسانى مادة للصورة الادراكية التى يتحصل بها جوهرا آخر كماليا بالفعل من الأنواع المحصلة التى يكون لها نحو آخر من الوجود غير الطبيعى الذى لهذه الأنواع المحصلة الطبيعية و تحقيق ذلك  المرام من فضل الله علينا وجوده](  ( 2 ) .

و أقول : كون الجوهر النفسانى الانسانى مادة للصور الادراكية , أصل مهم من أصول معرفة النفس فى الحكمة المتعالية . و كذلك  كون ذلك  الجوهر النفسانى يتحصل بتلك  الصور الادراكية جوهرا آخر كماليا بالفعل من الأنواع المحصلة التى يكون لها نحو آخر من الوجود غير الطبيعى الذى لهذه الأنواع المحصلة الطبيعية , أصل مهم آخر فى معرفة النفس على الحكمة المتعالية . و هذان الأصلان كل واحد منهما اساس رصين مرصوص يبتنى عليه كثير من الأحكام التى تعد من أسرار صدع بها فصل الخطاب  المحمدى - صلى الله عليه و آله و سلم - .

ثم ان تعبيره بقوله و ذلك  لما سيظهر , و مثله فى موضع أخرى من الجواهر و الأعراض ,

پاورقى :

1 . المبدأ و المعاد لصدر المتألهين , الطبع الأول الحجرى ص 213 - 217 .

2 . الأسفار لصدر المتألهين , ط 1 , ج 2 , ص 78 .

صفحه : 210

ناطق بأنه ألف  المجلد الثانى من الأسفار و هو بتمامه المرحلة الحادية عشرة منه قبل المجلد الأول , أو أن تلك  المواضع ألفها قبله و ذلك  لأن تلك  المباحث  قد برهن فى المرحلة العاشرة منه فى المجلد الأول . اللهم إلا أن يقال انه لما كان - قدس سره - قد أعادها فى نفس الأسفار و هو المجلد الرابع منه على تحرير آخر مع مزيد بيانات  حولها قال : و ذلك لنا سيظهر . و لا يخفى عليك  أن نسبة العلم الكلى من الأسفار إلى غيره من مجلداته الأخرى كنسبة المتن إلى الشرح . كيف  كان إنه قال فى آخر الفصل السابع من المرحلة العاشرة فى اتحاد العاقل بمعقوله أن وزان النفس مع مدركاته وزان الهيولى مع صورها و هذا القول الثقيل كان مما اعتمد عليه اسكندر الأفروديسى فى الاتحاد المذكور كما أشار اليه المتأله السبزوارى فى تعليقاته على المقام المذكور فى الأسفار . و قد صرح بذلك  القول صاحب  الأسفار هناك  حيث  قال[ : ( فكما ليست  المادة شيئا من الأشياء المعينة بالفعل إلا بالصور و ليس لحوق الصور بها لحوق موجود بموجود بالأنتقال من أحد الجانبين إلى الاخر , بل بأن يتحول المادة من مرتبة النقص فى نفسها إلى مرتبة الكمال , فكذلك  حال النفس فى صيرورتها عقلا بالفعل بعد كونها عقلا بالقوة , و ليس لحوق الصورة العقلية بها عندما كانت  قوة خيالية بالفعل عقلا بالقوة كلحوق موجود مباين لموجود مباين كوجود الفرس لنا أو كلحوق عرض لمعروض جوهرى مستغنى القوام فى وجوده عن ذلك  العرض , إذ ليس الحاصل فى تلك  الحصولات  إلا وجود اضافات  لا يستكمل بها شىء , و حصول الصورة الادراكية للجوهر الدراك  أقوى فى التحصيل و التكميل له من الصور الطبيعية فى تحصيل المادة و تنويعها](  ( 1 ) .

و كذا له كلام على المنوال المذكور فى هذا الأمر فى تعليقاته على الشفاء ( 2 ) .

فحاصل الأمر أن النفس مادة و مدركاتها صورة لها و التركيب  بينهما اتحادى لا انضمامى و لها وحدة جمعية و تتحصل بصورها الادراكية جوهرا آخر كماليا بالفعل , و سيأتى العين التاسعة و العشرين فى أن الادراك  منوع , و ان شئت  فراجع فى ذلك  الى الدرس الثانى عشر من كتابنا فى دروس اتحاد العاقل بمعقوله ايضا ( 3 ) .

قد تقدم فى العين الثانية أن افلاطن حد النفس بقوله[ : ( النفس جوهر ليس بجسم

پاورقى :

1 . الأسفار لصدر المتألهين , ط 1 , ج 1 , ص 279 .

2 . تعليقات  صدر المتألهين على الشفاء , ط 1 , ص 47 .

3 . دروس اتحاد العاقل بمعقوله للمؤلف  , ط 1 , ص 221 - 225 . صفحه : 211

محرك](   فاعلم أن قسطا بن لوقا فى رسالته فى الفصل بين الروح و النفس , بعد نقل هذا الحد من افلاطن , شرع فى بيانه فابتدأ بكونها جوهرا بثلاثة أدلة حيث  قال :

[ ( فلنبين أن النفس جوهر , فنقول : كل قابل للمتضادات  و هو واحد بالعدد لا

يختلف  ذاته فهو جوهر , فالنفس قابلة للفضائل و الرذائل و هى واحدة بالعدد - كنفس أفلاطن - لا يختلف  ذاتها فهى إذن جوهر , و الفضائل و الرذائل متضادات  , فالنفس إذن قابلة للمتضادات  و هى واحدة بالعدد لا يختلف  ذاتها فهى إذن جوهر .

و أيضا إن محرك  الجوهر جوهر , و النفس محركة الجسد , و الجسد جوهر , فالنفس إذن جوهر .

و أيضا فان النفس جزؤ من الحيوان لأن كل حيوان نفس و جسد , و الحيوان جوهر , و جزؤ الجوهر جوهر , فالنفس إذن جوهر .

النفس ليست  بعرض لأن العرض لا يحمل عرضا , و ذلك  لأن العرض فى نفسه محمول ابدا , موجود فى غيره , لا قوام له بذاته , و النفس قابلة ابدا حاملة أتم و اكمل من حمل الاجسام للأعراض فاذن النفس ليست  عرضا . هذا الدليل نقلناه من تهذيب  الاخلاق و تطهير الأعراق لابن مسكويه ( 1 ) . و لكن امر النفس مع معارفها و علومها ارفع من التفوه بالقبول و الحمل لأنها بعلومها تعتلى وجودا من النقص الى الكمال و من الضعف  الى القوة و الشدة و تلك  الانوار القدسية العلمية تصير عينها على ما تحقق من اتحادها بعلومها وجودا فى البحث  عن اتحاد العاقل بمعقوله . و لكن لب الادعاء رصين , و الحكم بكونها جوهرا نوريا على أن امرها مع الحقائق النورية و الصور العقلية اتم و اكمل من حمل الاجسام للأعراض قوم محكم . احتجاج افلاطون على أن النفس من الجواهر غير الجسمانية

الجزء السادس من العلم الطبيعى من معتبر أبى البركات  هو كتاب  النفس منه يتضمن ثلاثين فصلا , ففى الفصل الثالث  عشر منه بعد تعديده عدة آراء فى النفس مما تقدم ذكرها فى العين الرابعة قال[ : ( فنقول : إن النفوس فى الاجسام هى من خواص الأجسام .

پاورقى :

1 . تهذيب  الاخلاق و تطهير الأعراق لابن مسكويه , ط : بيروت  , ص 30 . صفحه : 212

التى هى لبعضها دون بعض لا لكلها , فقد بطل أن تكون النفس جسما لخلو بعض الأجسام عنها و عن خاص فعلها و الشىء لا يخلو عما هو هو . فهذا بيان يشركها مع غيرها من الأعراض و الصور و القوى و الطبائع التى هى لبعض الأجسام دون بعض فكلها ليست  بأجسام فان الأجسام من حيث  هى أجسام لا تختلف  فى جسميتها و لا فيما هو بجسميتها , و كل صفة لجسم يخالف بها غيره من الأجسام ليست  بجسم فالنفس ليست  بجسم .

و لا هى من الأعراض الموجودة فى الأبدان التى قوامها بها , فان الشىء الذى نرى من الأجسام و نعتقد أن النفس فيه هو البدن الخاص بها و نراها تقبل من الصور المدركة , و تلقى من الموجودات  المشاهدة بالحواس ما يضيق البدن عن أيسر يسير منه , فان كانت  فى البدن على أنها عرض فيه فالعرض محدود بموضوعه فلا يسع مالا يسعه موضوعه , و لا يطابق مقدارا يزيد على مقدار موضوعه أعنى ذلك  العرض الشخصى المعين الموجود فى الموضوع الشخصى المعين كنفس زيد فى بدنه فاذا بطل أن تكون عرضا فى هذا البدن و لا نعتقد أنها فى غيره غلب  الظن وقوى الرأى فى أنها ليست  بعرض لكنه لا يحصل به اليقين .

فنقول : و لا هى الروح الموجود فى البدن , و لا الدم على ما ظنه من ظن لأن كلا منهما جسم و مع كونه جسما فهو صغير لا يسع لما تسع له النفس و لا يسير منه , فكيف  أن يكون عرضا فيهما , و لا هى المزاج فان المزاج مجموع أعراض هى كيفيات  الممتزج فهى أعراض فى الممتزج الذى هو البدن و روحه و أخلاطه .

و هذا الاحتجاج هو احتجاج افلاطون على أن النفس من الجواهر غير الجسمانية . و هو احتجاج حسن إلا أنه جزئى القضية لا كليها فانه يمنع أن تكون عرضا فى هذا البدن المنسوب  اليها و لا يمنع عرضيتها مطلقا](  ( 1 ) .

اقول : قوله[ : ( تقبل من الصور المدركة الخ](  هذا هو أحد الدليل الذى ذكره القوم على تجرد النفس تجردا برزخيا غير تام عقلى . على التفصيل الذى حررناه فى كتابينا المذكورين فى ادلة تجرد النفس .

و قوله[ : ( و لا هى الروح]( . . .  يعنى به الروح البخارى . ثم اذا دل الدليل على كون النفس ليس بجسم طبيعى , و لا بعرض فى هذا البدن الشخصى فكيف  لا يحصل اليقين

پاورقى :

1 . المعتبر لابى البركات  , ط حيدر آباد الدكن , ج 2 , ص 356 - 357 . صفحه : 213

بكونها جوهرا مفارقا ؟ و لا يبعد أن تكون عبارة[ ( لكنه لا يحصل به اليقين من زيادات  صاحب  المعتبر كقوله[ : ( الا أنه جزئى القضية](  مع أن الحكم كلى صادق على كل فرد فرد من الأفراد الانسانية على سبيل الاستغراق و الاستيعاب  .

صفحه : 214

صفحه : 215

عين فى ان البدن مرتبة نازلة للنفس ( 7 )

- و من تلك  العيون النازلة من ذروة التحقيق أن البدن مرتبة نازلة للنفس , و النفس تمام البدن و البدن تجسد الروح و تجسمه و صورته و مظهره و مظهر كمالاته و قواه فى عالم الشهادة . بلا تجاف  من الطرفين . فأعور جسمها شبهها

كما يحدها الذى نزهها

لم تتجاف  الجسم إذ تروحت

و لم تجاف  الروح إذ تجسدت  ( 1 )

فالبدن ان كانت  نفسه حيوانية فجميع افعاله و آثاره حيوانية . و لما كان سلطان القوى الحيوانية اعنى رئيسها هو الوهم فجميع قواه و افعال تلك  القوى و همانية , و إن كانت  انسانية فرئيسها النطق فجميع أفعال قواه عقلانية . فالحيوان لمسه لمس و همانى , و إبصاره إبصار وهمانى , و أما الانسان فلمسه عقلانى , و ابصاره عقلانى . و هكذا فى قواهما الأخرى . و لذلك  ينتقل الانسان من المحسوسات  الى المعقولات  و ينكشف  منها المجهولات  بخلاف  سائر الحيوانات  فتبصر .

قال الشيخ الرئيس فى اول الفصل الثالث  من رابعة نفس الشفاء[ : ( الانسان قد يعرض لحواسه و قواه بحسب  مجاورة النطق ما يكاد أن تصير قواه الباطنة نطقية مخالفة للبهائم فلذلك  يصيب  من فوائد الأصوات  المؤلفة و الألوان المؤلفة و الروائح و الطعوم المؤلفة و من الرجاء و التمنى امورا لا تصيبها الحيوانات  الأخرى لان نور النطق كأنه فائض سائح ( سانح - خ ل ) على هذه القوى . و هذا التخيل ايضا الذى للانسان قد صار موضوعا للنطق بعد ما انه موضوع للوهم فى الحيوانات  حتى ينتفع به فى العلوم و صار ذكره ايضا نافعا فى

پاورقى :

1 . الحكمة المنظومة للسبزوارى , ص 299 .

صفحه : 216

العلوم كالتجارب  التى تحصل بالذكر و الارصاد الجزئية و غير ذلك](   ( 1 ) .

و له كلام فى المقام ايضا مشابه لما أفاد هيهنا فى الثانى من رابعة آلهيات  الشفاء ( 2 ) و هو قوله[ : ( و هذه القوى التى هى المبادى للحركات  و الافعال بعضها قوى تقارن النطق او التخيل , و بعضها قوى لا تقارن ذلك  و التى تقارن النطق و التخيل تجانس النطق و التخيل الخ](  . نعم هيهنا بحث  عن تكون جوهر النفس فكون البدن مرتبة نازلة لها تمام على كونه جسمانيا , و فيه دغدغة على كونه روحانيا و ان كان وصف  كونها نفسا على القولين حادثا , فتدبر .

قال صاحب  الاسفار[ : ( النفس تمام البدن , و يحصل منها و من المادة البدنية نوع كامل جسمانى و لا يمكن أن يحصل من مجرد و مادى نوع طبيعى مادى بالضرورة , فاذا بطل التالى فكذا المقدم , فعلم ان اقتران النفس بالبدن و تصرفها فيه امر ذاتى لها بحسب  وجودها الشخصى الخ](  ( 3 ) . فاذا لا يمكن حصول نوع طبيعى ذى نفس من مجرد و مادى فتيقن فى كون النفس جسمانية الحدوث  . فافهم .

قال القيصرى فى آخر الفصل العاشر من شرحه على فصوص الحكم[ : ( اعلم ان الروح من حيث  جوهره و تجرده و كونه من عالم الارواح المجردة مغائر للبدن متعلق به تعلق التدبير و التصرف  قائم بذاته غير محتاج اليه فى بقائه و قوامه .

و من حيث  ان البدن صورته و مظهره و مظهر كمالاته و قواه فى عالم الشهادة فهو محتاج اليه غير منفك  عنه بل سار فيه لا سريان الحلول و الاتحاد المشهورين عند اهل النظر بل كسريان الوجود المطلق الحق فى جميع الموجودات  فليس بينهما مغائرة من كل الوجوه بهذا الاعتبار . و من علم كيفية ظهور الحق فى الأشياء , و أن الاشياء من أى وجه عينه و من أى وجه غيره , يعلم كيفية ظهور الروح فى البدن , و أنه من أى وجه عينه و من أى وجه غيره لأن الروح رب  بدنه فمن تحقق له حال الرب  مع المربوب  يتحقق له ما ذكرناه و الله الهادى](  ( 4 ) .

اقول : الحقيقة الانسانية باعتبار ربوبيتها للبدن تسمى روحا لأن الروح مظهر

پاورقى :

1 . الشفاء للشيخ الرئيس , ط 1 , ج 1 , ص 339 .

2 . المصدر , ج 2 , ص 117 .

3 . الأسفار لصدر المتألهين , ط 1 , ج 2 , ص 2 .

4 . شرح القيصرى على فصوص الحكم , ط 1 , ص 43 .

صفحه : 217

الذات  الالهية من حيث  ربوبيتها . و الاله و الألوهة و الله معناها الرب  و الربوبية , و الرب  المطلق مستجمع لجميع الصفات  الكمالية لأن الربوبية لا تتم الا بتلك  الصفات  كلها , الحمد لله رب  العالمين . و الروح الانسانى هو الروح الاعظم بالنسبة إلى ارواح غيره من ذوات الارواح و هو أمر ربانى و سر سبحانى , و له مظاهر فى العالم الكبير , و كذلك  فى العالم الصغير الانسانى و سيأتى البحث  عنه فى العين الثامنة و الاربعين فى تطابق الكونين .

قوله[ : ( مغائر للبدن](  . التغاير بينهما بضرب  من الاعتبار فى التحليل العقلى , و إلا فالروح لا يكون عاريا عن البدن قط , غاية الأمر أن بدنه فى كل نشأة على وفق تلك  النشأة , و تفاوت  تلك  الابدان انما يكون بالنقص و الكمال , فتفطن .

و حيث  إن الروح مظهر الذات  الالهية , فكما أن الذات  الالهية أى الرب المطلق له مظاهر مسماة بالعالم و بما سواه و لا يصح نفى تلك  المظاهر عنه , كذلك  الروح له مظاهر فى العالم الانسانى يسمى بدنه و قواه , الا أن البدن العنصرى لما كان آلة استكمال الروح لا يسمى العالم بدنه سبحانه من هذه الحيثية , و ان كان اطلاق العالم بالبدن من حيثية أخرى و هى كونه قائما به - تعالى شأنه - و مظاهره و مربوطه و شئونه كالروح و بدنه , يصح عليه بل العالم صورة الحق سبحانه و هو روحه فنسبة الحق إلى كل ما ظهر من صور العالم نسبة الروح الجزئى المدبر للصورة المعينة اليها فى كونه مدبر كما قال - تعالى شأنه - : [ ( يدبر الامر من السماء إلى الأرض](   ( 1 ) . و لذا قال العارف  الجامى :

حق جان جهانست  و جهان جمله بدن

اصناف  ملائكه قواى اين تن

افلاك  و عناصر و مواليد اعضا

توحيد همين است  و دگرها همه فن](

قوله[ : ( لا سريان الحلول و الاتحاد](  . الحلول أو الاتحاد انما هو بنحو التجافى و التنزل فتفوه حلول الوجود الصمدى فى شأن من شئونه , أو اتحاده معه من مداعبات  الوهم . و هل تجوز أن تمجمج بأن تحل انت  فى قولك الذائقة مثلا ؟ ما لكم كيف  تحكمون ؟

قوله[ : ( كسريان الوجود المطلق](  , أى بالظهور و الاشراق و التجلى . و قوله[ : ( بهذا الاعتبار](  , أى باعتبار السريان .

و قوله[ : ( و من أى وجه غيره](  أى باعتبار التعينات  و المراتب  . پاورقى :

1 . السجدة : 5 .

صفحه : 218

و قوله[ : ( من أى وجه عينه](  , أى باعتبار الظهور .

و قوله[ : ( يتحقق له ما ذكرناه](  , أى من حال الروح مع بدنه . فتدبر بما ذكرنا فى

قوله - عليه السلام - : [ ( من عرف  نفسه فقد عرف  ربه](   . تبصرة : لما كان البدن مرتبة نازلة لنفسه , و النفس تمام البدن , و التغاير بينهما بضرب  من الاعتبار فى التحليل العقلى , عرفت  ان النفس من سنخ الاخرة و انها محيطة به لا عليه . قال - عز من قائل - : [ ( و كان بكل شىء محيطا](   ( 1 ) . و لم يقل : و كان الله على كل شىء محيطا . و كذلك  الايات  الأخرى التى كانت  صلة الاحاطة فيها كلمة الباء لا على , فافهم .

فالصواب  أن يقال إن البدن فى النفس , لا أن النفس فى البدن كما يلفظ به من لا خبرة له بدقائق الأسرار , كما سترزق من العيون الاتية أن الجنة و النار فى الارواح لا بالعكس , بل الأمر ارفع من اعمال الكلمة الخافضة المشعرة بالظرفية كما ستعلم فى العين السادسة و العشرين . و عليك  بكلام الوصى عليه السلام فى الاستبصار بما نريده فى هذه التبصرة : [ ( إن جاثليقا يسأل امير المؤمنين - عليه السلام - عن مسائل منها : فأخبرنى عن الجنة هى فى الدنيا أم الدنيا فى الاخرة , و أين الاخرة و الدنيا ؟

قال - عليه السلام - الدنيا فى الاخرة , و الاخرة محيطة بالدنيا , إذا كانت  النقلة من الحيوة إلى الموت  ظاهرة و كانت  الاخرة هى دار الحيوان لو كانوا يعلمون , و ذلك  أن الدنيا نقلة و الاخرة حيوة مقام , مثل ذلك النائم و ذلك  أن الجسم ينام و الروح لاينام و البدن يموت](    . تبصرة : من كلمات  صاحب  الأسفار حول هذه العين و أترابها هو ما قال : [( حكمة الصانع فى الانسان أنه كثف  اللطيف  , و لطف  الكثيف](   ( 2 ) و لا يخفى عليك  رفعة رتبة هذه الكلمة الكاملة فى صنع العالم و آدم . پاورقى :

1 . النساء : 127 .

2 . الأسفار , ط 1 , ج 3 , ص 131 .

صفحه : 219

عين فى تأثر كل واحد من النفس و البدن عن الاخر ( 8 )

ح - و من اسرار تلك  العيون انفعال البدن عن الهيئات  النفسانية , و تأثر النفس عن البدن

. و هذه العين ينشعب  منها جداول كثيرة معجبة مدهشة فى تأثر كل واحد من النفس و البدن عن الاخر و صدور الأفعال الغريبة عن النفس الانسانية . و ينجر البحث  الى التمسك  بالروايات  المأثورة عن وسائط الفيض الالهى . و انت  تعلم أن الجوامع الروائية مرتبة نازلة للقرآن الكريم و وزانها بالنسبة اليه وزان البدن الى النفس . الحمد لله الذى فقهنا الدين بنور التمسك  بولاية مولانا الوصى على امير المؤمنين و اولاده المعصومين الهداة المهديين .

و نحن نهدى طائفة من امهات  الكلم و جوامعها فى بيان ذلك  المطلب الأسمى لعلها تقع موقع قبول اولى النهى :

1 - الشيخ فى سادس نفس الاشارات  بعد ما استنتج من الفصول الخمسة السابقة عليه بأن اصل القوى المدركة و المحركة و الحافظة شىء آخر مسمى بالنفس و هو صورة و كل صورة جوهر فهو جوهر , تصدى فى بيان كيفية تأثر النفس عن البدن , و كذلك  فى بيان كيفية تأثر البدن عن النفس فقال : [ ( فهذا الجوهر فيك  واحد بل هو انت  عند التحقيق . و له فروع و قوى منبثة فى اعضائك  .

فاذا احسست  بشىء من اعضائك  شيئا او تخيلت  او اشتهيت  او غضبت  , ألقت  العلاقة التى بينه و بين هذه الفروع هيأة فيك  حتى تفعل بالتكرار اذعانا ما بل عادة و خلقا يتمكنان من هذا الجوهر المدبر تمكن الملكات  . كما يقع بالعكس فانه كثيرا ما يبتدىء فتعرض فيه هيأة ما عقلية فتنقل العلاقة من تلك  الهيأة أثرا الى الفروع ثم الى الأعضاء . انظر أنك  اذا استشعرت  جانب  الله - عز

صفحه : 220

وجل - و فكرت  فى جبروته كيف  يقشعر جلدك  و يقف  شعرك](   . اقول : قوله[ : ( فاذا احسست](   الى قوله[ : ( تمكن الملكات](   , فى بيان كيفية تأثر النفس عن البدن . و قوله[ : ( كما يقع بالعكس الى آخره](  , فى بيان كيفية تأثر البدن عن النفس .

و هو و إن اجاد و افاد و لكن الامر فى النفس و البدن فوق التعبير عن العلاقة و الارتباط بينهما . و ذلك  لما دريت  ان البدن مرتبتها النازلة و البدن فى الحقيقة . روح متجسد و نفس متجسم , إلا أن يحمل التعبير المذكور و نحوه على التوسع فى تأدية المراد .

و قوله[ : ( و له فروع و قوى](  قال نحو قوله هذا فى آخر الفصل الثالث من كتاب  النبات  من الشفاء ما هذا لفظه[ : ( الحق هو أن النفس واحدة و لها قوى تنبعث  عنها بحسب  وجود القابل و ان هذه الوجوه كالجزء من النفس التى كان فى الاصل الذى تولد عنه البزر ( 1 ) . و لكن بدل التعبير عن الفروع و الاجزاء بالشئون اولى لما يأتى من ان النفس وحدها كل القوى .

ثم ان الشيخ بعد بيانه المذكور فى تأثر الجانبين أشار إلى ان ذلك التأثر فى الجانبين يختلف  شدة و ضعفا بحسب  اختلاف  استعدادات  النفوس و امزجتها و احوالها و يتفاوتون بذلك  فى اخلاقهم الفاضلة و الرذلة بقوله :

[ ( و هذه الانفعالات  و الملكات  قد تكون أقوى و قد تكون أضعف  و لو لا هذه الهيئات  لما كان نفس بعض الناس بحسب  العادة أسرع إلى التهتك  و الاستشاطة غضبا من نفس بعض](  .

2 - الفصل الرابع عشر من الجملة الأولى من التعليم الثانى من الفن الثانى من كليات  القانون فى الطب  , انما هو فى موجبات  الحركات  و السكونات  النفسانية . و هذا الفصل فى التأثر المبحوث  عنه يحتوى مطالب شريفة منها ما فى آخر هذا الفصل حيث  قال بعد عد عدة من انواع التأثر ما هذا لفظه :

و قد ينفعل البدن عن هيأة نفسانية غير الذى ذكرناها مثل تصورات النفسانية فانها تثير امورا طبيعية كما قد يعرض أن يكون المولود مشابها لمن يتخيل صورته عند المجامعة , و يقرب  لونه من لون ما يلزمه البصر عند الانزال . و هذه الاشياء ربما اشمأز عن قبولها قوم لم يقفوا على احوال غامضة من احوال الوجود , و أما الذين لهم غوص فى المعرفة فلا پاورقى :

1 . الشفاء , ط 1 , ج 1 , ص 372 .

صفحه : 221

ينكرونها انكار ما لا يجوز وجوده . و من هذا القبيل اتباع حركة الدم من المستعد لها اذا اكثر تأمله و نظره فى الأشياء الحمر . و من هذا الباب تضرس الاسنان لأكل غيره من الحموضة , و اصابة الالم فى عضو يولم مثله غيره اذا راعه . و من هذا الباب  تبدل المزاج بسبب  تصور ما يخاف  او يفرح به](  ( 1 ) .

3 - و كذلك  للشيخ بحث  شريف  فى كتاب  القانون , فى العشق و طاعة الطبيعة للاوهام النفسانية ( 2 ) .

4 - النكتة 848 من كتابنا / الف  نكتة و نكتة فى بيان التأثر المبحوث عنه تحتوى فوائد . و الغور فى الاداب  المروية عن رسول الله - صلى الله عليه و آله و سلم - فى المجلس الرابع و الثمانين من أمالى الصدوق ( 3 ) يفيد نيل بعض الأسرار من ذلك  التأثر , فمن جملة تلك  الرواية انه - صلى الله عليه و آله و سلم -  قال :

[ ( يا على . . . لا تتكلم عند الجماع فانه ان قضى بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس . و لا ينظرن احدكم إلى فرج امرأته و ليغض بصره عند الجماع فان النظر إلى الفرج يورث  العمى فى الولد .

يا على لا تجامع أمرأتك  بشهوة امرأة غيرك  فانى أخشى إن قضى بينكما ولد أن يكون مخنثا مؤنثا مخبلا .

يا على لا تجامع أمرأتك  من قيام فان ذلك  من فعل الحمير إن قضى بينكما ولد كان بوالا فى الفراش كالحمير البوالة فى كل مكان](   . و فى هذا الباب  من ان الولد انما يتكون بحسب  ما غلب  على الوالدين من الصفات  و الهيئات  النفسانية و الأعراض الجسمانية , ما قاله العارف الطائى فى اول الفص العيسوى من فصوص الحكم[ : ( لما تمثل الروح الأمين الذى هو جبرئيل لمريم - عليها و عليه السلام - بشرا سويا , تخيلت  أنه بشر يريد مواقعتها , فاستعاذت  بالله منه استعاذة بجميعة منها ليخلصها الله منه , لما تعلم ان ذلك  مما لا يجوز , فحصل لها حضور تام مع الله و هو الروح

پاورقى :

1 . القانون للشيخ الرئيس , الطبع الوزيرى , ص 195 .

2 . المصدر , الطبع الرحلى , ج 2 , ص 37 .

3 . أمالى الصدوق , ط 1 , ص 338 .

صفحه : 222

المعنوى , فلو نفخ فيها فى ذلك  الوقت  على هذه الحالة لخرج عيسى - عليه السلام - لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه كحال أمه , فلما قال لها : انما انا رسول ربك  جئت  لأهب  لك  غلاما زكيا , انبسطت  عن ذلك  القبض و انشرح صدرها فنفخ فيها فى ذلك  الحين عيسى - عليه السلام - . و قال القيصرى : فى بيانه : قوله[ : ( بجمعية منها](  أى بجميع هممها و قواها الروحانية . قوله[ ( و هو الروح المعنوى](  أى ذلك  الحضور التام هو الروح المعنوى , لذلك  يجعل الحضور فى الصلوة بمثابة الروح لها , و الصلوة مع عدم الحضور كالبدن الذى لا روح فيه . قوله[ : ( انبسطت  عن ذلك  القبض]( . . .  و انما انشرح صدرها و انبسطت  من ضجرها لأن الله تعالى كان بشرها بعيسى كما قال : [ ( إذ قالت  الملائكة يا مريم إن الله يبشرك  بكلمة منه أسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها فى الدنيا و الاخرة و من المقربين](   ( 1 ) . فتذكرت  ذلك  و زال انقباضها فخرج عيسى - عليه السلام - منبسطا منشرح الصدر . و سيأتى الكلام فى انتباذ مريم - عليه السلام - و تكون النبى عيسى روح الله - سلام الله عليه - حينئذ من النفخ فى العين التاسعة و الأربعين .

5 - و قال الشيخ فى آخر المقالة الثامنة من حيوان الشفاء[ : ( و من عجائب  احوال الحيوان ان الدجاجة اذا اغلبت  الديك  قتالا تشبهت  بالديك فى صقيعها و فى سفادها و اشالت  اذنابها كالديك  و ربما نبت  له مخلب ]( .

ثم قال[ : ( اقول ليعلم ان الطبيعة مطيعة للهيأة النفسانية . و الديك ايضا يتشبه بالدجاج اذا ماتت  الدجاجة عن فراريخ فيعولها فيتجنب  السفاد و يتركه](  ( 2 ) .

قال الفخر الرازى فى السر المكتوم[ : ( التجربة و القياس يشهدان بأن التصورات  قد تكون مبادىء لحدوث  الكيفيات  فى البدن , فان الغضب  القوى قد يفيد السخونة فى البدن , و كذا الاوهام على ما ثبت  من نهى المرعوف عن النظر الى الاشياء الحمر , و المصروع عن النظر الى الاشياء القوية اللمعان و الدوران , و ما ذلك  إلا لأن النفس خلقت  مطيعة للأوهام](  . حكى عن الشيخ الرئيس ان الدجاجة اذا تشبهت  بالديك  فى الصياح نبتت على ساقها شوكة . ذكر فى كتاب  الحيوان[ : ( لماذا كان التفاوت  بين الاشخاص الانسانية فى الخلقة

پاورقى :

1 . آل عمران : 41 .

2 . الشفاء , ط 1 , ج 1 , ص 426 .

صفحه : 223

و الصورة اكثر من سائر الحيوان , و الاشخاص الحيوانية الأهلية اكثر من الوحشية ؟

فأجاب  باب  تخيلات  الانسان و افكاره اكثر من سائر الحيوانات  , و الاشكال يتغير بحسب  تغير التصورات  فلا جرم كان الاختلاف  الحاصل بين الاشخاص الانسانية اكثر من الحيوانات  . و ايضا فالحيوانات  الأهلية احساسها و تخيلاتها اكثر من الحيوانات  الوحشية فلاجرم كان الاختلاف  فيها اكثر](  .

6 - بعض فصول النمط العاشر من الاشارات  سيما الفصل السادس و العشرين منه فى هذا التاثير و التأثر يحتوى اسرارا لطيفة و مطالب  شريفة . 7 - النفس غير متأثرة عن البدن من حيث  تجردها عنه بل من حيث  تعلقها به و تمام هذا البحث  يطلب  من كتابنا المسمى بالمبدأ و المعاد ( 1 ) . و المبدأ و المعاد ( 2 ) قوله[ : ( فان قيل كما جاز حصول القوى الجسمانية من المفارقات  الكلية من دون علاقة وضعية و نسبة جسمية فليجز عكسها من دون تلك  العلاقة الخ](  .

8 - ألتحقيق أن المتخيلة لها نوع تجرد عن المادة , و الروح الدماغى مظهر لها . و السر فى السراية ( أى سراية صفة بعض مراتب  النفس الى البعض الاخر ) أن النفس جسمانية الحدوث  و روحانية البقاء , و أنها ذات  مراتب  و النفس كل القوى و الاصل المحفوظ فيها فيسرى صفة بعض المراتب  و لو كان من أدنى الأدانى إلى البعض الاخر و لو كان من أعلى الأعالى , ألا ترى أن القضايا و الاعتقادات  المحبوبة أو المبغوضة الواردة على النفس كيف  تؤثر فى البدن فتنميه و تقويه , أو توهنه و ترديه . و الفرح النطقى يزيد القوى البدنية , و الغم النطقى ينقصها بل يفسدها , و أنه كيف  يؤثر سوء المزاج أو تفرق الاتصال الطاريان على البدن فى النفس . فليتفطن اللبيب  العارف  بأن للنفس وحدة جمعية حقيقية هى ظل الوحدة الحقة المحيطة بكل الوحدات  و الكثرات  ( 3 ) .

قوله[ : ( و الفرح النطقى يزيد]( . . .  فى الدفتر الثانى من المثنوى المعنوى للمولوى :

[ ( آدمى را فربهى هست  از خيال

گر خيالاتش بود صاحب  جمال

و رخيالاتش نمايد ناخوشى

مى گدازد همچو موم از آتشى](

پاورقى :

1 . الأسفار , ط 1 , ج 3 , ص 9 .

2 . المبدء و المعاد لصدر المتألهين ط 1 ص 12 .

3 . الحكمة المنظومة للسبزوارى , الطبع الأعلى , ص 325 . صفحه : 224

و قال فى الدفتر السادس منه :

[ ( تا خيال و فكر خوش بروى زند

فكر شيرين مرد را فر به كند

جانور فربه شود ليك  از علف

آدمى فربه زعزاست  و شرف

آدمى فربه شود از راه گوش

جانور فربه شود از حلق و نوش](

و من هذا الباب  ما أفاده ايضا فى الدفتر الثالث  منه من حديث  الأطفال مع معلمهم و هو أن اطفال المكتب  احتالوا فى تمريض معلمهم بالقاء حروف العلة عليه واحدا بعد واحد فتصرفوا فى وهمه فصار عليلا , بقوله[ : ( كودكان مكتبى از او ستاد الخ](  .

مطالب  الفريدة الثالثة من المقصد الخامس من غرر الفرائد للمتأله السبزاوى فى بيان صدور الأفعال الغريبة عن النفس الانسانية فى المقام مطلوبة جدا ( 1 ) . سيما ما فى النمط العاشر من اشارات  الحكيم الأقدم الأجل أبى على من الأمهات  و الأصول فى صدور الايات  الغريبة عن النفوس الانسانية . و قد رتبها فى أربع مسائل أصيلة : إحديها فى قوت  العارف بالله بأنه يكتفى بالقوت  اليسير فى اربعة فصول , و ثانيتها فى قوة العارف  بالله فى فصلين , و ثالثها فى إخبار العارف  بالله عن الغيب  فى ثمانية عشر فصلا , و رابعتها فى ظهور خوارق العادات  عن النفوس الانسانية فى ستة فصول و أنهاها إلى نصيحة بالغة بقوله الشريف[ :  ( إياك  أن يكون تكيسك  و تبرؤك  عن العامة هو أن تنبرى منكرا لكل شىء فذلك  طيش و عجز , و ليس الخرق فى تكذيبك  ما لم تستبن لك  بعد جليته دون الخرق فى تصديقك  بما لم تقم بين يديك  بينته , بل عليك  الاعتصام بحبل التوقف  . و إن أزعجك  استنكار ما يوعاه سمعك  ما لم تبرهن استحالته لك  فالصواب لك  أن تسرح أمثال ذلك  إلى بقعة الامكان ما لم يذدك  عنها قائم البرهان . و اعلم أن فى الطبيعة عجائب  , و للقوى العالية الفعالة و القوى السافلة المنفعلة اجتماعات  على غرائب](   .

اقول : الخرق بالضم فالسكون هيهنا بمعنى الحماقة , يعنى أن انكار أحد طرفى الممكن من غير حجة ليس إلى الحمق أقرب  من الاقرار بطرفه الاخر من غير بينة . و من كلماته السامية أيضا[ : ( من تعود أن يصدق من غير دليل فقد انسلخ عن الفطرة الانسانية](  .

تبصرة : ليس المراد من ظهور المعجزات  و الكرامات  و بالجملة خوارق العادات  أن

پاورقى :

1 . غرر الفوائد للسبزوارى , الطبع الأعلى , ص 328 .

صفحه : 225

يظهر أمر من غير علة , حتى يتفوه بأن خوارق العادات  ناطقة بنقض قانون العلية , و ذلك  لأن العلة فى ظهور الغرائب  هى النفس المتصرفة بمادة الكائنات  على مراتبها من النفوس المكتفية القدسية , و من دونها من النفوس المرتاضة البالغة إلى قدرة ما ملكوتية . و فى الحقيقة أن العامة يحسبون ظهورها من خوارق العادات  لعدم شعورها بعللها و أسبابها , و أما الخاصة فهم موقنون بأنها صدرت  عن عللها أى عن النفوس الكاملة على مراتبها باذن الله - سبحانه - لأن من الممتنع ظهور أثر عن الممكن بدون اسناده الى الواجب  . و من دقائق كلمات  المحقق الطوسى فى شرح الفصل الخامس و العشرين من النمط المذكور[ : ( أن تلك  الأفعال ليست  عند من يقف  على عللها الموجبة إياها بخارقة العادة , إنما هى خارقة بالقياس إلى من لا يعرف  تلك  العلل](  .

صفحه : 226

صفحه : 227

عين فى تكون جوهر النفس هل هى جسمانية الحدوث  أو روحانيته ؟ ( 9 ) ط - و من أمهات  تلك  العيون , البحث  عن تكون جوهر النفس , هل هى جسمانية الحدوث  و التصرف  , أو روحانية الحدوث  و التصرف  ؟ و القولان متفقان فى أنها روحانية البقاء و التعقل .

فلو كانت  النفس روحانية الحدوث  كانت  نفسية النفس أى تدبيرها البدن عارضة لها بعد تمام هويتها و شخصيتها كمن لم يكن ربانا ثم تربن , فكان تعلقها بالبدن و حاجتها اليه كتعلق الربان بالسفينة , و كحاجة الصانع إلى الدكان مثلا و نحوهما . فحينئذ يسأل القائل بالحدوث  هذا عن تحقق الوحدة و التشخص الفردانى فى أشخاص الإنسان مثلا , فيقال كيف  حصل هذه الوحدة الشخصية و الهوية الوحدانية بانضمام شيئين متغائرين و ممتازين ؟ و هل هذا إلا سخف  و تهافت  ؟ بل الحق أن نفسية النفس هى نحو وجودها لا إضافة لذاتها بعد تمام هويتها , و هى تنتقل انتقالا جوهريا من طور الى طور , و البدن مرتبتها النازلة , و بالجملة أن النفس جسمانية الحدوث  و التصرف  متسخرة تحت  تدبير المتفرد بالجبروت  , كما ذهب  الى هذا الحكم العدل الحكيم و القول الفصل القويم صاحب  الأسفار حيث  صرح كرة بعد كرة بالاشتداد الجوهرى فى الجوهر الصورى المنوى فى مسير تكامله فى تجوهر ذاته , و استيفاء درجاته , و الارتقاء إلى تطور نشئاته , و الاعتلاء الى قدس معارجه و مقاماته , و قد برهنه فى الحكمة المتعالية بما لا مزيد عليه , و عليه بناء أهل العرفان أيضا .

يستفاد من كلام القيصرى فى آخر شرحه على الفص الشيثى من فصوص الحكم أن النفس الانسانية جسمانية حدوثا و روحانية بقاء ( 1 ) . حيث  يقول فى تفسير كلام الشيخ الاكبر : و المولود الذى يلد بالصين اشارة الى القلب المتولد فى صين الطبيعة الكلية اى فى اقصى مراتب  الطبيعة فى التنزل و هو حامل الاسرار المودعة فى الروح الكلى اولا ثم فى الروح الجزئى ثانيا و هما ليسا بمتغايرين الا فى المرتبة . بل يستفاد من صاحب  الفتوحات المكية ذلك  ايضا حيث  قال فى آخر الباب  الثانى و ثلاثمائة منه[ : ( و من الناس من قال إن

پاورقى :

1 . شرح القيصرى على فصوص الحكم , ط 1 , ص 127 .

صفحه : 228

الأرواح فى اصل وجودها متولدة من مزاج الصورة , و من الناس من منع ذلك  , و لكل واحد وجه ينتمى اليه فى ذلك  الخ ( 1 ) .

و القول الثانى هو قول المشاء و قد بين الشيخ فى الفصل الثالث  من خامسة نفس الشفاء قولهم هذا فى النفس ( 2 ) حيث  قال[ : ( و نقول إن الانفس الانسانية لم تكن قائمة مفارقة للأبدان ثم حصلت  الخ](  . و فى هذا الفصل اثبت  أن النفس حادثة مع حدوث  البدن . و قال فى التعليقات  : و لو لم تكن النفس حادثة لما احتاجت  إلى البدن : ( ص 176 ط 1 مصر ) .

و كذلك  قد بين فى آخر الفصل الرابع من المقالة التاسعة من آلهيات الشفاء أن النفس تحدث  مع حدوث  البدن , حيث  يقول[ : ( و مما لا نشك فيه أن هيهنا عقولا بسيطة مفارقة تحدث  مع حدوث  ابدان الناس الخ](  ( 3 ) .

و كذلك  قد بين الشيخ قول المشاء هذا فى النفس فى آخر النمط السادس من الاشارات  بقوله :

[ ( و عند الناطقة يقف  ترتب  وجود الجواهر العقلية و هى المحتاجة الى الاستكمال بالالات  البدنية الخ](  .

و الشارح المحقق الطوسى بين مرامهم فى المقام فى غاية القوة و الجودة و الاتقان . لكن جرى الحق من قلم الشيخ فى الشفاء بان النفس جسمانية الحدوث  روحانية البقاء , كما سيأتى نقل كلامه فى ذلك  فى العين التاسعة و الاربعين .

و الفخر الرازى فى المباحث  المشرقية تارة يبحث  عن كيفية تعلق النفس بالبدن و تارة عن حدوث  النفوس البشرية ( 4 ) .

و قال صاحب  الأسفار : النفس الانسانية عند الشيخ مجردة عن المادة فى اول الفطرة ( 5 ) . و قال فيه ايضا[ : ( النفس الانسانية عند الشيخ مجرد عقلى من اول الفطرة حين حدوثها فى الشهر الرابع للجنين](  ( 6 ) . پاورقى :

1 . الفتوحات  المكية للشيخ الاكبر , ط بولاق , ج 3 , ص 13 . 2 . الشفاء , ط 1 , ج 1 , ص 252 .

3 . المصدر , ج 2 , ص 269 .

4 . المباحث  المشرقية للفخر الرازى , ج 2 , ص 382 و ص 389 . 5 . الاسفار , ط 1 , ج 1 , ص 308 .

6 . المصدر , ط 1 , ج 4 , ص 125 .

صفحه : 229

و مما أفاده المتأله السبزوارى فى حدوث  النفس ما هذا لفظه[ : ( أعلم أن الاحتمالات  التى لها قائل اربعة فى هذا المقام :

الأول أن النفس جسمانية حدوثا و بقاء و هذا مذهب  القائلين بتجسمها من المتكلمين , و الطباعية , و الدهرية الذين حكى الله - تعالى - عنهم فى كتابه المجيد بقوله : [ ( ما هى إلا حيوتنا الدنيا نموت  و نحيى و ما يهلكنا إلا الدهر](   ( 1 ) , و هؤلاء تحزبوا أحزابا فمنهم من يقول : إنها الروح البخارى , و إنها جسم لطيف  سار فى البدن سريان الماء فى الورد و النار فى الفحم . و منهم من يقول : إنها الدم لما سمع أنه يقال : النفس السائلة على الدم , إلى غير ذلك  من الأقاويل الباطلة , و قد قيل فى النفس اربعون قولا .

و الثانى أنها روحانية حدوثا و بقاء , و هذا قول المشائين القائلين انها مجردة ذاتا لا فعلا , حدثت  فى الجنين فى الشهر الرابع متعلقة به لا منطبعة فيه .

الثالث  القول الذى قلنا به - النفس فى الحدوث  جسمانية / و فى البقاء تكون روحانية - و هو قول صدر المتألهين و كثير من العرفاء و هو أنها جسمانية الحدوث  روحانية البقاء , و ما يقول العارف  الشيخ فريد الدين ( س ) :

تن زجان نبود جدا عضوى ازوست

جان زكل نبود جدا جزوى از اوست

ناظر إلى هذا . و المراد بالجزء التناهى الشدى بالنسبة إلى النور الغير المتناهى شدة و مدة و عدة .

و الرابع عكس هذا أى تكون روحانية الحدوث  جسمانية البقاء . و هذا فى بعض النفوس على قول التناسخية فان النور الاسفهبد كان روحانيا طاهرا فى أول الأمر , فاذا سكنت  فى الصيصية و تلوث  بلوث  الصفات  النباتية و الحيوانية صارت  جسمانية أى شديدة التعلق بالأجسام و الطبيعة و لوازمها لا جسما إذ فرق بين بين الجسم و الجسمانى , و لا جسمانيا كالمنطبعات  , بل هذا فى البعض شىء يقول به الكل من أهل التحقيق فان النفس إن كانت  كذا صارت  واغلة فى الجسم غالبة عليها أحكامه إلا أنها تصير فى النشأة الأخرى جسمانية برزخية أخروية , لا كمن يصعد إلى عالم المعنى و يتخلص عن عالم الصورة , و قول المولوى فى المثنوى[ : ( اين بخاك  اندرشد و كل خاك  شد / و ان نمك  اندرشد وكل پاك  شد](  ناظر اليه ( 2 ) .

پاورقى :

1 . الجاثية : 25 .

2 . تعليقات  السبزوارى على غرر الفرائد , الطبع الحجرى الأعلى , ص 298 .

صفحه : 230

و من افاداته فى ذلك  ايضا ما قال فى تعليقته على الاشراق السادس من الشاهد الثانى من المشهد الثالث  من الشواهد الربوبية فى نقل آراء القوم فى حدوث  النفس و قدمها و رجوعها الى مبدعها و منشئها :

[ ( اعلم ان هيهنا أقوالا : احدها , أنها قديمة مطلقا بقدم العقل الكلى الفعال , و هذا كالقول بأنها مجردة عن المادة مطلقا .

و ثانيها , أنها قديمة بما هى نفس مترددة دائما فى الأبدان كما هو قول بعض التناسخية .

و ثالثها , أن النفس قديمة قبل الابدان و لكن بالهويات  الجزئية , و هكذا فهم المشاؤون من كلام افلاطون و ليس كذلك  .

و رابعها , أنها قديمة بقدم العقل الكلى الفعال و هو رب  النوع و لكن فى مرتبة تنزهها فان الكينونة السابقة القديمة التى له لها , و حادثة ايضا فى مرتبة كونها طبعا , و بدنها بحدوث  البدن لا مع حدوث  البدن , و هذا هو الحق , و به قال المصنف  ( يعنى به مصنف  الشواهد الربوبية صدر المتألهين قده ) لكونها ذات  درجات  و شئون . فان قلت  : إنها قديمة صدقت  , و ان قلت  : إنها حادثة صدقت  , و كذا ان قلت  : إنها ملك  و جن و حيوان و نبات  و غير ذلك  كلها صادقة , و لكن بلا تجاف  عن مقامها الاخر , و ذلك  لأنها بسيطة الحقيقة بعد الحق تعالى و كل الأشياء , فما أعجب حال هذا المعجون و طائر بوقلمون .

و خامسها , أنها حادثة و لكن مع حدوث  البدن لا بحدوثه كما مر . و سادسها , أنها حادثة و لكن قبل البدن بسنين معدودة كالفى عام , و هذا قول بعض المليين تصحيحا لعالم الذر و الميثاق , و هذا تخصيص بلا مخصص , و تعطيل](  ( 1 ) .

أقول : قد تقدم نقل الأقوال فى حقيقة النفس فى العين الرابعة , و سيأتى تحقيقنا الفريد فى التناسخ فى العين الرابعة و الخمسين . اعلم ان الشيخ لما كان قائلا بأن النفس روحانية الحدوث  و التصرف  تحير فى كلماته فى وجه تخصيص الأرواح أعنى بها النفوس الانسانية بأبدانها . مثلا قال فى التعليقات  ما هذا لفظه[ : ( النفس الانسانية و إن كانت قائمة بذاتها فانها لا تنتقل عن هذا البدن إلى غيره , لأن كل نفس لها مخصص ببدنها , و مخصص هذه النفس غير مخصص تلك  النفس . فلنسبة پاورقى :

1 . الشواهد الربوبية لصدر المتألهين , الطبع الاول الحجرى , ص 152 . صفحه : 231

ما تخصصت  بذلك  البدن لا نعرفها](  ( 1 ) و أنت  تعلم أن القائل بأن النفس جسمانية الحدوث  و التصرف  فهو بمعزل عن هذا التحير , فافهم و تبصر .

و قد حررنا ما ذهب  اليه الفريقان من حدوث  النفس مع البدن أى كونها روحانية الحدوث  , او حدوثها بالبدن اى كونها جسمانية الحدوث  , فى الدرس الرابع من كتابنا اتحاد العاقل بمعقوله ( 2 ) .

و أما الذى اشتهر من افلاطون من ان النفس قديمة , فمراده من قدمها قدم مبدعها و منشئها الذى ستعود اليه بعد انقطاعها عن الدنيا . و راجع فى ذلك  الى الفصل السابع من الطرف  الثانى من المرحلة العاشرة من الأسفار ( 3 ) و الى الفصل الثامن من المرحلة الرابعة منه ( 4 ) , و الى الفصل الثالث  من الباب  السابع من نفس الأسفار ( 5 ) و ان شئت  فراجع أيضا إلى الدرس الثالث  من كتابنا المذكور فى الاتحاد ( 6 ) . و ما هو العمدة فى هذه المسألة أن تنال معنى كونها جسمانية الحدوث  , فكيف  تحول المادة الى المجرد و صارت  الطبيعة ما هو من وراء الطبيعة ؟ فتدبر حق التد بر فى كلام صدر المتألهين فى المقام حيث  قال : [ ( النطفة قد فاضت  عليها من المبدء الفعال كمالات  متعاقبة جوهرية : أولها كالصورة المعدنية و هى الحافظة للتركيب  و المفيدة للمزاج , و ثانيها الصور النباتية , و بعدها الجوهر الحيوانى , و هكذا وقع الاشتداد فى الوجود الصورى الجوهرى إلى أن تجرد و ارتفع عن المادة ذاتا ثم ادراكا و تدبيرا و فعلا و تأثيرا](  ( 7 ) .

سيما فى قوله هذا حيث  وصف  القوة المنطبعة فى النطفة التى ستصير جوهرا مفارقا بما هذا لفظه :

[ ( ان ما يكون من الصور التى فعلها فى المادة من غير توسط قوة أخرى فذاتها متحدة

پاورقى :

1 . التعليقات  للشيخ الرئيس , الطبع الأول بمصر , ص 65 . 2 . اتحاد العاقل , بمعقوله , ط 1 , ص 49 .

3 . الأسفار , ج 1 , ص 319 .

4 . المصدر , ج 1 , ص 120 .

5 . المصدر , ج 4 , ص 89 - 90 .

6 . اتحاد العاقل بمعقوله , ط 1 , ص 42 - 48 .

7 . الأسفار , ط 1 , ج 4 , ص 36 .

صفحه : 232

الوجود بالمادة كالصور الاسطقسية و الجمادية كالنارية و الهوائية و الياقوتية و الذهبية و غيرها , فكانها مادية محضة منقسمة بانقسامها . و اما ما يكون من الصور التى فعلها باستخدام قوة أخرى فلا محالة تكون تلك  القوة لكونها آلة متوسطة أدون منزلة من تلك  الصورة , فتكون تلك الصورة كأنها مرتفعة الذات  عن سنخ المادة . و هذا الارتفاع عن دنو المادة الجسمية الأولى شأن النفس اذ لها حظ من الملكوت  و التجرد و لو قليلا](  ( الاسفارج 4 ط 1 ص 3 ) .

فانظر فى قوله أولا : كأنها مرتفعة الذات  عن سنخ المادة , فلم قال : كأنها ؟

و ثانيا ما يعنى بقوله : اذ لها حظ من الملكوت  و التجرد و لو قليلا ؟ قال الحكيم المتأله المولى اسماعيل الاصفهانى فى بيانه ما هذا لفظه : [ ( ليس المراد التجرد بالمعنى المصطلح أى غير الحال فى المادة و إلا لا يصدق على النفس النباتى , بل الحيوانى , بل المراد بالتجرد , المعنى المفهوم من قوله كأنها مرتفعة الذات  عن سنخ المادة بمعنى وجودها غير وجود المادة لا متحدة بها , بل يكون كأنها مرتفعة الذات  عن سنخ المادة ]( .

فاذا كان لها هذه الشأنية فكيف  كانت  مادة منطبعة حتى تكون جسمانية الحدوث  ؟ فافهم .

ثم ان ما لعله يسهل الخطب  هو اشكالات  عديدة ترد على قول المشاء بكونها روحانية الحدوث  . و أهم تلك  الاشكالات  هو أن يحصل من صورة عقلية و مادة جسمانية نوع جسمانى واحد ( 1 ) , ثم على قولهم بعدم اتحاد المدرك بمدركه وجودا .

و كذلك  لعل ما يسهله أن تنظر فى صدور المادة الطبيعية عن ما قبل الطبيعة مع ان السنخية بين العلة و معلولها حتم . بل الامر ارفع من العلية و المعلولية لأن الوجود هو مساوق الحق سبحانه له وحدة شخصية و الوجود ليس الا الحق فاين العلة و المعلول . و الغرض أن تقيس الصعود بالنزول مع ان الامر فى الأول أهون .

و كذلك  لعل التغلغل و الغوص فى كلمات  أخرى من صاحب  الأسفار يعينك فى الاعتلاء الى فهم ذلك  الخطاب  الفصل :

پاورقى :

1 . الأسفار , ط 1 , ج 1 ص 282 , و ج 2 ص 2 .

صفحه : 233

منها قوله فى الفصل العاشر من الباب  الثالث  من نفس الأسفار ( 1 ) من أن النفس الادمية ما دام كون الجنين فى الرحم درجتها درجة النفوس النباتية على مراتبها , الى آخر ما يأتى نقله و بياننا حوله فى العين السابعة و الأربعين .

و منها ما قال فى آخر الفصل الاول من الباب  السابع من نفس الأسفار ( 2 ) : من ان النفس حين حدوثها نهاية الصور الماديات  و بداية الصور الادراكيات  , و وجودها حينئذ آخر القشور الجسمانية و اول اللبوب الروحانية .

و منها ما قال فى آخر الفصل السادس من ذلك  الباب  ايضا ( 3 ) : و اعلم أن نشئات  الوجود متلاحقة متفاضلة و مع تفاوتها متصلة بعضها ببعض , و نهاية كل مرتبة بداية مرتبة أخرى , و آخر درجات  هذه النشئات التعلقية اول درجات  النشأة التجردية . و عالم التجرد المحض ليس فيه حدوث  و تغير و سنوح حالة فلا يتغير ذلك  العالم بدخول النفس اليه , كما لا يتغير بصدورها منه . فورود النفس الى ذلك  العالم بنحو صدورها منه بلا استحالة و تجدد . فعليك  بالتأمل الصادق , و التفطن اللائق كى تدرك  ما ذكرنا متنورا بيت  قلبك  باشراق نور المعرفة على أرجائه من عالم الافاضة و الالهام و الله يدعو الى دار السلام ( 4 ) .

و التدبر فى الايات  القرآنية كقوله - سبحانه - : [ ( هو انشأكم من الأرض](   , ( 5 ) و قوله : [ ( انا خلقنا الانسان من سلالة من طين , الاية](   ( 6 ) , و قوله : [ ( و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم](   ( 7 ) , و نحوها من الايات  القرآنية موصل الى المطلوب  - ان شاء الله الذى يخرج الحى من الميت  - .

و ايضا مما حرره صدر المتألهين فى كون النفس جسمانية الحدوث  هو ما بينه فى الفصل الثامن من الطرف  الاول من المقالة العاشرة من الأسفار فى اتحاد العاقل و المعقول حيث  قال :

پاورقى :

1 . المصدر , ج 4 , ص 33 .

2 . المصدرج 4 , ص 80 .

3 . المصدر , ج 4 , ص 95 .

4 . المصدر , ج 4 , ص 95 .

5 . هود : 62 .

6 . المؤمنون : 14 - 16 .

7 . النمل : 83 .

صفحه : 234

[ ( قلنا فى تحقيق هذا المقام أن النفس فى أول ما افيضت  على مادة البدن كان صورة شىء من الموجودات  الجسمانية , فكانت  كالصورة المحسوسة و الخيالية لم تكن فى اول الكون صورة عقلية لشىء من الأشياء كيف  و من المحال أن يحصل من صورة عقلية و مادة جسمانية نوع جسمانى واحد كالانسان بلا توسط استكمالات  و استحالات  لتلك  المادة اذ ذاك  من أمحل المحالات  و اشنع المحذورات  فان وجود المادة القريبة للشىء من جنس وجود صورته اذ نسبة الصورة اليها نسبة الفصل المحصل للجنس القريب  اليه . فالنفس فى اوائل الفطرة كانت  صورة واحدة من موجودات  هذا العالم إلا أن فى قوتها السلوك  الى عالم الملكوت  على التدريج . فهى اولا صورة شىء من الموجودات  الجسمانية , و فى قوتها قبول الصور العقلية . و لا منافاة بين تلك  الفعلية و هذا القبول الاستكمالى لما مر من حكاية قول الشيخ ان وجود الشىء من شىء قد يكون بطريق الاستكمال و هو سلوك  السلسلة الطولية , و قد يكون بطريق التفاسد و هو سلوك  السلسلة العرضية كما فى المعدات  . فالصورة النفسانية الحسية كمادة للصور الخيالية , و هى كمادة للصور العقلية .  و هى اول ما يفيض عليها اوائل المعقولات  ثم ثوانيها على التدريج صائرة اياها](  ( 1 ) .

قوله[ : ( كالصور المحسوسة و الخيالية](  , أى فى الحس المشترك  . و قوله : فالصورة النفسانية , الحسية , أى التى يقع بها الاحساسات  فقط كما للمولود .

و من كلماته فى ذلك  ايضا ما قال فى تاسع الحادى عشر من نفس الأسفار : [( النفس الانسانية فى بداية تكونها و اول خلقتها هى بالقوة فى نشئاتها الثلاث  لانها كانت  قبل وجودها فى مكمن الامكان و كتم الخفاء كما قال تعالى : [ ( و قد خلقتك  من قبل و لم تك  شيئا](   و قوله : [ ( هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا](   و كل ما كان وجوده أولا بالقوة فلابد أن يكون متدرج الحصول فى اصل الوجود و كمالاته و يكون مترقيا من الأدنى الى الأعلى و متدرجا من الاضعف  الى الأقوى , فلها فى كل من نشئاتها الثلاث  مراتب  و هى قوة و استعداد و كمال](  ( 2 ) . اقول : النشئات  الثلاث  هى الطبع و المثال و العقل فى الانسان المحاذية لتلك  النشئات

پاورقى :

1 . الأسفار , ط 1 , ج 1 , ص 282 .

2 . المصدر , ج 4 , ص 160 .

صفحه : 235

فى العالم . و سيأتى ذكر اسرار يحويها الفصل المذكور فى العين الرابعة و الستين .

تبصرة : الشيخ الرئيس كان ينكر أولا اتحاد العاقل بمعقوله , ثم أقربه , و فى كتبه التى تصدى فيها لرد الاتحاد كالشفاء و النجاة و الاشارات  قد وجدنا غير واحدة من كلماته التى لا مخلص عنها إلا أن تحمل على الاتحاد , و ذكرنا مواضع منها فى الدرس الأول من دروس اتحاد العاقل بالمعقول ( 1 ) و فى النكتة 802 من الف  نكتة و نكته .

و كذلك  كان ينكر ارباب  الأنواع أى المثل الالهية المشتهرة بالمثل الأفلاطونية , و قد وجدنا عبارات  منه تدل على اعترافه بها كما حررناها فى رسالتنا المعمولة فى المثل و لم تطبع بعد . منها أنه مع إبرامه فى الفصل الثانى من سابعة آلهيات  الشفاء على رد القول بالمثل و الطعن على افلاطن و معلمه سقراط بأنهما كانا يفرطان فى الرأى بالمثل ( 2 ) قال فى - آخر الفصل الثالث  من تاسعة آلهيات  الشفاء المترجم فى كيفية صدور الأفعال من المبادىء العالية ما هذا لفظه[ : ( فيكون لكل فلك  عقل مفارق نسبته إلى نفسه نسبة العقل الفعال إلى نفوسنا , و أنه مثال كلى عقلى لنوع فعله فهو يتشبه به](  و انت  ترى أنه جرى الحق فى لسانه حيث  قال : [( و أنه مثال كلى عقلى الخ](  ( 3 ) .

و كذلك  نطق بهذا القول الصواب  فى الفصل الرابع عشر من رسالته فى النفس و بقائها و معادها حيث  قال[ : ( و قد ظهر لنا فى العلوم الالهية أن الصور التى هى فى الاجسام العالية تابعة فى الوجود للصور التى فى النفوس و العقول الكلية , و أن هذه المادة طوع لقبول ما هو متصور فى عالم العقل , و ان تلك  الصور العقلية مبادىء لهذه الصور الحسية , يجب عنها لذاتها وجود هذه الأنواع فى العوالم الجسمانية ( 4 ) . و يطلب التحقيق فى أنحاء البحث  عن المثل فى رسالتنا المصنوعة فيها . و كذلك  كان ينكر تجرد النفوس الحيوانية ثم أذعن به على ما يأتى البحث  عنه فى العين الحادية و العشرين .

پاورقى :

1 . دروس اتحاد العاقل بالمعقول , ص 18 - 25 .

2 . الشفاء , الطبع الاول الرحلى , ج 2 , ص 557 .

3 . المصدر , ج 2 , ص 617 .

4 . اربع رسائل نفسية للشيخ بتصحيح الأهوانى , ط مصر , 1372 ه . ق . صفحه : 236

و كذلك  كان ينكر الكيميا و تصدى لابطالها ثم ألف  رسالة فى صحتها سماها حقائق الاشهاد . قال فى آخر الفصل الخامس من المقالة الأولى من الفن الخامس من طبيعيات  الشفاء المترجم ذلك  الفصل فى تكون المعدنيات  , ما هذا لفظه[ : ( و أما ما يدعيه اصحاب  الكيميا فيجب  أن يعلم أنه ليس فى أيديهم أن يقلبوا الأنواع قلبا حقيقيا , لكن فى أيديهم تشبيهات  حسية حتى يصبغ الأحمر صبغا أبيض شديد الشبه بالفضة , و يصبغوه صبغا أصفر شديد الشبه بالذهب  , و أن يصبغوا الأبيض أيضا أى صبغ شاؤوا حتى يشتد شبهه بالذهب  أو النحاس , و أن يسلبوا الرصاصات  أكثر ما فيها من النقص و العيوب  إلا أن جواهرها تكون محفوظة و انما يغلب  عليها كيفيات مستفادة بحيث  يغلط فى أمرها , كما أن للناس أن يتخذوا الملح و القلقند و النوشادرو غيره و لا أمنع أن يبلغ فى التدقيق مبلغا يخفى الأمر فيه على الفريقة , و أما أن يكون الفصل المنوع يسلب  أو يكسى فلم يتبين لى امكانه بل بعيد عندى جوازه , إذ لا سبيل الى حل المزاج إلى المزاج الاخر فان هذه الأحوال المحسوسة يشبه أن لا تكون هى الفصول التى بها يصير هذه الأجساد أنواعا , بل هى عوارض و لوازم و فصولها مجهولة و إذا كان الشىء مجهولا كيف  يمكن أن يقصد قصد ايجاده و إفقاده . و أما سلخ هذه الأصباغ و الأعراض من الروائح و الأوزان او كسوها فهذا مما لا يجب  أن يصر على جحده لفقدان العلم به فليس يقوم برهان على امتناعه . الخ](  ( 1 ) . قوله[ : ( حتى يصبغ الأحمر](  , يريد بالأحمر النحاس . و قوله[ : ( أن يصبغوا الأبيض](  , يريد بالأبيض الرصاص . و قوله[ : ( لفقدان العلم به](  , أى العلم بكون اصرار الجحد مستندا إلى فقدان العلم بهذا السلخ و الكسو .

قال الجلد كى فى التقريب[ :  ( و لعمرى أن الشيخ فى كتاب  الشفاء قد أثبت  صناعة التدبير حذو النعل بالنعل , و قد تكلم بالحجر و أجزائه و بخواصه و بأنواعه الاستحالة فى عدة مواطن و هو لا يشعر , فسبحان من أعجزه عنها و أخفاها عنه و أحرمه , مع علو طبقته و ظهور حكمته و فلسفته , و لكن الله يضل من يشاء و يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم](  . و قال ايضا فيه[ : ( اعلم أن دخول الصبغ على الفضة من طرائق شتى غير طريق الحكمة ممكن كما قال ابن سينا إنه يمكن أن الفضة تنصبغ بلون الذهب فتكون فضة

پاورقى :

1 . الشفاء , ط الرحلى الحجرى , ج 1 , ص 255 .

صفحه : 237

مصبوغة لا ذهبا . و لعمرى لقد ظهر له البرهان من طريق البرانى و خفى عليه العمل الحق ليظهر العجز البشرى لأن مثل ابن سينا و حكمته و تدبيره الأشياء عجز عن مثل هذه الموهبة , و لو وصل اليها لكمل شأنه , و الكمال من حيث  هو فى طور الانسان و لم يحصل بالاجماع إلا لفرد مخصوص من نوع الانسان و هو النبى ( ص ) , و كان للانسان الأول الذى هو آدم تمام الكمال فى أيامه و دوره , و من بعده الانبياء عليهم السلام , ثم الأولياء و ذوو المعارف  الالهية , و من بعدهم الحكماء و أصحاب  العلوم الالهية و الحقائق البرهانية . و كان ابن سينا أفضل الناس فى الحكمة فى زمانه و أتمهم فلسفة و اكثرهم اطلاعا و لم يترك  من علوم الأقدمين شيئا إلا اتخذ , و لا فى علوم المتأخرين حقيقة إلا ملكها , و أخفى الله عنه حقيقة علم الكيمياء لحكمة أرادها الله عنه ليظهر عجزه بالقدرة الالهية , كما عجز كل حكيم ممن كان قبله بوجه من نسبة حكمته إما بغرض أو عرض أو بسبب  من الأسباب فانه لا يخفى على من اطلع على تواريخ الفراعنة بمصر و حكمتهم أعجزهم الله تعالى بالطوفان](  .

و قال الجلدكى أيضا فى شرح المكتسب[ :  ( اعلم أن مذهب  غالب  الحكماء المتقدمين و جمهور المتأخرين هو ما ذكره الشيخ الماتن أن هذه الصور الست  نوع واحد حقيقى , منه الناقص و منه التام , لزوال المانع عن التام و دخول العرض على الناقص .

و هذا أصل دليل امكان الصناعة و ثبوتها . و أما من أنكرها و أبطلها فلم يسلم ذلك  مثل أبى على بن سينا مع غزارة علمه و علو فهمه , فانه حجب عنها و انكرها فى كتابه المعروف  بالشفاء , فان رأى أن كل واحد من هذه الصور الست  نوع حقيقى بمفرده تحت  جنس واحد و هو المعدن مثل جنس النبات  و فيه أنواع , و مثل جنس الحيوان و فيه أنواع . و كما أنه لا يجوز أن يتحول الفرس كلبا , و لا الطائر فرسا , و لا الانسان طائرا كذلك يمتنع أن يعود الفضة ذهبا , و ينقلب  النحاس فضة , و الرصاص حديدا . فهذه شبهة أوردها و تكلف  بالرد عليه . و أجاب  عنها الشهيد مؤيد الدين الطغرائى فى كتابه حقائق الاستشهاد و استشهد على الرئيس ابن سينا بكثير من كلامه فى الشفاء , و فى الحقيقة أن ابن سينا تحير فيها و اضطرب  جاشه فيها , كما اضطرب  و تحير فى المعاد و فى بقاء النفس بعد فساد البدن . و كذلك  اضطرب  جالينوس مع براعته فى النفس . و أما كثير من الفلاسفة فقد منعوا ذلك  اصلا . فأما حنين بن اسحق فانه رأى مثل ما رآه ابن سينا فى ذلك  . و ابو محمد بن حزم فانه رآى أن صحة ذلك  من قبيل السحر و التخيل , و أنه لا يمكن إن يصح لها وجود أبدا تعسف  وجهالة . أما ابن تيمية فانه رأى أن الصبغ ممكن , و انه يزول بعد سبعين سنة . و رأيت للرئيس ابن سينا كتابا يحوم فيه على مقاصد الحكماء

صفحه : 238

و أقوالهم فى هذه الصناعة فنفى فيه الحق و أثبت  فيه الباطل , و لم يبرهن على كل من النفى و الاثبات  بوجه مقبول على الحقيقة فانه قال[ : ( إن قلب  اعيان صور الموجودات  ممتنع , و لا يمكن انقلاب  الفضة إلى ذهب  , و يمتنع أن ينقلب  النحاس فضة , كما يمتنع أن ينقلب  الفضة نحاسا](  , و كذلك  فى بقية الأشخاص المعدنية لكن أرى بامكان دخول الصبغ الأحمر على الفضة](  انتهى كلام الجلدكى .

قال الفخر الرازى فى المباحث  المشرقية بعد رد الأدلة التى أقيمت  على ابطال صنعة الكيميا[ : ( و الحق إمكان صنعة الكيميا لما بين أن هذه السبعة مشتركة فى أنها أجسام ذائبة صائرة على النار متطرقة , و أن الذهب  لم يتميز عن غيره بالصفرة و الرزانة , و الصورة الذهبية المفيدة لهذين العرضين إن ثبت  ذلك  , و ما به الاختلاف  لا يكون لازما لما به الاشتراك  , فاذن يمكن أن يتصف  جسمية النحاس بصفرة الذهب  و رزانته و ذلك  هو المطلوب](   .

اقول : قال العلامة الشيخ البهائى فى الكشكول[ : ( و الشيخ الرئيس بعد ما تصدى لابطال الكيمياء فى كتاب  الشفاء , الف  فى صحتها رسالة سماها حقائق الاشهاد . فالشيخ اعترف  بالكيمياء و رزق موهبة العلم بها](  . و المراد من الصور الست  , و هكذا هذه السبعة , اصناف  الأجسام المعدنية من الانك  و الرصاص و غيرهما .

و ان ما اسند الجلدكى إلى الشيخ من الاضطراب  و التحير فى المعاد , و بقاء النفس بعد فساد البدن , فهو من طغيان القلم كيف  لا و كتبه من الشفاء و النجاة و الاشارات  فى ادلة تجرد النفس و بقائها بعد فناء النفس و معادها أصدق شاهد على ذلك  , و نأتى بطائفة منها فى هذه العيون , و تجدها مستوفاة فى كتابنا الحجج البالغة على تجرد النفس الناطقة . و كذلك  كان الشيخ ينكر اتحاد النفوس الانسانية بالعقل الفعال بتوهم ان اتحادها به يوجب  إما أن يتجزىء العقل الفعال , و أما أن تطلع النفس على كل معقول و تصل إلى جميع الصور العقلية فيه , مع انه صرح بان النفوس الانسانية اذا وقع بينها و بين العقل الفعال اتصال ما ارتسم منه فيها الصور العقلية الخاصة بذلك  الاستعداد الخاص لأحكام خاصة . على التفصيل الذى يأتى فى العين الثامنة و العشرين .

و كذلك  كان ينكر التصوف  أولا , و كم له فى كتبه من الطعن فيه . مثلا قال فى السادس من خامسته نفس الشفاء فى الرد على القول باتحاد العاقل بالمعقول[ : ( و ما يقال من أن ذات  النفس تصير هى المعقولات  فهو من جملة ما يستحيل عندى فانى لست  أفهم قولهم إن

صفحه : 239

شيئا يصير شيئا آخر , و لا أعقل أن ذلك  كيف  يكون ؟](  - الى أن قال : [( و اكثر ما هوس الناس فى هذا هو الذى صنف  لهم إيساغوجى , و كان حريصا على أن يتكلم بأقوال مخيلة شعرية صوفية يقتصر منها لنفسه , و لغيره على التخيل , و يدل ا هل التمييز على ذلك  كتبه فى العقل و المعقولات  و كتبه فى النفس ( 1 ) . ثم صنف  رسالته فى العشق , و النمط التاسع من الاشارات  فى مقامات  العارفين . و قال الفخر الرازى فى شرحه على الاشارات  فى وصف  النمط التاسع[ : ( ان هذا الباب  أجل ما فى الكتاب  فانه رتب  فيه علوم الصوفية ترتيبا , ما سبقه إليه من قبله و لا لحقه من بعده](  و بلغ فى ذلك  مبلغا كتب  اليه الشيخ العارف  ابو سعيد بن ابى الخير يطالبه دستورا فى آداب  السلوك  العرفانية , فأرسل اليها الشيخ وجيزة عزيزة نقلها الشيخ البهائى فى الكشكول ( 2 ) , و القاضى نور الله الشهيد فى مجالس المؤمنين , و هى مذكورة فى نامه دانشوران ناصرى ايضا , و قد أتينا بها كاملة فى رسالتنا المعمولة فى لقاء الله تعالى ( 3 ) .

و كذلك  كان ينكر الحركة فى الجوهر , كما أن قاطبة المتأخرين من المشاء ذهبوا إلى أن المقولات  التى تقع الحركة فيها اربع فقط هى الكم و الكيف و الأين و الوضع , مع أن صاحب  الأسفار نقل بعض عباراته الدالة على الحركة فى الجوهر أيضا .

و بالجملة غرضنا فى هذه التبصرة أن الشيخ الرئيس كما كان ينكر أولا الأمور المذكورة ثم اعترف  ببعضها صريحا و أقر ببعضها فى أثناء عباراته و تضاعيف  مطالبه على ما دريت  , كذلك  فى حدوث  النفس كان كسائر المشاء قائلا بأنه روحانى , و قد رأيت  أنه صرح فى المواضع المذكورة من كتبه بذلك  , و مع هذا , يوجد منها عبارات  دالة على أنه جسمانى . منها أنه قال فى آخر الفصل الأول من خامسة نفس الشفاء المترجم بقوله[ : ( فى خواص الأفعال و الانفعالات  التى للانسان ما هذا لفظه[ : ( إن للانسان تصرفا فى امور جزئية و تصرفا فى امور كلية - الى آخر الفصل](  ( 4 ) و صاحب  الأسفار بعد نقل كلامه هذا ملخصا فى آخر الفصل الأول من تاسع نفس الأسفار فى خواص الانسان ايضا قال[ : ( و فيه مواضع انظار كثيرة](  - الى أن قال[ : ( فثبت  من هذا أن النفس تنتقل انتقالا جوهريا من طور إلى طور حسبما ادعيناه , و كذا يستفاد من قوله فله حاجة الى البدن لكن لا دائما من كل وجه بل قد يستغنى

پاورقى :

1 . المصدر , ج 1 , ص 358 .

2 . الكشكول للشيخ البهائى , ط نجم الدولة , ص 623 .

3 . ثمان رسائل للمؤلف  , ط 1 , ص 147 - 150 .

4 . الشفاء , ط 1 , ج 1 , ص 347 .

صفحه : 240

بذاته أن النفس جسمانية الحدوث  و روحانية البقاء مع انه غير قائل بهذه الاستحالة الجوهرية - الخ](  ( 1 ) و سيأتى نقل كلامهما بتمامهما فى العين التاسعة و الأربعين .

الفصل الثالث  من سابع نفس الأسفار مترجم بقوله[ : ( فى ايضاح القول فى هذه المسئلة المهمة](  . و يعنى بهذه المسئلة مسئلة حدوث  النفس , و من كلماته التامة فى مفتتحة قوله[ : ( اعلم أن هذه المسئلة دقيقة المسلك  بعيدة الغور و لذلك  وقع الاختلاف  بين الفلاسفة السابقين فى بابها . و وجه ذلك  أن النفس الانسانية ليس لها مقام معلوم فى الهوية , و لا لها درجة معينة فى الوجود كسائر الموجودات  الطبيعية و النفسية و العقلية التى كل له مقام معلوم , بل النفس الانسانية ذات  مقامات  و درجات  متفاوتة , و لها نشئات  سابقة و لاحقة , و لها فى كل مقام و عالم صور أخرى , كما قيل :

[ ( لقد صار قلبى قابلا كل صورة

فمرعى لغزلان و ديرا لرهبان](

و ما هذا شأنه صعب  إدراك  حقيقته و عسر فهم هويته . و الذى أدركه القوم من حقيقة النفس ليس إلا ما لزم وجودها من جهة البدن و عوارضه الادراكية , لم يتفطنوا من أحوالها إلا من جهة ما يلحقها من الادراك  و التحريك  , و هذان الأمران مما اشترك  فيهما جميع الحيوانات  . و أما ما أدرك  منها أزيد من ذلك  و هو تجردها و بقاؤها بعد انقطاع تصرفها عن هذا البدن فانما عرف  ذلك  من كونها محل العلوم , و أن العلم لا ينقسم , و محل غير المنقسم غير منقسم , فالنفس بسيطة الذات  , و كل بسيطة الذات غير قابلة للفناء و إلا لزم تركبه من قوة الوجود و العدم , و فعلية الوجود و العدم هذا خلف  , هذا غاية عرفانهم بالنفس أو ما يقرب  من هذا . و من ظن أنه بهذا القدر عرف  حقيقة النفس فقد استمسمن ذا ورم . و من اقتصر فى معرفة النفس على هذا القدر فيرد عليه إشكالات  كثيرة لا يمكنه التفصى عنها . منها أن كونها بسيطة الذات  ينافى حدوثها . و منها أن كونها روحانية الحقيقة عقلية يناقض تعلقها بالبدن و انفعالاتها البدنية كالصحة و المرض و اللذة و الألم الجسمانيين , و منها أن بساطتها و تجردها عن المادة ينافى تكثرها بالعدد حسب  تكثر الأبدان . و مما يلزم هؤلاء القوم المنكرين لكون النفس متطورة فى الأطوار منقلبة فى الشئون الحسية و الخيالية و العقلية أن كل نفس من لدن أول تعلقها بالبدن و حدوثها إلى أقصى مراتب  تجردها و عاقليتها و معقوليتها شىء واحد و جوهر واحد واقع تحت  ماهية نوعية انسانية كوقوع الانسان تحت  ماهية جنسية پاورقى :

1 . الأسفار , ط 1 , ج 4 , ص 118 .

صفحه : 241

حيوانية .

و هيهنا دقيقة أخرى فيما يلزم هؤلاء القوم , و هو أنهم معترفون بأن النفس فصل اشتقاقى مقوم لماهية النوع المركب  منها و من الجسد فى الخارج كالحساسة للحيوان و الناطقة للانسان , و قائلون بأن الجنس و الفصل بازاء المادة و الصورة فى المركبات  الطبيعية , و قائلون أيضا أن الفصل المحصل لماهية النوع محصل لوجود جنسه , و ان كون الجنس عرضا بالقياس إلى الفصل المقسم ليس معناه أنه من عوارضه الخارجية له التى يمكن تصور انفكاكه عنها بحسب  الواقع بل انما معناه كونه من العوارض التحليلة التى لايتصور الانفكاك  بين العارض و المعروض فى هذا النحو من العروض إلا بضرب  من الاعتبار الذهنى .

فاذا تقرر هذا فنقول : لو لم يكن للجوهر النفسانى إلانسى حركة جوهرية و استحالة ذاتية لزم كونه دائما متحد الوجود بالجسم النامى الحساس لأن النفس مبدء فصل النوع الانسانى أعنى مفهوم الناطق الذى هو من الفصول المنطقية , و كذا الحساس للحيوان بازاء النفس الحساسة التى هى من الفصول الاشتقاقية كالناطقة , و الفصول الاشتقاقية بعينها هى الصور النوعية للأجسام الطبيعية و تلك  الصور بما هى فصول لا بما هى صور يحمل عليها الجسم بما هو جنس , و إن لم يحمل عليها بما هو مادة , فعلى رأيهم يلزم كون النفس جسما بأحد الوجهين المذكورين مع أنهم قائلون بتجرد الناطقة حدوثا و بقاء , لا كما ذهبنا اليه من كونها جسمانية الحدوث روحانية البقاء . فهذا أحد البراهين على ثبوت  الاشتداد فى مقولة الجوهر كما فى مقولة الكيف  و الكم . و به ينحل كثير من الاشكالات  الواردة فى حدوث  النفس و بقائها بعد الطبيعة . و الجمهور لعدم تفطنهم بهذا الأصل الذى بيناه فى هذا الموضع و قبل هذا بوجوه قطعية أخرى , تريهم تحيروا فى أحوال النفس و حدوثها و بقائها و تجردها و تعلقها , حتى انكر بعضهم تجردها , و بعضهم بقاءها بعد البدن , و بعضهم قال بتناسخ الأرواح , و أما الراسخون فى العلم , الجامعون بين النظر و البرهان و بين الكشف  و الوجدان فعندهم أن للنفس شئونا و أطوارا كثيرة , و لها مع بساطتها أكوان وجودية بعضها قبل الطبيعة و بعضها مع الطبيعة و بعضها بعد الطبيعة ]( ( 1 ) .

پاورقى :

1 . المصدر , ج 4 , ص 83 - 84 .

صفحه : 242

بيان : قوله[ : ( ليس لها مقام معلوم فى الهوية](  . أى ليس لها بحسب  الوجود حد يقف  عنده , و يعبر عن هذا المعنى بأن النفس لها مقام فوق التجرد , و فى غرر الفرائد :

[ ( و أنها بحت  وجود ظل حق

عندى و ذا فوق التجرد انطلق](

فتدبر فى قوله تعالى : [ ( قل لو كان البحر مدادا الاية](   ( 1 ) , و قوله سبحانه : [ ( و لو أن ما فى الأرض من شجرة أقلام الاية](   الاية ( 2 ) , و القرآن مأدبة آلهية , و ما على تلك  المأدبة و هى غير متناهية طعامك  فلينظر الانسان إلى طعامه فالنفس تسع تلك  الكلمات  الغير المتناهية فلا تقف  فى حد . و انما كان ما على تلك  المأدبة غير متناهية لأنها أثر قائلها غير المتناهى وجودا و أثر الشىء شاكلته , و قال - علت كلماته - : [ ( قل كل يعمل على شاكلته](   ( 3 ) , فذاتك  ظرف  يتسع ما فى تلك  المأدبة .  و قال امام الموحدين مولانا الوصى أمير المؤمنين على عليه السلام[ : ( كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فانه يتسع به](   , فهذه كلها تدل على أن النفس ليس لها مقام معلوم فى الهوية . و قد  قال الوصى عليه السلام فى وصيته لابنه محمد[ : ( إعلم أن درجات الجنة على عدد آيات  القرآن , فاذا كان يوم القيامة يقال القارىء القرآن أقرأ وارق](   ( 4 ) , فافهم .

قوله[ : ( و لها نشئات  سابقة و لا حقة](  . أى لها نشئات  سابقة بنحو الجمع , و نشئات  لاحقة بنحو الفرق . و المقصود ما بينه آخرا فى قوله[ ( ان للنفس شئونا و اطوارا كثيرة و لها مع بساطتها أكوان وجودية بعضها قبل الطبيعة و بعضها مع الطبيعة و بعضها بعد الطبيعة](  أى النفوس الانسانية موجودة قبل الأبدان بحسب  كمال علتها و سببها و السبب  الكامل يلزم المسبب  معها فالنفس موجودة مع سببها بنحو البساطة و الجمع , و كذا هى حادثة بحدوث  أبدانها وكائنة معها معية قيومية باذن بارئها عليها , و كذا هى باقية بعد أبدانها الطبيعة لتجرد جواهرها النورية . قوله : كما قيل[ : ( لقد صار قلبى الخ](  . البيت  من ترجمان الأشواق للشيخ الاكبر

پاورقى :

1 . الكهف  : 110 .

2 . لقمان : 28 .

3 . الاسراء : 84 .

4 . الوافى , ط المحشى , ج 14 , ص 56 .

صفحه : 243

محيى الدين العربى الطائى ( 1 ) و بعده :

[ ( و بيتا لأوثان و كعبة طائف

و ألواح توراة و مصحف  قرآن](

قوله[ : ( ينافى حدوثها](  , و ذلك  لأن الحادث  فاسد و البسيط لا يقبل الفساد . و قوله[ : ( فصل اشتقاقى](  , يعنى انه مبدأ إشتقاقى . و قوله [ :( و تلك  الصور بما هى فصول](  , أى مأخوذة لا بشرط , و قوله[ : ( لا بما هى صور](  , أى مأخوذة بشرط لا , و قوله[ : ( بأحد الوجهين المذكورين ]( أى بنحو لا بشرط . و قوله[ : ( بهذا الأصل الذى بيناه](  , أى بالحركة فى الجوهر .

تبصرة : قد تقدم الاشارة فى هذه العين الى أن الذى اشتهر من افلاطون من أن النفس قديمة , فمراده من قدم النفس قدم مبدعها و منشئها . فاعلم ان هذا الوجه الوجيه و التحقيق الانيق هو الذى افاده صاحب  الأسفار , و لكنه بالحقيقة من افاضات  الشيخ الاكبر فى فصوص الحكم حيث  قال فى الفص الهودى منه[ : ( قد مرت  - اى الريح الدبور - كل شىء بأمر ربها فاصبحوا لا يرى إلا مساكنهم و هى - أى المساكن جثثهم التى عمرتها ارواحهم الحقية ]( . يعنى بالارواح الحقية العقول و ارباب  الأنواع فلذا قيدها بالحقية , فوصفها بالحقية مشعر الى قربها من المبدء - سبحانه . و قال القيصرى فى الشرح[ : ( و فى قوله : عمرتها ارواحهم الحقية , اشارة إلى أن الأرواح هى التى تعمر الأبدان و تكونها أولا فى رحم الأم , ثم تدبرها فى الخارج فهى موجودة قبل وجود الأبدان , و لما كانت  الروح سدنة من سدنات  الرب المطلق و اسما من اسماء الحق تعالى قال الحقية فانه بها يرب  الحق الأبدان](  ( 2 ) .

و الأرواح فى كثير من كلمات  اهل العصمة و الوحى ناظرة الى الأرواح الكلية كما روى عن النبى - صلى الله عليه و آله و سلم[ : - ( خلق الأرواح قبل الأجساد بألفى عام](  و أما الأرواح الجزئية فحدوثها متوقفة على البنية المزاجية و الجثة العنصرية . و تلك  الأرواح المرسلة المدبرة يعبر عنها فى صحف  ارباب  العقول بالعقول , و فى الصحف  العرفانية بالأرواح ايضا تأسيا بما نطق به الشرع , كما نص به العلامة القيصرى فى أواخر الفصل

پاورقى :

1 . ترجمان الأشواق , ط بيروت  , ص 43 .

2 . شرح القيصرى لفصوص الحكم , ط 1 , ( ايران ) , ص 251 . صفحه : 244

الأول من شرحه على فصوص الحكم حيث  قال[ : ( و ما يسمى باصطلاح الحكماء بالعقل المجرد يسمى باصطلاح اهل الله بالروح , و لذلك  يقال للعقل الأول روح القدس](  ( 1 ) . و سيأتى تفصيل البحث  عن ذلك  فى التبصرة الاتية . و نكتفى هيهنا بنقل ما افاده صاحب  الأسفار فى المواضع المشار اليها : 1 - الفصل الثامن من المرحلة الرابعة منه - فانه بعد البيان فى أنه يمكن اندراج شىء واحد فى مقولتين بأن يكون جوهرا و عرضا , قال[ : ( فالنفس الانسانية مجردة ذاتا , مادية فعلا , فهى من حيث  الفعل من التدبير و التحريك  مسبوقة باستعداد البدن . مقترنة به , و أما من حيث الذات  و الحقيقة فمنشىء وجودها وجود المبدء الوهاب  لا غير , فلا يسبقها من تلك  الحيثية استعداد البدن , و لا يلزمها الاقتران فى وجودها به , و لا يلحقها شىء من مثالب  الماديات  إلا بالعرض , و يمكن التأويل ما نقل عن افلاطون الالهى فى باب  قدم النفس اليه بوجه لطيف](   ( 2 ) . ب  - الفصل السابع من الطرف  الثانى من المرحلة العاشرة منه[ : ( و أما الذى اشتهر من افلاطون من أن النفس قديمة , فليس مراده أن هذه الهويات المتعددة المشتركة فى معنى نوعى محدود بحد خاص حيوانى اشخاصها قديمة , كيف  و هو يصادم البرهان لاستحالة وجود عدد كثير تحت  نوع واحد فى عالم الإبداع الخارج عن المواد و الاستعدادات  و الانفعالات  و الأزمنة و الحركات  ؟ فمراده من قدم النفس قدم مبدعها و منشئها الذى ستعود اليه بعد انقطاعها عن الدنيا](  ( 3 ) .

ج - الفصل الثالث  من الباب  السابع من كتاب  النفس منه[ : ( لو كان مراد افلاطون بقدم النفوس قدمها بما هى نفوس متكثرة لزم منه محالات قوية :

منها تعطيل النفوس مدة غير متناهية عن تصرفها فى البدن و تدبيرها . و منها لزوم كثرة فى افراد نوع واحد من غير مادة قابلة للانفعال , و لا مميزات  عرضية .

و منها وجود جهات  غير متناهية بالفعل فى المبدء العقلى ينثلم بها وحدة المبدء الأعلى , الى غير ذلك  من المحالات  , و بالجملة نسبة القول بقدم النفوس بما هى نفوس الى ذلك

پاورقى :

1 . المصدر , ص 11 .

2 . الأسفار , ط 1 , ج 1 , ص 120 .

3 . المصدر , ج 1 , ص 319 .

صفحه : 245

العظيم و غيره من اعاظم المتقدمين مختلق كذب](   ( 1 ) انتهى ما اردنا من نقل كلامه ملخصا .

فاعلم ان الرقيقة هى الحقيقة بوجه ضعيف  , و الحقيقة هى الرقيقة بوجه اعلى , فكون حقيقة الانسان الطبيعى - و هى الانسان الجبروتى الذى يقال له رب  النوع , و صاحب  الصنم , و صاحب  الطلسم فى مقام شامخ - كون الرقيقة هناك  , و اخلاد الرقيقة - و هو الانسان اللحمى الطبيعى الى الارض - اخلاد الحقيقة اليها , و لكن بلا تجاف  عن ذلك  المقام الشامخ . و النزول و العروج و الهبوط و السقوط و الذرات  و البزرات  و نحوها من التعبيرات فى اشارات  الأنبياء و الأولياء و الحكماء , رموز حلها ما ذكرنا . و كذا ما اشتهر من افلاطون الالهى من قدم النفس اشارة إلى كينونتها العقلية و نحوها .

و لما كان للنفس شئون ذاتية - و فى مقام طبع , و فى مقام نفس مدبرة , و فى مقام عقل فانية عن هذه كلها باقية ببقاء الله تعالى كما اخبر صاحب مقام[ ( لى مع الله](  عن نفسه ( ص ) - فان قلت  : إنها حادثة ذاتا فى مقام الطبع صدقت  , و ان قلت  : إنها حادثة تعلقا و اردت  بالتعلق وجودها الطبيعى الذاتى لا الاضافة المقولية فان تعلقها بالبدن ليس كتعلق صاحب  الدكان بدكانه صدقت  , و ان قلت  : انها قديمة ذاتا لا تعلقا باعتبار العقل , النازلة هى منه و انه تمامها و صورتها النوعية المفارقة عند الاشراقيين التى شيئية الشىء بها بل باعتبار انقلابها الى العقل الفعال المجرد الذى كل الأزمنة و الزمانيات  بالنسبة اليه كالان صدقت  , كما أنه بهذا الاعتبار ان قلت  : إنها باقية ببقائه الله صدقت  , و ان قلت  انها غير باقية بل زائلة سيالة باعتبار حركتها الجوهرية صدقت  , و إن قلت  بهذه الاعتبارات  : انها جسمانية بل جسم و روحانية صدقت  , فما أعجب  حال هذا المعجون و طائر بوقلمون الذى هو هيكل التوحيد , و برزخ التكثير و التفريد ( 2 ) .

و اقول : ان قلت  : إنها ازلية ابدية باعتبار حقيقتها الوجودية صدقت  , و إن قلت  انها حادثة باعتبار تعينها الخلقى صدقت  . و ما نقلنا فى صدر رسالة العيون عن صاحب  العوارف   عن الامام الصادق عليه السلام ,[ ( كنانى قديم , و عيانى محدث](    ناظر الى الاعتبارين المذكورين , فتبصر , و اليه يعود قول صاحب  الأسفار من ان مراد افلاطون من قدم النفس قدم مبدعها و منشئها الذى ستعود اليه بعد انقطاعها عن الدنيا , فافهم . پاورقى :

1 . المصدر , ج 4 , ص 89 - 90 .

2 . شرح الاسماء للسبزوارى , ط الناصرى , ص 247 .

صفحه : 246

تبصرة : عرف  العارف  الشيخ العربى فى الفص الادمى من فصوص الحكم آدم بالكون الجامع , ثم وصفه بقوله[ : ( فسمى هذا المذكور انسانا و خليفة , فاما انسانيته فلعموم نشأته و حصره الحقائق كلها , و هو للحق بمنزلة انسان العين من العين الذى به يكون النظر و هو المعبر عنه بالبصر فلهذا سمى انسانا , فانه به نظر الحق الى خلقه فرحمهم , فهو الانسان الحادث الأزلى , و النشؤ الدائم الأبدى , و الكلمة الفاصلة الجامعة](  . و للعارف  القيصرى فى شرح اوصافه الاخيرة و هى كونه حادثا ازليا الخ , كلام ينبغى نقله فى المقام , ثم التحقيق حوله فقال[ : ( اما حدوثه الذاتى فلعدم اقتضاء ذاته من حيث  هى هى الوجود و الا كان واجب  الوجود . و أما حدوثه الزمانى فلكون نشأته العنصرية مسبوقة بالعدم الزمانى . و اما ازليته فبالوجود العلمى لان العلم نسبة بين العالم و المعلوم و هو ازلى فعينه الثابتة فيه ازلية . و بالوجود العينى الروحانى فلانه غير زمانى متعال عنه و من احكامه مطلقا و اليه اشار النبى ( ص ) بقوله [ ( نحن الاخرون السابقون](   . و الفرق بين ازلية الأعيان و ارواح المجردة , و بين ازلية المبدع اياها أن ازلية الحق - تعالى - نعت  سلبى ينفى الاولية بمعنى افتتاح الوجود عن العدم لانه عين الوجود , و ازليتها دوام وجودها بدوام الحق مع افتتاح الوجود عن العدم لكونه من غيرها . و أما دوامه و ابديته فلبقائه ببقاء موجده دنيا و آخرة . و ايضا كل ما هو ازلى فهو ابدى و بالعكس و الا يلزم تخلف  المعلول عن العلة , أو التسلسل فى العلل لان علته إن كانت  ازلية لزم التخلف  , و ان لم يكن كذلك  لزم استنادها ايضا الى علة حادثة بالزمان و حينئذ ان كان للزمان فيها مدخل يجب  أن يكون معلولها غير ابدى لكون اجزاء الزمان متجددة متصرمة بالضرورة و الفرض بخلافه , و إن لم يكن له فيها مدخل فالكلام فيها كلام فى الأول فيتسلسل و التسلسل فى العلل التى لا مدخل للزمان فيها باطل و الا يلزم نفى الواجب  فالابديات  مستندة الى علل ازلية ابدية كما ان الحوادث  الزمانية مستندة الى علل متجددة متصرمة . و النفوس الناطقة الانسانية حدوثها بحسب  التعلق الى الأبدان لا بحسب  ذواتها . و الصور الأخراوية كما انها ابدية كذلك  ازلية حاصلة فى الحضرة العلمية و الكتب العقلية و الصحف  النورية و ان كان ظهورها بالنسبة الينا حادثا بالحدوث الزمانى فلا تردد .

و أما كونه كلمة فاصلة فلتميزه بين المراتب  الموجبة للتكثر و التعدد فى الحقائق بل , هو المفصل لما تحويه ذاته بظهوره بحسب  غلبة كل صفة عليه فى صورة يناسبها علما و عينا و اليه الاشارة

صفحه : 247

بكونه - عليه السلام -  قاسما بين الجنة و النار ,  , اذ هذه القسمة واقعة اولا و الاخر مطابق للأول .

و اما كونه كلمة جامعة فلا حاطة حقيقته بالحقائق الالهية و الكونية كلها علما وعي نا .

و إيضا هو الذى يفصل بين الارواح و صورها فى الحقيقة و ان كان الفاصل ملكا معينا لانه بحكمه يفصل . و كذلك  هو الجامع بينهما لأنه الخليفة الجامعة للاسماء و مظاهرها](  . انتهى كلام القيصرى .

اقول : أما الحدوث  الذاتى , فحكم عام شامل لما سوى واجب  الوجود , و هذامما لا كلام فيه كما أن الحدوث  الزمانى للموجود العنصرى , معناه ان نشأته العنصرية مسبوقة بالعدم الزمانى , و هذا ايضا لا كلام فيه فان كل حادث  يسبقه قوة الوجود و مادة تحملها , الا انه تعبير على التوسع لأن عدم الشىء يصدق عليه فى وعاء وجوده و أما قبله فليس ظرف  تحصله , و كذلك  بعده , و لكن الخطب  فيه سهل .

و كذا ازلية الموجودات  بوجوداتها العلمية أى اعيانها الثابتة على اصطلاح العارف  , و صورها العلمية على اصطلاح الحكيم بتحققها الأحدى فى الواجب  الصمدى بلا شوب  كثرة , ايضا كلام رصين وحق مبين لا ريب  فيه . و كذا ازلية الارواح المجردة لأنها من صقع بارئها - سبحانه - , و صفاته النورية الوجودية قاهرة على احكامها الامكانية , و ان كان الفرق بين الازليتين كما قرره القيصرى .

ثم ان الحدوث  الزمانى و الذاتى , و الازلية بالوجود العينى الروحانى و بالوجود العلمى لا يختص واحد منها بالانسان بل كل ذرة عنصرية لها هذه العوالم الطولية بحسبها , قال - سبحانه - : [ ( و ان من شىء إلا عندنا خزائنه و ما ننزله إلا بقدر معلوم](   ( 1 ) , و قال - عز شأنه - : [ ( فسبحان الذى بيده ملكوت  كل شىء](   ( 2 ) فالموجود العنصرى له وجود مثالى و وجود عقلى و وجود آلهى ايضا .

و أما دوام الانسان و ابديته بالمعنى الأول أى بقائه ببقاء موجده دنيا و آخرة , فظاهر و لا كلام فيه , و انما الكلام فى المعنى الثانى و هو قوله : [( و ايضا كل ما هو ازلى فهو ابدى و بالعكس . . . الخ](  فان معنى العكس إن كان هو ما اصطلح عليه المنطقى اعنى ما تحقق فى

پاورقى :

1 . الحجر : 22 .

2 . يس : 83 .

صفحه : 248

الميزان من ان عكس الموجبة الكلية هو الموجبة الجزئية , فلا دغدغة لنا فيه , و ذلك  لأن كل ما هو ازلى كالعقول المفارقة مثلا فهو ابدى , و بعض ما كان ابديا فهو ايضا ازلى , فبعض ما هو ابدى فليس بأزلى كالنفوس الانسانية فانها حادثة بالحدوث  الزمانى و لكنها باقية ببقائها الأبدى لبساطتها و تجردها , فالمجرد لا زوال له اى هو ابدى و إن لم يكن ازليا , فكل ازلى ابدى , و بعض الأبدى ليس بأزلى . نعم ان مبدع النفوس الانسانية و منشئها فهو من المفارقات  النورية و المثل الالهية باذن بارئها جل و على . و تفصيل البحث  يطلب  فى الدرس الثالث  من كتابنا دروس اتحاد العاقل بمعقوله . ففى الفصل السابع من الطرف  الثانى من المرحلة العاشرة من الأسفار[ : ( و اما الذى اشتهر من افلاطون من ان النفس قديمة فليس مراده أن هذه الهويات  المتعددة المشتركة فى معنى نوعى محدود بحد خاص حيوانى اشخاصها قديمة , كيف  و هو يصادم البرهان لاستحالة وجود عدد كثير تحت  نوع واحد فى عالم الابداع الخارج عن المواد و الاستعدادات  و الانفعالات  و الازمنة و الحركات  ؟ ! فمراده من قدم النفس قدم مبدعها و منشئها الذى ستعود اليه بعد انقطاعها عن الدنيا](  ( 1 ) . و ان كان معنى العكس أن كل ما هو ابدى فهو ازلى , فقد عرفت  ما فيه . ثم لا تنافى بين اسناد النفس الى العلل المفارقة الطولية بحسب  ذاتها , و بين اسنادها الى العلل المعدة المتصرمة بحسب  نشأتها العنصرية و التحولات  البدنية , فان النفس الانسانية مجردة ذاتا , مادية فعلا , فهى من حيث  الفعل من التدبير و التحريك  مسبوقة باستعداد البدن مقترنة به , و اما من حيث  الذات  و الحقيقة فمنشىء وجودها جود المبدأ الوهاب  لا غير , فلا يسبقها من تلك  الحيثية استعداد البدن و لا يلزمها الاقتران فى وجودها به و لا يلحقها شىء من مثالب  الماديات  إلا بالعرض , و يمكن تأويل ما نقل عن افلاطون الالهى فى باب  قدم النفس اليه بوجه لطيف  , كما افاده صاحب  الاسفار ايضا ( 2 ) .

قوله[ : ( و التسلسل فى العلل التى لامدخل للزمان فيها باطل](  يعنى أن التسلسل فى الامور المجتمعة باطل , إما إذا كان الامور متسلسلة غير مجتمعة كاجزاء الزمان و الحركة فجائز , فأنتج من هذا الاستدلال أن كل ما هو ابدى فهو ازلى فحرره بقوله[ : ( فالابديات  مستندة الى علل أزلية ابدية كما أن الحوادث  الزمانية مستندة الى علل متجددة متصرمة . و لكن لا پاورقى :

1 . الأسفار , ط 1 , ج 1 , ص 319 .

2 . المصدر , ج 1 , ص 120 .

صفحه : 249

يخفى عليك  أن الاستدلال لا ينتج أن الابديات  اعم مما كان لها بدؤ زمانى و حدوث  جسمانى كالنفوس الجزئية العنصرية فانها ازلية فما لم تكن كذلك كالمفارقات  الازلية كلها ازلية , بل المفارقات  الازلية كذلك  , و استناد الابديات  كلها الى علل ازلية لايوجب  كون الابديات  كلها ازلية . ثم ان قوله[ : ( و النفوس الناطقة الانسانية . . . الخ](  ناظر الى توجيه كون النفوس حادثة فقال[ : ( إنها بحسب  تعلقها الى الأبدان حادثة لا بحسب  ذواتها لأن المجرد لا يمكن ان يكون حادثا لأن كل حادث  مسبوق بالمادة و المدة فاذا كان النفس حادثة يلزم أن لا يكون مجردة بل استعداد البدن يكون علة لظهور حقيقته العقلية فيه على استعداده , فاستشهد لذلك بالصورة الأخروية - يعنى بها الحقائق النورية العلمية - فقال[ : ( و الصور الأخراوية كما انها ابدية](  - الى قوله[ : ( فلا تردد](  . و غرضه من ذلك  الاستشهاد ان تلك  الصور النورية العلمية ابدية ازلية و كان ظهورها بالنسبة الينا حادثا بالحدوث  الزمانى , و كذلك  النفس الناطقة الانسانية ابدية ازلية و كان حدوثها بحسب  تعلقها الى الابدان . اقول : يستشم من هذا الاستشهاد أنه اراد بابدية النفس الناطقة و ازليتها وجودها الابداعى أى رب  نوعها فى افراده العنصرية و هو الاسم المفارق الالهى على اصطلاح العارف  , و رب  النوع على اصطلاح الحكمة المتعالية . و هذا كلام كامل و خطاب  فصل ليس بهزل . و أما إن كان المراد أن النفوس الناطقة بكثرتها الشخصية ازلية , و هى معطلة الى أن تتكون اجنة و تتعلق نفس بعد نفس الى جنين بعد جنين , ففيه من المفاسد العقلية ما لا يخفى على المتفطن بالفنون الحكمية , و بعيد غاية البعد عن أن يتفوه مثل القيصيرى بمثل ذلك  .

ثم افاد فى كون الانسان الكامل كلمة فاصلة و جامعة بوجهين : أحدهما انه عالم بجميع المراتب  و مميز لها . و اضرب  عنها ارتقاء فقال[ : ( بل هو المفصل لما تحويه ذاته بظهوره بحسب  غلبة كل صفة عليه فى صورة يناسبها علما و عينا يعنى اذا اقتضى القابل ظهور صفة مخصصة فيه فتغلب  تلك الصفة من هذه النشأة التى تكون جامعة لجميع الصفات  على سائر الصفات  فى الظهور لخصيصة القابل فظهرت  تلك  الصفة فى القابل بصورة تناسب  تلك الصورة لتلك  الصفة . و كونه - عليه السلام - قاسما بين الجنة و النار نحو كونه هاديا و مضلا كما أن القرآن , بل الله سبحانه كذلك  , فاسناد الهداية على الحقيقة , و الاضلال على التبع و العرض و المجاز , و كذلك الامر فى القاسم بين الجنة و النار . و اما كونه جامعا فلتلك  الاحاطة . صفحه : 250

و ثانيهما أن الفاصل بمعنى المميت  لأن الفاصل يفصل بين الارواح و صورها فهو المميت  , و ان كان بحسب  الظاهر هو ملك  الموت  لان هذا الملك كسائر الأملاك  من سدنته و شئونه . فالجامع هو المحيى كما يفهم بالتقابل فافهم .

بيان : ما تقدم من إسناد قدم النفس إلى أفلاطون و تأويل صاحب  الأسفار , فقد أفاد الحكيم السبزوارى فى الفريدة الثالثة من غرر الفرائد على وزان ذلك  التأويل الشريف  و تفسيره مبتنيا على الأشتداد و التضعيف  فى الوجود و على أن الرقيقة هى الحقيقة و بالعكس , ما هذا لفظه[ : ( و لهذا جاز كون شىء واحد متعلقا بالمادة تارة و مجردا عنها أخرى مع كونه نوعا واحدا بل شخصا فاردا , و بهذه القاعدة الكينونة السابقة لحقيقة هى بعينها لرقيقتها اللاحقة , و الكينونة اللاحقة لرقيقة هى بعينها لحقيقتها السابقة , و فيها سر الهبوط و العروج و سبق الأرواح و الذر و نحوها . و من هنا قال افلاطون بقدم النفس كما ورد فى الأحاديث  خلق الأرواح قبل الأجساد بألفى عام , أى الألف  الملكوتى و الألف  الجبروتى , و ذلك  لأن النفس طليعة من العقل الفعال و شروق منه و لا تباينه سيما إذا لوحظ لا بشرط فقدمه الزمانى قدمها كما أن وقوعها هيهنا هبوطه . و هذا سر الهبوط و العروج فى الأرواح لا التجافى و الحركة الأينية . و كيف  يجوز الحكيم العظيم على النفس بما هى نفس و بما هى متكثرة القدم ؟ و كيف  يمكن الكثرة فى عالم الأبداع و لا مادة هناك  و التكثر فى نوع واحد باعتبار المادة و لواحقها ؟](  .

ثم فرع صاحب  الغرر على ما أفاده , ما أراده فى الفريدة المذكورة من كون البدن المحشور يوم النشور عين البدن الدنيوى فقال[ : ( فعلى هذا , البدن الأخروى عين البدن الدنيوى مع أنه تبدل الأرض غير الأرض , و ذلك  عين الحيوة و الشعور و هذا متشابك  بالظلمة و العدم و حى بالعرض ]( ( 1 ) .

أقول : فعلى التحقيق المذكور , المراد بالأرواح فى المأثور هى العقول المفارقة أى الأرواح العالية الكلية و اهل العرفان يسمون تلك  العقول بالأرواح اقتفاء بما ورد فى الشرع كما نص على ذلك  العلامة القيصرى فى الفصل الأول من فصول شرحه على فصوص الحكم للعارف  العربى بقوله[ : ( و ما يسمى باصطلاح الحكماء بالعقل المجرد يسمى باصطلاح اهل . پاورقى :

1 . تعليقات  السبزوارى على غرر الفرائد , ط الناصرى , ص 342 . صفحه : 251

الله بالروح , و لذلك  يقال للعقل الأول روح القدس](  ( 1 ) . و التعبير بالأجساد ليعم الأبدان كلها من العنصرية و ما فوقها . و الاستشهاد فى الغرر بقوله - سبحانه - حيث  قال[ : ( مع انه تبدل الأرض غير الأرض , معناه أن النفس كانت  أرضية أى كانت  فى الحدوث  جسمانية , و صارت  غير الأرض أى تبدلت  فى البقاء روحانية](  .

ثم العلامة ابن الفنارى فى مفتتح الفصل الأول من فاتحة مصباح الأنس أورد مطلقا شريفا فى بيان المأثور عن النبى - صلى الله عليه و آله و سلم - فى علم الابدان و الأديان , و فى تكريم الرحم و الحث  على وصلها و النهى عن قطعها و تقديم الأرواح على الأبدان بمعنى , و تأخيرها عنها بمعنى آخر , ينبغى ذكره فى المقام مزيدا للبيان المذكور , قال : [ ( روى عن النبى ( ص ) : العلم علمان علم الأبدان و الأديان , فعلم الأبدان كالطب   ندب  اليه النبى ( ص ) بالتصريح و التقديم هنا , و التلويح و التعظيم فى قوله ( ص ) حكاية عن الله تعالى : [ ( أنا الله و أنا الرحمن خلقت  الرحم و شققت  لها اسما من اسمى فمن وصلها وصلته و من قطعها قطعته](   . و عن أبى هريرة , قال الله لها[ : ( من وصلك وصلته و من قطعك  قطعته](  . قال الشيخ - ره - فى شرحه[ : ( الرحم اسم لحقيقة الطبيعة و هى حقيقة جامعة بين الكيفيات  الأربع بمعنى أنها عين كل واحدة و ليس كل واحدة من كل وجه عينها بل من بعض الوجوه . و وصلها بمعرفة مكانتها و تفخيم قدرها إذ لولا المزاج المتحصل من أركانها لم يظهر تعين الروح الانسانى , و لا أمكنه الجمع بين العلم بالكليات  و الجزئيات  الذى به توسل إلى التحقق بالمرتبة البرزخية المحيطة بأحكام الوجوب  و الامكان و الظهور بصورة الحضرة و العالم تماما .

و أما قطعها فبازدرائها و بخس حقها فان من بخس حقها فقد بخس حق الله - تعالى , و جهل ما أودع فيها من خواص الأسماء , و لولا علو مكانتها لم يحبها الحق باخر الحديث  .

و من جملة ازدرائها مذمة متأخرى الحكماء لها و وصفها بالكدورة و الظلمة و طلب  الخلاص منها , فلو علموا أن كل كمال يحصل للانسان بعد مفارقة النشأة الطبيعية فهو من نتائج مصاحبة الروح للمزاج الطبيعى و ثمراتة فحقيقة يتوقف  مشاهدة الحق سبحانه عليها

پاورقى :

1 . شرح القيصرى على فصوص الحكم , ط 1 , ( ايران ) , ص 11 . صفحه : 252

على ما تتأتى لعموم السعداء رؤية الحق - سبحانه - الموعود بها فى الشريعة كيف  يجوز أن تزدرى](  . هذا كلامه .

و أقول[ : ( قد علم من توقف  تعين الروح الانسانى على تحصيل المزاج الطبيعى و ظهور كمالاته عليه , جهة تقديمه فى الحديث  على علم الأديان . فان قلت  : فقد صح عن النبى ( ص ) أنه قال خلق الأرواح قبل الأجساد بألفى عام , و صرح الشيخ أيضا فى كتبه سيما فى باب  النكاحات  أن وجود الأرواح مقدم على تعين عالم المثال المتقدم على وجود الأجسام البسيطة فضلا عن الأبدان المركبة , فما التوفيق بين القولين ؟ .

قلت  : التقدم للأرواح العالية الكلية حتى لو كان المدبر للأشباح من الأرواح الكلية قد يكون عالما بنشأته السابقة على نشأة البدن كنشأة ألست  و غيرها , و التوقف  للأرواح الجزئية موافقا لما ثبت  فى الحكمة , و لكون الأرواح العالية المسماة بالعقول واسطة فى تعين النفوس الكلية ثم فى تعين النفوس الجزئية حسب  تعين الأمزجة الطبيعية عبر عن كل تقدم بألف  عام تنبيها على قوة التفاوت  بين المراتب  الثلاث  و الله اعلم . و فى الحث  على وصل رحم الطبيعة معرفة سر النهى عن إلقاء النفس فى التهلكة , و قد روى عنه ( ص ) أنه قال : نفسك  مطيتك  فارفق بها , و سر مغضوبية من أهلك  نفسه أو قتل مؤمنا متعمدا](  إلى آخر ما أفاد ابن الفنارى فى المصباح ( 1 ) .

أقول : قوله[ : ( و التوقف  للأرواح الجزئية](  يعنى أن التقدم للأرواح الكلية التى لا يتوقف  وجودها على تحصيل المزاج أولا فهى مقدمة على الأجساد , و أما التوقف  على تحصيل المزاج فهى للأرواح الجزئية فهى ليست  بمتقدمة على الأجساد لمفاسد متفرعة على تقدمها عليها , منها أن الكثرة كيف  يمكن تحققها فى عالم الابداع و لا مادة هناك  ؟ فان قلت  : إذا كان عالم الابداع لا يتصور فيه المادة , فكيف  كانت العقول و هى أرواح كلية عارية عن المواد و خالية عن القوة و الاستعداد متكثرة , و من أين تحقق كثرتها ؟

قلت  : النكتة الرابعة و الثلاثين و خمسمائة من كتابنا الف  نكتة و نكتة , فى هذا السؤال و الجواب  عنه فان شئت  فراجع اليه . و كذا شرح الفص السابع و الخمسين من كتابنا نصوص الحكم يحوى مطالب  أنيقة فى الجواب عن هذا السؤال ( 2 ) و تدبر فى معانى هذه الكلمات  السامية التى پاورقى :

1 . مصباح الأنس , ط 1 , ( ايران ) , ص 4 .

2 . نصوص الحكم للمؤلف  , ط 1 , ص 364 تا 403 .

صفحه : 253

نتلوها عليك  حتى ينكشف  لك  جلية الحق فى الجواب  عن هذا السؤال : 1 فى البحار  عن امير المؤمنين على - عليه السلام[ : - ( لما أراد الله أن ينشىء المخلوقات  أقام الخلائق فى صورة واحدة قبل خلق الأرض و السماوات](    , الحديث  ( 1 ) .

ب  - للشيخ الرئيس فى رسالة النبوة فى الوجود النفسى و الاضافى للملك , كلام فى غاية الجودة و الرفعة حيث  قال[ : ( سميت  الملائكة باسامى مختلفة لأجل معانى مختلفة , و الجملة واحدة غير متجزئة بذاتها إلا بالعرض من أجل تجزى المقابل](  .

كلام الشيخ فى قوله[ : ( و الجملة واحدة غير متجزئة بذاتها](  مفادها ما قاله الامير عليه السلام[ : - ( اقام الخلائق فى صورة واحدة](  , فافهم . ج - و فى الفصل الثانى من الطرف  الثالث  من المرحلة العاشرة من الأسفار , قال فى وحدة المفارقات  و كثرتها : العقول و المعقولات  بالفعل لشدة وجودها و نوريتها و صفائها بريئة عن الأجسام و الأعداد , و هى مع كثرتها و وفورها توجد بوجود واحد جمعى لا مبائنة بين حقائقها إذ كلها مستغرقة فى البحار الالهية , و اليها اشار بقوله ما لا تبصرون , و لفظ العنصر فى كلام الأوائل اشار الى هذا العالم ( 2 ) .

د - و قال ايضا على هذا الاصل القويم الرصين فى الفصل الخامس من الموقف  الثانى من آلهيات  الأسفار[ : ( العالم الربوبى من جهة كثرة المعانى الأسمائية و الصفات  عالم عظيم جدا , مع أن كل ما فيه موجودة بوجود واحد بسيط من كل وجه ( ج 3 ط 1 ص 30 ) .

هـ و فى الفصل الثالث  عشر من الموقف  الثالث  من آلهيات  الأسفار ايضا [ :( و اما تلك  الجواهر و الانوار القاهرة فهى مقدسة عن الزمان , منزهة عن التجدد و الحدثان , بل كلها مع تفاوت  مراتبها فى الشرف  و النورية كانت  لشدة اتصال بعضها ببعض كأنها موجود واحد .

و الحق أنها واحدة كثيرة كما قررناه فى موضعه بالبرهان , و لهذا قد يعبر عنها بلفظ واحد كالقلم فى قوله - تعالى - : [ ( ن و القلم و ما يسطرون](   ( 3 ) , اتى بصيغة جمع العقلاء مع وحدته اشارة الى وحدته الجمعى , و قوله : [ ( اقرأ و ربك  الاكرم الذى علم بالقلم](   ( 4 ) , و كالروح فى قوله : [ ( قل الروح من امر ربى](   ( 5 ) . پاورقى :

1 . البحار , المبين ط 1 , ص 37 .

2 . الاسفار , ط 1 , ج 1 , ص 322 .

3 . القلم : 1 .

4 . العلق : 4 .

5 . الاسراء : 85 .

صفحه : 254

و قوله : [ ( و كلمته ألقيها إلى مريم و روح منه](   ( 1 ) , و كالأمر فى قوله : [ ( و ما أمرنا إلا واحدة](   ( 2 ) : و كالكلمة كما مر .

و قد يعبر عنها بالفاظ متعددة كالكلمات  فى قوله : [ ( اعوذ بكلمات الله التامات  كلها من شر ما خلق و ذرأ](

و كالمفاتح فى قوله - تعالى - : [ ( و عنده مفاتح الغيب  لا يعلمها إلا هو](   ( 3 ) .

و كالخزائن فى قوله : [ ( و ان من شىء إلا عندنا خزائنه](   ( 4 ) . فهى تسمى بأسامى مختلفة باعتبارات  متعددة : فباعتبار كونها مصورة لصور المعلومات  ناقشة فى قوابل النفوس و الأجرام على وجه التجدد و التقضى تسمى بالقلم , كما انها باعتبار تأثيرها فى ما تحتها تأثير الكلام الأمرى الاعلامى فى المخاطب  تسمى بالأمر , و هى انوار قاهرة مؤثرة فيما تحتها بتأثير الله - تعالى - , كما ان ذواتها موجودة بوجوده لفنائها فى التوحيد . و كذلك  حكم تأثيراتها , فقاهريتها التى هى تاثيرها ظل لقاهريته - تعالى - , كما أن نوريتها التى لا تزيد على ذواتها لمعة من لمعات  وجهه و جماله , و تقع منها ظلال ممدودة امتداد الزمان و المكان فى الخارج مع كونها معراة عن الزمان و المكان , و قد اشار اليه بقوله - تعالى - : [ ( ألم تر إلى ربك  كيف  مد الظل](   ( 5 ) . و كما تفيض منها صور الأشياء و حقائقها بافاضة الحق - سبحانه - , كذلك  تفيض منها صفاتها و كمالاتها الثانوية التى بها يجبر نقصاناتها , فبهذا الاعتبار او اعتبار أنها تجبرها على كمالاتها و التوجه اليها عند فقدانها و حفظها عند حصولها يسمى عالم الجبروت  , و هى صور صفة جبارية الله و هى قضاء الله و أمره و كلماته التامات  و مفاتيح رحمته و خزائن علمه وجوده و اعينه الناظرة فى قوله و اصنع الفلك  باعيننا و وحينا , فهذه الكلمات  كلها صفات  القلم الالهى و حيثياته ( 6 ) .

و - و من كلمات  ثالس الملطى[ : ( مؤيس الاشياء لا يحتاج أن يكون عنده صورة الأيس بالأيسية , لكنه عنده العنصر الذى فيه صور الموجودات  و المعلومات  كلها فانبعث  منه كل صورة موجودة فى العالم على المثال الذى فى العنصر الأول و هو محل الصور و منبع الموجودات  , و ما من موجود فى العالم العقلى و العالم الحسى , إلا و فى ذات  العنصر صورة و مثال پاورقى :

1 . الاسراء : 85 .

2 . القمر : 50 .

3 . الانعام : 59 .

4 . الحجر : 21 .

5 . الفرقان : 45 .

6 . الأسفار , ط 1 , ج 3 , ص 64 .

صفحه : 255

عنه](  .

و صاحب  الأسفار بعد نقل كلام ثالس فى الفصل الثالث  من الفن الخامس من المرحلة الحادية عشرة فى الجواهر و الاعراض منه , قال[ : ( يستفاد من كلام هذا الفيلسوف  أن العالم العقلى بكله جوهر واحد نشأ من الواجب  بجهة واحدة , و مع وحدته فيه صور جميع الأشياء](  ( 1 ) .

ر - الاسكندر الافروديسى يصرح و يقول فى رسالته التى فى المبادىء أن محرك  جملة السماء واحد لا يجوز ان يكون عددا كثيرا ( 2 ) . و بالجملة أن كثيرا من الروايات  , و كلمات  مشائخ العلم و اساطين الحكمة بل و ايماءات  القرآن الكريم دالة على أن عالم ما وراء الطبيعة نور واحد موجود بوجود واحد جمعى لا تكثر فيه لكونه عاريا عن المادة الموجبة للتكثر , و انما كثرته بالاضافة الى ما دونه و تعلقه التكميلى به و اشرافه اليه فيسمى بتلك  الاضافة النورية الاشراقية بأسامى لا عدد لها قال عز من قائل : [ ( و لا يعلم جنود ربك  إلا هو  فتارة يعبر عنها بالأرواح و أخرى بالعقول و الملائكة و القوى ,  فافهم , و اغتنم ذلك التحقيق العرشى فى وحدة ما فوق الطبيعة و كثرة الملائكة و الارواح . پاورقى :

1 . المصدر , ج 2 , ص 163 .

2 . شرح الاشارات  للمحقق الطوسى , الفصل 28 من النمط السادس , ارسطو عند العرب  , ط مصر ص 253 - 277 . من منشورات  عبدالرحمن بدوى . صفحه : 256

صفحه : 257

عين فى تكون مادة الجنين ( 10 )

ى - و من مادة تلك  العيون البحث  عن تكون مادة الجنين و الكلام فى تفصيل استحالاتها إلى أن تتم .

قال - عز من قائل - : [ ( و لقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين](   ( 1 ) .

و النظر فى الكريمة حق النظر يوجب  أن الكلام الالهى ينادى بأن النفس حادثة بالبدن لا مع البدن اعنى أنها قوة منطبعة فى الجسم ثم تحت  تدبير الملكوت  صار خلقا آخر فقد اخرج الحى من الميت  .

نعم هذه القوة فى غاية الشرف  بالنسبة الى سائر القوى و هذه القوة بالقوة انسان ثم تخرج الى الفعلية بالاشتداد الوجودى و الحركة فى الجوهر و تجدد الامثال , ذلك  تقدير العزيز العليم .

و هذه القوة لاعتلاء جوهرها كأنها مرتفعة الذات  عن سنخ المادة كما نص به صاحب  الأسفار فى الفصل الاول من الباب  الاول من كتاب  النفس ( 2 ) و راجع فى ذلك  المطلب  الرفيع الى الدرس الرابع من كتابنا فى دروس اتحاد العاقل بمعقوله ( 3 ) . و قد تقدم البحث  عنه فى العين التاسعة . تبصرة : اذا تغلغل فكرك  الناصع فى ذلك  التكون , ثم فى اعتلاء المتكون الى مقام فوق تجرده , و رتبة عروجه الى صيرورته مظهرا للاسم الله الأعظم على وجهه

پاورقى :

1 . المؤمنون : 14 - 16 .

2 . الاسفار , ط 1 , ج 4 , ص 3 .

3 . دروس اتحاد العاقل بمعقوله , ط 1 , ص 73 .

صفحه : 258

الأتم , لاح لك  بصريح العرفان العقلى و الشهود الكامل العيانى أن النفس تنتقل انتقالا جوهريا من طور الى طور , قال - عز من قائل - : [ ( ما لكم لا ترجون الله وقارا و قد خلقكم أطوارا](   ( 1 ) . و هذه الحركة الجوهرية النفسية قد برهنت  فى عدة مواضع من الأسفار منها فى الفصل الاول من الباب  التاسع من كتاب  نفسه ( 2 ) .

ثم الكلام فى بيان تفصيل استحالات  مادة الجنين الى أن تتم , يطلب  فى الخامس من تاسعة حيوان الشفاء ( 3 ) .

و الفصل الثالث  عشر من الباب  الثالث  من نفس الأسفار ( 4 ) فى وقت تعلق النفس الناطقة بالبدن مطلوب  جدا .

و أما ما فى الشفاء فمنها أن اول الأحوال زبدية المنى و هو من فعل القوة المصورة , و الحال الاخرى ظهور النقطة الدموية فى الصفاق و امتدادها فى الصفاق امتدادا ما , و ثالث  الأحوال استحالة المنى الى العلقة , و بعدها استحالته الى المضغة , و بعدها استحالته إلى تكون القلب  و الأعضاء الأولى و اوعيتها , و بعدها تكون الاطراف  . فلكل استحالة او استحالتين معا مدة موقوف  عليها . و ليس ذلك  مما لا يختلف  , و مع ذلك  فانها يختلف  فى الذكران و الاناث  , و هى فى الاناث أبطأ . و لأهل التجربة و الامتحان فى ذلك  آراء ليس بينها بالحقيقة خلاف فان كل واحد منهم إنما حكم بما صادف  الأمر عليه بحسب  امتحانه , و ليس بممتنع أن يكون الذى امتحنه الأخر واقعا على ما يخالفه و مع ذلك  فان جميع ذلك  ما هو أكثرى لامحالة و الاكثرى فيمن يولد فى الاكثر . أما مدة الرغوة فستة أيام , و ابتداء الخطوط الحمرة و النقطة بعد ثلاثة أيام أخرى يكون ذلك  تسعة أيام من الابتداء , و قد يتقدم يوما أو يتاخر يوما .

ثم بعد ستة أيام أخرى و هو الخامس عشر من العلوق ينفذ الدموية فى الجميع فيصير علقة و ربما تقدم يوما أو يومين أو يتأخر يومين , و بعد ذلك  باثنى عشر يوما يصير لحما , و قد تميزت  قطع لحم و تميز الأعضاء الثلاث  و امتدت  رطوبة النخاع . و ربما تأخر أو تقدم يومين و ثلاثة . پاورقى :

1 . نوح : 13 , 14 .

2 . الاسفار , ط 1 , ج 4 , ص 118 .

3 . الشفاء , ط 1 , ج 1 , ص 436 .

4 . الأسفار , ط 1 , ج 4 , ص 35 .

صفحه : 259

ثم بعد تسعة أيام ينفصل الرأس عن المنكبين و الأطراف  عن الضلوع و البطن تميزا يحس فى بعضهم و يخفى فى بعضهم حتى يحس بعد ذلك  باربعة أيام تكملة الأربعين , و يتأخر فى النادر إلى خمسة و اربعين يوما . فالأقل فى ذلك  ثلاثون يوما . و الذكر اسرع فى ذلك  كله من الأنثى , و يشبه أن يكون اقل مدة تصور الذكر ثلاثين يوما . و اول مايجد المنى متنفسا يتنفس . و اول ما تعمل المصورة انما تعمل مجمع الحار الغريزى ثم المخارج و المنافذ . ثم بعد ذلك  يأخذ الغاذية فى العمل . و عند بعضهم أن الجنين اذا أتى على تصوره ضعيف  ما يتصور فيه تحرك  , و إذا أتى على تحركه ضعف  ما تحرك  فيه ولد . و اللبن يحدث  مع تحرك  الجنين . الى آخر ما أفاد و أجاد .

و أما ما فى الأسفار فمنها أن النفس الناطقة المدركة للمعقولات  بالفعل إنما تحدث  لمن تحدث  فى حدود الاربعين عاما بحسب  الغالب  . و أما النفس المتميزة عن سائر النفوس الحيوانية باستعدادها للكمال العقلى و وقت  تعلقها فزعم الشيخ الرئيس فى ذلك  أن منى المرأة تصير ذات  نفس بنفوذ قوة الذكورية فيه فان الروح يشبه أن يتكون من نطفة الذكر و البدن من نطفة الأنثى فاذا صار ذلك  ذا نفس تحركت النفس فيه الى تكميل الأعضاء و تكون حينئذ النفس غاذية إذ لا فعل لها غير ذلك  ثم اذا استقرت  فيها القوة الغاذية اعدت  للنفس الحسية فيكون فيها قوة قبول النفس الحسية و إن كانت  الحسية فى ذوات  النطق و النطقية واحدة لأن الاعضاء الحسية و النطقية تتم معا , و لا كذلك  الغاذية و أعضائها , و ايضا فاعضاء الحيوان لا يعمها الحس و يعمها الاغتذاء فلا يبعد أن تكون النطفة يحصل فيها الغاذية مستفادة من الأب  , و الأخرى تحدث  من بعد . و يجوز أن يكون الغاذية التى جائت  من الأب  يبقى إلى أن يستحيل المزاج استحالة ما , ثم يتصل به الغاذية الخاصة كأن المستفادة من الاب  لا تبلغ من قوتها ان يتم التدبير الى آخره , بل تفى بتدبيرها مدة ثم يحتاج الى اخرى كأن مايؤخذ من الأب  قد تغير عما عليه الواجب  فليس من نوع الغاذية التى كانت  فى الاب  و التى فى الولد , و لكن لم يخرج التغير به أن يعمل عملا ما مناسبا لذلك  العمل . و كيفما كان فاذا صار القلب  و الدماغ موجودين فى الناطق تعلقت  بها النفس الناطقة و يفيض منها الحسية , أما النطقية فيكون غير مادية و لكنها لا تكون عاقلة بل تكون كما فى السكران و المصروع و انما يستكمل بأمور من خارج .

قال - قدس سره[ : ( هذا ما نقله الفخر الرازى عن الشيخ , و إنى ما وجدت  فى كتبه هذه العبارة . و لا يبعد أن تكون مذكورة فى شىء منها . صفحه : 260

اقول : ما نقله الفخر الرازى , أنما نقله فى المباحث  المشرقية ( 1 ) . قوله[ : ( إنى ما وجدت  فى كتبه هذه العبارة](  . هذه العبارة مذكورة فى الفصل الأول من المقالة السادسة عشرة من الفن الثامن من طبيعيات الشفاء ( 2 ) .

و الفخر الرازى لخص عبارات  الشيخ بعض التلخيص فان المباحث المشرقية هو تحرير الشفاء تلخيصا كما ان التحصيل تلخيصه التقاطا . و عبارات  الأسفار فى المقام صحفت  بعض التصحيف  .

و عبارة الشيخ فى الموضع المذكور من الشفاء هكذا[ : ( فأما فاعل الدم الذى يتولد منه المنى الذى تولد منه الولد فهو كبد أو قلب  . و أما تكونه منيا فأوعية المنى . ثم المنى يحرك  شيئا آخر أى نطفة المرأة فيحرك  أولا إلى تكوين المبدأ ثم يبعث  عن العضو الاول قوة هى مبدء ينحو الى تكوين سائر الأعضاء منه بالترتيب  و يكون النطفة المنعقدة صارت ذات  نفس بنفوذ قوة الذكر فيها فان الروح يشبه أن يتولد من نطفة الذكر , و البدن من نطفة الأنثى . الخ](  .

اقول : قوله[ : ( فان الروح يشبه الخ](  , كلام سام موافق لما يقتضيه سر القدر كما قال - عز من قائل - : [ ( الرجال قوامون على النساء](   ( 3 ) . و على هذا المنوال يقول العارف  الرومى فى المثنوى : [ ( آسمان مرد و زمين زن در خرد

آنچه آن انداخت  اين مى پرورد

گرنه از هم اين دو دلبر ميمزند

پس چرا چون جفت  درهم ميخرند](

و النكاح سار فى العوالم كلها : [ ( سبحان الذى خلق الأزواج كلها مما تنبت  الأرض و من أنفسهم و مما لا يعلمون](   ( 4 ) . و ينقسم النكاح السارى الى انواعه الخمسة الموجبة لانتاج العوالم المعنوية و الروحية و النفسية و المثالية و الحسية على اختلاف  صورها . فاول النكاحات  هو التوجه الالهى الذاتى من حيث  الاسماء الأول الاصلية التى هى مفاتيح غيب الهوية الالهية و الحضرة الكونية .

پاورقى :

1 . المباحث  المشرقية , ط حيدر آباد , ج 2 , ص 276 .

2 . الشفاء , ط 1 , الرحلى , ج 1 , ص 513 .

3 . النساء : 34 .

4 . يس : 38 .

صفحه : 261

ثم الاجتماع الاسمائى لايجاد عالم الارواح و صورها فى النفس الرحمانى المسماة بالطبيعة الكلية و الصادر الاول و الرق المنشور و النور المرشوش و الاسماء الأخرى العظام , و الارواح هذه هى العقول المفارقة على اصطلاح الكمل من أهل التوحيد .

ثم اجتماع الارواح النورية لايجاد عالم الأجساد الطبيعية و العنصرية . ثم الاجتماعات  الأخر المنتجة للمولدات  الثلاث  و لواحقها . و النكاح الخامس يختص بالكون الجامع الذى هو مجمع بحرى الغيب  و الشهادة اى الانسان الكامل .

و راجع فى بيان النكاحات  الخمسة إلى شرح القيصرى على الفص المحمدى من فصوص الحكم ( 1 ) و إلى شرح الجندى على الفصوص ( 2 ) , و على التفصيل الى مصباح الانس لابن الفنارى ( 3 ) .

و من خلق الأزواج و النكاح السارى ما قيل[ : ( إن الله سبحانه ألف الروح و النفس الحيوانية فالروح بمنزلة الزوج , و النفس الحيوانى بمنزلة الزوجة , و جعل بينهما تعاشقا فما دام فى البدن كان البدن حيا يقظان , و إذا فارقه لا بالكلية بل تعلقه باق كان البدن نائما , و إذا فارقه بالكلية فالبدن ميت](   .

و من النكاح السارى فى الذرارى ازدواج الماهية الامكانية بالوجود , لأن الماهية من حيث  هى هى عارية عن الهوية فاذا صارت  ذات  هوية فلابد ممن يعطيها الهوية و هو المبدء الواجب  المتعالى عن الماهية , و المشاء بذلك  النكاح بينهما يثبت  أمرين : احدهما المبدء الواجب  , و ثانيهما تجرد ذلك  المبدء عن الماهية , كما سلك  اليه الفارابى فى الفص الأول من فصوصه حيث  قال[ : ( الأمور التى قبلنا لكل منها ماهية و هوية](  - إلى قوله[ : ( و تنتهى الى مبدء لا ماهية له](  و ان شئت  تفصيل ذلك فراجع الى شرحنا الفارسى على فصوصه المسمى بنصوص الحكم على فصوص الحكم ( 4 ) . و العارف  الشمس المغربى يشير فى ترجيعاته الى

پاورقى :

1 . شرح القيصرى على فصوص الحكم , ط 1 , ص 479 .

2 . شرح الجندى على فصوص الحكم , ط 1 , ص 679 .

3 . مصباح الأنس , ط 1 , ص 159 .

4 . نصوص الحكم على فصوص الحكم , ط 1 , ص 31 - 32 .

صفحه : 262

هذا النكاح السارى بين الماهية و الوجود بقوله :

[ ( كاروان وجود گشت  روان

جانب  چين و هند و روم و عراق

مجتمع گشت  با وجود عدم

اجتماعى قرين بوس و عناق

چه عروسى است  آنكه هستى حق

باشد اورا گه نكاح صداق

هر كه او زين نكاح شد آگاه

دو جهان را بكل بداد طلاق](

يعنى بالعدم الماهية الامكانية , كما قال العارف  الرومى فى المثنوى : [ ( ما عدمهائيم هستيها نما

تو وجود مطلق و هستى ما](

ثم أخذ صاحب  الأسفار فى الرد على ما نقله من الفخر عن الشيخ , و فى تحكيم البحث  على مبناه الرصين و تأسيس المطلب  على اساسه القويم , و تحقيقه على طريقته المثلى فقال :

[ ( و فيه مواضع انظار حكمية : الأول , أن استفادة المادة المنوية قوة غاذية من نفس متعلقة ببدن آخر غير صحيح سيما و كثيرا ما يوجد النطفة باقية بعد فناء الأب  , و النفس و غيرها من القوى المتعلقة بالأجرام لا يفعل فعلا طبيعيا فى غير بدنها و مادتها .

الثانى , أن النفس الناطقة لو كانت  بكمالها الذاتى الأولى موجودة فى اول تكون القلب  و الدماغ لكانت  ضائعة معطلة عن فعلها و كمالاتها اللائقة بها من غير عائق خارجى مدة مديدة , و هذا مما اقيم البرهان الحكمى على نفيه .

و ليس ذلك  كحال السكران و المصروع لأن السكر و الصرع من الأسباب  و الموانع الخارجة عن جبلة النفس , و كذا النوم المانع لظهور الكمالات الموجودة بالفعل فى ذات  النفس بل النفس انما تصير ناطقة بحركة جوهرية وقعت  فى زمان طويل .

الثالث  , أنه فى غير الطريقة التى اخترناها يلزم وجود الالة قبل مستعملها كالغاذية مثلا فانها , لا شك  , أنها من قوى النفس الناطقة فيما له تلك  النفس , فاذا كانت  موجودة , قبل وجود النفس يلزم ما ذكرناه من المحذور .

بل النطفة قد فاضت  عليها من المبدء الفعال كمالات  متعاقبة جوهرية : أولها , كالصورة المعدنية و هى الحافظة للتركيب  و المفيد للمزاج , و ثانيها الصور النباتية و بعدها الجوهر الحيوانى , و هكذا وقع الاشتداد فى الوجود الصورى الجوهرى إلى أن تجرد و ارتفع عن المادة ذاتا ثم ادراكا و تدبيرا و فعلا و تأثيرا . فالجوهر النفسانى يتدرج فى الاستكمال و يستلزم و يتضمن من القوى و الفروع ما كان يستلزمه و يتضمنه من قبل مع زوائد أخرى كمية

صفحه : 263

و كيفية . و تلك  القوى و الفروع متجددة بالعدد حسب  تجددها فى الشدة و الكمالية .

و ما أحسن ما وقع من بعض الحكماء فى التمثيل لحال النفس من مبادىء تكونها إلى غاية كماليتها و اتصالها بالعقل الفعال كنار تأثر عنها فحم بالحرارة , و آخر بالتحمر و التجمر , و آخر بالاضائة و الاحراق فيفعل فعل النار و فعل الأولين . و كل ما وقع له الاشتداد يصدر عنه ما يصدر مما تقدم عليه . فهذا مثال مراتب  آثار العقل فى النبات  و الحيوان و الانسان .

و كما ان النور الشديد يشتمل على مراتب  الانوار التى دونه و ليس اشتماله عليها كاشتمال مركب  على بسيط و لا كاشتمال مقدار على ابعاضه الوهمية , بل على ضرب  آخر فكذلك  الوجود القوى جامع لما فى الوجودات الضعيفة التى دونه فيترتب  عليه ما يترتب  عليها . و هكذا يزداد الاثار باشتداد القوة و فضيلة الوجود . و ربما أخرجه الاشتداد من نشأة داثرة إلى نشأة باقية فيصير ذاته من المفارقات  عن الأجسام و علائقها فيجعل من قبله خليفة متوسط بينه و بين تدبير الأجسام .

انتهى كلامه المنيع و تحقيقه الرفيع مع تصرف  فى الجملة فى ترتيب كلماته و تنضيد عباراته منا .

قوله[ : ( و ما أحسن ما وقع من بعض الحكماء](  . يعنى به المحقق الطوسى و ينظر الى كلامه فى شرحه على الفصل الخامس من النمط الثالث  من اشارات  الشيخ , حيث  قال[ : ( و قد شبهوا تلك  القوى فى احوالها من مبدء حدوثها الى استكمالها نفسا مجردة بحرارة تحدث  فى فحم من نار مشتعلة تجاوره , الخ](  . و سيأتى نقل تمام قوله و كلامنا حوله فى العين الخامسة عشرة فى جامع اجزاء البدن و حافظها .

قوله[ : ( كنار تأثر](  , التأثر بالحرارة مثال للنبات  , و التحمر و التجمر مثال للحيوان , و الاضائة و الاحراق مثال للانسان . قوله[ : ( كاشتمال مركب  على بسيط](  . اى كاشتمال الكل على أجزائه الفعلية .

قوله[ : ( فيجعل من قبله خليفة](  , كما قد نبهناك  فى التبصرة المصدرة على تلك  الذروة العليا . و اقول : بل يرتقى الى فوق رتبة الخلافة لان الخلافة كالنبوة مقام الوساطة بين الخالق و الخلق . ففى مصباح الانس أن للانسان أن يجمع بين الأخذ الاتم عن الله تعالى بواسطة العقول و النفوس بموجب  حكم امكانه , و بين الأخذ عن الله - تعالى - بلا واسطة بحكم صفحه : 264

وجوبه فيحل مقام الانسانية الحقيقية التى فوق الخلافة الكبرى](  ( 1 ) . و أفاد فى معنى الخلافة الذى اشرنا اليه فى موضع آخر من المصباح بقوله : [( اعظم شروط الخلافة هو العلم بجميع المراتب  و باهليها و حقوقهم و احكامهم لأن الخلافة توسط يقتضى الأخذ من المستخلف  و اعطاء المستخلف عليهم فمهما لم يعلمهم لم يعط الخلافة حقها](  ( 2 ) .

قوله فى صدر كلامه[ : ( النفس الناطقة تحدث  فى حدود الأربعين عاما]( , سيأتى العين السابعة و الأربعون فى ذلك  .

تبصرة : قد تمثل بتمثيل الفحم ايضا العلامة القيصرى فى الفصل الثانى عشر من فصول شرحه على فصوص الحكم فى بيان اتصاف  العبد بالفناء فى التوحيد بقوله :

[ ( و ذلك  الاتصاف  لا يحصل الا بالتوجه التام الى جناب  الحق المطلق - سبحانه - اذ به يقوى جهة حقيته فتغلب  جهة خلقيته إلى أن يقهرها و يفنيها بالأصالة كالقطعة من الفحم المجاورة للنار ف إنها بسبب  المجاورة و الاستعداد لقبول النارية و القابلية المختفية فيها تشتعل قليلا قليلا إلى أن تصير نارا فيحصل منها ما يحصل من النار من الاحراق و الانضاج و الاضاءة و غيرها , و قبل الاشتعال كانت  مظلمة كدرة باردة](  ( 3 ) . پاورقى :

1 . مصباح الانس , ط 1 , ص 33 .

2 . المصدر , ص 223 .

3 . شرح القيصرى على نصوص الحكم , ط 1 , ص 46 .

صفحه : 265

عين فى الفرق بين الروح البخارى و الروح الانسانى ( 11 ) يا - و من تلك  العيون المروحة المريحة , الفرق بين الروح البخارى و الروح الانسانى , و التنبيه على فساد الارواح بفساد المزاج على مبنى الطبيب  , و عدم فساد الروح الانسانى بفساده على نظر الفيلسوف  الالهى , فان الامر ربما يشتبه على الناظر المتقشف  .

كتاب  الفصل بين الروح و النفس تأليف  قسطا بن لوقا اليونانى , فى ما نحن بصدد بيانه فى هذه العين , قمين بالالتفات  اليه , و حرى بالتوجه اليه جدا , و لو جعلناه مكان ما سودناه فى هذه العين لكان جديرا به ( 1 ) .

و تلك  الأرواح هى البخارية , و هى جسم لطيف  ذو مزاج يتكون من صفوة الأخلاط الأربعة .

و فى كليات  شرح نفيس فى الطب[ :  ( لا نعنى بالأرواح ما يسميه الفلاسفة الناطقة كما يراد بها فى الكتب  الالهية , بل نعنى بها جسما لطيفا بخاريا يتكون عن لطافة الأخلاط كتكون الأعضاء عن كثيفها , و الأرواح هى الحاملة للقوى فلذلك  يكون اصناف  الأرواح ثلاثة كاصناف  القوى حتى يكون لكل قوة روح حامل الخ](  ( 2 ) .

و كذا فى المغنى شرح الموجز فى الطب[ :  ( لا نعنى بالارواح النفوس , كما يراد بها فى الكتب  الالهية و هى كلام الله - عز من قائل - , و كلام انبيائه - عليهم الصلوات  و التحيات  - , و كتب  المسلمين ( المليين - خ ) لأنه فى تلك  الكتب  يطلق الروح و يراد به الجوهر الذى هو غير جسم , بل نعنى بها - اى بالأرواح فى الكتب  الطبية اجساما لطيفة بخارية تتكون من لطافة الأخلاط المحمودة . الخ](  .

پاورقى :

1 . الرسائل الفلسفية , بعناية حلمى ضياء او لكن , ط اسطنبول , ج 2 , ص 83 , 94 .

2 . كليات  شرح نفيس فى الطب  , ط 1 , ص 20 .

صفحه : 266

و الروح يطلق على معانى عددية بالاشتراك  اللفظى , حتى أن الأرواح تطلق فى اصطلاح اهل الحيل على ما تذاب  بها الأجساد فى اصطلاحهم ايضا . و الأجساد هى الأجسام الذائبة اى الفلزات  , و الأرواح هى الزيبق و الكبريت  و النوشادر و غيرها مما تذاب  بها تلك  الأجساد كما فى مصباح الانس لابن الفنارى فى شرح مفتاح الغيب  للصدر القونوى ( 1 ) , و فى شرح المحقق الطوسى على آخر الفصل العشرين من النمط الثانى من اشارات  الشيخ الرئيس . و باقى الاطلاقات  فى الأرواح قد ذكرناها فى النكتة الاثنتين و السبعين من كتابنا الف  نكتة و نكتة , فراجع .

و لا يبعد أن ذلك  الاشتراك  اللفظى صار سبب  انحراف  غير واحد عن صوب الصواب  حيث  تفوهوا بأن الروح الانسانى جسم لطيف  فأجروا أحكام الروح البخارى على الروح الانسانى , كما ان اطلاق الجسم على الروح الانسانى صار سببا لذلك  , و هو بالمعنى المصطلح فى الطبيعى غير صحيح اطلاقه على النفس , نعم ان الجسم له ايضا معنى دقيق يصح اطلاقه على المجرد المفارق , و ذلك  المعنى ان الجسم يعنى به ما هو متحقق فى الخارج سواء كان جسما ماديا طبيعيا , او مفارقا نوريا . و اطلاق الجسم على النفس فى اطوارها و عوالمها غير عزيز فى كلمات  المتوغلين فى الحكمة المتعالية , و فيه سر لأهله و سيأتى البحث  عنه , و قد تقدم الكلام ايضا فى اطلاق الجسم على الموجود القائم المتحقق بذاته مطلقا فى العين الرابعة .

و ممن اعتنى شديدا من الاطباء فى بيان الفرق بين الروح البخارى و الروح الانسانى فى كتاب  الطب  هو على بن ربن الطبرى فى كتابه فردوس الحكمة فى الطب  حتى انه بحث  عن تجرد النفس الناطقة و اتى بأدلة على تجردها فان الباب  الاول من المقالة الثانية من النوع الثانى منه فى ذكر النفس و إنها ليست  بعرض و لا مزاج من المزاجات  .

و الباب  الثانى منها فى أن النفس ليست  مركبة , و فى الحركات  و الرد على من أبطلها

و الثالث  منها فى أن النفس ليست  فى الجسم مثل كون الاشياء بعضها فى بعض .

و الرابع منها فى أن للبدن انفسا تفنى مع البدن . و فى هذا الباب  أن الانسان يحى بالنفس النباتية , و يحس بالنفس الحساسة , و يتقلب بالنفس المتحركة , و يتفكر فى الاشياء و يختارها و يدرك  العلوم الالهية بالنفس المميزة العقلية ( 2 ) .

پاورقى :

1 . مصباح الانس , ط 1 , ص 209 .

2 . فردوس الحكمة , ط برلين , ص 60 - 69 .

صفحه : 267

فبما قدمنا دريت  أنه لا ينبغى انسحاب  المباحث  الطبية فى الفلسفة الالهية فان الطبيب  من حيث  هو طبيب  و جالس على كرسى الطبابة ناظر الى بدن الانسان و هو موضوع مسائلة كلها من جهة أنه معروض المرض و الصحة و لا شأن له بالبحث  عن نفسه الناطقة المميزة العقلية الا على سبيل الاستطراد و التفنن و التنبيه . و كذلك  البيطار , كان موضوع مسائل فنه بدن الحيوان و لا يهمه البحث  عن أن نفس الحيوان مجرد تجردا برزخيا لا عقليا .

فما فى بعض الكتب  الكلامية و العقلية من الطعن على جالينوس و غيره من الأطباء فى أن النفس كانت  عندهم هى المزاج ليس بوارد , كما أن صاحب الأسفار قال فى اول الفصل الثالث  من الباب  الثالث  من كتاب  النفس : [( يشبه أن يكون ما قاله بعض الطبيعيين حقا و هو ان هذه القوى الاربع , الخ](  ( 1 ) .

و هذا الفصل من الأسفار منقول من المباحث  المشرقية للفخر الرازى , و عبارة الفخر هى[ ( ما قاله بعض العلماء حقا](  بدل ما فى الأسفار ما قاله بعض الطبيعيين حقا ( 2 ) . و صرح الفخر فى آخر الفصل المعنون فى القوة الهاضمة بأن هذا البعض هو جالينوس الطبيب  ( 3 ) . و لكن الصواب  ما جرى على قلم صاحب  الأسفار فى آخر الفصل السابع من هذا الباب  المذكور من أن جالينوس و بقراط و افلاطون كانوا متفقين على ان فاعل الابدان و الاعضاء هو الله - سبحانه - ( 4 ) .

و فى الباب  التاسع عشر من كامل الصناعة الطبية لعلى بن العباس المجوسى فى صفة الارواح[ : ( قد بقى علينا من اقسام الامور الطبيعية قسم واحد و هو النظر فى امر الأرواح التى بها يكون ثبات  البدن و قوامه و تمام سائر افعاله فاقول :

إن الأرواح ثلاثة : أحدها الروح الطبيعى , و الثانى الروح الحيوانى , و الثالث  الروح النفسانى .

فاما الروح الطبيعى فتولده فى الكبد و ينفذ منه فى العروق غير الضوارب الى سائر

پاورقى :

1 . الأسفار , ط 1 , ج 4 , ص 19 .

2 . المباحث  المشرقية , ج 2 , 256 .

3 . المصدر , ج 2 , ص 252 .

4 . الأسفار , ط 1 , ج 4 , ص 30 .

صفحه : 268

البدن و تقوم به القوى الطبيعية و تصلح افعالها و تنميتها ( كذا - و تنميها ظ ) . و كونه من جيد الدم الذى فى الكبد و صافيه و لطيفه و نقيه و خالصه الذى لا يخالطه شىء من الاخلاط و الفضلات  المنهضمة غاية الانهضام . و اما الروح الحيوانى فهو الذى تولد فى القلب  و تنفذ منه فى العروق الضوارب  الى سائر البدن , و يقوم بالقوى الحيوانية , و يحفظها و يصلح احوالها و ينميها . و كونه من بخار الدم اللطيف  الصافى النقى و من الهواء الداخل بالاستنشاق .

و أما الروح النفسانى فهو الذى تولده فى بطون الدماغ و ينفذ فى العصب الى سائر البدن و يقوى بالقوى النفسانية و يثبتها و يحفظها على حالها . و تولد هذا الروح يكون من الروح الحيوانية الذى مسكنه فى القلب  . و ذلك  ان هذا الروح يصعد من القلب  الى الدماغ فى العرقين الضاربين المعرقين المعروفين بعرقى السبات  الصائرين الى الدماغ و ينفذان فى القحف  الى الموضع المعروف  بقاعدة الدماغ و ينقسمان هنالك  بضروب  من القسم , الخ](  ( 1 ) .

و قال الهروى فى بحر الجواهر[ : ( الروح بالضم : جان , و عند الأطباء جوهر لطيف  بخارى يتولد من الدم الوارد على القلب  فى البطن الأيسر منه .

و الارواح عند الاطباء ثلاثة : حيوانية , و نفسانية , و طبيعية . فالحيوانية تتولد فى القلب  و تنبعث  منه و تحمل القوى الحيوانية إلى سائر الأعضاء . و النفسانية تنبعث  من الدماغ و تحمل القوى النفسانية الى الأعضاء . و الطبيعية متولدة فى الكبد , و تنبعث  منها , و تحمل القوى الطبيعية إلى سائر الأعضاء . و بالروح يقوم القوى اذ هو لها كالمادة , و هى له كالصورة . و هو الذى يحمل القوى من معادنها الى مقاصدها](  .

و لا يخفى عليك  حسن تعبير الهروى , و لطف  تقرير كامل الصناعة . قوله[ : ( الروح بالضم : جان](  , و أما الروح الانسانى و هو نفسه الناطقة فيقال بالفارسية : روان . و لذلك  يسمون مخرجها من النقص الى الكمال أى من القوة الى الفعل بقولهم : روان بخش .

ثم البحث  عن الأرواح البخارية فى الدرسين 129 و 130 من كتابنا دروس معرفة النفس فى بيان ما فى هذه العين مطلوب  جدا .

و فى الفصل السادس من الباب  الخامس من نفس الأسفار[ : ( و أما قولهم أن الحيوان

پاورقى :

1 . كامل الصناعة الطبية , ط 1 , ( مصر ) , ج 1 , ص 149 . صفحه : 269

يستنشق النفس بالتنفس فالمراد أن فى الحيوان روحا بخاريا من قبيل الأجرام الفلكية فى الصفاء و اللطافة و هو خليفة النفس فى البدن الطبيعى . و بالنفس يبقى اعتداله , و تتغذى بالهواء المعتدل جوهره . و لما كان هذا الجوهر حاملا لقوة الحس و الحركة النفسانية و مفاضا من النفس على الدوام فى هذا البدن الطبيعى , فاطلقوا عليها اسم النفس , و قد ذكره الشيخ فى بعض رسائله بلغة الفرس بهذه العبارة[ : ( روح بخارى راجان گويند , و نفس ناطقة راروان](  ( 1 ) .

قوله : و بالنفس يبقى اعتداله , بفتح الفاء المستفاد من قوله بالتنفس . يعنى , أن الحيوان يستنشق الروح البخارى بالتنفس و ذلك  لأن النسيم غذاء الروح البخارى كما صرح به الشيخ فى التعليقات  حيث  قال[ : ( غذاء الروح هو النسيم فهى تحيله الى جوهره و تغتذى به](  ( 2 ) و سيأتى نقل تمام كلامه فى ذلك  فى العين السابعة و الخمسين .

و لما كان النسيم غذاء الروح و الحيوان يتغذى به , أطلقوا عليه اسم النفس بسكون الفاء فقالوا[ : ( الحيوان يستنشق النفس بالتنفس](  . و اعلم أن الروح البخارى مطية أولى للنفس الناطقة , و كلما كان مزاجه أعدل كان آثار النفس أقوى و أنور , و سيأتى فى العين الثانية عشرة أن المزاج الأعدل تفيض عليه نفس أفضل .

تبصرة : قد أطلق كلمة النفس على الروح البخارى كثيرا و قد تقدم الاشارة اليه فى العين الرابعة أيضا . و فى اصطلاحات  العارف  المولى عبد الرزاق [ :( النفس هى الجوهر البخارى اللطيف  الحامل لقوة الحيوة و الحس و الحركة الارادية , و سماها الحكيم الروح الحيوانية , و هى الواسطة بين القلب  الذى هو النفس الناطقة و بين البدن , المشار اليها فى القرآن بالشجرة الزيتونة الموصوفة بكونها مباركة لا شرقية و لا غربية لازدياد رتبة الانسان و بركته بها , و لكونها ليست  من مشرق عالم الأرواح المجردة و لا من غرب  عالم الاجسام الكثيفة](  .

پاورقى :

1 . الأسفار , ط 1 , ج 4 , ص 61 .

2 . تعليقات  الشيخ , ط 1 , ص 137 .

صفحه : 270

فذلكة البحث  أن الروح أى البخارى جسم لطيف  , ذو مزاج متكون من صفوة الأخلاط الأربعة , و الروح الانسانى أى النفس الناطقة ليس بجسم بل جوهر مجرد عن المادة .

و أن الروح يطلق بالاشتراك  اللفظى على معانى عديدة حتى أنه يطلق على ما يذاب  بها الأجساد فى اصطلاح اهل الحيل .

و أن ذلك  الاشتراك  كأنه صار سبب  اغترار بعضهم فى اطلاق الجسم اللطيف على الروح الانسانى .

و أن اطلاق الجسم على الروح الانسانى هو بمعناه , الدهرى , و عدم الميز بين الجسم الطبيعى و بين الجسم الدهرى صار أيضا سبب  الاغترار بأن قالوا : النفس الناطقة جسم لطيف  و أرادوا به الجسم الطبيعى .

و أن النفس بسكون الفاء تطلق على النفس بفتحها من حيث  إن الحيوان يستنشق الروح البخارى بالتنفس و كان النسيم غذاء الروح البخارى . و أن النفس بالسكون قد اطلقت  على الروح البخارى أيضا . و أن الروح البخارى مطية أولى للنفس الناطقة فى تعلقها بالبدن أى علة قريبة لحيوة البدن , و النفس علة بعيدة لها . و أن الروح البخارى يحويه البدن و أما الروح الانسانى فالبدن مرتبة نازلة منه من حيث  هو بدنه . و أن الروح - البخارى اذا فارق البدن يبطل و يفسد , و أما النفس الناطقة فهى باقية بحيوتها الأبدية و انما يبطل بعض افعالها من بدنها العنصرى .

و أن الروح البخارى ألطف  الأجسام الباقية من أجزاء البدن و أدقها و أصفاها و لذلك  كان أشد قبولا لأفعال النفس من سائر أجزاء البدن . و أن الروح البخارى كلما كان مزاجه اعدل كان افعال النفس الناطقة اكثر و أشد و على غاية الاستواء و الاعتدال .

ثم اعلم ان الفيلسوف  قسطا بن لوقا اليونانى قد ألف  وجيزة عزيزة فى الفصل بين الروح و النفس , يعنى بهما الروح البخارى و النفس الناطقة الانسانية . و نحن و إن نقلنا بعض مطالبها فى تضاعيف  هذه العيون و تفاريقها متشتة , لكن رأينا نقلها كاملة ها هنا جديرا جدا لعظم نفعها , و كثرة مناسبتها بموضوع هذه العين أعنى الفصل بين الروح

صفحه : 271

البخارى و الروح الانسانى , فعليك  برسالة الفصل بين الروح و النفس و هى ما يلى :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب  العالمين

و بعد , فيقول خديم العلم و نديمه الحسن بن عبد الله الطبرى الاملى , المدعو ب ( حسن زاده آملى ) : إن الفيلسوف  قسطا بن لوقا اليونانى معاصر الكندى و ثابت  بن قرة , ألف  وجيزة عزيزة فى الفصل بين الروح و النفس , يعنى بهما الروح البخارى و النفس الناطقة . و هى مع رسائل أخرى فلسفية تنتهى إلى أكثر من عشرين رسالة قد طبعت  فى جامعة استانبول بمناسبة ذكرى ابن سينا الألفية , قد عنى بنشرها الفاضل حلمى ضيا او لكن . و قال فى مفتتح تلك  المجموعة ما هذا لفظه[ : ( نحن نريد نشر جميع رسائل الشيخ الرئيس المتعلقة بالنفس فى زمان القريب  . نقدم فى هذه المجموعة أيضا كتاب  الفرق بين الروح و النفس لقسطا بن لوقا الذى أهدى كتابه هذا إلى أحد الخلفاء العباسيين فى العصر الثالث  من الهجرة . و يعد هذا الكتاب  أقدم كتاب  من كتب  النفس التى وضعت  فى الاسلام . و هو أساس و مسند فى جميع التدقيقات  العلمية فى هذا الصدد](  انتهى ما أردنا من نقل كلامه بألفاظه .

و أقول : لكن الأسف  أن الرسالة مع أنها بتلك  المثابة من القدم و السند , قد شوهت  فى تلك  المجموعة بتحريفات  موحشة و أغلاط مدهشة إلى حد لا يتيسر الوصول إلى مرادها و لا يتأتى النيل بمفادها كما يعلم بالرجوع اليها , ثم بعرض نسختنا هذه عليها .

و أول تحريف  سنح بها هو تصحيف  اسمه من الفصل الى الفرق , حيث  إن كاتبها فى عصر تأليفها كتب  فى أولها - كما يحاكى عنه مصورها الاتى وصفه - هكذا[ : ( بسم الله الرحمن الرحيم , هذا كتاب  الفرق بين الروح و النفس و قوى النفس و مائية النفس تأليف  قسطا بن لوقا اليونانى](  , و فى آخرها هكذا[ : ( تم كتاب  الفرق بين الروح و النفس بحمد الله و منه و فرغ من نسخه فى صفر سنة تسع و اربعين و ثلثمائة](  . بل عرفه ابن جلجل الأندلسى فى كتابه طبقات  الأطباء و الحكماء , أيضا كذلك  , حيث قال[ : ( قسطا بن لوقا البعلبكى مسيحى النحلة . . . و كتابه فى الفرق بين النفس و الروح ( 1 ) مع أن قسطا قال فى أولها[ : ( سألت  - أعزك پاورقى :

1 . ( ص 76 ط مصر , تحقيق فؤاد سيد .

صفحه : 272

الله - عن الفصل بين الروح و النفس](  و قال ايضا بعد أسطر[ : ( ان الذى يريد ان يعلم الفصل بين شيئين - و اذا نريد أن نبين الفصل بين الروح و النفس - و عن الفصل بينهما](  ثم قال : فى اواخر الرسالة[ : ( القول فى الفصل بين الروح و النفس , و إذ قد ذكرنا مائية الروح و النفس فلنخبر الان عن الفصل بينهما فنقول ان اول الفصل بينهما](  ثم ختم الرسالة بقوله[ : ( و هذا كاف  فيما سألت  عنه من الفصل بين النفس و الروح - إن شاء الله]( -  و مع ذلك  كله حرف  الفصل من قلم الكاتب بالفرق . و تبعه الفاضل المذكور على ذلك  و نحن أرجعنا الفرق إلى الفصل فى عبارة الكاتب  .

كيف  كان فقد صححنا الرسالة بقدر الوسع باستعانة من مصور اصلها الذى انضم فى المجموعة المذكورة معها - و نعم ما فعل - مع التعارف  بألفاظ الفن من التشريح و الفلسفة , و الرجوع الى ماخذ البحث  من الكتب الأصلية و الرسائل المعتمدة عليها . و مع ذلك  كله بقيت  مواضع منها مبهمة لعل الله يحدث  بعد ذلك  أمرا .

و اعلم ان النقط التى فى مواضع من متن الرسالة تدل على أن مصور أصلها لم يكن مقروة بسنوح خرمة أو نحوها , و حرف[  ( ص](  علامة مصورها , و حرف[  ( ط](  علامة المطبوعة منها , و حرف[  ( ظ](  يدل على قولنا : ظاهرا . ثم لا يخفى على القارىء الكريم مرادنا مما جعلناها بين الهلالين . و المطالب  الرئيسة التى تحويه الرسالة هى ما يلى :

1 . القول فى ماهية الروح البخارى و تكونها و اقسامها الثلاثة و ينابيعها , و كونها آلة للنفس , و بعض مسائل تشريحية و طبية و فلسفية و طبيعية فى أثناء البحث  عن الأرواح البخارية .

2 . القول فى ماهية النفس : حد النفس على رأى أفلاطون , و بيان كل لفظة فى ذلك  الحد و شرحها .

3 . وحد النفس على رأى أرسطو و بيان كل لفظة فى ذلك  الحد و شرحها . 4 . الدليل على أن النفس جوهر .

5 . الدليل على أن النفس جوهر غير جسم .

6 . التحقيق فى أن النفس على أى الجهات  تحرك  البدن .

7 . التحقيق فى أن النفس كمال للجسم .

8 . بيان الكمال الأول و الكمال الثانى , و الميز بينهما . صفحه : 273

9 . بيان ضروب  الالات  للنفس .

10 . بيان قوى النفس .

11 . القول فى إطلاق النفس على كل واحدة من القوى الثلاث  : النامية , و الحساسة , و الناطقة .

12 . الفصل بين الروح و النفس أى الروح البخارى و النفس الناطقة بعدة وجوه .

13 . البحث  عن اعتدال المزاج و القوى بأن من كان مزاج بدنه فى غاية الاستواء كان الروح الذى فى بدنه فى غاية الاستواء و كانت  افعال النفس فيه فى غاية الاستواء , و بالعكس من قصر مزاج بدنه عن الاعتدال قصرت افعال النفس فيه على تلك  النسبة و انما الروح فيه بتلك  النسبة . و أما الرسالة فهى ما نتلوها عليك  :

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب  الفصل بين الروح و النفس و قوى النفس و مائية النفس تأليف  قسطا بن لوقا اليونانى

سألت  - أعزك  الله - عن الفصل بين الروح و النفس و ما قالت  الأوائل فيه . و قد رسمت  لك  فى ذلك  جملا استخرجتها من كتاب  افلاطن المسمى بادن , و من كتابه المسمى طيماوس , و من كتاب  ارسطاطاليس و ثاوفرسطيس فى النفس , و من كتاب  جالينوس فى اتفاق آراء بقراط و فلاطن , و من كتابه من عمل التشريح و فى منافع الأعضاء . و استعملت  فيها غاية الاختصار و الايجاز لما شاهدت  من كثرة أشغالك  بأعمال السلطان و ( ص : باعمال السلطن ) من ضيق الزمان الذى لا يمكنك  أن تنظر فى مثل هذا الكتاب  . و أرجو أن يكون فيما رسمت  من ذلك  مع معرفتك  بالعلم الطبيعى و نزاعك فيه , بلوغ مطلوبك  - إن شاء الله - .

فنقول : إن الذى يريد أن يعلم الفصل بين شيئين أن يحتاج أن يعلم أولا مائية كل واحد منهما لأنه غير ممكن أن يفصل بين شيئين مجهولين , و مع معرفة كل واحد منهما يعرف

صفحه : 274

الفصل بينهما . و إذا نريد أن نبين الفصل بين الروح و النفس يجب  أولا أن نخبر عن مائية النفس و الروح , و عن الفصل بينهما . فلنبتدىء أولا بالقول فى الروح إذ كان أسهل منهجا , و نتبعه بالقول فى النفس . القول فى الروح

الروح جسم لطيف  ينبث  فى بدن الانسان من القلب  فى الشريانات  فيفعل الحيوة و التنفس و النبض . و التى تنبث  من الدماغ فى الأعصاب  يفعل الحركة و الحس .

و قد زعم المحمو . . . ( ط : و قد زعم المحمودون فى ) عمل تشريح الأحياء من الأطباء و الفلاسفة أن فى القلب  تجويفين : أحدهما فى جانبه الأيمن , و الاخر فى جانبه الأيسر . و هذان التجويفان فيهما دبر و روح . و فى التجويف  الأيمن من الدبر أكثر مما فيه من الروح . و فى التجويف الأيسر من الروح أكثر مما فيه من الدبر .

و ينبعث  من التجويف  الذى فى الجانب  الأيسر عرقان أحدهما يصير إلى الرية فيكون به تنفس القلب  . و ذلك  أن القلب  ينقبض و ينبسط , و بانبساطه و انقباضه يكون النبض فى سائر البدن , و لذلك  صار النبض دالا على حالات  طبيعة القلب  الراتبة المستوية , و المختلفة التى تختلف لسبب  ضرر ينال القلب  فى نفسه , أو من بعض الأعضاء المجاورة له . فالقلب  إذا انبسط اجتذب  بذلك  العرق من الرية شيئا ما من الهواء الذى يصير إلى الرية بالتنفس لترويح الحرارة الغريزية التى فيه , و يكون مادة للروح . . و إذا انقبض القلب  دفع بذلك  القلب  إلى الرية مما يتولد فيه من البخارات  الدخانية عن الحرارة النارية التى فيه , و أخرجتها الرية عن البدن . و هذا العرق المعروف  بالشريانى الوريدى . و يسمى بهذا الاسم لأن هيئته هيئة وريد , و فعله فعل شريان . و العرق الاخر نسميه العرق الأبهر , و ينقسم عند منشأه من القلب  قسمين أحدهما يترقى إلى أعالى البدن فيتفرع منه فروع من الصدر إلى أقاصى الرأس يكون بها الحيوة فى هذا الجزؤ من بدن الانسان . و الاخر ينحدر إلى أسافل البدن إلى أقاصى القدمين , و يتفرع منه فروع يكون بها الحيوة فى الجزؤ . . . من بدن الانسان و فروع . . . هذه العروق المتفرقة فى سائر البدن تسمى شريانات  , و هى العلة القريبة لحيوة بدن الانسان لما يؤدى إلى كل عضو من أعضائه من الروح إلى تجويف  القلب  الذى جانبه الأيسر . و الدليل على أن حيوة الانسان بهذه الروح ما يرى من خروجها فى وقت الموت  ,

صفحه : 275

و حركة اللحى و الفم و الشفتين و الصدر التى تكون شبيهة بالفواق و التثاوب  و النفس العالى , و يسميها العامة النزع . و خروجها من البدن يكون فى السبل التى بها يصير إليه الهواء . و ذلك  أنها تخرج من تجويفات  القلب  إلى الرية بالعرق التى ذكرنا أنه ينفذ من القلب  إلى الرية فيجذب  الهواء و تخرج البخارات  الدخانية , ثم من الرية يخرج فى القصبة و ينفذ فى الفم , و خروجها من الفم يكون عند حركة الفم التى ينفتح فيها و لا ينطبق من ذاته بل يحتاج ( إلى ) أن يشد لبطلان الحيوة بعد خروج تلك  الروح منه .

فأما العلل التى بها يخرج هذه الروح من البدن أعنى علل الموت  و علل سرعة خروجها و إبطائها اعنى سهولة النزوع ( كذا فى ص - النزع ظ ) و صعوبته و ظهوره فى بعض الناس و خفائه فى بعضهم و علل الموت  الفجأة , فانها خارجة عن غرضنا و يحتاج فيها إلى أوائل و مقدمات  كثيرة من اكثر كتب  الطب  يطول شرحها و لذلك  تركنا ذكرها .

فقد ظهر مما قلنا أن الحيوة تكون بالروح التى فى تجويفى القلب  , و أن النبض و التنفس لصلاح هذه الروح أعنى لترويحه بالهواء الوارد عليه من خارج , و لاخراج الأبخرة الكائنة عنه . فقد ظهر إذن أن الروح التى فى تجويفات  القلب  هى علة الحيوة و التنفس و النبض و هذا ما يحتاج إلى معرفته فى الروح الحيوانية التى ينبوعها القلب  .

فأما الروح التى ينبوعها الدماغ و نفوذها إلى سائر البدن فى الأعصاب  , فأنها تسمى الروح النفسانية , و مادتها الروح الحيوانية التى تكون فى تجويفى القلب  . و ذلك  أن أحد قسمى الشريان المعروف  بالأبهر المنبعث من القلب  إلى أعالى البدن إذا انتهت  أقسامه إلى عظم الرأس و نفذ فيه اجتمعت  و تركب  بعضها ببعض و تشتبك  و ينتسج منها نسج كهيئة الشبكة و انبسطت  تحت  الدماغ و نفذ من شرياناتها المشبكة شىء إلى باطن الدماغ تؤدى إليها روحا إلى روح الحيوانية التى فى تجويفى القلب  . و ذلك  أن الدماغ قسمان أحدهما مقدمه و معظمه , و الاخر مؤخره . و فى مقدمه تجويفان يفضيان إلى فضاء مشترك  فى وسط الدماغ . و فى مؤخره تجويف  واحد منه تجرى إلى الفضاء المشترك  للتجويفين الذين فى مقدمه الشريانات  الدقاق المنبعثة من الشبكة التى تحت  الدماغ إلى باطنه ينتهى اولا إلى حد التجويفين اللذين فى مقدمه فيؤدى إليه الروح الحيوانية و ينفذ منه إلى التجويف  الاخر فيلطف  فيه و يدق و ينذهب  ( كذا فى ص ) و يتهيأ لقبول القوة النفسانية , فيكون ذلك  لها تنبيها بالهضم و الاحالة إلى الروح أدق و ألطف  و أصفى , ثم ينفذ من التجويفين إلى الفضاء المشترك  لهما فى وسط الدماغ , ثم من ذلك  الفضاء إلى التجويف صفحه : 276

الذى فيه مؤخر الدماغ فى مجرى من الفضاء المشترك  فى وسط الدماغ إلى مؤخره . و فى هذا المجرى قطعة من جرم الدماغ شبيهة بالدودة يرتفع فى المجرى و ينهبط فيه , و بارتفاعها ( كذا . فبارتفاعها - ظ ) ينفتح الثقب  الذى بين الفضاء المشترك  للتجويفين و هو المجرى , و بانهباط تسده . فاذا فتحه نفذت  الروح من مقدم الدماغ إلى مؤخره , و ذلك  ليس يكون إلا عند الحاجة إلى ذلك  عند تذكر ما قد نسى , و عند الفكر فيما قد كان . فان لم ينفتح هذا المجرى و لم ينفذ الروح إلى مؤخر الدماغ لم يذكر الرجل ( كما فى ط . و عبارة ص كأنها تؤمى : لم يذكر الدخل ؟ ) و لم يحضره جوابات  ما يسئل عنه .

و انفتاح هذا المجرى الذى يكون بارتفاع الجسم الشبيه بالدودة يختلف  فى الناس فى السرعة و الابطاء : فمنهم من يكون ذلك  فيه بسرعة فيكون ذكيا سريع الذكر سريع الجواب  , و منهم من يكون ذلك  فيه بابطاء فيكون بطى الذكر بطى الجواب  كثير الفكرة . و لذلك  يعرض لمن يتذكر شيئا أن لا ينتصب  رأسه انتصابا شديدا , بل يميله إلى ما وراه و يشخص بعينه إلى ما فوق ليكون هذا من وضعه و هيئته معينا على انفتاح المجرى و ارتفاع ذلك الجسم الدودى إلى ما فوق .

و أما الفهم و الفكر و الرأى و الروية و التمييز فانه يكون بالروح التى فى التجويف  المشترك  للتجويفين اللذين فى مقدم الدماغ , فاذا كان الانسان مفكرا أو مرويا يحتاج إلى أن يكون المجرى الذى بين الفضاء المشترك  للتجويفين الذين فى مقدمة الرأس و بين التجويف  الذى فى آخره منسدا ليثبت  الروح فى ذلك  الفضاء المشترك  فيكون أقوى للفكر , و الفهم , و الروية , و التمييز و ذلك  يعرض لمن يفكر أن يميل برأسه الأرض و يكثر النظر اليها و يكتب  كتابا و يرسم اشكالا فيها ليكون ذلك  معينا على انطباق الجسم الدودى على ثقب  المجرى الذى ينفذ منه الروح إلى مؤخر الرأس .

و الروح التى فى الفضاء أعنى فى التجويف  الأوسط مختلفة فى الناس : فمنهم من يكون هذه الروح فيه دقيقة لطيفة صافية فيكون صاحبها عاقلا مفكرا سائسا مدبرا مميزا , و منهم من يكون هذه الروح فيه على خلاف  ذلك  فيكون أبلها أو طياشا أو سخيفا أو أحمقا ( كذا . فيكون أبله أو طياشا أو سخيفا أو أحمق - ظ ) .

و ينبعث  من جزؤ الدماغ المقدم سبعة أزواج عصب  فيها روح من التجويفين المقدمين :

الأول منها يتصل بالعين فيكون به البصر . و هو دون باقى العصب  أجوف  , و ذلك

صفحه : 277

لحاجة البصر إلى أن يكون الروح المنبعثة إليه كثيرا مجتمعا صافيا لا يخالط جرم غيرها .

و الثانى يتصل بعضل العين فيحركه .

و الثالث  يتصل باللسان فيكون به حس الذوق .

و الرابع يتصل بالحنك  فيؤدى إليه حس الطعم .

و الخامس يتصل بالصماخين فيكون به حس السمع .

و السادس . . . الحس , و يرجع شىء منه بعد إلى الحنجرة فيحركها لانضمام فوهتها .

و السابع يتصل باللسان فيكون به حركته .

و كل ذلك  يفعله هذه الأعصاب  بالروح التى تنفذ فيها من الدماغ إلى . . . الأعضاء ( ص : من الدماغ إلى فوه الأعضاء ) . و الدليل على ذلك  أنه متى عرض عارض فسد مجرى الروح الذى فى عصبة من هذه الاعصاب  و منعها أن يصل إلى العضو فيبطل فعل ذلك  العضو كالماء المجتمع فى العين فانه يحول بين الروح التى فى العصبة و بين الناظر فيفعل عمى . و كالأخلاط و الأبخرة التى يحول بينها و بين الصماخين فيفعل صمما . أو بين آلة الشم أو آلة الذوق أو آلة اللمس فيبطل المذاقة و اللمس و الشم .

و إذا انفتحت  تلك  المجارى إما بعلاج , و إما بمقاومة الطبيعة للعلة عاد العضو إلى فعله فصار صحيحا مستويا و ينبعث  من جزء الدماغ المؤخر النخاع , و هو جزء من الدماغ فينحدر إلى الفقار كلها و عظم العصعص . و يتفرق منه أزواج كثيرة من العصب  فيما بين كل فقارتين زوج يفضى إلى العضل فيكون به حركة اليدين و الرجلين و سائر البدن .

و الدليل على ذلك  أنه متى ما نال من هذه الأعصاب  ضرر من فسخ أو قطع أو انسدت  المجارى التى فيها بطلت  حركة العضو التى كانت  ينبعث  إليه , أو ضعفت  أو فسدت  . و ذلك  على قدرع ما نال العصب  من الافة فقد يرى يد المفلوج صحيحة لا علة بها فى ظاهرها و هو لا يحس بها شيئا و لا يحركها . و كذلك  أيضا يرى من به السكتة أعضاؤه صحيحة مستوية و هو لا يحركها و لا يحس بها شيئا . فاذا عولجت  هذه العلل بما يفتح مجارى الدماغ مثل . . . دوية الحادثة - ( كذا فى ص , و فى ط : مسل الأدوية الحادثة . ظ : مثل الأدوية الحادثة ؟ ) من الدماغ و المنقية للمجارى التى فى الأعضاء و المفتحة لتلك  السدد رجع إلى الأعضاء الحس و الحركة إن لم تكن العلة قد جاوزت  مقدار العلاج و يكون الأعضاء قد ضعفت  عن احتمال العلاج . صفحه : 278

و ربما عرض للروح التى فى التجويفات  كلها . . . بمزاج , أو خالطت أبخرة ردية . فيفسد لذلك  أفعال تلك  الأعضاء . و ذلك  أن الضرر و العيار إن نالا لروح التى ( كذا . الروح التى - ظ . أو : إن نال الروح التى . . . ؟ ) فى التجويفين المقدمين فقط كان من ذلك  فساد الحواس كالذى ينال من يدخل الحمام فيطيل المكث  فيه فيظلم بصره فلا يرى شيئا , و كالذى يهيج به المواد فيبخر إلى رأسه و يتصل ذلك  البخار بالروح التى فى مقدم دماغه فيظلم بصره فلا يبصر شيئا . و كذلك  يعرض فى السمع و فى سائر الحواس .

فان حلت  الافة فى الجزؤ الأوسط و كانت  باقى أجزاء الدماغ صحيحة سليمة , فسد الفكر و التمييز فقط و بقى الحس و الحركة مستويين كالذى يعرض فى العلة التى تسمى ماليخوليا و هى اختلاط العقل , و كالوسواس و فساد التمييز .

فان حلت  ( كذا فى ص . ظ : و إن حلت  الافة فى جزء الدماغ المؤخر فسد الذكر فقط و كانت  ساقى ( كما فى ص . ظ : و كانت  بواقى ) أفعال الانسان مستوية .

و إن حلت  الافة ما بين هذه التجويفات  أو بلثه ( كذا فى ص . ظ : او ثلاثة ؟ ) فاشتملت  على الدماغ كله كانت  الافة عامة للتمييز و الحس و الحركة كالذى يعرض فى الصرع و السكتة و ما أشبه ذلك  من العلل . فقد صح كما قلنا أن الروح التى فى التجويفات  التى فى الدماغ يفعل أفعالا مختلفة . إما الذى فى التجويفين المقدمين فيفعل الحس السمعى و البصرى و الذوقى و الشمى و بعض اللمس , و يفعل مع ذلك  التخييل , و هو الذى يسميه اليونانيون فنطاسيا . و أن الروح التى فى التجويف  الأوسط يفعل الفكر و التمييز و الروية . و أن الروح التى فى التجويف  المؤخر يفعل الذكر و الحركة .

فقد حصل إذا مما قلنا أن الروح فى بدن الانسان روحان أحدهما يقال له الحيوانى , مادته الهواء و ينبوعه القلب  ينبعث  بالشريانات  إلى سائر البدن فيفعل الحيوة و النبض و التنفس . و الاخر يقال له النفسانى مادته الروح الحيوانى و ينبوعه الدماغ . يفعل الدماغ نفسه الفكر و الذكر و الروية , و ينبعث  منه فى الأعصاب  إلى سائر الأعضاء فيفعل الحس و الحركة .

صفحه : 279

القول فى النفس

و أما النفس فان وصفها على حقيقتها صعب  معتاص جدا . و الدليل على ذلك  اختلاف  أجله الفلاسفة و هم أفلاطون و ارسطاطاليس و حروسلس و غيرهم فيها , و كذلك  من بعدهم , إلا أنا نذكر الحدين اللذين حد بهما أفلاطون و أرسطاطاليس و شرحهما فى ذلك  , و نحتج فى تبيين كل لفظة منهما و نتبع ذلك  بالاخبار عن قوى النفس , فان ذلك  ما يكتفى به فى هذا الموضع , و يمكن أن نبين به غرضنا الذى هو الفصل بين الروح و النفس . فنقول : إن افلاطن حد النفس بأن قال[ : ( النفس جوهر ليس بجسم محرك للبدن](  . و أما أرسطاطاليس فحد النفس بأن قال[ : ( إن النفس كمال لجسم طبيعى آلى](  . و فى حد آخر غير الالى , فقال[ : ( حى بالقوة](  . فلنشرح ما فى هذين الحدين , و لنبتدى أولا بالقول الذى قال افلاطن , و لنبين أن النفس جوهر فنقول : كل قابل للمتضادات  و هو واحد بالعدد لا يختلف  ذاته فهو جوهر فالنفس قابلة للفضائل و الرزائل و هى واحدة بالعدد كنفس أفلاطن لا يختلف  ذاتها فهى إذن جوهر , و الفضائل و الرزائل متضادات  فالنفس إذن قابلة للمتضادات  و هى واحدة بالعدد لا يختلف ذاتها فهى إذن جوهر .

و أيضا إن محرك  الجوهر جوهر , و النفس محرك  الجسد , و الجسد جوهر فالنفس إذن جوهر .

و أيضا فان النفس جزؤ من الحيوان لأن كل حيوان نفس و جسد , و الحيوان جوهر , و جزء الجوهر جوهر , فالنفس إذن جوهر .

و إذ قد بينا أن النفس جوهر , فلنبين أن النفس لا جسم , فنقول : إن كل جسم كيفياته محسوسة فكيفيات  ( كذا فى ص . و كيفيات  - ظ ) النفس غير محسوسة فهى لا جسم , و كيفيات  النفس الفضائل و الرزائل , و الفضائل و الرزائل غير محسوسة فاذن النفس جوهر لا جسم .

و أيضا فان كل جسم لا يخلو إن يقع تحت  الحواس إما كلها و إما بعضها . . . الحواس  لا كلها و لا بعضها , فالنفس . . . لا جسم . ( كذا فى ص . و ايضا فان كل جسم لا يخلو أن يقع تحت  الحواس إما كلها و إما بعضها , و النفس لا تقع تحت  الحواس لا كلها و لا بعضها , فالنفس إذن لا جسم - ظ ) .

صفحه : 280

و أيضا كل جسم إما أن يكون متنفسا أو غير متنفس , فان كانت  النفس جسما فهى إما متنفسة , و إما غير متنفسة فلا يمكن أن يكون النفس غير متنفسة إن كانت  جسما لأنه يقع محال , و ذلك  أن النفس تكون لا نفس , و أن قلنا أنها حيوان أى متنفسه رجع القول علينا فى نفس النفس أجسم هى أم لا جسم فيترقى ذلك  دائما بلا نهاية فاذن ليست  النفس جسما . و أيضا إن كانت  النفس جسما لطيفا فليس يخلو ذلك  الجسم من أن يكون إما روحا لطيفة تنتشر فى البدن كله , و إما نارا . فان كانت  كذلك  فلا يخلو تلك  النار و الروح من أن يكون لهما نوع خاصى و قوة خاصية , و ذلك أنه إن لم يكن لهما نوع خاصى وقوة خاصية لكان إذن كل نار روح , أو كل روح نفس ( كذا فى ص . لكان إذن كل نار روحا , أو كل روح نفسا - ظ ) . و إن كان لهما نوع خاصى فذلك  النوع هو النفس .

و أيضا إن كانت  النفس جسما نارا كان كل نار نفسا . و لا يخلو جسم . . . بسيطا و إما مركبا ( ص . و ايضا ان كانت  النفس جسما لا يخلو جسم أن يكون إما بسيطا     و إما مركبا - ظ ) : فان كانت  جسما بسيطا فهى لا محالة نار أو ماء أو ارض أو هواء , و ان كانت  النفس أحد هذه الأركان مجردا أعنى بلا قوة و لا نوع خاصى يفارق به ما شاركه فى جنسه فان كل ما هو من جنسه نفس : فان كانت  النفس نارا كان كل نار نفسا , و إن كانت هواء كان كل هواء نفسا , و كذلك  فى باقى الأركان , فان كان كذلك  فكل جسم يحوى ذلك  الأسطقس فهو متنفس أعنى أنه ذو نفس . فان كان الهواء هو النفس كانت  الرية و العروق الضوارب  و الزق المنفوخ حيوانا . و إن كانت  النفس . . . اكانت  الانية المملوة حيوانا ( ص . و إن كانت النفس ماء كانت  الانية المملوة حيوانا - ظ ) و هذا من القول شنع قبيح . و إن كانت  النفس جسما مركبا فالبدن إذن نفس , فاذن النفس لا جسم . و إذ قد تبين أن النفس جوهر غير جسم فلنبين الان على أى الجهات  تحرك البدن ؟ فنقول :

إن كل . . . ك  بحركة محركه ( ص . إن كل متحرك  فاما أن يتحرك  بحركة محركه - ظ ) كالعجلة التى تتحرك  بحركة البقر . و إما أن يتحرك  من غير أن يتحرك  محركه فذلك  على اربع جهات  : إما بالشوق منه إلى محركه كما يتحرك  العاشق إلى المعشوق , و إما بالبغض و التنافر كما يتحرك  العدو عن عدوه , و إما بالفعل الطبيعى كما يتحرك  الحجر عن الثقل و الثقل فى نفسه غير متحرك  , و إما بأن محركه سبب  بادى الحركة لحركته كما أن الصياغة علة حركة الصائغ .

صفحه : 281

فلننظر بأيها من جهات  الحركة التى وصفنا يحرك  النفس البدن ؟ فنقول : إن النفس تحرك  البدن بالجهة الرابعة من النوع الثانى من التحريك  , و هو أنها تحرك  البدن و هى غير متحركة بحركة بأنها سبب  ( غير متحركة بحركته بل بأنها سبب  - ظ ) بادىء لحركته إذ كان الانسان يفعل بها و يحس بها فالحس يحرك  بانه ينفعل , و النفس تحرك  بانها تفعل . و كما أن الصياغة علة حركة الصائغ و ليس يتحرك  الصياغة لحركة الصائغ , كذلك  النفس تحرك  البدن و ليس تتحرك  بحركته ( ص . و ليست  تتحرك بحركته - ظ ) فالنفس المحركة إذن علة حركة الحيوان بالشهوة و الفعل و ا . . . و هى لا تتحرك  بضرب  من ضروب  حركة فى الأجسام لأنها لا جسم . و إذ قد شرحنا قول افلاطن الذى حد به النفس و بينا معنى كل لفظ فيه فلنأخذ الان فى شرح حد أرسطاطاليس فنقول :

إن أرسطاطاليس حد النفس بأن قال[ : ( إنها كمال](  . و ذلك  أن من الأشياء ما هو بالقوة , و منها ما هو بالفعل . و إذا كان الشىء بالفعل نعت  بالكمال و كماله قبول النوع فمن هذه الجهة سمى النفس كمالا . و ذلك  أن المنى حى بالقوة فاذا صار حيا بالفعل قيل انه قد كمل , و كما له قبول أنواعه أعنى أن يكون ذا نفس حساسا متحركا بارادته . فقد وجب  مما قلنا أن النفس نوع للحى لا محالة إذ كانت  كمالا للحى , و كمال الشىء هو قبوله لنوعه .

فاذا صح أن النفس نوع , و سمينا النوع كمالا , وجب  علينا أن نفحص جهات  الكمال , و نخبر بأى جهة منها يضاف  إلى النفس ؟ فنقول : إن الكمال يقال على ضربين فمنه أول , و منه ثان . فالكمال الأول فى الانسان هو العلوم و الصنائع . و الكمال الثانى فى الانسان هو معالجة ما يعلم من العلوم و الصنائع .

و مثال ذلك  أن الطبيب  يقال إن له كمالا أوليا يعلم الطب  فاذا عالج بما يعلم قيل إن له كمالا ثانيا للنفس . فالنفس كمال الأول ( ص . كمال أول , أو : الكمال الأول - ظ ) لأن النائم و إن كان لا حس له فى وقت نومه فان له النفس الحساسة . و كل نوع و كمال فهو نوع و كمال الشىء بالنفس نوع .

و كمال الجسم و الأجسام صنفان : فمنها ما نوعه فيه طبيعى كالحيوان و النبات  و النار و الهواء و كل ماله حركة ذاتية فى نفسه , و منها ما يكتسب  له نوع بالصناعة كالباب  و السرير . فالنفس نوع لجسم طبيعى لأن الجسم ليس من أفعال الصناعة . و قد يخالف  النوع الطبيعى . صفحه : 282

النوع الكائن بالصناعة لأن النوع الطبيعى جوهر , و النوع الصناعى عرض .

و النفس جوهر لأنها لجسم طبيعى ( كذا فى ص . لأنها نوع لجسم طبيعى - ظ ) . و الجسم الطبيعى صنفان : فمنه بسيط , و منه مركب  . و البسيط مثل النار و الهواء و الماء , و المركب  مثل الحيوان و النبات  . و ليس النفس نوعا جسم بسيط بل مركب  ( كذا فى ص . و ليس النفس نوعا لجسم بسيط بل مركب  - ظ ) . و ذلك  لأن كل شىء مما له نفس فهو حى , و كل حى مستحيل فلابد له من غذاء بدل ما يتحلل منه , و يعين على نشوه . و الغذاء يحتاج إلى ضروب  من الالات  : فمنها ما يحتاج إليه ليورده الجسم المغتذى و ليحويه و ينفذه كالعروق فى الحيوان , و الساق و القضبان فى النبات  .

و منها ما حاجة الغذاء اليه ليحويه و تحيله إلى ملاومته ( كذا . مداومته - ظ ) كالمعدة للحيوان , و كاللحم الذى فى تجويف  ساق النبات  فى النبات  .

و منها ما حاجة الغذاء إليه ليبرز فضوله كأمعاء الحيوان , و مخارج الصمغ للنبات  .

و قد يكثر الالة فى الحى لكثرة كماله و كثرة فعاله , لأنه لما كان حيا كانت  له أعضاء الحيوة و هى القلب  و الدماغ و ما يتصل بهما , و لما كان حساسا كان له عصب  و حواس , و لما كان متحركا بارادته كان لهما عصب  و عقل .

و إذا كان هذا هكذى ( هكذا ) فعلم أن النفس كمال اولى لجسم آلى . و هذا حد جامع يعم كل نفس . . . نحمل ( ص ) .

و أما تعبيره للفظة الالى فصميره مكانها خبرا فاتا بالقوة فان المعنى فى الحدين جميعا واحد ( كذا فى ص . و أما تغييره للفظة الالى و تضميره - أو : و تطميره , أو : و تصميره - مكانها حيا فأتى بالقوة فان المعنى فى الحدين جميعا واحد - ظ ) . و ذلك  أنه لم يعن بقوله[ : ( ذى حيوة بالقوة ]( أن البدن كان فى ذاته قبل حدوث  النفس ثم قبل النفس بما فيه من إمكان الحيوة , بل أنما معنى قوله[ ( ذى حيوة بالقوة](  أى أن له آلة يمكن أن يجرى فى أفعال الحيوة . فمعنى آلى و ذى حيوة بالقوة , واحد . فهذا حد ارسطاطاليس الذى حد به النفس مع شرحه الذى شرحنا , و إيضاحنا لكل لفظة فيه .

و إذ ذكرنا حدى افلاطون و ارسطاطليس , و بينا معنى كل لفظه فى كل واحد منهما , فلنخبر الان عن قوى النفس , فنقول :

إن قوى النفس الأولى هى التى كالأجناس لها فى القوى ثلاثة ( كذا ص . ثلاث

صفحه : 283

- ظ ) : أولها النامية , و الثانية الحساسة , و الثالثة الناطقة , و قد تسمى هذه الثلاثة قوى . - القوى - باستعارة نفوس - نفوسا - ( كذا فى ص . و قد تسمى هذه الثلاث  باستعارة نفوسا - ظ ) فنقول : إن النفس النامية و النفس الحساسة و النفس الناطقة . و قد تسمى النفس النامية طبيعية و نباتية , و النفس الحساسة بهيمية و محركة با ( كذا فى ص . محركة بالارادة - أو : محركة بالقوة - ظ ) , و النفس الناطقة عاقلة و مميزة و مفكرة .

فالنفس النامية مشتركة للنبات  و البهائم و الانسان . و النفس الحساسة مشتركة للبهائم و الانسان . و النفس الناطقة خاصة بالانسان . و افعال النفس النامية : التوليد , و التربية , و الغذاء . و ذلك يكون بأربع قوى التى تسمى الطبيعة ( كذا فى ص . بالأربع القوى التى تسمى الطبيعة - ظ ) و هى الجاذبة و الماسكة و المحيلة و المبرزة . و هذه القوى موجودة فى كل مغتذى ( مغتذ - ظ ) أعنى فى النبات  و البهائم و الانسان .

و أفعال النفس الحساسة : البصر , و السمع , و الشم , و الذوق , و اللمس , و التخيل , و حركة الانتقال بارادة . و هذه الأفعال موجودة فى كل حى أعنى فى البهائم و الانسان .

و افعال النفس الناطقة : الفكر , و الذكر , و الروية , و الظن , و الشك  , و العزم , و العلم . و هذه الأفعال خاصة بالانسان دون غيره من سائر الحيوان .

القول فى الفصل بين الروح و النفس

و إذ قد ذكرنا مائية الروح و النفس فلنخبر الان عن الفصل بينهما فنقول :

إن اول الفصل بينهما أن الروح جسم , و النفس لا جسم .

و أن الروح تحوا فى البدن , و أن النفس لا يحويها البدن . ( كذا ص . و أن الروح يحويها البدن - ظ ) . أو[ ( تحوى فى البدن](  على كون الفعل مجهولا ) .

و أن الروح إذا فارقت  البدن بطلت  , و النفس تبطل فعالها من البدن و لا تبطل هى فى ذاتها .

و النفس تحرك  البدن و تنيله الحيوة بتوسط الروح , و الروح تفعل ذلك بغير توسط .

و النفس تحرك  البدن و تنيله الحس و الحيوة بأنها أول علة ذلك  و فعاله فيه , و الروح تفعل ذلك  و هو علة ثانية . فالروح إذن علة قريبة لحيوة الانسان و جثته و حركته و باقى أفعاله . فالنفس علة ذلك  البعيدة . و ذلك  أن بدن الانسان لما كان

صفحه : 284

مركبا من أجزاء صلبة و هى العظام و الغضاريف  و الأعصاب  و العروق و ما أشبه ذلك  , و من أشياء رطبة و هى الأخلاط أعنى المرتين , و الدم , و البلغم , و من الروح التى فى تجويفات  الدماغ و فى الشريانات  و الأعصاب  , و كان الروح أدق هذه الأجزاء و الطفها و أصفاها , كان ذلك أشد قبولا لأفعال النفس من سائر أجزاء البدن . و على قدر دقته و لطفه و صفائه قبل من فعل النفس . و ذلك  ما قالت  الفلاسفة[ : ( إن قوى النفس تابعة لمزاج البدن فمن كان مزاج بدنه فى غاية الاستواء كان الروح الذى فى بدنه فى غاية الاستواء , و كانت  أفعال النفس فيه فى غاية الاستواء . و من قصر مزاج بدنه أعنى الأعضاء التى فيها الروح عن الاعتدال المخصوص بها قصرت  أفعال النفس فيه على تلك  النسبة , و إنما الروح فيه بتلك النسبة .

و لذلك  صارت  قوى النفس فى الصبيان ناقصة , و فى النساء ضعيفة . و كذلك  فى الأمم التى قد غلب  على أمزجتها الحر أو البرد كالزنج و الصقال و من شابههم .

و لذلك  أيضا اختلفت  أفعال النفس فى الروح فصار فى الروح التى فى القلب  الحيوة و التنفس و النبض فقط إذ تلك  الروح أقرب  الأرواح إلى الهواء و أقلها لطفا و دقة وصفاء . ثم الروح التى فى التجويفات  التى فى . . . ( ص و فى ط : فى التجويفات  التى فى - الدماغ يحتوى ؟ - ) الحس و التخيل - ( ثم الروح التى فى التجويفات  التى فى مقدم الدماغ صار فيه الحس و التخيل - ظ ) لما نالها من زيادة المرتبة و اللطف  على ما فى الروح التى فى القلب  . ثم الروح التى فى التجويف  الذى بعده صار فيه الفكر و الروية بفضل ما ناله من اللطف  و الدقة على الروح التى فى مقدم الدماغ . ثم الروح التى فى مؤخر الدماغ صار فيه الفكر و الحفظ لما يحتاج فيه من فضل الدقة و اللطف  إذ كانت  يحتاج إلى تذكر اشياء قد مضت  و بعد عهدها بها . و هذا كاف  فيما سألت  عنه من الفصل بين النفس و الروح إن شاء الله](  .

تم كتاب  الفصل بين الروح و النفس بحمد الله و منه و فرغ من نسخه فى صفر من سنة تسع و اربعين و ثلاثمائة .

اقول : هذا تمام كتاب  الفصل بين الروح و النفس تأليف  الفيلسوف  قسطا بن لوقا اليونانى . و قد فرغنا بتوفيق الله - سبحانه - من تصحيحه و نسخه يوم الأربعاء الثانى من شهر صفر من سنة تسع و اربعمائة بعد الألف  من هجرة نبينا خاتم الأنبياء - صلى الله عليه و آله و سلم - ( = 23 - 6 - 1367 هش ) , و أنا العبد حسن حسن زاده الاملى .

و آخر دعويهم أن الحمد لله رب  العالمين .

صفحه : 285

عين فى ان المزاج كلما كان اعدل كانت  النفس الفائضة عليه افضل ( 12 ) .

يب  - و من تلك  العيون التى مزاجها من تسنيم عينا يشرب  بها المقربون أن المزاج كلما كان اعدل كانت  نفسه الفائضة عليه افضل و اكمل و اشرف  . افاد الفارابى فى المختصر الموسوم بعيون المسائل[ : ( حكمة البارى تعالى فى الغاية لانه خلق الاصول و اظهر منها الأمزجة المختلفة و خص كل مزاج بنوع من الانواع و جعل كل مزاج كان ابعد عن الاعتدال سبب  كل نوع كان ابعد عن الكمال , و جعل النوع الاقرب  من الاعتدال مزاج البشر حتى يصلح لقبول النفس الناطقة](  ( 1 ) .

الاصول هى العناصر الاربعة . و ابعد الامزجة عن الاعتدال هو مزاج اقرب المعادن الى العناصر كالرخام يقال بالفارسية[ ( سنك  مرمر](  . و قال الشيخ على وزانه فى آخر النمط الثانى من الاشارات[ :  ( انظر الى حكمة الصانع , بدأ فخلق اصولا ثم خلق منها امزجة شتى و اعد كل مزاج لنوع و جعل أخرج الأمزجة عن الاعتدال لأخراج الانواع عن الكمال , و جعل اقربها من الاعتدال الممكن مزاج الانسان لتستوكره نفسه الناطقة . و إنما قال[ : ( اقربها من الاعتدال الممكن , لأن الاعتدال الحقيقى عند الشيخ ليس بموجود . و اعلم ان الاعتدال الحقيقى المزاجى غير الاعتدال الحقيقى العنصرى كما صرح به الشيخ فى اول القانون و قد بحثنا عنهما فى شرحنا على نهج البلاغة ( 2 ) .

قال المحقق الطوسى فى شرحه على قول الشيخ فى الاشارات[ :  ( فى قوله : لتستوكره نفسه الناطقة , استعارة لطيفة منبهة على تجريد النفس اذ جعل نسبتها الى المزاج نسبة

پاورقى :

1 . عيون المسائل للفارابى , ط قاهرة , ص 19 .

2 . تكملة المنهاج , ط 1 , ج 1 , ص 49 .

صفحه : 286

الطائر الى وكره](  .

اقول : مراده أن الاستيكار يدل على تجرد النفس فى بدأ حدوثها مع البدن على ما هو رأى المشاء كما اشرنا اليه فى تاسعة العيون . و القصيدة العينية للشيخ فى النفس ناظرة الى الاستيكار كما صرح فى مطلعها بقوله : هبطت  اليك  من المحل الارفع

و رقاء ذات  تعزز و تمنع

ثم قال المحقق بعد ذلك[ :  ( اعلم ان انكسار تضاد الكيفيات  و استقرارها على كيفية متوسطة و حدانية نسبة ما لها الى مبدئها الواحد , و بسببها تستحق لأن يفيض عليها صورة او نفسا تحفظها فكلما كان الانكسار اتم كانت  النسبة اكمل و النفس الفائضة بمبدأها اشبه](  . و اقول : كلامه السامى فى اعتدال المزاج حكم محكم و اصل رصين فى النفس المكتفية التى هى المركز و القطب  و ما سواها من النفوس و غيرها تدور حولها فما كانت  اقرب  منها فهو ذو مزاج اعدل فهكذا الأقرب  فالأقرب  , و على خلافه الابعد فالابعد .

و لا بأس بأن نأتى بكلمات  جامعة من صحف  اهل التحقيق فى المعارف الالهية توجب  زيادة بصيرة للنفوس المستعدة :

قال صائن الدين على فى الفصل الستين من شرحه الموسوم بتمهيد القواعد على قواعد التوحيد[ : ( إن الصورة حيثما اعتبرت  آلهية كانت  او كونية تقتضى أن تكون دورية , و إن المركز منها هو المظهر للحقيقة الحقة الموجودة بالذات  اولا , و إن سائر النقط الباقية إنما هى مظاهر النسب الاسمائية و الأعيان الاعتبارية و لهذا لا يتمايز وجوداتها إلا باعتبارها الى مقابلاتها و نسبتها إلى أضدادها , و اما نقطة المركز فليس لها مقابل و لا ضد و لا ند بل هو الواحد الحقيقى الذى تعين به سائر النقط و مقابلاتها . و ما سمعت  من أن مظهر الوحدة الحقيقية هو الصورة الاعتدالية انما المراد به هذا المعنى .

ثم إن كل ما كان من تلك  النقط اقرب  الى المركز كانت  آثار الوحدة و الوجوب  فيها اكثر و احكامها يكون اشمل و كلما كان ابعد كانت  آثار الكثرة و الامكان فيها اكثر و احكامها يكون اقل شمولا و اقصر نسبة لوجود مقابلة باثارة الخاصة المقابلة لاثارها و احكامها فحينئذ يكون الموجودات على ثلاثة اقسام :

منها ما يكون متوسطا فى احكام الوحدة و الكثرة و هى الحقيقة النوعية الانسانية .

صفحه : 287

و منها ما يكون مائلا فى ذلك  الى طرف  الوحدة و البساطة و هى العقول و النفوس المجردة .

و منها ما يكون مائلا فى ذلك  الى طرف  الكثرة كالحيوانات  و النباتات و الجمادات  .

ثم إن افراد تلك  الحقيقة النوعية ايضا لسعة عرضها و احاطة جامعيتها على ثلاثة اقسام :

منها ما يكون بجميع احواله و افعاله واقعا فى وسط العدالة و هو الخليفة الحقيقية للحق و الانسان الكامل .

و منها ما يكون واقعا إما فى طرف  الافراط او التفريط خارجا عن الصورة الاعتدالية فبحسب  ميله عن تلك  الصورة محتاج الى العلاج و الميل عما فيه من المرتبة الخارجة فى الطرف  المقابل لها من المراتب  الخارجة حتى يحصل له المرتبة الاعتدالية الاصلية كما تقرر فى امر العلاج انه انما يكون بالضد ]( ( 1 ) .

اقول : قوله[ : ( و ما سمعت  ان مظهر الوحدة الخ](  , هذا كما افاده صدرالدين القونوى فى النفحة السادسة و العشرين من نفحاته ( 2 ) و نقله عنها ابن الفنارى فى مصباح الانس ( 3 ) و هو[ : ( ان اكمل العلوم و اتمها مضاهاة العلم الحق لا يحصل الا لمن خلت  ذاته كل صفة و نقش و استقر فى حاق النقطة العظمى الجامعة للمراتب  كلها و الوجودات  و الاعتدال الحقيقى المحيط بالاعتدالات  المعنوية و الروحانية و المثالية و الحسية و ما يتبعها من الكمالات  النسبية و الدرجات](   الخ .

و بهذا المطلب  الاسنى تقدر أن تفهم اسرارا فى علم الانسان الكامل الامام و ما جاء فى الجوامع الروائية من ان النفوس المكتفية اذا شاؤا أن علموا علموا , فتدبر حق التدبر .

ففى باب  ( ان الائمة - عليهم السلام - اذا شاؤا أن يعلموا علموا ) من الكافى  عن الامام ابى عبدالله عليه السلام[ : ( إن الامام إذا شاء ان يعلم علم](   . و فى خبر آخر  عنه - عليه السلام[ : - ( إن الامام إذا شاء أن يعلم أعلم](   و فى آخر  عنه - عليه السلام[ : - ( إذا أراد الامام ان يعلم شيئا اعلمه الله ذلك](    ( 4 ) .

پاورقى :

1 . تمهيد القواعد , ط 1 , ص 168 .

2 . النفحات  القونوى , ط 1 , ص 163 .

3 . مصباح الأنس , ط 1 , ص 139 .

4 . كتاب  الحجة من اصول الكافى , المعرب ج 1 , ص 201 . صفحه : 288

ثم أعلم أن التوحد ايضا هو ملاك  تعقلنا الحقائق لأن التعقل هو التوحد , و التعلق هو التفرق , و التعقل لا يتحقق مع التعلق . و لذا قال المحققون من اهل التوحيد[ : ( إن حقائق الاشياء فى الحضرة العلمية بسيطة , فلا ندركها على نحو تعينها فيها إلا من حيث  احديتنا كما افاده ابن الفنارى فى مصباح الانس ( 1 ) .

قال العارف  عبدالرزاق القاسانى فى نطق الموجودات[ :  ( اذا كان الحق هو المتجلى فى كل موجود فلا موجود الا هو ناطق بالحق لانه لا يتجلى فى مظهر الا فى صورة اسم من اسمائه , و كل اسم موصوف  بجميع الاسماء لأنه لا يتجزىء , لكن المظاهر متفاوته فى الاعتدال و التسوية , فاذا كانت  التسوية فى غاية الاعتدال تجلى بجميع الاسماء . الخ](  . راجع الى رسالتنا فى لقاء الله تعالى ( 2 ) .

افاد الشيخ فى آخر الفصل السابع من خامسة نفس الشفاء فى هذا المعنى مع مثال موضح , بقوله[ : ( إن الاجسام العنصرية تمنعها صرفية التضاد عن قبول الحيوة فكلما أمعنت  فى هدم طرف  من التضاد ورده الى التوسط الذى لا ضد له جعلت  تضرب  الى تشبه بالأجسام السماوية فتستحق بذلك  قبول قوة محيية من الجوهر المفارق المدبر . ثم اذا ازدادت  قربا من التوسط ازدادت  قبول حيوة حتى تبلغ الغاية التى لا يمكن أن تكون اقرب  منها الى التوسط و لا أهدم منها للطرفين المتضادين فتقبل جوهرا مقارب  الشبه من وجه ما للجوهر المفارق كما للجواهر السماوية فيكون حينئذ ما كان يحدث  فى غيره من المفارق يحدث  فيه من نفس هذا الجوهر المقبول المتصل به الجوهر . و مثال هذا فى الطبيعيات  لنتوهم مكان الجوهر المفارق نارا او شمسا , و مكان البدن جرما يتأثر عن النار و ليكن كرة ما . و ليكن مكان النفس النباتية تسخينها اياها , و مكان النفس الحيوانية إنارتها_ فيها , و مكان النفس الانسانية اشتعالها فيها نارا](  .

فنقول : ان ذلك  الجرم المتأثر كالكرة , إن كان ليس وضعه من ذلك المؤثر فيه وضعا يقبل الاشتعال منه نارا و لا اضائة و لا انارة و لكن وضعا يقبل تسخينه لم يقبل غير ذلك  . فان كان وضعه وضعا يقبل تسخينه و مع ذلك  هو مكشوف  له او مستشف  أو على نسبة اليه يستنير بها عنه استنارة قوية فانه يتسخن عنه و يستضىء معا , و يكون الضوء الواقع فيه منه هو پاورقى :

1 . مصباح الانس , ط 1 , ص 9 .

2 . الرسائل للمؤلف  , ط 1 , ص 46 .

صفحه : 289

مبدأ أيضا مع ذلك  المفارق لتسخنه فان الشمس انما تسخن بالشعاع . ثم ان كان الاستعداد أشد و هناك  ما من شأنه أن يشتعل من المؤثر الذى من شأنه أن يحرق بقوته او شعاعه اشتعل فحدثت  الشعلة جرما شبيها بالمفارق من وجه و تكون الشعلة أيضا مع المفارق علة للتنوير و التسخين معا حتى لو بقيت  وحدها لا ستتم امر التنوير و التسخين و مع هذا فقد كان يمكن أن يوجد التسخين وحده أو التسخين و التنوير وحدهما , و لم يكن المتأخر منهما مبدءا يفيض المتقدم , و كان اذا اجتمعت  الجملة تصير حينئذ كلما فرض متأخرا مبدءا ايضا للمتقدم و فائضا عنه المتقدم . فهكذا فليتصور الحال فى القوى النفسانية](  ( 1 ) .

اقول : بيانه - قدس سره - و ان كان على ممشى المشاء من حدوث  النفس مع البدن , و لكنه لا ينافى ما هو على مبنى الحكمة المتعالية من حدوث النفس بالبدن . فان لاعتدال المزاج فى قوة النفس و ضعفها و شرفها و خستها , دخلا عظيما بل هو كالجزء الاخير من العلة فى ذلك  . و وزان النفوس على وزان ذلك  الاعتدال على كلا المذهبين .

قوله[ : ( المتصل به الجوهر](  , اى الجوهر المفارق . ثم الضمير فى افعال أمعنت  , جعلت  تضرب  , فتستحق , ازدادت  , فتقبل جوهرا , كلها راجع الى الاجسام العنصرية .

و من تعليقاتنا على الشفاء فى المقام هو أن قوله[ : ( الاجسام العنصرية الخ](  . هذا اصل قويم و اساس رصين فى البحث  عن اعتدال المزاج و فيضان النفس عليه و المعارف  عليها بحسبه . و منه يستفاد كثير من المسائل الحكمية المتقنة :

منها احكام النفوس المكتفية كعلم الامام و إخباره عن المغيبات  مثلا . و منها البحث  عن التضاد كما عنون فى الفصلين الرابع و الخامس من الموقف  الثامن من آلهيات  الأسفار من انه لو لا التضاد ما صح دوام الفيض من المبدأ الجواد ( 2 ) .

ثم تجد البحث  عن المضادة الاولى فى سادس الثالثة من الهيات  الشفاء ايضا . و فى سابع الفن الثانى من طبيعيات  الشفاء فى التضاد ايضا ( 2 ) . و البحث  عن التضاد بالاستيفاء يطلب  فى رسالتنا فى التضاد . پاورقى :

1 . الشفاء , ط 1 , ج 1 , ص 365 .

2 . الأسفار , ط 1 , ج 3 , ص 116 - 118 .

3 . الشفاء , ط 1 , ج 1 , ص 177 .

صفحه : 290

ثم فى عدة مواضع من تمهيد القواعد لابن التركة فى البحث  عن اعتدال المزاج فى معرفة الانسان الكامل نافعة جدا فان شئت  فراجع . قول الشيخ[ : ( و كان اذا اجتمعت  الجملة الخ](  . القوة النباتية كالنبات  متقدمة على الحيوانية , و هى على الانسانية . فكل واحدة منها اذا لوحظت  بحسب  نوعيتها لا تكون علة انشائية للمتقدمة منها , و كذلك للمتأخرة عنها . و أما اذا اجتمعت  كالنفس الانسانية مثلا كانت  المتأخرة علة منشئة للمتقدمة منها . و ذلك  لأن النفس النطقية اذا أوجدت  كانت ما قبلها من النباتية و الحيوانية منشأة معها بوجودها الجمعى الأحدى . فافهم .

قوله : و لم يكن المتأخر منهما مبدءا يفيض عنه المتقدم . أى اذا كان وحده لا يكون فيه المتقدم و المتأخر حتى يقال ان المتأخر يفيض عنه المتقدم .

تبصرة : اذا كان المزاج اعدل كانت  النفس الفائضة عليه افضل , كان الحقائق الفائضة على النفس ايضا على مراتبها فى الفضل متفاوتة فضلا و درجة و الذين أوتوا العلم درجات  , و لذلك  قالوا[ ( ان العقل العاشر الذى يكمل البشر فهو باذن الله - تعالى - يوحى الى الانبياء - صلوات الله عليهم - , و يلهم الاولياء - سلام الله عليهم - , و يعلم العلماء]( ( 1 ) . فالافاضة فى مزاج ايحاء , و فى آخر الهام , و فى ثالث  تعليم , فتبصر . ثم فى الباب  الثمانين و أربعمائة من الفتوحات  المكية اشارات مفيدة فى ذلك  . مفتتحه :

[ ( من المزاج قوى الانسان أجمعها

روحا و جسما فلا تعدل عن الرشد](

و فى رسالة منسوبة إلى الشيخ الرئيس فى الكلام على النفس الناطقة كلام حول موضوع هذه العين هكذا[ : ( قد تبين فى العلوم الطبيعية أن الأخلاق و العادات  تابعة لمزاج البدن , حتى أن من استولى البلغم على مزاجه استولى عليه السكون و الوقار و الحلم , و من استولت  الصفراء على مزاجه استولى عليه الغضب  , و من استولت  عليه السوداء استولى عليه سوء الخلق , و يتبع كل واحد منها أخلاق أخر لا نذكر ها هنا . فلا شك  أن المزاج قابل للتبديل , فتكون الأخلاق أيضا قابلة للتبديل بواسطة تبديل المزاج . فيعين على ذلك  استعمال الرياضة المذكورة فى كتب  الأخلاق . فمهما اعتدل مزاج الانسان تهذبت  أخلاقه

پاورقى :

1 . منظومة السبزوارى فى الحكمة , ط 1 , ص 267 .

صفحه : 291

بسهولة , فلاعتدال مزاجه اثر فى ذلك  .

و المزاج الخارج عن الاعتدال ما تكون إحدى كيفياته الأربعة أو اثنتان منها غالبة عليه , مثلا أن يكون أحر مما ينبغى أو أيبس ما ينبغى . و هذه الكيفيات  الأربعة متضادة , فالمزاج الخارج عن الاعتدال يكون مشتملا إما على ضد أو على ضدين , أى ليس فيه حرارة و لا بروردة بل كيفية متوسطة بينهما . و كلما كان المزاج أقرب  إلى الاعتدال كان الشخص اكثر استعدادا لقبول الملكات  الفاضلة العلمية و العملية ( 1 ) .

پاورقى :

1 . اربع رسائل نفسية للشيخ بتحقيق الاهوانى , ط 1 , ( مصر ) 1371 ه . ق ص 197 .

صفحه : 292

صفحه : 293

عين فى معنى اعتدال المزاج ( 13 )

يج - و من تلك  العيون التى مزاجها من تسنيم البحث  عن معنى اعتدال المزاج ,

فنقول : الأمر الأهم فى المقام أن يميز بين اعتدال الأعضاء و بين اعتدال المزاج . و النفس تتعلق بالمزاج لا بالأعضاء المعتدلة . مثلا قد تحقق فى الطب  كما فى اول الموجز أن اعدل الاعضاء جلدة انملة السبابة , ثم جلدة الانامل الباقية , ثم جلدة الأصابع , ثم جلدة الراحة , ثم جلد الكف  , ثم جلد اليد , ثم الجلد مطلقا . و لا يصح أن يقال[ : ( ان النفس لم لا تتعلق بانملة السبابة و ذلك  لانها ليس باعدل الأمزجة و ان كان اعدل الأعضاء](  .

كلام الموجز على وزان كلام الشيخ فى القانون ( 1 ) و فى الفصل الثانى من المقالة الثانية عشرة من الشفاء ( 2 ) .

و ينبغى أن ننقل اعتراض الفخر الرازى و ما اجابه المحقق الطوسى عنه فى المقام حتى يتضح المطلوب  :

قال الفخر معترضا على الشيخ فى قوله المذكور فى العين الثانية عشرة , المنقول من آخر ثانى الاشارات[  ( و جعل اقربها من الاعتدال الممكن مزاج الانسان](  بقوله[ : ( إن المباحث  الطبية شهدت  بأن اعدل الأعضاء جلد الأصابع , و اخرجها عن الاعتدال القلب  , فكان ينبغى ان يتعلق النفس بتلك  الجلدة لا بالقلب](   .

و قال المحقق الطوسى مجيبا له[ : ( كون جلد الاصابع اعدل الأعضاء لا يقتضى كونه على أعدل الأمزجة على الاطلاق فان الاعضاء من حيث  هى اعضاء ليست  بقريبة من الاعتدال لغلبة الجزئين الثقيلين عليها . پاورقى :

1 . القانون , ط 1 , الوزيرى , ص 19 .

2 . الشفاء , ط 1 , الرحلى , ج 1 , ص 443 .

صفحه : 294

و ايضا ليست  الأعضاء مما تتعلق بها النفس أولا , و المزاج المستعد لقبول الصورة الحيوانية فضلا عن الانسانية ليس هو مزاج الانسان بل هو مزاج الأرواح التى تقرب  الأجزاء الثقيلة و الخفيفة فيها من التساوى فهى اول شىء تتعلق النفوس به , ثم تلك  النفوس تحتاج بسبب  محافظة تلك  الارواح و اكمالها الشخصى و النوعى اولا إلى عضو يحصر تلك  الارواح و يمنعها عن التفرق هو القلب  . ثم الى عضو يغذيها هو الكبد و الى عضو يعدها لأن تصير مبدءا للحس و الحركة هو الدماغ ثم الى سائر الأعضاء عضوا بعد عضو بحسب  حاجاتها فى افعالها المختلفة المترتبة إلى أن تنتهى الى جلد الأنملة و غيره](  .

بيان : الجزءان الثقيلان , هما الارض و الماء . و الارواح البخارية المنبسطة فى الأعضاء الحاملة للقوى و الجمع بلحاظ مبادى الروح البخارى من الكبد و القلب  و الدماغ . فيسمى فى القلب  بالروح الحيوانى , و فى الكبد بالنباتى و فى الدماغ بالنفسائى . و مزاج الارواح هو المزاج المستعد للصورة الحيوانية . فهى , أى تلك  الارواح اول شىء تتعلق النفوس به . و قوله[ : ( بحسب  حاجاتها](  أى حاجات  النفوس فى افعالها . و اعلم أن اصناف  القوى ثلاثة و اصناف  الارواح الحاملة لها تكون لذلك ثلاثة حتى يكون لكل قوة روح حامل . و القوى الثلاث  هى الحيوانية و النفسانية و الطبيعية . و انما احتيج الى الأولى لان البدن مركب  من عناصر متداعية الى الأنفكاك  فاحتيج الى قوة تجبرها على الالتيام و مبدئها القلب  و يخدمها الشرايين .

و الى الثانية لأن البدن يلحقه ما يضره تارة , و ينفعه أخرى فيجب  أن يكون له شعور بالضار و النافع , و حركة ليطلب  النافع و يهرب  عن الضار و مبدئها الدماغ و يخدمه العصب  .

و الى الثالثة لأن البدن دائم التحلل فيجب  أن يكون فيه قوة يورد بدل ما يتحلل منه و مبدأها الكبد و تخدمها الأوردة . و هذه الثلاثة لبقاء الشخص , و أما بحسب  بقاء النوع , فهى هذه الثالثة و بقوة الأخرى هى المولدة , و مبدئها الانثيان و يخدمها مجرى المنى .

و بما حررنا , دريت  أن الروح الطبيعى هو الغذائى فى تعبيراتهم . و على ذلك  افاد ابن باجة الاندلسى فى اول الباب  الثالث  من كتابه تدبير المتوحد ( 1 ) :

[ ( الروح يقال فى لسان العرب  على ما يقال عليه النفس . و يستعمله المتفلسفون

پاورقى :

1 . تدبير المتوحد , ط بيروت  , ص 55 .

صفحه : 295

باشتراك  : فتارة يريدون به الحار الغريزى الذى هو الالة النفسانية الاولى , فلذلك  نجد الاطباء يقولون إن الارواح ثلاثة : روح طبيعى , و روح حساس , و روح محرك  .

و يعنون بالطبيعى الغذائى , اذ يوقعون الطبيعة فى صناعتهم على النفس الغاذية , و يستعمل على النفس لا من حيث  هى نفس , بل من حيث  هى نفس محركة . فالنفس و الروح اثنان بالقول واحد بالموضوع](  . فائدة : قال الشيخ فى كتاب  الحيوان من الشفاء[ : ( إن الحرارة التى يقبل بها البدن علاقة النفس ليست  من جنس الحار الأسطقسى الذى هو النار بل من جنس الحار الذى يفيض من الأجرام السماوية فان المزاج المعتدل بوجه ما , يناسب  الجوهر السماوى لانه ينبعث  عنه](  .

و الشيخ البهائى بعد نقل عبارة الشيخ من الشفاء فى الدفتر الرابع من كشكوله قال[ : ( و كأنه يريد بالمناسبة القرب  من الوحدة الحقيقية التى يحصل بها التشبه بالبسيط السماوى](  .

و أعلم أن ما نقلناه عن الكشكول فهو على ما فى نسخة مخطوطة منه عندنا و المطبوعة منه عارية عنه , و التفاوت  بينهما كثير و ما طبع من الكشكول ليس بحائز جميع ما فى المخطوطة .

و قال فى الدفتر الرابع من الكشكول ايضا[ : ( الشيخ صرح فى المقالة السادسة عشرة من حيوان الشفاء بأن الشىء المهىء للمنى لقبول علاقة النفس ليس من جنس الحار الاسطقسى بل فائض من الأجرام السماوية , و به تصير الأجسام العنصرية شبيهة بالأجرام السماوية فى قبول الحيوة , و هى فاشية فى كل عضو و بها يحيى الحيوان و النبات](   .

ثم قال بعد نقل عبارة الشيخ[ : ( قال العلامة فى شرح القانون[ : ( و فى كلام الشيخ تصريح بأن للنبات  ايضا حرارة غريزية سماوية غير الاسطقسية]( , و هو الحق فان العنبة لو لم يكن فيها حرارة غريزية حافظة لها لعفنت كما تعفن عند قطعها](  ( 1 ) .

پاورقى :

1 . الكشكول للشيخ البهائى , ط نجم الدولة , ص 474 .

صفحه : 296

صفحه : 297

عين فى ان مبحث  النفس مشترك  فيه بين العلمين الطبيعى و الالهى ( 14 ) يد - و من تلك  العيون التى الناس فيها شرع واحد أن مبحث  النفس مشترك  بين العلمين الطبيعى و الالهى .

قال المولى محمد باقر الداماد الحسينى فى الجذوات[ :  ( يبحث  فى العلم الطبيعى عنها من حيث  إنها حال البدن الجسمانى نزولا و هبوطا , و فى الالهى عن حال جوهرها المجرد عروجا و صعودا](  ( 1 ) انتهى بترجمة منا . اقول : الهبوط يناسب  القول بحدوث  النفس مع البدن على الوجه الذى اشرنا اليه فى العين التاسعة و قد دريت  ما فيه , الا أن يراد التوسع فى التعبير .

و قال صاحب  الأسفار بعد تحرير البرهان على وجودها مستنتجا[ : ( فاذن فى تلك  الأجسام مباد غير جسميتها , و ليست  هى باجسام فيها و إلا فيعود المحذور فاذن هى قوة متعلقة بتلك  الأجسام , و قد عرفت  فى مباحث  القوة و الفعل أنا نسمى كل قوة فاعلية يصدر عنها الاثار لا على وتيرة واحدة نفسا و هذه اللفظة اسم لهذه القوة لا بحسب  ذاتها البسيطة بل من حيث  كونها مبدءا لمثل هذه الأفاعيل المذكورة و لذلك  صار البحث  عن النفس من جملة العلم الطبيعى](  - الى أن قال :

[ ( فالنظر فى النفس بما هو نفس نظر فى البدن , و لهذا عد علم النفس من العلوم الطبيعية الناظرة فى احوال المادة و حركاتها . فمن أراد أن يعرف  حقيقة النفس من حيث  ذاتها مع قطع النظر عن هذه الاضافة النفسية يجب  أن ينظر الى ذاتها من مبدء آخر و يستأنف  علما آخر غير هذا العلم الطبيعى](  ( 2 ) .

اقول : و من حيث  إن النفس مشترك  بين العلمين قد جعل مباحث  النفس فى الاشارات

پاورقى :

1 . الجذوات  , ط 1 , ص 95 .

2 . الاسفار , ط 1 , ج 4 , ص 1 - 2 .

صفحه : 298

و الشفاء مثلا على قسمين ففى النمط الثالث  يبحث  عنها و هو نمط فى الطبيعى , و فى النمط السابع و الانماط الثلاثة التى بعدها , بل و فى السادس ايضا يبحث  عنها من حيث  جوهرها و احوالها الصادرة عنها و ما يجرى عليها فى نشئاتها .

نعم فى عدة مسائل من علم النفس يجب  التوجه الى ما ذهب  اليه المشاء و غيرهم من اهل الحكمة المتعالية و ارباب  الصحف  العرفانية . صفحه : 299

عين فى جامع اجزاء البدن و حافظها ( 15 )

يه - و من تلك  العيون المسخرة تحت  تدبير الملكوت  أن الجامع لاجزاء البدن هل هو بعينه الحافظ لها و لمزاجها ام لا ؟ و فى أنه نفس المولود ام نفس الابوين ؟

و تحقيق البحث  عن ذلك  يطلب  من الفصل الثالث  من المقالة الأولى من علم النفس فى الشفاء حيث  يقول الشيخ بعد مطالب  فى ان النفس داخلة فى مقولة الجوهر ما هذا لفظه[ : ( فالنفس التى لكل حيوان هى جامعة اسطقسات  بدنه و مؤلفتها و مركبتها على نحو يصلح معه أن يكون بدنا لها و هى حافظة لهذا البدن على النظام الذى ينبغى - الخ](  ( 1 ) . و من شرح المحقق الطوسى على الفصل الخامس من النمط الثالث  من الاشارات  . ثم من الفصل الاول من الباب  الثانى من نفس الأسفار .

قال الشيخ فى آخر النمط الثانى من كتاب  الاشارات  على وزان قول الفارابى فى عيون المسائل[ : ( انظر الى حكمة الصانع , بدأ فخلق اصولا , ثم خلق منها امزجة شتى , و اعد كل مزاج لنوع , و جعل أخرج الأمزجة عن الاعتدال لأخرج الانواع عن الكمال , و جعل اقربها من الاعتدال الممكن مزاج الانسان لتستوكره نفسه الناطقة](  .

ثم قال فى الفصل الخامس من النمط الثالث  منه أن النفس هى جامعة للاسطقسات  أى تلك  الاصول المذكورة و هى العناصر , و حافظة للمزاج الحاصل منها . ففى الفصل المقدم , جعل المزاج مقدما على حدوث  النفس و شبهه بالوكر تستوكره النفس الناطقة , و فى هذا الفصل جعل النفس مقدمة جامعة للعناصر و حافظة للمزاج , فكيف  التوفيق ؟

و ثانيا ان الشيخ قال فى الفصل الأول من النمط السابع من الاشارات[ :  ( و لما كانت  النفس الناطقة التى هى موضوع ما للصور المعقولة غير منطبعة فى جسم تقوم به , بل إنما هى

پاورقى :

1 . الشفاء , ط 1 , ج 1 , ص 286 .

صفحه : 300

ذات  آلة بالجسم فاستحالة الجسم عن أن يكون آلة لها و حافظا للعلاقة معها بالموت  لا تضر جوهرها بل يكون باقيا بما هو مستفيد الوجود من الجواهر الباقية](  ففى هذا الفصل أسند حفظ علاقة النفس مع الجسم إلى الجسم , و فى الفصل المذكور من النمط الثالث  أسند حفظ المزاج الذى هو سبب  العلاقة إلى النفس , فكيف  التوفيق ايضا ؟ .

و قد أجاد المحقق الطوسى فى الشرح فى الجواب  عن الثانى بقوله الشريف [ :( أعلم أن اسناده حفظ العلاقة مع الجسم هيهنا إلى الجسم ليس بمناقض لاسناده حفظ المزاج الذى هو سبب  العلاقة فى النمط الثالث  إلى النفس , لأن النفس كما كانت  حافظة لها بالذات  فالجسم حافظ ايضا و لكن بالعرض , و ذلك  لأن فساد المزاج المقتضى لقطع العلاقة انما يتطرق من جهة الجسم و عوارضه , و لذلك  أسند استحالة البدن عن كونه آلة للنفس إلى الجسم , و عدم تطرق الفساد إلى الشىء مما من شأنه أن يتطرق منه الفساد حفظ ما لذلك  الشىء لكنه حفظ بالعرض](  .

قوله[ : ( حفظ ما](  يعنى به حفظ المزاج ببدل ما يتحلل . و يطلب  شرح باقى كلمات  الشيخ فى هذا الفصل فى التنقيب  عن أدلة تجرد النفس من كتابنا الحجج البالغة على تجرد النفس الناطقة .

و أما الجواب  عن السؤال الأول فنذكر ما أفاد المحقق الطوسى أيضا , ثم نتبعه تبصرة حول تحريره مسألة الحركة فى الجوهر فهى ما يلى : ثم قال المحقق الطوسى فى اثناء شرحه على الفصل الخامس المذكور من ثالث  الاشارات[ :  ( و قد يرد على هذا الموضع سؤال مشهور و هو أن يقال : انكم قلتم : إن المركبات  انما تستعد لقبول صورها عن مبدئها بحسب امزجتها المختلفة و يجب  من ذلك  تقدم الأمزجة على تلك  الصور , و الان تقولون : إن النفس التى هى صورة للحيوان جامعة لاسطقساته و الجامعة لاسطقسات  يجب  أن تكون متقدمة على المزاج و هذا تناقض](  . ثم تصدى لرفع التناقض بقوله[ : ( و ما يقتضيه القواعد الحكمية التى أفادها الشيخ و غيره هو أن نفس الابوين تجمع بالقوة الجاذبة اجزاء غذائية ثم تجعلها أخلاطا , و تفرز منها بالقوة المولدة مادة المنى و تجعلها مستعدة لقبول قوة من شأنها إعداد المادة لصيرورتها انسانا فتصير بتلك  القوة منيا و تلك  القوة تكون صورة حافظة لمزاج المنى كالصورة المعدنية , ثم إن المنى يتزايد كمالا فى الرحم بحسب  استعدادات  يكتسبها هناك  إلى أن يصير مستعدا لقبول نفس اكمل تصدر عنها مع حفظ المادة الأفعال النباتية فتجذب  الغذاء

 

اشتراک گذاری:

نظرات

اطـــــــــلاعـــــــــــــــــات تــــــــــــــــــــمــــــــــــــــاس:

    دفـــــــتــــــر و ساخـــتـــمان آموزشــی : قم، میدان جهاد، بلوار رضوی، کوچه یک، اواسط کوچه، کدپستی: 3715696797         


 واحد سامانه آموزش مجازی برادران(ساعت14 تا 18) : 02537710447


واحــــد سامانه آموزش مجازی خواهران(ساعت14 تا 18): 09025781324- 02537710458               


 دوره های دادگستری (ساعت 16 تا 19): 09028258622         


روابــــــــــــط عمـــــومــــــــی(برادران): 02537710447 - 09906265794


مــــــــــــدرســــه حـــــــضـــــــــوری(ساعت11 تا 18):  02537710420


 واحد انتشارات و فروش: 02537710465


 واحد ارتباطات سازمانی : 09025781322